هل قصة الغرانيق صحيحة أم لا ؟ | أ.د. علي جمعة

نسمع عن قصة تسمى قصة الغرانيق فما هي القصة؟ هل هي صحيحة أم لا؟ قصة الغرانيق قصة رواها الطبري في تفسيره لسورة النجم، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلو سورة النجم والمهاجرون من الصحابة في الحبشة الهجرة الأولى، وكان يتلوها عند الكعبة حتى وصل إلى قوله. تعالى ومناة الثالثة الأخرى، فصوت
الشيطان بصوت عالٍ سمعه المشركون وظنوا أنه جزء من القرآن الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم. سمعوه يقول: "تلك هي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى". لقد أصدر إبليس صوتاً بهذا المقطع بينما كان النبي في حالته جالساً يقرأ سورة النجم، فذهب الآخر مصدراً صوتاً للجماعة الذين كانوا جالسين يتلصصون بصوت عالٍ. محمدٌ
صلى الله عليه وسلم ذهب... هذه دخلت مع هذه. أتعرف التشويش الذي يحدث في الإذاعة؟ تستمع إلى الإذاعة ثم تجد موجة قد دخلت عليك. نعم، بالضبط، حدث مثل ذلك. فلما سمع المشركون هذا، قالوا: إنه محمد! الحمد لله، إنه يقترب منا. ها قد جاء إلينا في منتصف الطريق وتحدث عن الأصنام. تلك هي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. ها قد وافقنا. إنه يقول إن الوثنية ليس فيها شيء، والحياة وردية، وأنا بجانبك وأنت بجانبي. صلاح جاهل، هل تدرك كيف
هي الحياة وردية؟ فليس هناك أي شيء، لدرجة أن النبي سجد فسجدوا معه، وسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ليس... أخذ بالَه من العبارة هذه من الذي حصل. هو منشغل بالتلاوة وشاع الخبر. خرج المشركون في كل مكان. يا أولاد محمد! قالوا: "عاد محمد، عاد محمد." قالوا: "محمد، أدوا الحمد لله، سنتفق بعد اختلاف." حتى وصل الخبر إلى الحبشة، فرجع بعض المهاجرين فرحين. قالوا: "والله يعني هناك اتفاق مع قريش." حدث أن نعود، فلنترك
هذه الغربة، لقد مللنا من الغربة، والغربة سيئة خاصة في هذه الأزمان. كانت الغربة سيئة جداً، فرجع بعضهم، وهذا الرجوع كان سبباً في الهجرة الثانية. عندما رجعوا وجدوا أنه لا يوجد شيء تغيّر، والآخرون قالوا له: "أليس أنت من قلت تلك هي الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى؟" قال: "ماذا؟" هذا كلام فارغ، هذا كفر يا بني. الأصنام أصبحت هي المعتمدة وجيدة يعني؟ في أمانة الله! لا لا، الكلام الذي تقولونه هذا كلام باطل وأنا لست مؤيدة له ولا أقول به. يعني رجعت في كلامك؟ أنا لم أقله أصلاً. هل سنتغابى؟ دعنا من الغباء، أنا لم أقله. فلتراجع أمر الحبشة.
الثلاثة والأربعة والخمسة وجدوا الحال كما هو، فقاموا بهجرة ثانية، فسُميت الهجرة الأولى والهجرة الثانية. بعض المحدثين هذا الحديث أورده أيضاً ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وقال: "وهو بسند جيد". هذا حافظ الأمة، هذا شيء آخر. ابن حجر رضي الله تعالى عنه قال: "وهو بسند جيد". بعض وجد المُحدِّثون أن بعض المستشرقين يهاجمون سيدنا الرسول من خلال هذه القصة على
طريقة الشك والحيرة. هل هذا لا يفتح باباً إلى أنه وهو يوحى إليه يمكن أن يكون الشيطان أدخل شيئاً؟ يعني هكذا هو؟ إذا كان كل شيء رويناه حتى الذي حدث، فلو كان هناك شيء آخر. داخلها كنا قلناها أيضاً لكن أصلاً لا يوجد شيء، نحن أناس لدينا شفافية، لدينا وضوح، لدينا شخص واثق في نفسه، لسنا ناقصين لا مستشرقين ولا مستغربين ولا مستعربين ولا مستعمرين، هل تفهم؟ أوضح من الواضحات وأجلى من البينات. فإذا سألني أحدهم: حسناً، وما فائدة هذه؟ الأمر أنهم يتكلمون علينا بسوء، نعم هذه فائدتها. شيء مهم للغاية وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم
عندما يقول "من رآني في المنام فقد رآني حقاً"، فإن المحفوظة هي الصورة الشريفة المنيفة لسيدنا النبي وليس الكلام. إذاً، عندما ترى النبي فقد رأيته حقاً، فإذا قال لك: "اذهب إلى فلان الفلاني وستجد في الموضع الفلاني" واسمه كذا وكذا. وتُرُلِّي هذا تذهب وتطيع على الفور، فحضرتك تستيقظ من النوم لأنك رأيت سيدنا النبي، والنبي قال: "من رآني فقد رآني حقاً"، وتذهب لتُرُلِّي، فيقول لك تُرُلِّي: "على فكرة، سأقول لك شيئاً تستغرب منه". ما هو؟ قال: "أنا
ربنا". أنت يا تُرُلِّي ربنا؟ قال: "نعم، فماذا إذن؟ جاءك النبي، أليس كذلك؟" هل جاءك؟ فقلت له: جاءني. قال لك أو لم يقل لك؟ قال لي: طيب. فقال ابن حجر: قال الإمام النووي: والمحفوظ الصورة. ما الدليل على أن المحفوظ الصورة؟ قوله: "من رآني". لم يقل: "من سمعني"، بل قال: "من رآني فقد رآني حقًا". هل في استطاعة الشيطان أن يلقي هذا الصوت؟ نعم. فقد ألقاه في قصة الغرانيق. هل لها فائدة أم ليس لها فائدة؟ وما فائدتها؟ فائدتها حفظ العباد في طريق الله من الضلال،
وحفظ العباد الذين يرون سيدنا الرسول في المنام من الضلال. وكلما رأوا رسول الله عرضوا كلامه على الشرع الشريف، فإذا قال لك: اذكر، تصدق، افعل الخير، فهذا صحيح. لكن يقول لك اذهب إلى فلان وتذهب إلى فلان فتجده يقول لك أنا ربنا لا أمسك في خناق فلان ولا يهمك، وكم أضلت من أناس. نحن في حياتنا البسيطة رأينا بأعيننا والتقينا بمن ضل بالرؤية، ضل بها، ومنهم جهيمان الذي اعتدى على الحرم في سنة ألف وتسع مائة وثمانين. هذا العدوان كان بسبب رؤى رآها
هو وأتباعه ورأوا فيها أن النبي أمرهم بما فعلوا، ولكنه حاشاه هو لم يأمر. إنه الشيطان الذي أمرهم. هؤلاء ذهبوا وبدأوا بالسلاح على بيت الله الحرام الذي هو محل نظر الله. يا للمصيبة! وكل هذا من ماذا؟ من إنكار قصة الغرانيق لأجل المستشرقين وما يترتب عليها. ذهاب الأحكام ويترتب عليها أنه ما دام رأيته يكون سمعته فهذا جميل جداً وحسن، ويترتب عليها ضلال مبين. كان عندنا شخص في الصعيد ادعى النبوة بهذه الرؤى، وعندنا شخص كان في مدينة النصر ادعى الألوهية، وكان عندنا شخص هنا في المعادي ادعى المهدية، وكل
هذا لأنهم جهلوا الحكم أن المحفوظ هو. الصورة وليس هو الصوت في هذه الحالة التي حلها لنا النووي وابن حجر رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. تفككت كل شيء وأصبح لا يمكن لأحد أن يخدعك، وأصبحت شخصيتك ليست شخصية خرافية، وصرت تعرض كل أمورك على الشرع الشريف، وأصبحت تسير هكذا، أي ضابطاً نفسك هكذا بثقة. في النفس لم تعد كلمة تأخذك وكلمة تعيدك، فإذا قصة الغرانيق جاء بعضهم وألّف كتاباً "نصب المجانيق في نسف قصة
الغرانيق". وانتبه، المنجنيق الذي هو المدفع، قال إنه جاء بقصة الغرانيق لو ذهب وضربها بالمدفع انفجرت قصة الغرانيق. لماذا؟ يقول لك: لا، إنما لأجل المستشرقين فقط. لا يلبّسوا علينا، ليس لنا تدخل بالمستشرقين لأنّ كل شيء له وضعيته، ونحن أناس طوال عمرنا واثقون في أنفسنا، فنحن روينا كل شيء بالسند ونظرنا وصنفنا وبنينا وجرّدنا وقعّدنا وطبّقنا. لا، نحن أمة عالمة، نحن أمة عالمة. فإذًا، فقصة الغرانيق هذه هي هي عند الأقدمين من الحفّاظ صحيحة.
ويترتب على بعض الأحكام وأنكرها بعض المحدثين