وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 04 | عرض الدين بصورة لافتة

وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 04 | عرض الدين بصورة لافتة - قال الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. جاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه ربه بأنه قد أرسله كافة للناس بشيرا ونذيرا، ووصفه ربه بأنه قد أرسله للناس رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وهو يقول عن نفسه إنما أنا رحمة مهداة، والذي يتأمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد أنه كان الإنسان الكامل وكان وحيدا في نفسه، قد جمع الله له كل هذه الهمة التي لم نرها بعد ذلك في أحد من البشر، قام الليل
وكان قيام الليل عليه فرضا، صام النهار وكانت عائشة تقول كان يصوم حتى نقول لا يفطر وكان يفطر حتى نقول لا يصوم، قام بأعباء الدعوة وبالتعليم وله مقامات كثيرة فقد كان قاضيا وقد كان مفتيا وقد كان معلما وقد كان قائدا للجيوش وقد كان مديرا للمدينة وقد كان صلى الله عليه وسلم تاجرا وأبا وزوجا وكل أحد في العالمين يجد نفسه في رسول الله صلى الله عليه وسلم المتأمل
في سيرته والذي يقرأ فيها كثيرا يحب هذا الإنسان الكامل في مواقفه وفي حركاته وسكناته وصبره وفي رضاه وتسليمه وتوكله على الله سبحانه وتعالى كان يحب هذا الإنسان الكامل ويرى أن الله سبحانه وتعالى قد أرسله من أجل أن يبلغ عنه فقط لا غير ليس لك من الأمر شيء هكذا يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله ما على الرسول إلا البلاغ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وما
أنت عليهم بمسيطر كلام يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من منظومة التبليغ من رب العالمين إلى عباده أجمعين ولذلك بعد أن أمره ربه وكلفه وشرفه صلى الله عليه وسلم آدم عليه السلام، القضية الآن هي أنه ترك لنا هذا الميراث وأقام كل واحد منا مقامه في التبليغ وقال صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية، والقرآن ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية برواية
حفص وستة آلاف برواية حمزة الزيات آية يعني واحدة من ستة آلاف، نسبة عجيبة وقليلة جدا، ولكن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. نسبة تدل على أنه ليس لك من الأمر شيء أنت أيها المسلم، نسبة تدل على أنه ليس عليك إلا البلاغ أنت أيها المسلم إرثا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض الناس يحب أن يتدخل بين الإنسان وبين عظمه وجلده وأن يهديه قسرا أو بالعنف فلعلك باخع نفسك
على آثارهم إن أنا عندي الآن ميراث نبوي يأمرني بأن القليل خير من الكثير لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت الكم ليس من الضرورة في شيء، ثم إنك لا تهدي من أحببت، ولذلك ما عليك إلا البلاغ، وهذا أمر واضح في كيفية عرض الإسلام بصورة لافتة للنظر على العالمين. الآن ارتفعت الحدود وأصبحنا في عالم العولمة، الآن أصبحنا نسمع من كل أحد ولم يعد الحوار داخليا، وأنا أكلمكم الآن يسمعني
من في الشرق ومن في الغرب فنحن جميعا أصبحنا وكأننا في جوار وكأننا في بلد واحد ارتفعت منها الحدود، ماذا نفعل؟ لندع إلى الله على بصيرة ونواجه العالمين ونعرض عليهم الإسلام ونقول لهم أولا إن هذا الإسلام مشتق من كلمة السلام، والسلام في لغة العرب أطلق على رب العالمين، والسلام أطلقها المسلمون في نصوصهم على الجنة التي
يؤول إليها المؤمنون جزاء وفاقا لما قدموه من خير، والسلام هي التي ينهي بها المسلم صلاته فيقول في نهايتها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه وعن يساره حتى لو كان وحده، حتى لو كان إماما، حتى لو كان مأموما، رجلا كان أو امرأة أو صبيا. أو كبيرا فإنه يخرج من الصلاة بالسلام، وهذا معناه أنه بعد ما انتهى من العبادة أول ما يواجه به الناس هو القول الحسن. بدأ الصلاة بالذكر وأنهاها
بالقول الحسن، لأن الله سبحانه وتعالى أمره أيضا قبل الدخول في الصلاة أن يقول للناس حسنا. قال تعالى: "وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة". يعني الكلمة الطيبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة، الكلام الحسن الذي تقوله للناس في ميزان حسناتك يهيئك للصلاة، ثم إذا بك وأنت تخرج من الصلاة تتذكر هذا المعنى أن هذه الصلاة أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأن هذه الصلاة إنما هي تربي الإنسان من أجل التعامل مع الأكوان فينهيها بالسلام، والسلام هو تحية المسلمين عندما يواجه
أحدهم آخر يسلم عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام على من اتبع الهدى، والسلام هو ضد الحرب وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، إذن هذا هو الإسلام ونقولها أولا إننا أهل السلام وإذا أردنا أن نكون أهل السلام فليس هذا عن ضعف لأنه من الممكن أن يتوجه الإنسان للسلام عندما يكون ضعيفا حتى يرقق قلوب الآخرين عليه، بل على العكس عندنا أمر بالدفاع عن أنفسنا ولو
وصل هذا الدفاع إلى القتال والله سبحانه وتعالى يبين لنا أن القتال مخالف ما بني عليه الإسلام من رحمة ومن سلام يبين لنا ذلك في أول كلمة يبدأ بها القرآن "بسم الله الرحمن الرحيم" يبين لنا ذلك وهو يشرح لنا كيفية القتال وكيفية الدفاع عن النفس يبين لنا هذا وهو يشرح لنا غرض القتال وأهدافه وألا يكون للدنيا وعدوان واحتلال واستعمار وأخذ ونهب الثروات الأخرى هكذا يبين الله لنا هذا المقام وهو يقول وقاتلوا في
سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الظالمين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين. ما هذا؟ هذا تعليم أن هدف القتال لا بد أن يكون في سبيل الله، إننا لا نقاتل إلا من يقاتلنا، إننا دعاة سلام، إننا
لا نعتدي، إننا ننتهي بمجرد انتهاء الاعتداء. نحن ندعو إلى السلام من قوة وليس ندعو إلى السلام من ضعف، هذا هو المسلم. ما الذي حدث في التاريخ؟ الذي حدث في التاريخ أن المسلمين وهم في المدينة يأتيهم الآخرون المشركون مقاتلين في بدر، يأتونهم أيضا في أحد، يأتونهم مرة ثالثة في الخندق. لم يذهب المسلمون هنا وهناك بل دافعوا عن أرضهم وعن كيانهم وعن ذاتهم ضد أقوام يريدون العدوان المستمر، لم ينسحبوا بسبب ضعف أو جبن، وإن السلام الذي لديهم ليس سلاما مبنيا على الضعف، بل هو سلام مبني على القوة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن
القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل فيه خير إلا أن المؤمن القوي هو مبتغى الدين وهو أصل المسألة، وكيف أكون قويا عندما أبني سلامي لا من ذلة ولا من خضوع ولا من قهر وإنما أبني سلامي وأنا قوي فأمتنع عن إيذاء الناس بل وأدافع عن حقوق الإنسان وأدافع عن عمارة الأرض وأمنع الفساد فيها بكل قوة. من قبيل السلام إننا نقول للعالم ثانيا ندعوكم إلى الإيمان بالله لأننا أصبحنا في قرية واحدة والإلحاد الأسود ليس
له مكان بيننا وبعد هذه الرحلة التي رحلها العقل البشري فإن العلم يدعو للإيمان ولذلك فإننا نؤمن بالله وندعوكم إلى الإيمان بالله ثالثا نقول لهم ونحن نعرض هذا الإسلام إننا ندعو إلى حسن الجوار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يأمرنا في كيفية التعامل مع الآخر الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وفي رواية يرحمكم من في السماء بضم الميم وكأنه يدعو لمن رحم من في الأرض النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا إننا نتعامل
مع الحيوانات تعامل الرحمة فيقول دخلت امرأة النار في هرة حبستها قطة صغيرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ويقول دخلت امرأة بغي من بني إسرائيل الجنة في كلب وجدته عطشان فسقته ويذكر مرة أخرى أمثال هذا فيقول له الصحابة أإن لنا في صدقة يا رسول الله قال إلا أن في كل ذات كبد رطبة صدقة ويتحدث عن النبات ويتحدث عن الحيوان فما بالك بالإنسان وجعل الله علامات الإفساد في
ترك هذه المعاني العالية ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد صورة واضحة أن الفساد في الأرض متعلق بإهلاك الحرث والنسل وأن من أفسد في الأرض يهلك الحرث والنسل فهو معدود من المفسدين حتى لو أشهد الله على ما في قلبه فكما أخرج الأصبهاني في
حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن آدم بنيان الرب وملعون من هدم بنيان الرب نقول للعالمين إن حسن الجوار والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بسابع الجار وقال لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه يجعله من الورثة من شدة وصية جبريل لسيد الخلق أجمعين ليبلغنا إياها هذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فنحن ندعو ثالثا إلى حسن الجوار نحن أيضا رابعا وقد أصبحنا في قرية واحدة ندعو إلى البحث عن المشترك فإن
المشترك بيننا وبين بني البشر أكبر مما يتصوره الإنسان إذا ما فكر وحده، هناك مساحة واسعة جدا للمشترك البشري الإنساني. لو أننا فكرنا وحدنا قد نرى مواضع الخلاف كثيرة، خاصة إذا ما أصدرنا الأحكام العقائدية في هذه المقارنات، ولكن عند التأمل والدراسة نجد أمرا عجيبا غريبا وهو أن مساحة الاشتراك أكبر جدا من مساحة الاختلاف، هذا لا يعني عدم وجود الاختلاف، هناك اختلاف في العقائد ونحن نعتز بعقائدنا ونعتز بقرآننا وسنة نبينا ونعتقد اعتقادا
جازما في صحتها ونعتقد اعتقادا جازما في أننا على الحق، ولكن نحن لا نكره أحدا على أن يعتقد مثل اعتقادنا ولا نريد من أحد أن يزدري أدياننا. أو أن يسيء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم نحن مع احترامنا لجميع الأنبياء الذين أصبح الإيمان بهم جزءا لا يتجزأ من حقيقة الإسلام ليست بيننا وبين أحد مشكلات إننا نؤمن بعيسى وموسى وإبراهيم بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يعاملنا أي يعلمنا التعامل مع الآخرين حتى في شأن المجوس الذين نجهل هل
كان زرادشت نبيا أم لم يكن نبيا، وهل كتابهم موضوع أم أنه كتاب إلهي، حتى مع هذا يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، ونحن نؤمن بالتوراة ونؤمن بالإنجيل ونؤمن بكل خلق رفيع، فنحن نبحث عن المشترك، ولا يعكر هذا البحث ما ورد في القرآن من نعي متكرر على الصفات القبيحة التي ينبغي على كل الناس أن يستنكروها وأن يردوها، القرآن علمنا الإنصاف علمنا العدل فقال ود كثير من أهل الكتاب ود الطائفة من أهل الكتاب إذا فهناك عدم
عدوان على الناس بسبب أديانهم ولا عقائدهم وإنما هناك إنكار للتحريف للتجبر لإحلال الحرام وتحريم الحلال وجعل واسطة بين الإنسان وبين ربه صفات أنكرها القرآن ولكنه بالنسبة للناس لأفراد الناس فإنه احترمهم وجعل منهم بالعدل والإنصاف من يسارع في الخيرات ومن إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك ولكن منهم أيضا من إن تأمنه بدينار لا يؤديه إليك إلا ما دمت عليه قائما في إنصاف
لم يعلمنا التعميم والتشويش في التعميم بل علمنا الإنصاف أننا نبين خامسا للعالمين أن المقاصد الشرعية الخمسة تمثل النظام العام الذي اتفق عليه البشر، حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان وحفظ المال على الإنسان وإتاحة الحرية في هذا. نظام عام لم يخالفه إلى الآن أحد من البشر، لعل بعض مدارس ما بعد الحداثة المتطرفة أو ما بعد ما بعد الحداثة أو القائلة بالنسبية المطلقة ترى أنه يمكن مخالفة هذا وأنه يمكن
في يوم من الأيام كما ورد في بعض الروايات الأدبية أن يبيع الإنسان نفسه للقتل فنقتله أو يقتله في سبيل أن يعطيه مالا يعطيه لأبنائه أو شيئا من هذا القبيل، خيال واسع لانفلات نعم نحن ضده ولسنا معه هذا الخيال الواسع ونقول إن هذا فساد في الأرض ولذلك فنحن ندعو إلى فكرة المقاصد الشرعية التي هي النظام العام والآداب التي التزمت بها كل القوانين في الأرض حتى الآن وربنا سبحانه وتعالى يسترنا ألا نشاهد هذا العصر الذي فيه الانشقاق الأكبر حيث تذهب المقاصد ويعيش الإنسان عيشة أدنى من عيشة الحيوان في الغابة.
سادسا وأثناء عرضنا للإسلام بصورة لافتة للنظر للعالمين فنحن نقوم مقام الشهادة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. شهداء جمع شهيد وشهيد على وزن فعيل وفعيل في لغة العرب تصلح للدلالة على اسم الفاعل. والدلالة على اسم المفعول وتصلح للدلالة عليهما معا، فكلمة شهيد معناها الشاهد والمشهود
فاعل ومفعول، والوسط هو أعلى الجبل فتخيل نفسك أنك في أعلى الجبل تشاهد الناس في سفح الجبل وهم يشاهدونك. أريد أن أدعو إلى الله بالحال قبل المقال، أريد أن أدعو إلى الله بصورة لا تصد الناس عن الله بصورة البيان لا فيها هجوم على الآخرين ولا فيها ردود على من أساء إلينا بل نسير في طريقنا كما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام البيان هذا بيان للناس الوسطية هذه التي بمعنى الشهادة والمشهودية
والعلو في أعلى الجبل لأن أعلى الجبل أوسطه هي التي تحقق لنا ما نقول وهو الذي نريد أن نواجه العالمين به، انظروا إننا نحترم الإنسان، الأصل في ديننا الرحمة، نبحث عن المشترك، ديننا مبني على السلام، ديننا يقدم الإنسان قبل البنيان، يجيب على كل المشكلات التي لدى البشر، ديننا دين يستحق الدراسة والاستماع، وتراكم الأجيال التي شوشت عليه ينبغي أن يزول. ديننا دين إنصاف وعدل وبرهان لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى هذا
الذي نريد أن نواجه به العالمين فيما يمكن أن نقول عرض الإسلام بصورة لافتة للنظر خاصة وقد أصبحنا في قرية واحدة شكرا لكم وإلى لقاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته