نفحات | حـ#8 | هل يمكن للتصوف أن يجمع المسلمين؟ | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل بعضهم: وهل يمكن للتصوف أن يجمع المسلمين على اختلاف مشاربهم؟ إن التصوف يعلمنا الحب، ويعلمنا الالتزام، ويعلمنا التقوى حيثما كنا، ويعلمنا الأخلاق المأخوذة من منظومة أسماء
الله الحسنى: الجلال والجمال والكمال، يعلمنا... التخلية والتحلية يعلمنا الذكر والفكر، وهذه أرضية مشتركة أولاً بين المسلمين حيث لا ينكر ذلك مسلم، وأيضاً بين المسلمين والإنسانية جمعاء، حيث إن هذا الكلام الطيب لا يأباه إلا المجرم الأثيم المنحرف. أما بقية البشر، حتى لو لم يوفقوا للإيمان بسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنهم يريدون. أن يعيشوا حياتهم في أمان في سلام في استقرار في
سعادة في شيء من الهدوء، وكل ذلك يدعو إليه أهل الله ويدعو إليه أهل التصوف. نحن نجاهد في الله حق جهاده. "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم". المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس. إذاً هناك رسول مثال يقتضي "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". هناك أمة تجعل الرسول شاهداً عليها وهذه الأمة تكون شاهدة على الناس "كنتم خير
أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا. الوسط هو أعلى الجبل، فالأمة تقف في أعلى الجبل ترى الناس جميعًا في العالم ويراها الناس جميعًا في العالم. هي تجعل مثالها الأتم رسول الله، والناس تنظر إلى تلك الأمة: هل أحسنت؟ هل أضافت؟ هل عمرت الأرض؟ فإن كذلك كنا دعاةً إلى الله بحالنا وقولنا، وإن لم نكن كذلك فإننا
نصد عن سبيل الله بغير علم. كل هذا موجه إلى تلك الطائفة التي نسيت نفسها بعدما نسيت الله سبحانه وتعالى، وتمكنت في قلبها شهوة الحكم وشهوة السلطان، وأرادوا أن ينازعوا الأمر أهله، وجهلوا أن الله يؤتي الملك من هؤلاء الذين ينازعون ما أراده الله سبحانه وتعالى ويكرّون عليه بالحرب وبالدم وبالبطلان يصدون عن سبيل الله بغير علم.