هل الإسلام ينكر رعاية الحيوان | أ.د علي جمعة

والذي يرحم الحيوان يرحم من باب أولى الإنسان، والذي يرحم الحيوان لا يستطيع أن يعذب الإنسان أو أن يستهين به أو أن يعامله معاملة تكبر، ولذلك قضية الرفق بالحيوان قضية أساسية، هي من الحياة وليست هي ضد خدمة البشر، بل بالعكس هي تجعل قلبك أكثر رحمة بالبشر إذا كنت لا تطيق أن ترى قطاً أو كلباً وهو عطشان أو جائع، ولذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا، حتى قالوا له: "ألنا في البهائم أجر يا رسول الله؟" قال: "إلا إن في كل ذات
كبد رطب صدقة"، فالكبد الرطب هو الحيوان. وقال: "دخلت امرأة بغي" بعد الحديث الطويل المثلث. في صحيح البخاري ومن غير أن يصنع له البخاري كتاباً أو باباً أو ترجمةً، جاء حديث: "دخلت امرأة من بني إسرائيل كانت بغياً - يعني عاصية - الجنةَ في كلبٍ وجدته عطشاناً فسقته". لم تقل: انتظر حتى أبحث عن إنسان يساعدني، وإنما جعلتني أشعر بالمسؤولية فنزلت إلى البئر وأحضرت الماء. إلى آخره فسقته فغفر الله لها،
أهي هذه استهانة بالكبيرة؟ لا، الكبيرة كبيرة وستظل كبيرة، وسنبقى نقول عنها الفاحشة، وسنقول عنها الكبيرة، وسنقول عنها كذا وكذا، وإنما تحرك في قلبها شيء أحبه الله فغفر الله لها، والله واسع سبحانه وتعالى. وفي رواية أخرى دخل رجل الجنة في كلب وجده عطشاناً. فقال: "لقد بلغ بهذا ما بلغ بي من العطش" فسقاه، فأدخله الله به الجنة. وفي المقابل، دخلت امرأة النار في هرة حبستها؛ لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. يتضح هنا جانب الرحمة
وهناك جانب القسوة. فالرحمة مطلوبة وواردة في الكتاب وفي السنة وفي. عمل السلف الصالح ومما أدركناه خَلَفٌ في بيت القاضي خلف سيدنا الحسين مساقي الكلاب، فكان المسلمون في حضارتهم يُنشئون مساقيَ للكلاب تشرب فيها. وكان مما منّ الله به على سيدي علي الخواص - وكان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب - إلا أن الله فتح عليه فحفظ القرآن بالسماع هكذا، وكان يقوم به. آناء الليل وأطراف النهار كان قبل أن يذهب إلى المنام يقضي ليله في تنظيف مساقي الكلاب لكي يجد الكلب عندما
يأتي ليشرب بعض الماء النظيف. ولم يكن الحال في تلك الأزمان مختلفاً كثيراً عن حالنا اليوم، فقد كان هناك الفقراء والمعدمون وغيرهم إلى آخره. ولم يقل أحد لا نعطي الكلاب ولا القطط ولا نرعاهم ولا نظهر الرحمة بهم من أجل أن هناك بشراً ما لم أره أو هو غائب عني يحتاج، بل عندما نعرف، ولذلك قيّد النبي بالمعرفة فقال: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جوعان وهو يعلم"، أما لو كنت لا أعلم. فلا تثريب عليّ، فإذا كانت المقارنة إنما تأتي عندما يكون أمامي بشر وأمامي
حيوان فأفضّل الحيوان على البشر، فربنا لم يقل لنا هكذا. كلام غير متسق مع الذهن، ويكون حينئذٍ هو نوع من السرف أو نوع من الكبر كما هو موجود في الأفلام الخاصة بالكلاب، يأتون بشخص يعطيه عشرين. جنيه، والرجل الثاني المدرس يعطونه ستة جنيهات. المدرس المعلم الذي يقال عنه "قم للمعلم وفّه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا"، ستة جنيهات. حسناً، والرجل صاحب الكلب الذي يمشي به، عشرون جنيهاً. هذا هو الإسراف، هذا هو الخلل، وخلل واضح يعرفه كل أحد. ليس محتاجاً لإنكار ولا لفهم ولا لشيء آخر. إلى آخره، ما هذا الخلل أن تعطي جاهلاً عشرين لأنه يصطحب
الكلب في نزهة وتترك المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً؟ كلام غير مقبول وليس هذا محل السؤال. محل السؤال أننا لا ننكر أن نرعى الحيوان، بل نحن نرعاه بالتأكيد، ولكنها قضية الإسراف، "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب". المسرفين قضية البتر قضية أن هو يُدلّل الحيوان ويجري به إلى الطبيب ويعالجه والخادم الذي له يتركه ويهمله حتى يحترق، آه هذه قضية ثانية، أصبحت هذه مقارنة وموجود الاثنان أمامه، لا رحمتنا بالحيوان تؤدي إلى الرحمة بالإنسان ولا شك، السؤال الثاني.