وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 05 | كيفية الاستفادة من الحضارات الأخرى

وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 05 | كيفية الاستفادة من الحضارات الأخرى - قال الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من المبادئ التي ندعو إليها ونتبعها وننطلق منها مبدأ الاستفادة من الحضارات الأخرى، الاستفادة بالحكمة حيثما وجدناها وأينما حصلنا عليها، وهذا مبناه أن الإسلام نسق مفتوح في مصادره في الكتاب والسنة وفي تاريخه. في تجربة المسلمين وواقعهم حيث فتحوا قلوبهم وعقولهم للعالم واستفادوا من
كل حكمة في المشرق والمغرب وأفادوا ولم يمنعوا أي علم من أن ينتشر وأن ينتقل إلى العالمين، هذا هو حالهم في الكتاب والسنة حيث استناروا بذلك وهذا هو حالهم في واقعهم التاريخي. أول آية في الفاتحة بعد البسملة الحمد لله رب العالمين، ومن هنا تأتي عالمية الإسلام حيث وجه الله خطابه إلى العالمين "وما أرسلناك إلا للناس كافة"، إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى العالمين،
إلى كل أحد، حتى أنه قد أرسل إلى الجن والإنس "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، نعم هو رحمة حتى للسابقين عليه. واللاحقين به من آمن به ومن لم يؤمن لم يكن رحمة لبعضهم ونقمة على بعضهم بل هو رحمة للعالمين لكل أحد من الناس ويظهر هذا جليا وبوضوح في عقيدة المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه البخاري سوف يشفع في العالمين كلهم يوم القيامة حيث يأتي الناس إلى آدم ثم يأتي الناس إلى نوح ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى وكل واحد منهم
يعتذر ويرشد إلى أخيه ولكن يصل الأمر إلى سيد الخلق فيقول أنا لها أنا لها ويذهب فيسجد تحت عرش الرحمن كل هذه الأحاديث التي تصف مشهدا من مشاهد يوم القيامة تؤسس للعمل في الدنيا تؤسس لأن نقول إننا نفيد ونستفيد من العالمين وأن قلوبنا مبناها هذا النسق المفتوح وأن هذا مبدأ أساسي في سيرنا في هذه الحياة الدنيا من المبادئ التي نؤكد عليها وندعو الناس إليها كيف يحدث هذا من الناحية العملية الحمد
لله من الله علي بأن اشتركت في تأسيس مؤسسة تسمى بالمكنز الإسلامي والمكنز الإسلامي يهتم بأمور منها الانطلاق من القمم التي وصل إليها مثلا الخط العربي، الانطلاق من القمم التي وصل إليها التجليد تجليد الكتب المملوكي، الانطلاق من الزخرفة التي وصلت إلى غايتها وإلى منتهاها في العصر المملوكي أو في الفن المغولي أو في الفن التركي، الانطلاق من هذا وإعادة
هذه الحضارة وإعادة اليقظة لها لأنها لم تمت وإن كانت قد خبت ولم يكن لها الريادة إلا أن الإنسانية كلها في اعتقادنا وفي مبادئنا تحتاج إلى هذه الحضارة لكي تعود مرة أخرى بما تشتمل عليه من رموز وبما تشتمل عليه من جمال وبما تشتمل عليه من رقة في المشاعر والإحساس ولذلك قامت هذه المؤسسة والحمد لله رب العالمين وشاركنا فيها قامت بتطوير الحرف العربي كيف ذلك لقد قامت بالبحث في الحرف
العربي في الطباعة ووجدنا أن صندوق الحرف العربي الذي كانت تستعمله المطابع الأميرية في أول أمرها قبل تطويره كان يشتمل على أكثر من ألف عين أو أكثر من ألف شكل للحرف لكل حرف وهذا العدد جاء من أن الحرف العربي يختلف شكله فمثلا الألف المفردة تختلف عن الألف التي تتصل بآخر الكلمة أو التي تقع في وسط الكلمة، والكاف في أول
الكلمة تختلف عن منتصف الكلمة وتختلف عن آخر الكلمة وهي متصلة، وآخر الكلمة وهي منفصلة، وهناك حروف قبلها ولا تتصل بما بعدها مثل الواو والدال والذال والراء والزاي، وهناك حروف تتصل بما قبلها وبما بعدها مثل السين والشين والعين والغين وهكذا، وهناك حروف لا تتصل بما بعدها لكنها تتصل بما قبلها مثل الألف. إذن الحروف على أنواع ومكانها في الكلمة يختلف في الرسم، وكذلك يتفنن الفنان المسلم قديما في رسم هذا الحرف فيرسم الكاف بطرق مختلفة،
ولذلك لدينا خط يسمى بخط الرقعة وخط يسمى بخط النسخ وخط يسمى بالخط الديواني والريحاني والتاجي إلى آخر أنواع الخطوط، نحو أربعين نوعا من أنواع الخطوط. بحثنا فيما كتب به المصحف الشريف أي الخطوط أجمل وأكثر راحة للعينين وأكثر جذبا. لبهائها ورونقها فوجدنا ذلك متوفرا بقمة في مصحف الملك فؤاد رحمه الله تعالى ملك مصر وهنا جئنا لنبحث عن صندوق حروف
هذا المصحف الشريف الذي كتب في آخره أنه كتب أصله بخطه الشيخ محمد خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية وإن كان في هذه المعلومة وهي مكتوبة في آخر المصحف الذي أصدره الملك فؤاد سنة ألف وتسعمائة وواحد وعشرين وفاز هذا المصحف في إتقانه وجماله بجائزة معرض فرانكفورت للمطبوعات على مستوى العالم إلا أن بعض الخطاطين يشككون في ذلك ويقولون إنما كتب الشيخ محمد خلف الحسيني أصله الرسمي بمعنى الرسم العثماني بخطه وإنما هذا خط الخطاط
المشهور جعفر بك المعلومة معلومة يتناقلها الخطاطون شفهيا فيما بينهم لعلهم يملكون أدلة أو براهين، ولكن المكتوب فعلا أن هذا خط محمد خلف الحسيني، وعلى كل حال سواء كان بخط فضيلة الشيخ محمد خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية وأن هذا خطه فعلا أو هو بخط جعفر بك الخطاط المشهور فإنه خط بديع رائق. له قصة وهي أن الملك فؤاد أراد أن يخرج المصحف على أحسن وجه فأتى بالشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي من تركيا وهو خطاط عظيم وأمره أن يخط له مصحفا فكان
الخطاطون المصريون قد غضبوا أو استاؤوا بأنه كيف يستورد لنا خطاط من تركيا ونحن هنا لدينا من الخطاطين الفنانين ما الله به عليم وقد وصلوا إلى الغاية في الكتابة وكان الخطاطون في هذا العصر يعتبرون الخطاط عندما يصل إلى كتابة المصحف يعني من كتب المصحف يعد حينئذ خطاطا وكأن هذا الخط وضعه ابن مقلة من أجل كتابة كتاب الله ومما ورد في هذا المعنى أن ابن مقلة أوحى الله له تسديس الخط كما أوحى للنحل بتسديس بيوتها وللفنان
أحمد مصطفى رسالة علمية في تفسير هذا التسديس وكيف كان من المسدس داخل الدائرة وكيف أن الألف هي ميزان الحروف نال بها الدكتوراه من جامعة لندن وتترجم الآن إلى العربية حتى يعلم الناس مدى الفلسفة الكامنة وراء الخط العربي وأنه كتب بنسبة إلهية فاضلة تناسب كتاب الله الذي نزل بنسبة إلهية فاضلة جعلته نظما يختلف عن الشعر ويختلف عن النثر ويختلف عن كلام الناس وهو من الألفاظ العربية اللغة التي يستعملها الخلق وهو مسموع ومفهوم وعلى الرغم من ذلك فإن سياقه وسباقه ونظمه يختلف اختلافا كليا عن كلام البشر
يعرف هذا العلماء والراسخون، بل ويسمع هذا كل من رتل أمامه القرآن حتى إن الأداء الصوتي يؤكد أنه ليس من كلام البشر. هذه عقيدة المسلمين وهذا هو الذي نلقى الله سبحانه وتعالى عليه. لما غضب الخطاطون من مجيء محمد عبد العزيز الرفاعي أمره الملك فؤاد أن يخط مصحفا وفي الحقيقة كنت أظن أن هذا المصحف محفوظ في دار الكتب المصرية كما ورد ذلك في بعض الأخبار التي في المجلات والصحف وما إلى ذلك، لكن بالبحث في دار الكتب المصرية لم نعثر على هذا المصحف، فلعله في الخزائن التي لم تصنف بعد أو لعله قد كان في مكتبة
الملك فؤاد احتفظ به لنفسه أو شيء آخر من هذا القبيل ولكنه على كل حال عندما بحثنا عنه حديثا لم نجده في دار الكتب المصرية، هذا المصحف الذي هو بخط محمد عبد العزيز الرفاعي والذي وردت إلينا الأخبار متواترة بأنه أكمله فعلا وأنه أتمه في عهد الملك فؤاد وطبعه الملك فؤاد لم يكن بخط محمد خلف الحسيني رحمه الله وهو المطبوع الآن الذي فيه نزاع هل هو لمحمد خلف الحسيني أم لجعفر بك هذا البحث عن صندوق هذا الكنز الذي يعد أرقى حرف
كتبت به الطباعة العربية من ناحية أكثر من خمسين مطبعة في بيروت وفي مصر تبدأ بالأميرية ثم تطوير الأميرية أربعمائة وخمسة وعشرين حرفا، ثم تطوير ذلك حتى وصلنا إلى الآلة الكاتبة التي كانت تحتوي على مائة وأربعين شكلا فقط للحروف من ألف وثلاثمائة وخمسة وسبعين إلى مائة وأربعين. كلما اختصرت الحروف كلما كان الخط أقل جمالا ولكن كتبت باللغة العربية كتابات كثيرة في المطبعة. العربية لما رأينا أن أعلاها هو ما كتب به مصحف الملك فؤاد انطلقنا منه عندما
ننطلق نريد شكل الحروف فلم نجدها وجدنا أن المطابع الأميرية قد تصرفت فيها باعتبار أنها شيء باعوه للناس ولم يحتفظوا به باعتبارها معادن قديمة أو شيء من الخردة التي تباع وإنا لله وإنا إليه راجعون فعملنا أكثر من أربع سنوات بالحاسوب الذي اخترعه الغرب متعاونين مع شركة ألمانية في الطباعة في ألمانيا حيث نشأت المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي استفدنا من هذه الحضارة ووصلنا إلى فك الحروف بحيث أمكننا بعد ذلك أن
نكتب بهذه الحروف أي كتاب وطبعنا الكتب السبعة بعد تحقيقها على المخطوطات بهذا الحرف وخرجت هذه الكتب في نحو ستة عشر مجلدا مضافا إليها ثلاثة مجلدات أخرى حتى يصل المجموع إلى تسعة عشر مجلدا هي عبارة عن تصوير للنسخة البولاقية المشهورة بالسلطانية لصحيح البخاري صورناها كما هي بأخطائها وبأحوالها وبشكلها وتنظر إلى الفرق ما بين صندوق حروف الأميرية الذي كان هو أعلى أنواع الجمال ومقارنة
بصندوق حروف الملك فؤاد فتجد البون شاسعا وأن مصحف الملك فؤاد كتب بطريقة أجمل بكثير جدا من صندوق الحروف المطبعية بالمطبعة الأميرية في أعلى حالات كماله وجماله فكان هذا أعلى منها فانطلقنا منه واستطعنا بواسطة الحاسوب الغربي ألمانيا الغربية أن نستفيد من حضارة الآخرين من أجل تطوير شكل الحرف المطبعي العربي، إذا كان هذا العمل قد يستهين به بعضهم ولكن لا، وصلنا إلى مرحلة حضارية يمكن
أن نطبع بها جميع المطبوعات وجميع الكتب التي تصدر بفضل تمكننا وامتلاكنا لهذا الحرف العربي الجميل الذي يعبر عن فلسفة كامنة هذا الحرف الذي بين كل حرف وآخر نسبة إلهية فاضلة تشبه نسبة الدائرة واحد وعشرين على سبعة التي نستطيع أن نصل من خلالها إلى مساحة الدائرة وإلى محيط الدائرة وإلى التفاضل والتكامل وكل هذه العلوم التي بنيت، هذه علوم بنيت من تأمل الكون ومن استخلاص ما وراء هذا الكون من تدبير الحكيم ولذلك كان فيثاغورس ينسب إليه
أنه كان يعبد الرياضيات أو العدد، وهو لم يكن يفعل ذلك، بل كان يرى أن الرياضيات دليل على وجود الله سبحانه وتعالى وأنه حكيم ومبدع، لأننا كلما فكرنا بالتفكير المجرد في أذهاننا وجدنا ما فكرنا فيه موجودا في الكون الخارجي، فكيف يكون هذا؟ التطابق أنا لم أخلق الكون إذن فهناك من خلقني وخلق الكون وهذا الذي خلقني وخلقه هو الذي وضع هذه الأحكام خلال هذه العملية إذن فتطوير الحرف العربي استفدنا فيه من الآخرين إذن فهناك علاقة بيني وبين ذلك الرجل الألماني غير المسلم
الذي نعمل معه على تطوير هذا الحرف ووصلنا معه إلى هذه الغاية، ففي مساحة مشتركة بيني وبين الناس، ليس فقط أن يقتلوني وأن أقتلهم وأن أرهبهم وأن يرهبوني وأن أهددهم وأن يهددوني، هناك مساحة مشتركة يمكن بها شيوع الجمال ورقة الإحساس وحسن الهيئة وحضارة ينبغي علينا أن نمنحها للعالمين، وكل الناس في حاجة إليها، فعلنا مثل هذا مع الزخرفة. أدخلناها
من كتاب ممتع ألفه مدير المتحف البريطاني السيد مارتن لينجز، مارتن لينجز رجل إنجليزي ووصل إلى مرتبة مدير المتحف البريطاني وله اهتمام بالمصحف الشريف وأسلم مارتن لينجز عندما كان عمره ثلاثين أو ثمانية وعشرين عاما وحسن إسلامه وألف في السيرة النبوية كتابا ممتعا بالإنجليزية استحق عليه جائزة الدولة المصرية في المجلس الأعلى للشؤون
الإسلامية في الثمانينيات، وهذا الكتاب أيضا يعد للترجمة إلى اللغة العربية لما فيه من فوائد وعجائب وغرائب حول سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفوائد ليست في غيره من الكتب. ألف كتابا حول روائع الخط العربي من خلال المصاحف المكتوبة كمصحف السلطان شعبان. الذي كتبه ياقوت المستعصمي، والمصحف الذي كتبه ابن البواب الخطاط المشهور، وهكذا ومن خلال الزخرفة التي تطورت عبر التاريخ حتى وصلت
إلى العصر المملوكي ثم العصر العثماني، وتأمل في الألوان وفي فلسفتها وتأمل في روائع هذا الخط العربي، هذا رجل إنجليزي ولكنه أسلم، إذن الإسلام نسق مفتوح وهناك قاسم مشترك بيني وبين الآخرين أستطيع أن أستفيد منهم، ما الذي فعله؟ ترك لنا شيئا عظيما جميلا لا ينكر أحد جماله. طبع هذا الكتاب باللغة الإنجليزية وكنت حريصا على أن يترجم إلى اللغة العربية، وقدمت له مقدمة أتحدث فيها عن ملخص ما توصل إليه من فلسفة الألوان ودلالاتها عند المسلمين. هذه حضارات يستفيد بعضها من بعض أخذا
وعطاء غير منفصلة عن عمارة الأرض، هذا الكتاب أخذنا منه الأشكال الزخرفية ومن غيره المملوكية وأدخلناها إلى الحاسوب، وجدنا معهدا في بريطانيا اسمه معهد فيتا وفيتا هذا مهتم بهذه الزخرفة المملوكية وبتطويرها، هناك برامج لتحليل اللوحة التي أمامنا، هناك برامج من أجل تعليم الناس كيف ينشئون لوحة جديدة لم تكن من قبل فإذا رأيتها نسبتها إلى الفن المملوكي
هناك برامج في الحاسوب تستطيع بها أن تجمع بين خصائص لوحات مختلفة دون تنافر لا في الألوان ولا في الخطوط نحن في هذه الزخرفة أمام استعمال للخطوط الهندسية النقطة والخط والدائرة والمربع والمثلث وتركيبات كل هذا من المثمنات والمخمسات والمسدسات والمسبعات إلى آخره، وعالم آخر من الخطوط الهندسية يستعمل في الزخرفة. هناك أيضا التعشيبات النباتية وكيف تتوافق بعضها مع بعض من ناحية الشكل،
وكيف تتوافق أيضا من ناحية الألوان ومن عناصر أخرى كثيرة لا أريد أن أستفيض فيها. هناك أيضا رموز رأيناها في الكلام التركي. شجرة الحياة وعين الحياة والطائر وأشياء لها دلالات وكيف أنه في كل شيء له آية تدل على أنه واحد وأن الله سبحانه وتعالى تجلى أمامنا في هذا الكون بصفاته فنحن نرى الحكمة والإبداع والإحياء والإماتة والرزق والخلق والرحمة نراها بأعيننا في عالم النبات وفي عالم الأسماك وعالم البحار وفي عالم الحيوان وفي عالم
الإنسان في أفلاك السماء وفي تخوم الأرض نراها بأعيننا وكيف نستطيع أن نستفيد من خلق الله لسمكة ملونة وإبداع هذا الخالق العظيم في الألوان ما بين البرتقالي والبني أو بين الأزرق والأحمر أو بين الأخضر والأصفر وهذا الإبداع الإلهي كيف نستفيد منه ونحوله إلى لوحة فنية تخرج إبداعات الإنسان بعد معاناة وبعد تدريب وبعد علم وبعد ملكة وبعد موهبة ربانية يعطيها ربنا سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده اشتغلنا في هذا الجانب استفدنا
من معهد فيتا استفدنا أيضا من تراثنا استفدنا من هذا الاهتمام البليغ الذي ينبغي أن نبدأه نحن لأننا أبناء هؤلاء الذين أبدعوه وصنعوه وعلموه ونشروه، نحن أبناؤهم، ولكننا ما دام غيرنا قد سبقنا إلى هذا فيجب علينا أن نهتم به وأن ندرس هذه الحالة. أخرجنا أربعا وعشرين لوحة من كتاب مارتن لينجس، كتاب مارتن لينجس في كثير من اللوحات قد يصل العدد فيها إلى مائتي لوحة، أي إننا أخرجنا نحو عشرة في المائة إحدى عشرة في المائة مما في الكتاب كإصدار أول للوحات يفتخر بها الإنسان سواء في مقام الزخرفة
أو في مقام كتابة المصحف وهو الأمر الذي اختص به كتاب مارتن لينجز الذي سمى نفسه بعد أن أسلم أبا بكر سراج الدين رحمه الله تعالى ذهبنا وطبعنا هذه اللوحات في كوريا لأننا وجدنا هذا المكان أنسب الأماكن وأرقاها من ناحية التقنيات الحديثة وأعلاها من ناحية جودة الورق في هذا المقام، إذن فهناك مساحة مشتركة يمكن أن نعمل عليها قد يستخف بها بعض الناس وقد يرى في ذلك أمرا ثانويا أو
قد لا يراه مطلقا وهو حر في ذلك نبين مبادئنا التي سرنا عليها والتي نلقى الله سبحانه وتعالى بها والتي نوجد من خلالها المشترك الذي نتحدث عنه كثيرا، نحن نستفيد من الحضارات في كل مكان وبالإضافة إلى تطوير الخط العربي وإلى الزخرفة المملوكية والتركية بالإضافة إلى إحيائها وبالإضافة إلى البحث في فلسفتها وبالإضافة إلى تدريب الناس عليها وبالإضافة إلى استمرارها وانطلاقها بواسطة الحاسوب وتقنياته
من أجل إحداث شيء هو منها ولكن ليس مشابها لها أو ليس تقليدا لها، إنما هو غائص في مناهجها ومستعملها. الغوص في المناهج وعدم الوقوف عند المسائل والأشكال، هذه فلسفتنا، هذه مبادؤنا التي نوضحها. أضفنا إلى ذلك تجليد الكتب بعد تطوير الحرف. والزخرفة طورنا الكتاب وتجليده، أتذكر أن شيخي الشيخ أحمد مرسي رحمه الله تعالى كان يتحدث عن شيخه الشيخ محمد راشد، عندما تشكلت هيئة كبار العلماء سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة، كان الشيخ محمد راشد
هو الاسم الأول في هيئة كبار العلماء، كان الشيخ محمد راشد هو أستاذ التفسير في الجامع الأزهر الشريف قبل إنشاء الكليات بربع قرن كان الشيخ محمد راشد هو إمام الخاصة الخديوية فكان إماما للخاصة الخديوية أيام الخديوي عباس حلمي من هو الشيخ محمد راشد الذي كان من الأتقياء الأنقياء ذكر مرة أمام الشيخ محمد أمين البغدادي النقشبندي قال له ليس لي من عمل إلا أنني أصلي ركعتين بالليل لا يعلم عنهما أحد حتى أهلي وإنني لم
أترك الركعتين والحمد لله أبدا لا في إقامتي ولا في سفري ولا في مرضي ولا في صحتي ما هذا، هذه الاستمرارية إنما هي المنهج النبوي صلى الله عليه وسلم هذا هو المنهج النبوي والعجيب الغريب أن يوفقه الله سبحانه وتعالى أن يستر عن أهله سره في الركعتين، هذا أمر لو حاولته لعرفت عمن نتكلم. نحن نتكلم عن عالم كان الشيخ أحمد مرسي يصفه فيقول رحمه الله تعالى: الشيخ محمد راشد في يوم من الأيام وفي ساحة الأزهر وبدأت السنة وجاء الوقت
لتفسير الحواميم، والحواميم في القرآن سبع متتاليات. في ترتيب المصحف فقال أحد الطلاب وكان من الصعيد بلهجته الصعيدية الشائقة يا مولانا ألا تأتي لنا بـ حم الله أعلم بها وبتفسيرها نريد أن نسمع منك شيئا تفسر لنا هذه الحروف المقطعة وتفسر لنا حم فرد عليه الشيخ محمد راشد قال له هل تريد أن أجلس معك لتفسير هذه درسا أو أسبوعا أو شهرا أو سنة، فقال
له: كم من الوقت تحتاج لذلك يا سيدنا؟ قال له: أستطيع أن أجعل السنة لتفسير حم. قالوا له: لا، اجعلها شهرا، فاتفقوا على شهر وجلس الشيخ يفسر حم ويكتب الطلاب خلفه حتى وصل في آخر الشهر إلى ستة وخمسين تفسيرا لحميم. ثم قال واعلموا يا أبنائي أن كل حميم أخرى غير هذه الأولى لها معاني أخرى غير هذه التي ذكرتها لكم فالشيخ أحمد مرسي رحمه الله يتحدث عن هذا العالم يقول كان يذكر أشياء غريبة من كتب الأدب ومن
كتب التاريخ ومن كتب اللغة ومن قواميسها ومن كتب الفقه ومن كتب علم الكلام والأصول وما إلى ذلك، ولا يقصر نفسه على كتب التفسير، ويأتي بالعجائب من هذه الكتب فيما يتعلق بما يفسره رحمه الله تعالى. أقول كل هذا من أجل أمر في حياة هذا الشيخ الجليل يتعلق بموضوعنا الذي نتحدث فيه، وهو أنه قد ذهب إلى تركيا ليتعلم. تجليد الكتب وتذهيبها كيف تذهب الكتب وكيف تجلد فسافر إلى تركيا في شبابه ليتعلم ذلك وكانت
لديه مكتبة كبيرة ضخمة كلها مجلدة وكلها من تجليده هو الذي جلدها ما الذي يجعل عالما من هيئة كبار العلماء ومن المفسرين العظام ومن الذين يثق فيهم الخديوي فيجعله إماما له وهذا الرجل الذي تحدثنا عنه أنه يذهب إلى تركيا ليتعلم تجليد الكتب، أي أن تجليد الكتب هذا مسألة مهنية، لكنه يرفض ذلك لأنه كان لديه من الإحساس وكان لديه من المشاعر وكان لديه من تقدير الجمال وكان لديه من الحالة الروحية مع الكتب أنه يجب أن نحترمها وأن نجلدها
على وجهها بمنظر جميل للمحافظة على الكتاب تدهورت صناعة التجليد لدينا وأصبحت ظاهرا وباطنا لا تؤدي وظيفتها وأصبح التجليد لا علاقة له بفن التجليد الذي سبقنا في الماضي وسبقنا في الحاضر، لا بد لنا أن نعود مرة أخرى. اهتمام الشيخ محمد راشد بالتجليد كان اهتماما يبين لنا أن هذا الأمر مهم وأن هذا الأمر ليس من نافلة القول وإن له علاقة بالإنسان الذي من مبادئنا أنه مقدم على البنيان، ولذلك
اهتممنا بإحياء القمة التي وصل إليها التجليد المملوكي. درسنا وفتحنا ورشة وجئنا لندرب الناس فيها، تعثرنا وفشلنا لبعض الصفات التي شاعت في عصرنا من الاستهانة ومن عدم الرغبة في التعلم وغير ذلك. لكننا مستمرون على قول ابن الوردي في منظومته اللامية لا تقل قد ذهب أربابه كل من صار على الضرب وصل وهناك أيضا ونحن نسعى للاستفادة من الآخرين في عالم أصبحنا
نعيش في قرية واحدة كما نقول فلما كان مبدؤنا أن نستفيد وأن نفيد فإننا رأينا أن نستفيد من التقنيات الحديثة في الاتصالات والتقنيات الحديثة في الاتصالات ولأنه مبدأ من مبادئي التي أحاول أن أنشرها وهي لا اعتراض عليها من أحد وإنما لا بد أن تكون مركزا من مراكز الاهتمام وأن تكون في بؤرة الاهتمام ففتحنا في دار الإفتاء المصرية ما يسمى بالرقم المختصر مائة وسبعة وفي هذا ما يسمى أيضا بالإنجليزية
مركز الاتصالات، أي مركز الاتصالات. في مركز الاتصالات تتصل بهذا الرقم مجانا فيجيب عليك أستاذنا ويرشدك إلى كيفية التعامل، فتسأل سؤالك وتأخذ لهذا السؤال رقما، ونحن خلال أربع وعشرين ساعة نجيب على الأسئلة. يستمع إلى هذه الأسئلة أمناء الفتوى ثم يجيبون عليها بأصواتهم، ثم بعد أربع وعشرين ساعة تتصل بالرقم وتدخل رقمك رقم سؤالك فتسمع الإجابة من أمين الفتوى بصوته، أليس في هذا استفادة من
هذه التقنيات الموجودة بدلا من التدمير؟ أليس في هذا تعمير؟ أليس في هذا اتصال وقيام هذه المؤسسة بواجبها الاجتماعي؟ نعم يجب علينا أن نتأكد من استعمال هذه التقنيات فيما يفيد، إذا نظرنا الرقم القصير هذا نجد أننا طورناه طبقا لكل التطورات في التقنيات الحديثة واستطعنا باستعمال هذه التقنيات أن تكون الإجابة بعد اثنتي عشرة ساعة فقط، ونحاول بعد ذلك
أن تكون الإجابة بعد ست ساعات فقط، ونحاول بعد ذلك أن تكون الإجابة فورية. لم نصل إلى هذا الحد. لماذا؟ نحن نخزن هذه الأسئلة وهذه الإجابات ونحاول إنشاء ذكاء اصطناعي يستطيع أن يجيب على السؤال إذا كان مكررا لأن أسئلة كثيرة تسأل عن وعن الغناء وعن اللحية وعن تقصير الثوب وعن زيارة الأضرحة وعن التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا ونريد أن ننشئ نظاما يجيب على أسئلة الميراث وكل هذه تقنيات فتحنا بها أنفسنا على الحضارات الأخرى واستفدنا منها وطورنا أنفسنا كلما تطورت هذه
الأمور، بل ونحاول أن نبتكر وأن نخترع طرقا جديدة في إنشاء هذا الذكاء الاصطناعي قد لا تكون مكتوبة في الكتب، وبذلك نحاول أن نشارك في بناء الحضارة الإنسانية. إن تخزين هذا فن له أصوله والتصنيف لهذا فن له أصوله وكل هذا علم يشغل الناس ولكنه يشغلهم في عمارة الأرض ولا يشغل فكرهم في كيفية تدمير الأرض وتدمير الإنسان أيضا الاستفادة من التقنيات الحديثة والاتصالات وكذلك نراها في التعليم عن بعد والتعليم
عن بعد يظن الناس أنه يكون في اتجاه واحد والتعليم عن بعد يظن الناس أنه يكون في اتجاه واحد والأمر ليس كذلك، بل إن التعليم عن بعد إنما هو في اتجاهين، بمعنى أن الطالب الذي سوف يتلقى مني سوف يحادثني وأحادثه ويراني وأراه. هناك صنف يكون في اتجاه واحد وهناك صنف يكون في اتجاهين، الذي هو في اتجاهين يكون قد تجاوز المكان واستطاع أن يتجاوز المكان وهذا ما يسمى بالإنجليزية المؤتمر الهاتفي أي ثلاثة أشخاص في بلدان مختلفة يتحدثون معا وكأنهم في مؤتمر واحد وفي مكان واحد
وإن تباعدت الأقطار وإن تباعدت الأميال فيما بينهم، كيف ننشئ هذا ونحول الكتب الدراسية الورقية إلى مادة إلكترونية تدخل في هذا المقام؟ هذا له فن وأصول نقوم بهذا الحوار وهذه المحادثة التي تسمى الآن الدردشة، أي محادثة بين طرفين حوار وليست مناجاة، فن له أصول. بعض الإخوة الذين يعترضون على التعليم عن بعد لم يطلعوا على حقيقة الأمر وأنه سيكون في اتجاهين وأن الامتحان سيكون
بوضع معين مناسب لهذه المسألة حتى نتأكد من التحصيل الصحيح وأن الأمر لن يكون هكذا كمن يشاهد التلفاز أو يشاهد البرامج فيحدث ما يحدث ويمر عليه ويفوته ما يفوت، أبدا لن يكون كذلك، وإنما هو بطريقة معينة لها أصول فنية ينبغي للمعترض أن يطلع عليها ثم بعد ذلك له رأيه وحريته أن يقول إنني أرفض التعليم عن بعد أو أنني أوافق على التعليم عن بعد، ولكن ليعلم أن التقنيات قد صارت في طريقها مسارا عجيبا غريبا وقطعت أشواطا كبيرة، وليعلم أن
هذه الأصول الفنية الآن قد انتشرت في العالم واتخذت واعتمدت من الأكاديميات العالمية ومن الجامعات التقليدية، وأنه ونحن أهل علم كمسلمين أمرنا بالعلم كمسلمين، والعلم أساس ديننا كمسلمين، ينبغي علينا إلا تفتن هذه المشاركة وهذا التدريب وهذا التجاوز للمكان وقد يكون للزمان وإننا ينبغي علينا أن نستفيد من الحضارات الأخرى كما إننا نحب أن يستفيدوا منا ولا يكون ذلك إلا بالمشاركة وإلا بالبحث عن المشترك كما قدمنا مبدؤنا واضح صريح محدد ينبغي علينا أن
نتمسك به هذا المبدأ يقول يجب علينا أن نستفيد من الحضارات الأخرى كما يجب علينا أن نشارك في بناء الحضارة الإنسانية حتى يستفيد الناس منا، هذه لمحة لكيفية استفادتنا من الحضارات الأخرى وأهمية وجودنا في المشاركة العالمية وأهمية لفت النظر إلينا باعتبارنا أصحاب حضارات وحضارة باقية حتى لو نامت فإنها لم تمت أبدا وستستيقظ قوية مفيدة العالمين وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته