نذر أن ينفق شيئا في مقابلة ارتكابه المعصية | أ.د علي جمعة

يسأل سائل أنه أقسم أن لا يفعل شيئًا من المعاصي، فإذا فعلها فإنه ينفق شيئًا في مقابل وقوعه في تلك المعصية. ففعلها ووقع في المعصية مرات، فهل عليه أن يُخرج عن كل مرة شيئًا، أم أن المرة الأولى عندما عصى انفك اليمين؟ الإجابة حسب
صيغة اليمين، فلو كانت الصيغة بكل... أي أنه قال: "والله كلما وقعت في المعصية أخرجتُ صدقة"، فسيخرج الصدقة في كل مرة لأنه قال: "والله كلما وقعت في المعصية". فإذا لم يقل "كلما" فلا يفيد ذلك التكرار. وتقول "التَكْرار" بالفتح هكذا، لا تقل "التِكْرار". تقول: "التَكْرار"، "التَذْكار"، "التَسْيار". لا تقل: "تِذْكار"، "تِذْكار". كل "تَفْعال" فيما...
جعل الأسماء تكون بالفتح، فكلمة "كلما" تقتضي التكرار. طيب، افترض أنه قال: "والله لو عملت المعصية هذه ثانية له يخرج شيء"، لم يقل "كلما"، فهي مرة واحدة فقط. إذا عملها مرة ثانية، فهو لم يقسم على "كلما" ولا أقسم على التكرار. بعض النساء يكون لهن رغبة في... إنها لا تضمن زوجها تماماً، فتضع شرطاً في وثيقة الزواج "أطلق
نفسي متى شئت". هذا يعني أنها تطلق نفسها مرة واحدة فقط وطلقة رجعية، فيستطيع الزوج إرجاعها إلى عصمته. لا يمكنها أن تطلق نفسها مرة ثانية، فعبارة "متى شئت" تعني طلقة واحدة فقط. لكن لو كتبت "أطلق نفسي كلما شئت" فستتمكن من تطليق نفسها مرات متعددة، فيرجعها الشاب لأنه يحبها وهي... لا تحبه، فأرجعها إلى عصمته، ثم تطلق نفسها مرة ثانية، فيرجعها إلى عصمته، ثم تطلق نفسها مرة ثالثة، وبذلك تكتمل العدة ولا تعود إليه، فتكون طلقة بائنة كبرى. انظر
إلى الفرق بين "كلما" و"متى". إذا قال "متى شئت" فهذا يعني مرة واحدة، أما "كلما شئت" فهذا يعني التكرار. وكل مصدر على وزن تفعال يكون بالفتح. إلا مصدرين اثنين فقط موجودين في القرآن الكريم لكي نحفظهما تلقاء مديا وتبيانا لكل شيء، وهما على وزن تفعال. إنما هناك وزن تفعال اثنين فقط في العربية. ونحن لسنا قليلين، بل نحن شيء كثير. إن الذي يفقد اللغة يكاد أن يفقد عقله، فاللغة والفكر وجهان لعملة واحدة. كلما وجدنا فرصة لمعرفة
اللغة لا بد أن نتعلمها، لأننا رأينا البلاء المبين ممن افتقد اللغة. وفيمَ سيخضع بعد ذلك؟ شخص يقول لك: عندما يؤذَّن للمغرب، لماذا لا تفطر؟ كفى الله الشر! الشرع يقول عندما يؤذَّن للمغرب نفطر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال هكذا: "لا تزال أمتي على خير ما عجلوا الفطور". أخِّروا السحور، فعند أول الأذان "الله أكبر" نفطر. قال: "إن الليل لم يدخل بعد". الليل لم يدخل بعد؟ ما المشكلة التي لدى صاحبنا هذا؟ إنها اللغة، فهو لا يعرف اللغة. وسنضطر الآن للجلوس ونجادل ونأخذ
ونعطي. في اللغة، الليل يبدأ بالغروب. لقد ظن المسكين أن الليل يبدأ بالظلمة، وهناك فرق بين الظلام وبين الليل. هذا الليل فيه مغرب وبعد ذلك فيه غياب للشفق الأحمر وبعد ذلك فيه غياب للشفق الأبيض وبعد ذلك تدخل العتمة التي هي العشاء، فهو يا عزيزي لا يعرف اللغة فبدأ يفكر بعقله وماذا فعل؟ خالف اللغة وأنكر الإجماع. نحن نقول إننا لا ننكر الإجماع لأن الإجماع هو هوية الإسلام، فإذا أنكرت الإجماع أنكرت... هوية الإسلام، حسناً، وما الغرض من ذلك؟
ما الغرض من هذه المسألة؟ إنه لا يلتزم باللغة ولا يلتزم بالإجماع. ما هذا التشكيك في الثوابت؟ ولماذا يفعل ذلك؟ لأن الغرب شكك فيها في القرن الثامن عشر، فخرجوا من دين الله أفواجاً، ونحن لا نرضى أن نخرج من دين الله. إنه أمر متعب أن يريد أحدهم إخراجنا. من دين الله شيء متعب بالنسبة له، ماذا نفعل؟ شككوهم في الثوابت. وما هي الثوابت؟ هل اليوم هو الجمعة أم غداً الجمعة؟ هل الشهر المنصرم هذا هو رمضان أم ليس رمضان؟ حسناً، كيف عرفنا أنه رمضان؟ نعم،
إذا سقط هذا فالتخاطب معه لماذا؟ لأنه من البديهيات المنقولة في اللغة أن هذا... اسمه رمضان وهذه اسمها سماء وهذا اسمها أرض وهذا اسمه رجل وهذا اسمها امرأة لا معنى لها عنده، ومن هنا الخطوة الثانية ماذا بعد إنكار اللغة؟ الرجل يتزوج رجلاً والمرأة تتزوج امرأة! يا إلهي! إن إنكار اللغة هذا اتضح أنه مصيبة، اتضح أنه مصيبة. يجب علينا أن نعرف اللغة حتى لا نقع في... الغباء. ونقول غباء، يقول: لا، لكن لا تشتم. إنّ الشباب لا يريدونك أن تشتم. أنا لا أشتم، بل أنا أصف الغباء البسيط والغباء المشتت. أنا أصف، أنا لا أشتم، أنا لا
أشتم. كلمة "غباء" هي وصف لما يكون عند المرء غباء. ماذا نفعل؟ هناك شيء يُسمى أحمق القرية، وأحمق القرية هذا... ماذا نفعل به، فقدرته العقلية ليست مناسبة لذلك. لماذا فقد الأدوات؟ وما هي هذه الأدوات؟ إنها اللغة. واستمروا طوال اليوم يقولون علّموا الناس اللغة، علّموا الناس اللغة. ليس هناك حضارة تُبنى من غير لغة. اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، فإذا فُقدت اللغة فُقد الفكر. لا، هذا ليس فقد الفكر، ليس الفكر فحسب، بل حتى فقدت الدين وفقدت المعقولية وفقدت الحضارة. يصبح هذا عندما أنزل ربنا قرآناً عربياً، لم
يقل قرآناً فقط. لماذا ينبهنا إلى كلمة "عربياً" هذه؟ لماذا ينبهنا لكلمة بين قوسين هكذا "عربياً"؟ لكي نهتم باللغة. إذاً يصبح من أقسم على شيء دون كلمة كلما. لا يفيد قسمه التكرار فلا يُكفَّر عنه بما نذر إلا مرة واحدة، فإذا قال: كلما دفع ما نذر به مرات: مرة ومرة ومرة وهكذا. وعرفنا أنه مع المغرب يحصل ماذا، ثم أتم
الصيام إلى الليل. والليلة تبدأ من متى؟ من المغرب. من أين أتيت بهذا الكلام؟ من اللغة المنقولة التي صهر. عليها الأكابر الليلة، وبُنِيَت عليها أحكام، من ضمنها أنه بمجرد أذان المغرب لو مات شخص قبل ليلة العيد التي تبدأ من وقت المغرب، لم يكن عليه زكاة الفطر، ومن وُلِدَ قبل المغرب فعليه الزكاة، فإن وُلِدَ بعد المغرب فلا زكاة عليه. اللهَ! هذه حكاية الليل أصبحت ذات أهمية. شُغْلان. أما حكاية انتظر ثلث ساعة، انتظر ساعة، انتظر العتمة، انتظر الظلام، فهذه
مسألة نسبية، لكن توقيت محدد مسألة واضحة. فانظر الفرق بين اللغة وبين الهراء المشتت. لا تشتم. حاضر، لكنه هراء مشتت فعلاً. لا تشتم. حاضر، الشتيمة سيئة، لكن هذه ليست شتيمة، هذا وصف. حسناً، وسنرى عجائب الآن. وغريب في هذه الحكاية وسأذكركم دائماً بهذا الكلام أهمية اللغة وأن هؤلاء الناس افتقدوا المعاني اللغوية وأرادوا بناء معانٍ لغوية أخرى لن توافق عليها الأمة. العجيب في لغة العرب، إن لغة العرب هذه
عجيبة غريبة والكثيرون يجهلون خصائصها.