هل يجوز التبرع بلحم يعتقد حرمته وغيره يعتقد إباحته؟ | أ.د. علي جمعة

يسأل سائل: هل يجوز التبرع بلحم يعتقد حرمته وغيره يعتقد إباحته؟ يعني أنا وصلتني ذبيحة وأنا أعتقد أنها حرام، وهناك شخص جارنا يعتقد أن هذا النوع حلال. هذا مثل ماذا؟ مثل لحم الخيل مثلاً، فلحم الخيل يرى الشافعية أنه حلال، وغيرهم يرى أنه حرام، فماذا نفعل إذن؟ هل الذي يعتقد أنه حرام يعطي هذا اللحم للذي
يعتقد أنه حلال؟ نعم، يعطيه إياه للذين يعتقدون أنه حلال، والذين يعتقدون أنه حلال يأكلونه لأنهم يعلمون أنه حلال، يعني لم يعتدوا ولم يتجرؤوا على شرع الله. وهكذا في أشياء اختلفوا فيها، منها الزرافة. الزرافة المراقبة الطويلة هذه، اختلفوا فيها: هل هي حلال أم ليست حلالاً؟ بعضهم قال إنها حلال لأنها تأكل النبات، وليس لها أنياب، ولا تأكل اللحوم ولا أي شيء آخر. وآخرون قالوا: لا، إن لحم الزرافة لم يرد، حيث كانت العرب تستقذره،
يعني لم يرد أن العربي أكل زرافة، وعلى ذلك لما... تكون هناك زرافة ذبحناها، وفي أمانة الله يأتيك شخص ويقول لك هذا لحم زرافة. ما الزرافة؟ تبحث في المذهب، ما هو مذهبك؟ فهناك من يقول إنه حلال، وهناك من يقول لا، هذا خطأ. فيكون الذي يقول حلال يأكل، والذي يقول حرام... انظر إلى سعة الدين! أي كأنك تتعامل. ربنا! أنت تظن ما الذي أوصلك؟ ما ذلك المبلغ من العلم؟ شخص يأتي ويقول لي: "لا، أنا أريد الحق الحقيقي عند الله يوم القيامة". إن شاء الله تسأله لأن الله سبحانه وتعالى ختم النبوة. لو كانت النبوة استمرت لكنا نذهب ونسأل النبي الذي هو من عصرنا. لكن لا يوجد نبي في عصرنا فلا يوجد كلامٌ هكذا،
ولا يوجد اتصالٌ مباشر بيني وبين ربنا، فماذا يبقى إذن؟ يبقى الاجتهاد. وحسناً، ومن أخطأ فله أجر، الله الله الله الله، من أخطأ فله أجر وليس عليه عقاب، له أجر يعني أن ربنا سيعطيه ثواباً، وحسناً، ومن أصاب فله... أجران، حسناً أنا أريد أن آخذ الأجرين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إذاً الأمر واضح، لا يُنكر المختلف فيه إنما يُنكر المتفق عليه هكذا دائماً. حسناً لكنني أريد الثواب كله، قليل من الثواب هكذا هكذا. إذاً احتط، لا تأكل الآن، أنت الذي تريد الثواب كله فلا تأكل. شيء فيه خلاف اتركه ولا
تأكله، فتكون بذلك قد فعلت ماذا؟ الاحتياط. ومن ابتُلي بشيء من ذلك فليقلّد من أجاز. الأمر سهل، ربنا مسهّله علينا، نحن الذين نصعّب على أنفسنا، لكن ربنا مسهّلها علينا. ولذلك ترى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة جاءته قطعة حرير جميلة هكذا، هو حرير مثل الذي هو الحرير الأصلي فأعطاها لعمر، قال له: "خذ هذه". ظن عمر أن هذه هدية من النبي ليلبسها، والحرير ممنوع على الرجال، فارتداها لأنها قطعة
من الحرير. لكن عندما لبسها سيدنا عمر ورآه النبي مرتدياً إياها، قال له: "هذه يلبسها من لا خلاق له"، أي من لا نصيب له في الآخرة. لماذا ترتديها يا عمرو؟ قال له: يا رسول الله، ألست أنت من أعطاني إياها؟ أليس أنت من أهداني إياها؟ قال: لم أعطها لك لترتديها، اذهب إلى زوجتك وأعطها لها، اذهب هنا أو هناك يعني ابحث لك عن حل. فأهداها عمر لأخ له مشرك، فذهب
عمر وأعطاها لمن؟ لمشرك، للمفسد. من هو أخوه هذا؟ فأعطاها عمر. لا أخ له مشرك، لأن المشرك ليس همه أن يلبس حريراً أو لا يلبس حريراً، إنتهى الأمر. أما أنت أيها المسلم الذي تحرِّم الحرير على الرجال وتحله للسيدات، فلا يصح عليك أن تلبس هذه القطعة. حسناً، هل يجوز أن أهديها له؟ نعم، يجوز أن تهديها له، إذاً انظر الآن الكلام. العلماء إذا كانت طاهرة إذا كانت طاهرة، وإذا كانت نجسة فلا يصلح. شخص قادم من بلاد أجنبية ومعه زجاجة ويسكي معتبرة وغالية وجيدة، يعني بسعر كذا. هذا الويسكي
ما هو؟ إنه خمر والعياذ بالله. نعم، وماذا يعني ذلك؟ يعني أنه نجس. هذا الويسكي نجس ومقزز، يعني شيء مقزز. فهل يجوز لي أن... أعطها للواحد يهودي مثلاً جارنا، واليهود عندهم يشربون طوال عمرهم هذا الويسكي حتى يصبحوا مخمورين تماماً. أذهب وأعطيها له هدية مثلما فعل سيدنا عمر عندما أعطى الحرير. لكن الويسكي نجس، فلا يجوز أن أعطيها لهذا ولا أعطيها لذاك، ولا أبيعها أيضاً. إذن ما الذي يمكنني فعله بها؟ آخذها وألقيها في المجاري. المياه اسكبها هكذا، حسناً أليست خسارة؟ لا ليست خسارة، الخسارة أن تبقيها عندك لأنك تحتفظ بنجاسة
والعياذ بالله تعالى تمنع من دخول الملائكة. الله، هذا الويسكي سيئ جداً هكذا. نعم، إذن الذين يشربونها كيف حالهم؟ حالهم سيئ مع الله، حالهم أنهم يُدخلون النجاسة داخل أجوافهم، ولذلك لا يُستجاب لهم. دعاؤهم يكون إذاً هذا الأمر مقزز، ولذلك هم - يا عيني - الذين يشربون هذه الأشياء القذرة غير منتبهين، غير منتبهين أنهم يشربون نجاسة يُدخلونها في أجوافهم. هذا القرف الذي يعيشون فيه وهم غير منتبهين له. ما النصيحة لنا إذاً؟ "فَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" هذا ما أمرنا به ربنا سبحانه وتعالى. نور قلبه سيستمع
للكلام وسيرى فيه شيئًا يجذب النور الذي في قلبه ويترك هذا الكلام، والآخر سيضحك هكذا بما يسمونها "ضحكة مصطنعة"، أي الضحكة السخيفة، ويقول ويحرك يده هكذا "خلاص هداية تربي عند فقد المربي"، يعني ماذا سنفعل؟ "ليس لك من الأمر شيء"، فيجب عليك أنك أنت. تنصح وتقول: الحقيقة أن الخمر نجسة، والذي يستهين بتناول النجاسات فقد خسر أمرين: فقد أمراً شرعياً بفعله الحرام، وفقد أمراً طبيعياً بسماحه للنجاسة بالدخول إلى جسده. إنها
أمر مقزز، هذه هي الخمر وأنواعها.