وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 06 | الموقف من البيئة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه من مبادئنا التي نهتم بها وننطلق منها وندعو الناس إليها أننا نهتم بالبيئة ولنا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك أساس ومنطلق لما تأملنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خرجنا بالأسس التالية أولا أن الله سبحانه وتعالى بين لنا أن هذا الكون
الذي حولنا بيننا وبينه علاقة وهذه العلاقة حددها سبحانه وتعالى بأن هذا الكون يسبح وأن هذا الكون يسجد وأن هذا الكون خاشع لربه عابد لربه وإننا ينبغي أن نكون كذلك حتى نكون في تيار الكون ومع تيار الكون لأننا إذا تخلينا عن عبادة الله سبحانه وتعالى فإننا نكون ضد تيار هذا الكون الذي خلقه الله وإننا يجب علينا وجوبا مؤكدا
رعاية هذا الكون وأن هذا الكون المحيط بنا له حقوق قد لا تكون الحقوق بالمعنى القانوني وقد يعترض القانونيون على أن نسمي هذه العلاقة بالحقوق لكننا نستعمل الكلمة العربية في دلالتها المعجمية وأن الحق إنما هو الثابت وأنه ثابت علينا كأفعال وجوبية التعمير دون التدمير هذا أولا وهو الأساس الذي يشعر أحدنا فيه بأنه وإن كان مخلوقا من مخلوقات الله إلا
أن هذا الكون المسبح الساجد العابد قد سخر لنا وهو لخدمتنا ومن أجل ذلك ولأن هذا يعد مسخرا لنا يجب علينا أن نؤدي إليه بعض حق ما يقوم هو من جانبه لنا من التسخير وهذا الأداء يكون عن طريق التعمير هذا الذي أقوله لكم وهو مبدأ من مبادئي التي أتوغل في شرحها وأزيد وأعيد في ذكرها مبدأ من المبادئ التي أرى أنه يجب على المسلم المعاصر أن يتفهمها وأن
يعيشها نراها بينة في كتاب الله وسنة سيدنا رسول الله كأساس أول هو يقول سبحانه وتعالى هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها أي طلب منكم عمارتها لأن الألف والسين والتاء تدخل للطلب إذا فالآية واضحة أنه أنشأنا من هذا الكون فنحن بهذا المعنى جزء من هذا الكون إلا أننا قد فضلنا على هذا الكون كله حتى أسجد الله ملائكته لآدم وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين إذ
خلق الله آدم وفضله على كثير مما خلق تفضيلا ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا، إذن فالأمر واضح في هذا المجال وهو أنني وإن كنت من الكون إلا أنني سيد في هذا الكون ولست سيدا للكون، فإن سيد الكون هو الله سبحانه وتعالى. الحمد لله رب العالمين وأن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحه والنجم والشجر
يسجدان يسجد له ما في السماوات وما في الأرض ويسجد لله ما في السماوات هنا في هذا الكون للعبادة وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون مجموعة هذه الآيات تبين هذه المبادئ التي ذكرناها من كون الكون يسبح ويسجد وأنه سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأنه مسخر لنا وأن الإنسان منه ولكنه مكرم ومفضل
وأسجد الله الملائكة له إلى آخر ما هنالك من مبادئ تعد هي الأساس الأول لتعاملنا مع هذا الكون. النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نراعي النبات ويأمرنا ألا نفسد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل ويأمرنا أن نحترم الحيوان وأن نعمل على حمايته، وإذا تأملنا في هذا المعنى وجدنا الأحاديث كثيرة فيما أخرجه البخاري وغيره، وجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من بيده فسيلة أن يغرسها ولو كانت الساعة قد قامت، وأنه ما من زارع يزرع
زرعا يأكل منه الطير والحيوان والإنسان إلا وله ثوابا له ويأمرنا بعدم الإفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل ويقول ربنا ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ويأمرنا أن نؤدي الزكاة عما زرعناه وعما أثمرت به الشجر في حدائقنا فهذا الكون له علاقة بالإنسان وله علاقة بالتكافل الاجتماعي ويأمرنا بعدم الإسراف ويقول سبحانه وتعالى كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. القضية
الثانية إذا بعد تأسيسي أن هذا الكون له حقوق تسمى حقوق الأكوان يدخل فيها حق الإنسان وحق الحيوان وحق النبات وحق وهذا هو الذي يدفع أهل التصوف إلى أن يقولوا كما ورد في كتبهم أن هذا الجماد يسبح، ولذلك فليس لك ولا عليك أن تهينه. ومن الأدب أنك إذا دخلت لا تدفع الباب دفعا لأنه يسبح. هذا التعامل الرقيق مع الأكوان من غير عنف ومن غير إسراف ومن غير تدمير هو في دين الإسلام في التعامل مع
البيئة ثانيا يؤكد الإسلام فكرة التوازن الطبيعي ولذلك أمرنا عندما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو تمثال أو صورة قال ذلك وفي أول الأمر أمر بقتل الكلاب هذا المخلوق الذي لا يعجب الملائكة ولا يريد الملك أن يدخل في بيت فيه هذا وتأخر جبريل على سيدنا رسول الله فسأله عن ذلك
فقال له هناك جرو أي كلب صغير في بيتك لكن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيه ألا تفعل ذلك فإنها أمة من الأمم ولذلك بعد ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب بناء على اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم في أن هذا الحيوان كأنه يضايق الملائكة أو لا يعجب الملائكة، أوحى الله إليه بألا يبقي على الكلاب فأبقى على الكلاب وقال كنت أمرتكم بقتل الكلاب ثم أوحى الله إلي بأنها أمة من الأمم فهذه هي فكرة الحماية وهي الفكرة التي توصل إليها الناس
بعد معاناة مع البيئة هي فكرة المحميات الطبيعية التي يحمى فيها الحيوان ويحمى فيها الكائنات المائية ويحمى فيها النبات ويحمى فيها غير ذلك. القضية الثالثة أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا أن نفسد البيئة من حولنا، إذن فإحداث التلوث الذي يلوث البيئة في البر وفي الجو وفي الهواء كل ما يؤدي إلى ذلك فهو محرم في دين الله. لي كلمة قد لا يتفق معي فيها كثير من الناس وهي أن المسلمين
لو كانوا هم الذين اخترعوا القطار والسيارة والطائرة لكانوا اخترعوها في وقت وبطريقة لا تسبب تلوثا في البيئة، فهذا حال المسلمين عبر منذ القرون الماضية إذا دخلت المتحف الإسلامي في باب الخلق بالقاهرة وجدت هذا الزير الذي يملأ بالماء وكيف يتعامل معه المسلمون لتوفير الماء وعدم الإسراف فيه بالرغم من وجود النيل ومن قلة السكان في مصر عبر التاريخ الإسلامي كيف كانوا حريصين على عدم الإسراف في
الماء لو تأملت في هذه بأعلى مسجد محمد بك أبو الذهب تملأ حتى يأكل طير السماء لو تأملت فيما كان في منطقة بيت القاضي وراء سيدنا الحسين من مساقي الكلاب التي وضعت كوقف من أجل أن يشرب منها الكلب الضال رعاية لأنه في كل ذات كبد رطبة أجر لعرفنا معنى هذا المعنى الثالث وهو التلويث البيئة أو ضياع البيئة بالمعنى الصحيح لو وجدنا مثلا وتأملنا
في حضارة المسلمين وفي تاريخ المسلمين وفي مصادر المسلمين لوجدنا الاهتمام بالبيئة التي تنبه إليها الناس أخيرا ووضعوا كثيرا من المقاييس بشأنها يذكرني ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية والله لا يأتونني بخطة يعظمون فيها حرمات الله إلا قبلتها منهم من المشركين، وفي رواية لأحمد: والله لا يأتونني بخطة يصلون فيها الرحم إلا وافقتهم عليها. إذن
نحن نوافق على كل خطة رشيدة من كل أحد، ونقول إن الاهتمام بالبيئة قد أمرنا به في الكتاب والسنة وقد نفذناه في تاريخنا، ونحن موافقون الآن على كل ما يحمي البيئة من تلوث أو يحميها من تدمير أو يؤدي إلى تعمير أو يؤدي إلى توازن طبيعي كما خلقه الله سبحانه وتعالى أو يؤدي إلى منفعة الإنسان وأن يعيش أكثر استقرارا، نريد أن نقضي على التلوث السمعي لأن الله سبحانه وتعالى حتى عندما أمرنا بالدعاء أمرنا أن يكون بين الخفوت وبين العلو
وإلا نرفع أصواتنا بالدعاء ويقول النبي صلى الله عليه وسلم إنكم لا تدعون أصم فاربعوا على أنفسكم انظروا إلى الكلام الذي يمنع من التلوث السمعي والتلوث البيئي والتلوث البصري كل ذلك له أدلة وله كلام طويل وله أسس ولكن الأسس التي نريد أن نؤكد عليها أننا كإنسان نرى أنه في الكون وليس سيدا للكون، ونرى أن الكون له حقوق تسمى بحقوق الأكوان وهي تفوق حقوق الإنسان بمعنى أنها تشتمل على حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق النبات وحقوق
الجماد، ونرى أن العلاقة بيننا وبين الكون مبنية على الرحمة وأن الرحمة متى وجدت فهي طريق الجنة وأن العنف إذا وجد فهو طريق النار يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ولو تأملنا حديث الرجل الذي سقى الكلب فدخل به الجنة لوجدنا أن الرجل يمثل الإنسان والكلب يمثل الأكوان وأن العلاقة لما كانت علاقة رحمة كان هذا من طريق الجنة وإذا رأينا أن دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. إن هذه المرأة تمثل الإنسان والقطة هذه تمثل الأكوان،
وإن العلاقة لما كانت علاقة العنف كان هذا طريق النار. هذه هي وجهة نظر المسلمين وهذا هو مبدؤهم ومنطلقهم، لا يأتون بخطة رشيدة إلا قابلناها. منهم ما دامت تعمر ولا تدمر، تفيد وتستفيد، ما دامت تحافظ على التوازن الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في الأكوان، ما دامت بهذه الطريقة قدمت الإنسان على البنيان، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته