وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 13 | أسس الاختيار الفقهي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من المبادئ التي نسير عليها والتي ينبغي أن نتحدث حولها أسس الاختيار الفقهي، وهذه كلمة قد تكون مركبة وتحتاج إلى شرح طويل؛ لأن المجتهدين تعددوا وتعددت رؤاهم وتعددت مدارسهم عبر العصور. هناك أكثر من ثمانون مجتهداً أو يزيد في طبقة ما بعد الصحابة الكرام، وفي الصحابة اجتهد كثيرون
عدّهم ابن القيم في كتابه الماتع "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، كان منهم المكثرون وكان منهم المتوسطون وكان منهم المقلون، والمقل قد يكون له فتوى أو اثنتان، وأما المتوسط فله عشرة أو له عشرون، أما المكثر ففتاويه. تجمع في جزء نحو عشرين من الصحابة كانوا قد بلغوا مرتبة الاجتهاد الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خاصة
سيدنا علي الذي قال فيه عمر بن الخطاب قضية ولا أبا حسن لها لأنه كان أقضى الصحابة وأفقه الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. كان هناك العبادلة وكلمة عبادلة أتت. من كلمة عبد الله كان هناك عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وهكذا، وهؤلاء العبادلة اشتهروا بالفقه والنبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم، وكان هناك زيد أفرضكم زيد، وناهيك بها، كان زيد بن ثابت أفرض. الصحابة وأكثرهم
اشتغالاً بالميراث حتى أن الشافعي قد أخذ مذهب زيد وقال به كما هو لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفرضكم زيد". إذاً فالصحابة فيهم من المجتهدين كثير، وبلغت بعض النساء كأمهات المؤمنين عليهن السلام كعائشة الصديقة بنت الصديق وكأم سلمة أيضاً إلى مرتبة الاجتهاد، وعائشة لها ما استدركته. على الصحابة وعائشة لها تفردات من هذه التفردات في الفتوى أنها أفتت بجواز بيع كسوة الكعبة وجعلها في مصالح البيت المعظم وهذه
لم يقل بها أحد من الصحابة قبلها وكانوا يدفنون كسوة الكعبة تعظيماً لها وحتى لا تُمتهن هنا أو هناك ولكن رأت السيدة عائشة أن تخالف هذا وأن يبيعوها. للناس ليتبركوا بها ولتؤخذ هذه الأموال لتجعل في مصالح البيت، فقه كثير روي عن الصحابة الكرام، كان هناك بعد ذلك جيل التابعين، وكان منهم أيضاً فقهاء، فهناك فقهاء المدينة السبعة، سالم وغيره، فيما يطول الكلام به. بعد ذلك
رأينا أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي، ورأينا الحمادين، ورأينا السفيانين. سفيان الثوري وسفيان بن عيينة: رأينا مجموعة ضخمة من المجتهدين وصل عددهم إلى نحو ثمانين من المجتهدين عبر العصور، خاصة أولئك الذين أكثروا من الصحابة. فلو جمعناهم، لا يعني، قاربوا التسعين. إذاً، فأنا معي ثروة كبيرة من الفقه، كل مجتهد له أصوله التي نظر بها إلى الكتاب والسنة، له أصوله. التي وثق بها تلك المصادر له أصوله التي فهم بها هذه الأحكام واستنبطها وترك لنا
هذا الزخم وهذا الفقه الكثير من هنا. وعندما ننتقل إلى النقطة الثانية بعد ما فهمنا أن هناك مذاهب كثيرة فقهية وردت إلينا بصورة مدونة لافتة للنظر، يجب علينا أن نعلم أن الفقه الإسلامي عندما تكلم... عن مسائله تكلم عن القطعي والظني، مساحة القطعي هي التي تمثل هوية الإسلام. ولقد تكلمنا في مرة سابقة عن القطعي وعن الظني. مساحة القطعي ليس فيها اختيار لأنني لا أجد رأيين أمامي، بل
أجد رأياً واحداً اتفق عليه المسلمون شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً، كبيرهم وصغيرهم، مجتهدهم وعاميّهم، ولذلك فلا اجتهاد. مع هذا الإجماع وهنا يأتي مقام الإجماع ومدى أهمية هذا الإجماع فإنه هو الذي يحافظ على هوية الإسلام. كل المسلمين يتوجهون في صلاتهم إلى البيت الحرام في مكة، كل المسلمين يصلون الظهر أربعة ويصلون المغرب ثلاثة، ويرون أن المفروض على المسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، يصومون شهر رمضان ولم يختلفون فيه هل هو رمضان أو شعبان، كل هذا مساحة قطعية لا يمكن النقاش فيها كتحريم الخمر والخنزير والربا والزنا
وحِلّ البيع وحِلّ الزواج وهكذا. هوية الإسلام لا اختلاف فيها والحمد لله رب العالمين الذي حفظ دينه وحفظ مصادره: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. إذا انتقلنا إلى الدائرة... الظنية فإننا نجد فيها اختلافاً للفقهاء. في "الرعاية الكبرى" لابن حمدان وهو من الحنابلة، يروي عن أحمد وحده أكثر من ثمانية عشر قولاً في مسألة واحدة. ويروي أكثر من تسعة أقوال في مسألة أخرى. أحمد بن حنبل يغير رأيه، ولكنه كان مجتهداً عندما صدر منه هذا وهذا وهذا، إنما غيّر. اجتهاده إما لمزيد من التفكير وإما لحديث
جديد وصل إليه وإما لأنه غيّر رأيه في توثيق حديث ما إلى آخر أسباب اختلاف الفقهاء والتي ألف فيها كثير من العلماء. هذه الأسباب تأتي في مرحلة التوثيق، فبعضهم يصحح الحديث وبعضهم يضعفه على قواعده، وتأتي في مرحلة الفهم، فأدوات كل إمام من الأئمة. تختلف وتأتي في مرحلة التطبيق، وتأتي في مرحلة الإلحاق والقياس، وتأتي في الاختلاف حول مفاهيم معينة أو مداخل معينة، إلى آخر ما هنالك من أسباب قد تعود مرة إلى اللغة، وقد تعود مرة إلى الشريعة، وقد تعود مرة إلى أصول الفقه، إلى آخر ما هنالك.
ألّف فيها كان دهلوي الإنصاف. في أسباب الخلاف ألّف فيها ابن تيمية رحمه الله تعالى، وألّف فيها من المحدثين الشيخ علي الخفيف، وهكذا أسباب اختلاف الفقهاء كثيرة، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين سبباً من أسباب اختلاف الفقهاء. لدي ثروة كبيرة، عندي قطع لا يُناقش فيه، وعندي ظن قد اختلفت فيه الآراء، حاول العلماء... عبر العصور أن يبيّنوا موقفهم من هذا الخلاف أولاً قَبِلوا هذا الخلاف، وثانياً في الميزان الخضرية للشيخ الشعراني أو في الميزان
الكبرى يحاول الشيخ الشعراني أن يبيّن أن كل أولئك كانوا على الحق لأنهم بذلوا الجهد واستعملوا الأدوات السليمة فتوصلوا بإذن الله تعالى إلى أحكام مختلفة، فهذا هو مراد الله. سبحانه وتعالى وأن هذا الاختلاف بين الفقهاء إنما هو واقع بين الرخصة والعزيمة. هذه وجهة نظر الإمام الشعراني ووجهة نظر من سبق الشعراني مثل الإمام العثماني، فإنه لما ألّف "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" ذهب نفس المذهب الذي ذهب إليه بعد ذلك الإمام عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة تسعمائة. خمسة وسبعين من الهجرة النبوية أنه عندما يقول الشافعي بأن لمس المرأة ينقض الوضوء وأبو حنيفة بأنه لا ينقض، فإن هذا إنما
هو بين الرخصة والعزيمة، العزيمة مع الشافعي والرخصة مع أبي حنيفة، ولذلك فإن المؤمن يمكن أن يفعل هذا وذاك، وهنا تأتي المسألة الثالثة في أسس الاختيار الفقهي وهي قضية التقليد والتلفيق العام لا مذهب له، مذهبه مذهب من يفتي له. المقلد يقلد العلماء، أما أن يكون طالب علم فيقلد مذهباً واحداً، وإما أن يكون عامياً فيقلد من أفتاه ممن يثق في دينه وعلمه، ويجعله بينه وبين الله في تلقي الأحكام. ولكن نحن نتكلم عن الاختيار الفقهي، نتكلم عما... يفعله المفتي الفقيه
وهو لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد أو وصل إلى مرتبة الاجتهاد الاختيار الفقهي في حالة ما إذا كان المفتي لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد يرتبط بتحقيق المقاصد الشرعية أنه وهو يفتي كما تكلمنا قبل ذلك يكون بين النص وبين الواقع ويريد بذلك أن يحقق المقاصد الشرعية من حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان والملك له، فيريد أن يحافظ على هذه المقاصد، ولذلك لا يمكن أن تخرج فتوى تعود على أحد هذه المقاصد بالبطلان على مستوى الفرد أو المجتمع أو الأمة أو حتى على مستوى العالم والكون، فلا بد عليه أن يراعي
المقاصد الشرعية، لا بد عليه أن يراعي مصالح الناس، فإن هناك ما يسمى بعموم البلوى، فإن بلوى قد تنتشر بين الناس يضطر معها المفتي أن يقلد مالكًا وأن يترك أبا حنيفة، أو يقلد الشافعي ويترك أحمد بن حنبل، أو يقلد ابن حنبل ويترك الأوزاعي، وهكذا فيما لا نهاية له من الاختيارات. فإذا لم يكن مجتهدًا فإن... الاختيار الفقهي لا بد أن يكون مرتبطاً بالمصالح والمقاصد، ولابد أيضاً أن يكون في مجال الظن والاختلاف لا في مجال اليقين والقطع والإجماع. أما لو كان مجتهداً فإن وظيفة الاختيار الفقهي تكون حينئذٍ للاستئناس، فلا بد علينا أن نفهم هذه الكلمة "الاستئناس"، وهي
كلمة عبَّر بها الشافعي عندما تكلم عن... قولُ الصحابي فإن قولَ الصحابي لا يأخذ به الشافعي إنما يستأنس به، فالاستئناس مسألة معروفة عند المجتهدين الكبار منذ القديم، وهي أنه يطمئن عندما يرى الصحابة الكرام وهو لا يقلدهم، وإنما قد وافق اجتهاده اجتهادهم، وهذا الذي ورد عن بعض الأئمة الذين اتبعوا المذاهب في الظاهر وكانوا حقيقةً أنه من... المجتهدين كما قال ابن دقيق العيد: "ما قلدنا الشافعية ولكن وافق اجتهادنا اجتهاده"، وهكذا يقول أيضاً السيوطي أنه اجتهد في الفقه فوصل إلى مذهب قارنه بالمذاهب، فإذا به هو مذهب الشافعي،
إلا في سبعة عشر مسألة، كلها أقوال ضعيفة أيضاً في المذهب، فلم يسمِّ نفسه سيوطياً مثلاً أو ينسب إليه. مذهب جديد حيث أنه قد وافق الشافعية ووافق اجتهاده اجتهاد هذا العالم العظيم رضي الله تعالى عنه وعن جميع العلماء العاملين إلى يوم الدين. فالاختيار الفقهي وظيفته الاستئناس إن كان مجتهداً، ووظيفته إذا لم يكن مجتهداً ترتبط ارتباطاً عضوياً بتحقيق المقاصد والمصالح وعدم الخروج عن الإجماع. الاختيار الفقهي إذا قُضي.
أولًا مشروعة، ولقد أثير حولها مجموعة من الأسئلة في أواخر القرن التاسع عشر، رأيناها في كتب ألفت مع الإمام الباجوري ومع الشمس الأنبابي ومع الإمام الحلواني الدمياطي ومع آخرين في القرن العشرين، في أوائل القرن العشرين مع الشيخ محمد منصور ومع الشيخ عبد الفتاح الشنواني، وهكذا في كتب حول هذه. القضية هي قضية الاختيار الفقهي وكيف يكون، وهل يجوز أو لا يجوز. قضية
موقفنا من المذاهب المختلفة، وكيف نأخذ منها، وما أسس التلفيق إذا ما لفّقنا مرة نأخذ من هذا ومرة نأخذ من هذا ومرة نأخذ من هذا. هل هذا جائز؟ فأجازوه، أجازه جمهورهم. هل يمكن أن نأخذ بالقول الضعيف؟ حدث. كلامٌ والفَ أحد الناس رفع العتاب والملام عمن قال إن الأخذ بالضعيف من المذهب حرام. هذا يقف ضد الأخذ بالضعيف مطلقاً، وهذا معناه أن فريقاً آخر كان يأخذ بالضعيف مطلقاً. الجدل العلمي الذي حصل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في منتصفه الأول استقر
على مشروعية الاختيار الفقهي. وأنه ينبغي أن يتصل اتصالاً وثيقاً بالمصالح والمقاصد، وأنه يصدر من المشتغلين الراسخين في العلم ولا يصدر من كل أحد، وأن الاختيار الفقهي يتغير في مسلكه من عصر إلى عصر باعتبار تغير المصالح وباعتبار تغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. كل هذا استقر عليه الرأي بعد جدل فقهي أصولي أُلِّفت فيه. الرسائل وهي بين أيدي الناس إلى يومنا هذا طُبعت في أواخر القرن التاسع عشر والثلث الأول
أو النصف الأول من القرن العشرين حتى استقرت هذه القواعد في الاختيار الفقهي. نرى مثلاً مؤسسة مثل دار الإفتاء المصرية كانت تلتزم بالمذهب الحنفي في كل شيء وتفتي بالراجح منه والراجح في المذهب الحنفي. قد قد وليس دائماً قد يكتنفه (يكتنفوه) الغموض والاختلاف، ولذلك نرى أن ما اختارته المجلة العدلية باعتباره الراجح من المذهب الحنفي يخالف ما اختاره قدري باشا، العالم الحنفي الكبير وزير الحقانية المصري، في كتابه "مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان" أو في كتابه "الأحوال الشخصية" في أربع مجلدات، وهو...
مطبوع يختلف لماذا؟ لأن أسس الاختيار وأسس الترجيح وأسس اعتبار أن هذا الرأي هو الراجح وهو الأقوى تختلف من جيل إلى جيل ومن عالم إلى عالم. الفتاوى الهندية عندما وُضِعَت، وُضِعَت من أجل اختيار الأرجح، كما وُضِعَت المجلة من أجل اختيار الأرجح، ووُضِعَت كبداية للتقنين حتى يرجع إليها القضاء. التترخانية ولكن اختلف هذا مع المجلة ثم اختلف مع قدر باشا وكل ذلك يبين أن الاختيار الفقهي قد يختلف باختلاف الجهات الأربعة للتغير: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. بعد ذلك عندما جاء محمد عبده مفتياً للديار المصرية اقترح أن يؤخذ من المذهب المالكي ما يحل
مشكلة الناس ثم بعد ذلك بدأ. الاتساع في الأخذ حتى جاء الشيخ محمد فرج السنهوري وهو ينشئ الموسوعة الفقهية في سنة ألف وتسعمائة وبضع وستين، فإذا به يجعلها على المذاهب الثمانية، فوسَّع الدائرة بدلاً من الفقه الحنفي والاقتصار عليه كما كانت الدولة العثمانية. توسَّع إلى المذاهب الأربعة كما حدث في أوائل القرن العشرين وأواسط الأول. ثم بعد ذلك زاد الاتساع إلى المذاهب الثمانية فضمّوا إليها الظاهرية والإباضية والزيدية والجعفرية - والزيدية والجعفرية من فرق الشيعة - وكل هذه المذاهب الثمانية معمول بها إلى الآن، كتبها متوفرة وصلت إلينا، وأيضاً
يتبعها أقوام في مشارق الأرض ومغاربها، قلّوا أو كثُروا. الاختيار الفقهي إذا اعتُمد وبعد ألف وتسعمائة وستين. في عام ألف وثلاثمائة وثمانين بدأت الدائرة تتسع وأصبحت هناك حاجة لوضع أسس مضبوطة من أجل عملية الاختيار الفقهي تشمل تغيير المنهج، وهذا هو الجدل الذي حدث في أوائل القرن كما ذكرنا مع عبد الفتاح الشنواني ومحمد منصور والشيخ الحلواني من قبلهم في الحكم المبرم إلى آخره وقضية التلفيق والتقليد. وقضية المصالح والمقاصد وقضية
القطعي والظني والتيار الفقهي بعد ذلك أيضاً يتحدث عن قضية الأحوط، هل يمكن أن نختار بناءً على الأحوط؟ ما هذه الأسس التي ينبغي علينا أن نتبعها عندما نتبع الاختيار الفقهي؟ وهل الأحوط وسد الذريعة من هذه المسائل أم أنها ليست من هذه المسائل؟ إذاً هذه... الصورة مهمة ويجب أن تُكتب وتُدرس بجميع جوانبها وبأهم ما فيها، لأن التلفيق قد كُتب فيه والتقليد كُتب فيه والأحوط كُتب فيه، ولكن تغيير
النهج المتجمد وهو أنني في عصر أختار أبا حنيفة، ثم في عصر آخر أختار الشافعي، وفي موقف أختار أبا حنيفة، وفي موقف آخر أختار الشافعي، هو تغيير للنهج المتجمد. هذا يحتاج إلى كتابة وتوضيح لكنه على كل حال هو قائم في أذهاننا وهو أساس من أسس الاختيار الفقهي المضبوطة عندنا، ولكنه جديد حتى هذه الكلمة لم تُستعمل، إنما هي وصف لما حدث في الجدل العلمي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وضربوا لذلك مثالاً جرى حوله النقاش. كثيراً واختلفت فيه الآراء، وهو أن رجلاً قد تزوج على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان
من غير ولي، ثم إنه طلق زوجته هذه ثلاث مرات ووقع الطلاق. فأراد أن يغير المسلك وأن يقلد الإمام الشافعي فيبطل العقد الأول، يعني نحكم ببطلانه لعدم وجود الولي، وفعلاً هذا لو حكم به حاكم. شافعي لحكم ببطلانه لأن الولي لم يكن حاضراً أو راضياً وليس ركناً من أركان العقد حينئذ، وزوجت المرأة نفسها على مذهب أبي حنيفة النعمان، وعلى ذلك يحكم الشافعي ببطلان هذا الزواج. فالطلقات الثلاثة وقعت في غير محل حيث إنها وقعت في عقد باطل، وبذلك يجوز أن يرجع إليها بزواج جديد. على مذهب الشافعي
والولي حاضر، ويكون له ثلاث طلقات أخرى لأن الأول قد انتهى ولا يُنظر إليه. وقد أُثيرت ضجة كبيرة حول هذه القضية، لكنها قضية تغيير المسلك: هل يجوز هذا أم لا يجوز؟ إن هذا الأمر هو من المهمات التي ينبغي أن يهتم بها طلبة العلم وأن يدرسوها بدقة وبعمق. لأنها تفيد في الاختيار الفقهي. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.