نفحات | حـ #1 | هل التصوف من شريعة الإسلام؟ | أ.د علي جمعة

نفحات | حـ #1 |  هل التصوف من شريعة الإسلام؟ | أ.د علي جمعة - تصوف, نفحات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسألون ويتحيرون عن التصوف، وهذا السؤال سؤال حادث لم يكن في الأجيال السابقة التي عرفت ما التصوف وعرفت حقيقته. والتصوف في الحقيقة ورد في تعليم سيدنا جبريل، وهو جاءنا من عند رب
العالمين ليعلمنا. أمر ديننا كما هو في الحديث الصحيح الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: بينما كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد منا. هذا الحديث الذي تكلم... فيه جبريل مع سيدنا صلى الله عليه وسلم بمسمع من الصحابة الكرام وهو يسأله عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم عن علامات الساعة وعن أشراطها، فلما ولّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أتعلمون من هذا؟ هذا جبريل جاءكم ليعلمكم أمر دينكم". قام المسلمون لحماية هذا. الدين المتشعب إلى إسلام وإيمان وإحسان وعلامات لتطور بل وتدهور الزمان، قام المسلمون لحماية هذا الدين العظيم فألهمهم الله سبحانه وتعالى حفظ كتابه الكريم، ولم تكن هذه العلوم من عند أنفسنا بل هي بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. أمم أخرى كثيرة لم تستطع أن تحفظ كتابها ولكن الله سبحانه وتعالى. حفظ كتابه "إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون" فقامت طائفة من البشر سُمّوا بالقراء، وقامت طائفة أخرى ألهمهم الله بعلوم لم تكن قط في العالمين، حفظوا بها السنة المشرفة، وقام آخرون لحفظ مقام الإسلام وسُمّوا بالفقهاء. وهؤلاء الفقهاء أنشأوا لهم أصولاً ومفاتيح وأسساً للبناء عليها، ثم أنشأوا بعد ذلك فقهية للرجوع إليها، أنشؤوا بعد ذلك فروقاً بين الأشياء المتشابهة في هذا العلم، كل ذلك خدمةً لمقام الإسلام الذي هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، ومعهم أيضاً صوم رمضان. إذ تكلم جبريل عن الإيمان فقال. آخرون لحماية هذا العلم، هذا الجانب من الشريعة فيما أسموه بعلم الكلام أو علم التوحيد أو أصول الدين ونحو ذلك من الأسماء التي حمت هذا الفن: الإلهيات والنبوات والسمعيات، وحفظوا مقام الإيمان. قام آخرون فحفظوا مقام الإحسان، وهؤلاء أسموا هذا
بأسماء كثيرة منها الزهد، ومنها الأخلاق والقيم، ومنها التصوف. فالتصوف يحمي مرتبة الإحسان، ومن هنا وبهذا الشرح لحديث جبريل نجيب عن سؤال السائل الذي يقول: هل التصوف من علوم الشريعة؟ نعم، هو أساس من أسس علوم الشريعة لأنه هو الذي يحمي ويبحث في مقام الإحسان.