هل يوجد أهل فترة في زماننا المعاصر؟ | أ.د علي جمعة

سيدنا مولانا في قضية نقاط الإسلام، السادة قضية البلاغ، هل مطلق السماع دعوة؟ يعني أي من أهل الدنيا سمع بدين الإسلام وسمع بالنبي عليه الصلاة والسلام، يحاسب على سماعه؟ أم لو كان سمع سماعاً طيباً؟ فبالتالي معظم الناس من بشر زمان محاسبون، معظم أهل الأشاعرة يشترطون في ذلك أموراً مفصلة. الدعوة بصورة صحيحة واضحة لافتة للنظر، انظر كيف. فإذا وصلت مطلق الدعوة من غير أن تكون واضحة أو تكون صحيحة أو
تكون لافتة للنظر، فكأنها لم تصل، وأصبح أصحابها من أهل الفترة، وأهل الفترة ناجون. هذا كلام الأشاعرة من زمان، فيضيف قائلاً لسليم الحواس، فمن كان ضريراً أصمَّ أبكم فليس... غير مكلف ولو كان مفكراً. هيلين كلر غير مكلفة ولو ألفت الروايات وحصلت على الجوائز وغير ذلك إلى آخره. لا بد أن يكون سليم الحواس لكي يكون مكلفاً، وغير سليم الحواس كالإنسان قبل البلوغ. وهذا الشخص عمره أربعة عشر عاماً ولم يبلغ بعد، ومفكر وذكي
جيد، ويحل مسائل التفاضل والتكامل وكل شيء، ولكنه لم يبلغ بعد. لم يبلغ فيكون غير مكلف، فإذن الكلام الذي تقوله سيادتك بالضبط هو كلام الأشعري. انظر كيف توصلت إليه بصفاء سريرتك، توصلت بالعدل المطلق. هذا الكلام الذي تقوله مكتوب وموجود، وهم يتحدثون عن كيفية أصول الدعوة ويتحدثون عن أهل الفترة ويتحدثون، يتحدثون كما هو كذلك بالجهل، جهول ومحمد. عبده يفسر ما كتب عند الخلخالي والجلال الدواني، الأشخاص الذين كتبوا في هذه الأمور. قال: وأن يكون من أهل النظر، يفسر، وهذا
الشخص يكون من أهل النظر، من أهل الفكر، كبرتراند راسل مثلاً أو جونسون أو نحو ذلك، يعني شخص مثل هيوم، يكون من أهل النظر وليس من أهل الخلط أو هو. عمي لا يعرف كيف يفكر، فهو يتلقى ويؤدي. إنه مسكين وليس من أهل النظر. ولذلك ما الذي حدث في انتشار الإسلام عبر التاريخ؟ لم يكن كل شخص هكذا، بل كان يحدث كثيراً أن يُسلم شيخ القبيلة فتُسلم القبيلة معه، ورب الأسرة يُسلم فيُسلم معه أولاده. فهل كل واحد دخل الإسلام؟ هكذا هو دخل عن فكر ونظر وما شابه ذلك، لكن عندما نأتي إلى تصنيف الحساب يجب
أن يكون من أهل النظر. ولذلك بعد ما تفعله داعش والجماعات الإرهابية، فإن الصورة مشوهة إلى غاية السوء، فهم يصدون عن سبيل الله بغير علم، ويجعلون هناك حجة لدى الآخرين ليأتوا. يوم القيامة: لماذا لم تسلموا يا أبناء؟ قالوا: كيف نسلم للدين الذي يريدها دماء؟ كيف نسلم للدين الذي يظلم المرأة؟ كيف نسلم للدين الذي يستعبد البشر؟ كيف نسلم للدين الذي يهين الأطفال؟ كيف نسلم للدين الذي فيه هذا العنف والقسوة والكبر، وكل شخص يحفظ القرآن يتكبر على الآخرين؟ لا أريد الدين. هذا لو عرف أن هذا ليس الذي نزل على محمد،
لو عرف أن الإسلام الذي تربينا عليه إنما هو شيء يُسلم وجداننا له. عندما حدثت فتنة الدنمارك المتعلقة بالصور، التي نُشرت منذ سنوات، رأينا السجل الخاص بالإسلام الموجود في الأزهر، والذي هو سجل الأجانب بعد هذه الحادثة، وجدنا ستة وخمسين شخصاً. آدم من إدن مارك أسلموا، وهذا بالإحصاء، بالمتاع أسلموا. لماذا أسلموا؟ هل بسبب داعش وداعش؟ كانت داعش وقتها لم تظهر بعد. لا، أسلموا لأنهم بالاطلاع شعروا أن هؤلاء الناس مظلومون، وشعروا أن
هناك تدليسًا يُمارس عليهم، ففزعنا لأنهم يريدون شيئًا واضحًا صادقًا إلى آخره. فأنا عندما أعمل بهذا الشكل الإفساد. هذا يصدُّ عن سبيل الله بغير علم، وهو الذي نقوله ليلاً ونهاراً، وكثير من الناس لا يصل إليهم المعنى. يا جماعة، هؤلاء يصدُّون عن سبيل الله، فيقول لك: كيف يصدُّون إذا كان يُصلي؟ إذا كان... إذا كان هو يحفظ القرآن ويُحفِّظ أولاده، حفَّظ أولاده القرآن ويُفهِّمهم. أنهم أفضل من الذين خارجاً أولئك خلاص، فقد تعلموا الكِبر وأصبح كأن القرآن موجود في المصحف فقط. لا، بل يجب أن يُعاش هذا القرآن، ومن ضمن المعيشة أنه "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كِبر". هذه هي القصة.