نور الحق | الحكم العطائية | حـ 14 | أ.د علي جمعة

نور الحق | الحكم العطائية | حـ 14 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحِكَم العطائية. في هذه الحلقة يقرر الشيخ رحمه الله تعالى حقيقة لا لا بد منها حتى نفهم بعمق الكنز المخفي تحت العرش، لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى نفهم بعمق حقيقة الحادث والقديم، حتى نفهم بعمق حقيقة الخالق والمخلوق، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه، وذلك أن
الإنسان يعرف من نفسه أنه محدود، ولذلك فربنا سبحانه وتعالى لا نهاية لبدايته ولا نهاية. لنهايته فلا هو الأول وهو الآخر ليست له بداية وليست له نهاية ولا يحيطه زمن ولا يحده مكان سبحانه وتعالى هو الظاهر وهو الباطن وهو العليم وهو بكل شيء محيط. الإنسان يعرف نفسه أن له بداية بالميلاد وله نهاية بالموت. الإنسان يعرف نفسه بأنه محدود وبأنه عاجز وخلق الإنسان ضعيفاً. لكنه يعرف ربه بضد هذه الصفات وأن الله على كل شيء قدير وأنه عليم. الإنسان يعرف نفسه وأنه ظلوم وأنه جهول، ولكن الله سبحانه وتعالى قد تبرأ عن الظلم أبداً، ولا يظلم ربك
أحداً، ولا يظلم عنده أحد مثقال ذرة. والله سبحانه وتعالى عالم عليم بكل شيء، بالماضي وبالحاضر وبالمستقبل. يقرر الشيخ هذه الحقائق ويعطينا مفتاح هذا الأمر وهو أن هذا الكون بيد الله وأنه لا يزال ربنا سبحانه وتعالى يخلقه، ولذلك فإذا قطع عنا الإمداد سبحانه فإننا نفنى وليس نموت. نموت ولا يزال جسدنا موجوداً، ونذهب لنغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه، هذا موجود لا يزال، لكن كل هذه السماوات وكل هذه. الأرض وكل هذا الخلق هو
شعاع مثل والله سبحانه وتعالى علمنا من أجل أن نضرب المثل للفهم وبضرب المثال يتضح الحال مثل السينما. السينما هي عبارة عن إشعاع وهذا الإشعاع يتسلط على الشاشة فتخرج الشخص وتتم القصة. لو أننا أطفأنا هذا الشعاع أو أطفأنا الآلة التي تعمل، أصبحت الشاشة بيضاء. فني الشخص وفني الفيلم الذي نشاهده، هذا الكون هو هو هكذا. الله سبحانه وتعالى هو يمد بالخلق المستمر، فهو ما زال خالقاً. بعض الناس يعتقد
أن الله قد خلق الكون ثم تركه وهو وحده يعمل. هو ليس يعمل وحده، هو يعمل بناءً على أن الله يخلقه كل ثانية. كل لحظة ثانية يعني هو في خلق مستمر، فإذا أوقف الله خلقه فإن العالم يفنى، مثل بالضبط إغلاق آلة السينما. تخيل وأنت تمشي في الأرض هكذا، ولو أن الشعاع الذي يخلقك من عند الله بأمره قد انقطع، لم يرده الله، لم يرد أن تستمر، فإنك تختفي، تتبخر، لا وجود. لكَ ولكن الله سبحانه وتعالى لسابق علمه ولسابق أجله ترك العالم هكذا
بهذه الصورة إلى أن يأتي الوقت الذي أسماه بيوم القيامة أو بالساعة، وفي هذه الساعة تفنى الكائنات تماماً كما أنه خلقهم كما يريد بكن فيكون، وأمره بين الكاف والنون، وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، إذ يقول. الشيخ: الكون كله ظلمة يعني عدم أو من العدم. الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه. كل هذا الكون هو ظلام في الحقيقة مثل ظلام السينما بعد إغلاق الفيلم، لا
توجد أنوار، لا يوجد شيء. ولكن عندما شغّل الفيلم بأمره، كانت كل هذه الكائنات، وإنما أناره ظهور الحق. في هذه الكائنات وهذا معنى قول الشاعر وهو يقول: "وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد". كلما تأمل الإنسان يقول: لا إله إلا الله. فها هو ما هو: ربنا خلق العصفور، ربنا خلق السمك، ربنا خلق الشجرة، ربنا خلق البقرة والحجرة والقمر والمدر. كل شيء ينطق بوحدانية الله. سبحانه وتعالى الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه، فالحق هو الذي أظهره، وبقاء هذا الكون بيد الله سبحانه وتعالى. فنحن
نحتاج إلى الله والله لا يحتاج إلينا، ونحن لسنا قائمين بذاتنا بل قائمين بخلق الله لنا، والله قيوم السماوات والأرض، فهو الحي القيوم. ولذلك به تقوم الأشياء ولا يقوم هو بشيء، بل هو قائم بذاته وحده لا شريك له. فمن رأى الكون ولم يشهده، رأى الكائنات هكذا من حوله ولم يرَ ربنا ولم يشهده فيه في هذا الكون أو عنده أو قبله أو بعده، فقد افتقر إلى وجود الأنوار، فيكون هذا الرجل أو هذا الإنسان... مظلم ليس فيه نور عنده لأنه عندما يوجد في الإنسان النور يرى الله وراء كل حقيقة
ووراء كل محسوس وكل هذه أدلة عليه سبحانه وتعالى، فإذا هو لم ير هذا بل رأى الكائنات كائنات ولم يشهد الله سبحانه وتعالى قبلها لأنه كان ولم يكن شيء معه وبعدها لأنه سيكون بعد فناء كل شيء. أن تفنى الأرض ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام أو عندها أو أنه هو القيوم الذي تقوم به السماوات والأرض وأن كل شيء إنما صدر منه سبحانه وتعالى خلقاً وأن الخلق مستمر وأنه لم يتركنا عبثاً وأنه بعد ما خلقنا كلفنا وشرفنا بالأنبياء وشرفنا بالكتب وشرفنا بأن أنبأنا وعلمنا ما الذي يرضيه وما الذي نتقرب إليه به، فهو
قد أعوزه وجود الأنوار. انظر الأدب، لم يقل أنه كافر ولا ملحد ولا كذا إلى آخره، بل أنه قد افتقد النور الذي يرى به، وكأنه عطوف عليه، يدعو الله أن يهديه إلى وجود هذا النور حتى يرى الحقيقة، وأن كل شيء من حولنا إنما هو من عند الله خلقاً ومن عند الله استمراراً، وحُجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار. كل شيء في الكائنات التي حولنا يسمونها آثاراً، وهذه الآثار تسبب حجاباً. فالمحجوب هو الإنسان، الله لا يسمى محجوباً، المحجوب هو الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى أظهر من كل الكائنات وأظهر من كل. دليل ولذلك
فلا يمكن أن نصفه بأنه محجوب بل ربنا سبحانه وتعالى ظاهر ولكن يجب عليك أن تراه ابتداءً ووسطاً وانتهاءً في الأشياء. كل هذه الأشياء تدل على أنه سبحانه وتعالى هو الواحد. حقيقة أساسية لفهم كل الحِكَم العطائية ولفهم "لا حول ولا قوة إلا بالله" ولفهم درجة ما معنى. العارفين بالله، أو ما معنى مثلاً الفتح، أو ما معنى الوصول إلى الله، هذه الحكمة حكمة أساسية تأتي في الحكمة رقم أربعة عشر في الحكم العطائية: "الكون كله ظلمة، أي أنه عدم محض، وإنما
أناره ظهور الحق فيه". هذا المثال اجعله في ذهنك دائماً أننا نتفرج على فيلم الذي أخرجه. وصنعه وأنتجه وهو الذي أدار آله هو الله جل جلاله، وأنه قادر في أي وقت جزئياً أو كلياً أن يفني هذا الكون، وأنه هناك أجل سيفنى فيه لا محالة، وهو الساعة، إلى لقاء قريب. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.