نفحات | حـ #11 | الخلوة | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل بعضهم عن الخلوة الصوفية، والخلوة أخذوها من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث ذهب إلى غار حراء الليالي ذوات العدد، وكان يتزود حتى إذا ما نفد زاده نزل حتى يتزود. لمثلها أخذوها من سيدنا موسى حيث إنه
ذهب ثلاثين يوماً ثم ازداد عشراً حتى أصبح أربعين ليلة مع ربه في خلوته، أخذوها في خلوة زكريا الذي اختلى الناس ثلاثة أيام، أخذوها من مريم، فالخلوة تحولت عندنا في شريعة الإسلام إلى الاعتكاف، والخلوة أمر يرقي الإنسان مع ربه لأن فيها هذه. المعاني الأربعة التي تكلم عنها العلماء مستنبطين إياها من الكتاب ومن السنة: قلة الطعام، قلة المنام، قلة الكلام، قلة الأنام.
دور العلم هو في هذا التنسيق فيما يسمى بالتحقيق والتدقيق والترقيق والتزويق والتنميق، يصوغها في صيغ قابلة للحفظ. قلة الطعام، ونحن نعرف ما الذي أمرت به الشريعة في شأن الصيام. وفي فضل الصيام قلة المنام حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى: "قُمِ الليلَ إلا قليلاً نصفَهُ أو انقص منه قليلاً أو زِدْ عليه ورتِّلِ القرآنَ ترتيلاً". يقول: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى
أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". يقول: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم" إلى آخر هذه الآيات التي تمثل الغالبية من القرآن قلة الكلام، نُهينا عن اللغو، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصمت، ولذلك جمع ابن أبي الدنيا رضي الله تعالى عنه كتابه الواسع وعنونه "الصمت"، وأورد فيه تلك الأحاديث الكثيرة جداً في فضيلة الصمت. وهناك قلة الأنام، الانكفاف عن الخلق، الأنس بالله، والوحدة مع ربنا. سبحانه وتعالى،
فهذا هو شأن الخلوة. الخلوة كما أنها واردة في الشريعة الإسلامية بهيئتها وبأركانها، فهي واردة أيضاً في الديانات السابقة، وأيضاً لها تجربة أخذوا منها بعض هذه الأحكام. كيف تجلس في الخلوة؟ كيف تقضي وقتك في الخلوة؟ هل هو في الذكر أو في قراءة القرآن أو في الصلاة؟ أو في التأمل والتدبر أو في التفكر المطلق أو في انتظار الواردات وغير ذلك من أصناف العطايا
الربانية ومن أصناف المنح الصمدانية التي يفتح على أحدهم في الخلوة بها إذ كما قالوا من ذاق عرف ومن عرف اغترف، فعندما يدخل الخلوة ويرى ما فيها من منح وعطايا وأنوار وكشف لأسرار. العبودية ويتفهم ويفهم أشياء لم يكن يفهمها من قبل حتى أن الإمام عبد الوهاب الشعراني ألف كتاباً في أسرار الخلوة، تلك الأسرار التي فتح الله به عليه بها وهو في خلوته. وهناك خلوة من ثلاثة أيام، وخلوة من سبعة أيام، وخلوة من أربعين يوماً،
وهكذا دائماً يفعل ويقوم أهل التصوف بالعمل ومراقبة ذلك العمل وبناء نموذج لما يقومون به وتعليم ذلك لمن بعدهم ومن هنا جاءت قضية الخلوة