ندر اليوم وجود الجو العلمي الصحيح ويصعب الانتقال من بلد لأخر فكيف يتدارك طالب العلم هذا النقص ؟

يسأل سائل نظر اليوم وجود الجو العلمي الصحيح ويصعب الانتقال من بلد لآخر بسبب الظروف الحالية فكيف يتدارك طالب العلم هذا النقص؟ طالب العلم الشريف يمر بمرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة التحصيل وفيها يحصل العلوم الأساسية ويحصل العلوم المساعدة ويحصل العلوم الفرعية، والعلم
الشرعي الشريف في أساسياته يتكلم عن علم. القرآن وعلومه وعلوم السنة المشرفة وعن علم الفقه وأصوله ويتكلم أيضاً عن علم التوحيد وعن علم الإحسان الذي أُطلق عليه التصوف ويتكلم عن العلوم التي توصل إلى ذلك من علوم اللغة المختلفة كالنحو والصرف والبلاغة وفقه اللغة والوضع
ويتكلم عن علوم المعقول كالمنطق وآداب البحث والمناظرة والحكمة العالية وهو علم يختص بدراسة الموجود ويتكلم أيضًا عن التاريخ وعن السيرة وعن علم الرجال وعلماء الإسلام وأسانيد الظاهر الأمر، وبعضهم أخذ بباطنه، وبعضهم
جمع بين ذلك كله. في مرحلة التعلم والتحصيل يحصل الإنسان بعض هذه العلوم أو كلها، وقالوا: أعطِ للعلم كلك تأخذ منه بعضه؛ لأن هذا ومن الجيل الأول نرى الشافعي. يقول أخي: "لن تنال العلم إلا بستة، سأنبئك عن تأويلها ببيان: ذكاء، وحرص، واجتهاد، وبلغة، وإرشاد أستاذ، وطول زمان". نظام
المكافآت غير موجود عندنا في نظام، وطول زمان. ستة منها البلغة وهي التخصص والتفرغ، تتفرغ للعلم فتأتي ببلغة تحيا منها. وقد أوقف المسلمون عبر التاريخ أوقافاً لطلبة العلم حتى يتفرغوا لهذا التحصيل. ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الإجازة، فلم يتصدر مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذي قيل فيه: "لا يُفتَى ومالكم في المدينة"، إلا بعد أن أجازه سبعون من مشايخه من علماء أهل المدينة، منهم
من كان من التابعين الأكابر كنافع، أجازوه بالرواية وأجازوه بالعلم، والإجازة تستلزم المصاحبة وتستلزم التحصيل وتستلزم... الاختبار والتجريب وهذه مرحلة أخرى والسائل يتكلم أنه يريد الأمرين، يريد أمر التحصيل وأمر الإجازة، وقد يتعذر على بعضهم الإجازة حتى ولو حصّل. عمي رحمه الله التحق بالأزهر
الشريف وحصّل لكنه لم يُجاز، لم يُجَز، لم يُجَز، يعني لم يدخل الامتحان الخاص بالعالمية ويأخذ العالمية لأنه تعب في نظره فرجع. إلى البلد فهذا يُعتبر أزهرياً لكنه لا يصلح للتدريس لأنه ليست معه الإجازة. وكان في القديم إذا شعر الإنسان أنه قد حصّل بما فيه الكفاية من العلوم الأصلية ومن العلوم المساعدة ومن العلوم الفرعية، طلب الامتحان. وكان الأزهر في حلقات علمية مفتوحة،
كان يجلس الشيخ وأمامه الطلاب ليدرسوا مثلاً الألفية. كل طالب بيده شرح مختلف عن الطالب الثاني. غداً سنأخذ بيتاً من أبيات ابن مالك من أبياته الألف في ألفيته: "طا طف تعال نرد اثر مد بقي، والدان وازدد وادكر دالاً بقي". ولا الإنجليزي، فيذهب كل واحد لدراسة معنى هذا البيت ويأتون فيقول الشيخ معناه ويضرب لذلك المثال ويتوسع في... الشرع وبعد
ما يشرح يقول كلمة تعجيز، الشيخ الكبير صاحب الدرس يقول ماذا؟ تعجيز يعني تحدي أي طالب يسأله حتى لو كان يعرف الإجابة حتى يُعجز الشيخ، فيشعرون بلُحمة العلم وأن العلم رحم بين أهله. تعجيز فيتكلم الطالب بما لم يسمعه في الشرح لكنه فهمه من عبارة المصنف التي معه فإن كان صوابًا تكلم الشيخ في هذا الجانب الذي لم يذكره في شرحه الأول ويصبح
هناك شرح آخر طبقًا لما يحضر في كل عقل من عقول الحاضرين حول المسألة، أو قد يكون السؤال خطأً لأنه فهم خطأً من الكتاب فيصحح له فهمه ويقرؤون عبارة ما تُشكل عليه ويفصّل الشيخ. له ما بين يديه أو قد يقول: "يا بني، أنا لا أعرف هذا الفرع ولم أسمع به من قبل"، فيقرؤون العبارة ويستفيدون فائدة جديدة، فكان المدرس والطالب في حالة تعلم دائم. قالوا: "لن تنال العلم حتى
تتعلم ممن هو فوقك شيخ، أو ممن هو مثلك المذاكرة مع زملائنا، أو ممن" هو دونك طالب الدرس، وهذا يستلزم إخلاصاً في النية وصفاءً في النفس، وكل هذا التركيب العلمي لا يوجد في الإنترنت ولا يوجد في وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك، فحتى تحصل شيئاً من التحصيل، ادخل وذاكر واقرأ
وابحث وهكذا إلى آخره، ولكن لا تعتبر نفسك عالماً لأنك لم تُجَز بعد مثل السيد المبارك. يرحمه الله، ولم يكن يقول أنا شيخ ولا شيء، لأنه لم يحصل على الإجازة بعد. ذهب بسبب تعب في عينيه، خلاص تعب في عاص، تعب. وكثير من الناس هكذا كانوا منتمين إلى الأزهر ولم يمتحنوا. فإذا أراد الطالب الامتحان ذهب إلى المشايخ وطلب منهم ذلك، فعطلوا الدرس في الأزهر ويقولون لهم. يا أبناء، غداً السبت سيلقي الشيخ فلان الدرس، ونحن نعلم أن هذا الشيخ فلان ليس شيخاً بعد، وإنما هو طالب
علم. فيجلس مجلس الأستاذ، ويجلس المشايخ مجلس الطلاب على الأرض، ويلقي الدرس ويقرره، ثم يقول كما يقول المشايخ "تعجيز"، فيأخذ كل واحد من المشايخ الكبار في تعجيزه ومناقشته، ثم بعد ذلك... يعطونه شهادة من أحد أربع شهادات أو درجات: الدرجة ألف لك أن تدرس في كل العلوم، الدرجة باء لك أن تدرس في بعضها، وهي الدرجة ج لك أن تدرس في علم واحد تميزت
به والباقي لا يعجبنا، الدرجة د إياك أن تدرس. وحينئذ يقوم شيخ المشايخ بإلباسه الطيلسان، والطيلسان الذي نحن... نُسميه الآن الغترة البيضاء، الشال الذي يرتديه إخواننا في السعودية. فيلبس الطيلسان على العمامة، فيكون مرتدياً العمامة وفوقها يلبس الطيلسان. وعندما يمشي بالطيلسان يقولون له: "مبارك يا مولانا". ولذلك حصل على كرسي التدريس في الأزهر الشريف. استمر هذا حتى أواخر القرن التاسع عشر ثم بعد ذلك تطور.
إلى نظام العالمية، وفي نظام العالمية يفتح الشيخ كل سنة لستة أفراد للامتحان، فإذا تقدم ستة أُغلق الباب. يصبح خريج الأزهر ستة فقط كل عام، والباقي طلاب علم، لكن المشايخ ستة ويذهبون إلى بيت شيخ الأزهر، وكانت تجري عليه الأوقاف من أجل هذه الأيام، ويجلسون اثني عشر شيخاً آكلين شاربين. نائمين في مكتبة شيخ الإسلام في بيته مخدومين وكل شيء، ويجلسون مع هذا الشخص من الصباح الباكر،
يصلون الفجر ويجلسون يختبرونه حتى ما بعد العشاء ثم يذهبون للنوم. إذا أرادوا مراجعة الكتب فالكتب موجودة، وإذا أرادوا التحقق من مسألة ما، وإذا اختلف معهم يحضرون له المراجع والكتب ويقيمون عليه الأدلة ويقدمونها له. مما قد ورثوه عن آبائهم ألف به جيم أو صائط، وظل هذا الأمر إلى ألف وتسعمائة وعشرين حتى فُتحت الكليات، كانوا يعملون بهذا النظام. كان عندنا سيدنا الشيخ الدسوقي العربي إذا ناقش الطالب ووجد أنه لم يحصل شيئًا فيقول
له: "هم كانوا دائمًا حاملين علبًا هكذا اسمها علبة". النشوق يضعونه هكذا في أنوفهم أشياء ويستنشقونها، لا أعرف يبدو أنها تُحدث تركيزاً أو شيئاً ما، ويكون معهم المنديل المُحلاوي هذا لأجل هذا التبغ الذي يضعونه في أنوفهم. فعندما كان الشيخ الدسوقي العربي يرى الشاب لا يُجيب ولا يعرف شيئاً ويتكلم كلاماً ليس ككلام أهل العلم، فيقول... له ينتشي يا سيدنا الشيخ فيعلم الطالب أنه قد سقط فيأخذ النشوق ويقول له انتشِ يا مولانا، فالطالب يأخذ النشوق يعني أنت ماذا؟ صاحبنا يعني أحاديث المقاهي،
ليس هذا علماً، ابقَ صديقنا وحسب. يأخذ النشوق ويقوم بصمت. ينتشي سيدنا الشيخ، يقول له انتشِ يا مولانا، ماذا يعني؟ استرخِ يا مولانا، خلاص انتهى الامتحان وأنت غير صالح. فكانوا يفعلون هذا. هل سينفع هذا في الإنترنت؟ لن ينفع في الإنترنت، سينفع في التواصل الاجتماعي. والله ما هو نافع في التواصل الاجتماعي. هذه حياة، ولذلك دور الإجازة. هناك فرق بين التعلم والتثقف والمعرفة وبين أن تكون عالماً، لا بد من هذه. الإجازة ولابد من إقرار المشايخ لك.
أطلت في هذا السؤال لأنه بلية كبرى وعظمى. استعجل الشباب وظنوا أنهم قد حصّلوا العلم، وأن أمراءهم قد حصّلوا العلم، والله عليم أنهم أجهل من دابة، وأنهم لا يعرفون اللغة ولا الأصول ولا التوثيق ولا أسس الفهم، فيسيرون في ظلام ويحكمون بالهوى كابراً عن. الكابر أي المتكبر هو ومن ظن أنه درس عليه، ومن ظن أنه درس عليه، كلهم في النار لأنهم يفترون على الله سبحانه وتعالى الكذب، بعضهم وهم يعلمون، وبعضهم من غير علم،
إنما هو ظن وكبر أفسد الأرض وأفسد ما هنالك. ونحن في علة أخرى وهي علة زيادة السكان، انظر كان... هناك يخرج من الأزهر كل سنة ستة، وكنا أربعة عشر مليوناً فأصبحنا مائة. حسناً، أربعة عشر عندما تضربها، لنقل في عشرة يا سيدي، تصبح مائة وأربعين مليوناً، فينبغي أن يخرج ستون وليس ستة آلاف. يخرج ستون، ولذلك نحن في عصر أزمة، في عصر يحتاج إلى أن نفكر في أساليب جديدة خارج المألوف. الصندوق