وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 07 | أحكام الشخصية الاعتبارية

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من مبادئنا أننا نعيش عصرنا ولا نترك أصلنا، لأننا نؤمن أن الإسلام جاء دينا من رب العالمين إلى عباده أجمعين إلى يوم الدين، ولأننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا فيما أمرنا فقال: خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وإننا والأمر كذلك لا بد من دراسة واقعنا ومن خلال دراسة واقعنا
فإن من المبادئ التي ندعو إليها ونؤكد عليها ونرشد الناس لدراستها التفريق بين الأحكام المتعلقة بالشخص الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وجعل له نفسا ناطقة وعقلا وكلفه تكليفا مباشرة وبين الشخصية الاعتبارية المعنوية التي لا يمثلها أحد بعينه وإنما بصفة يتصف بها، هذه الصفة قد تكون محدودة وهذه الصفة قد تكون مؤقتة وهذه الصفة قد تكون متغيرة وهذه الصفة قد تكون متطورة وهذه الصفة قد تكون
جماعية وليست فردية وقد تكون فردية كذلك وهكذا فإن هناك فرقا بين الشخصية الطبيعية والشخصية الشخصية الطبيعية المعنوية أو الاعتبارية لها موعد في الميلاد وهي شخصية واحدة لها عقل مفكر ولها ما يسمى بالنفس الناطقة والعقل المفكر والنفس الناطقة مع القلب الذي هو مؤمن يمثل كل ذلك ذمة قابلة لأن تنشغل بالواجبات وقابلة لأن
تأخذ الممتلكات وقابلة لأن تكون عليها حقوق ولكن ما زالت في دور العقل والقلب والنفس، النفس الناطقة قد تكون نفسا أمارة بالسوء، قد تكون نفسا لوامة تلوم صاحبها على ما يصدر منه، قد تكون نفسا ملهمة، وهذه النفس الملهمة قد تكون راضية أو مرضية أو مطمئنة أو كاملة، فالنفس درجات، وهذه الدرجات تجعل الإنسان يخشى عليه من الانطباعات ومن الرغبات ومن الشهوات لكن
النفس المعنوية الاعتبارية ليس لها نفس ناطقة كهذه، بل هي شخصية هذه الشخصية لها حقوق وعليها واجبات محددة بموجب لائحة قد أنشأتها الشخصية الاعتبارية تتجاوز حياة الأفراد وتتجاوز شخصيتهم، بل وتتجاوز ممتلكاتهم أيضا فهناك فرق في الواقع بين الشخصية الطبيعية والشخصية الاعتبارية نرى في الفقه وهم يتحدثون عن الكفالة ويذكرون أنها من باب رفع الضيق عن الصديق
إذا فهي شهامة، حتى عندما وصفوها قالوا أولها أي الكفالة شهامة وأوسطها غرامة وآخرها ندامة، وذلك أن الشخص الشهم الذي كفل أخاه من باب رفع الضيق عن الصديق وجاء موعد الدين ولم يسدد هذا الأخ المكفول فسددت أنا عنه لأنني كفيل ولأنني ضامن فلما سددت عنه تحققت الشهامة ولكن تحقق معها الغرامة إنني دفعت عنه دينه وعندما
يقول وآخرها ندامة معناها أن المكفول رفض أن يسدد لي هذا الدين لأن الدين تحول الآن من الدائن الذي أخذ حقه منصرفا والدائن الجديد الذي هو الضامن والكافل فإما أن أستمر في الشهامة وأعفو عنه وأسامحه وأما أن تمثل هذه عندي غرامة حقيقية فيحدث لي الندم أن دخلت في هذا الذي ليس في طوقي أو ليس في استطاعتي ولست قادرا على إكماله فتحدث الندامة، كل هذا الأمر لا يوجد عندما تكون الأمور مجردة، هناك مؤسسة تضمن أحدهم بضمان
ليس فيه علاقة الصداقة ولا ارتفاع الضيق عن الصديق وإنما فيه عمل وتيسير لذلك العمل وأن هذا الإنسان ليس مضمونا الضمان الكافي عند الطرف الآخر الدائن، ولذلك يحتاج إلى من يوسع له ذمته فوسع ذمته بهذه المؤسسة التي لا علاقة للصداقة بها لأنها ليست لها نفس ناطقة وليست لها عقل مفكر بل لها لوائح ونظم ولذلك عندما يأتيني الفقهاء القدماء ويتحدثوا بأن الكفالة لا يجوز أخذ الأجر عليها لأنها من باب رفع الضيق عن الصديق أصدقهم في ذلك ويستمر هذا
الحكم كما هو وكلما ضمن أحدهم أخاه فإنه يسير على تلك الأحكام القديمة التي رآها الفقهاء ورؤيتهم فيها حق وأخذ الأجر على الكفالة أمر أجازها الجعفرية ولم يجزها الأئمة الأربعة، ولو سرنا بفكر الأئمة الأربعة لكان ذلك أيضا صحيحا ولا مشاحة في أن نجعل هذه العلاقة من باب رفع الضيق عن الصديق وأنها شهامة وأنه لا يجوز للإنسان أن يطالب أخاه بزيادة عن هذا المبلغ لأنه نوع من أنواع المديونية ولأن الأجر حينئذ يضيع. معنى الشهامة ولأنه تكون فيه شبهة للمديونية مع الزيادة وحينئذ
فإن هذه الزيادة تكون شبهة للربا وحينئذ تكون محرمة، كلام كله متسق وسليم مائة في المائة، إلا أن المؤسسة ليست علاقتها هي علاقة الشهامة إنما هي علاقة العمل وعلاقتها ليست هي علاقة الصداقة حتى يخشى على النفس قلة الشهامة والمروءة. وعندما تأخذ أجرا تأخذ أجرا محددا لا علاقة له بما إذا دفعت الدين عنه أو لم تدفعه عنه، وإنما تأخذ أجرا مقطوعا لقاء شهادة وتعهد تشهد به وتتعهد به أمام الآخر بأنها سوف تسدد إذا عجز الطرف المدين عن السداد، فلا
شبهة ربا ولا شبهة في الكرم ورفع الضيق. عن الصديق متوفرة في الشخصية الاعتبارية إنما هي متوفرة في الشخصية الطبيعية، الشخص الطبيعي لا يجوز له مثلا أن يبيع وأن يشتري من نفسه لأن هذا عبث لا فائدة فيه، أن يكون هو البائع والمشتري وهو شخص واحد، السلعة كانت في ملكه فانتقلت إلى ملكه، فهذا يسمى عند العقلاء تحصيل الحاصل وتحصيل الحاصل باطل لأنه لا فائدة
فيه، ولكن لو أن مؤسسة كمؤسسة المصرف لها فروع وأن فرعا أراد أن يقترض من فرع آخر، هي مؤسسة واحدة لكن لها وجوه مختلفة، فيجوز لذلك الفرع أن يقترض من هذا الفرع الآخر وبعد ذلك يسدد هذه الديون، وارتبطت هذه الأمور بسياسات ضريبية. بأرباح تكون محققة أو أرباح وهمية وارتبطت هذه الأمور وأصبح لها معنى كنا لا نجده في أن يستدين الإنسان من نفسه أو أن يبيع الإنسان لنفسه
ولكن وجدنا لها معنى عندما تعددت وجوه الشخصية الاعتبارية والأمثلة كثيرة جدا تبين أن الأحكام الفقهية قد تختلف باختلاف الشخصية لأن هناك مساحة مشتركة بين الشخصية الطبيعية والشخصية المعنوية كل منهما له بداية وكل منهما قابلان للتملك وهما قابلان أيضا للحقوق والواجبات ولكن تختلف هذه عن تلك بأن الشخصية الطبيعية
لها نفس ناطقة ولها عقل مفكر والشخصية الاعتبارية ليست كذلك وتختلف أيضا بأن الشخصية الطبيعية لها وجه واحد والشخصية الاعتبارية ليست كذلك فبقدر تختلف الأحكام وبقدر الاتفاق تتفق الأحكام وهناك جهات أربع تختلف باختلافها الأحكام الشرعية، هذا كلام موروث وجدناه في كتبنا الفقهية ومسلم به. تختلف باختلاف الزمان وتختلف باختلاف المكان وتختلف باختلاف الأحوال، ويبقى اختلاف رابع وهو
بقية الجهات الأربع التي تختلف بها الأحكام وهي اختلاف الأحكام باختلاف الأشخاص. والمكان والأحوال والأشخاص تختلف الأحكام باختلاف الزمان، فإذا تغير الزمان وتغيرت الأعراف تختلف الأحكام الفقهية تختلف في صورتها لا في حقائقها، وفي المجلة العدلية التي وضعها الأحناف يقولون لا ينكر اختلاف الأحكام باختلاف الأزمان في الأحكام التي بنيت على العرف، وتكلم الناس كثيرا عن هذا المعنى وكيف يؤثر العرف في
الفتوى وفي اختيار الأحكام وإنما ذلك الاختلاف الزمان معنا مثال وهو أن في قرية ما وفي زمن ما كان الناس يحرسون البهائم أن تعتدي على الحقول وعلى النباتات صباحا وفي المساء صاحب الزرع هو الذي يحمي زرعه ثم بتطور الزمان انعكس الحال فأصبح الناس يحمون زروعهم في النهار وأصحاب الماشية يحمون مواشيهم بالليل، فإذا اعتدت الماشية بالليل في الصورة
الأولى فلا ضمان، فالتقصير واقع على صاحب الزرع. وفي الصورة الثانية التي فيها حماية الماشية بالليل لو اعتدت الماشية على الزرع يكون هناك الضمان على صاحب الماشية. الضمان في هذه الصورة على صاحب الماشية، والضمان في هذه الصورة على صاحب الزرع. تغيير الحكم هو في حقيقته لم يتغير في حقيقته أنه ناسب العرف لأن الحماية في الأول كانت على صاحب الماشية فضمنا الزارع والحماية في الثانية كانت على صاحب الزرع فضمنا صاحب الماشية كانت على صاحب الماشية فضمنا الحماية إذا لم يتغير الحكم وهو
أننا نراعي من الذي عليه الحماية ثم نبني عليها حتى لو اختلف الزمان يختلف الحكم الفقهي باختلاف دار الحرب ودار الإسلام ودار الحرب ودار الإسلام كلمات فقهية زمنية كانت موجودة أيام ما كان العدوان مستمرا على المسلمين حتى ذهب الفقهاء إلى هذا التقسيم هذا تقسيم ليس شرعيا وإنما هو تقسيم زمني رأيناه وكذلك تختلف الأحكام باختلاف البقاع في ديار المسلمين وديار غير المسلمين، ففي ديار غير المسلمين حتى لو لم تكن دار حرب يجوز للمسلم العقود الفاسدة كما يذهب إلى ذلك أبو حنيفة ومذهبه. لماذا؟
قال لأن هذه الدار ليست محلا لإقامة الإسلام، الناس لا يعرفون إسلاما ولا يريدون إسلاما، وهذا يساعدنا في الاندماج وفي التعايش بعض الناس ينكر ويريد أن يحول كاليفورنيا إلى دار الخلافة، هذا كلام غير واقعي لا يعرفه الفقه الإسلامي. صحيح أن الإمام الشافعي ومالكا وأحمد يقولون بأن العقود الفاسدة محرمة على كلا الطرفين، لكن لا نختار فقها وهو أنها على مذهب الأحناف ولهم أدلتهم الكثيرة. تختلف الأحكام باختلاف الدارين، هذا هو الاختلاف. مراعى في الزمان ومراعى في المكان كذلك مراعى في الأحوال، فحالة الضرورة ليست كحالة الاختيار. رأينا المصريين وهم يجيزون الدفن في الفساقي على خلاف
المقرر في الفقه وذلك للضرورة. رأينا الأحناف وهم يتحدثون عن عموم البلوى وذلك ضرورة قد تبيح بعض المعاملات قد تكون في الأرض في مكة وكيف كانوا يعيشون وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته