وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 14 | التعايش

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه من مبادئنا التي ندعو إليها ونحاول أن نطبقها مبدأ التعايش والأصل الذي نعتمد عليه في هذا وفي فهمنا لدين الإسلام وشريعته وفقهه وتاريخه إننا نؤمن بأننا لا بد علينا ألا نضيع شيئا من دين الله وأن نفهمه فهما كليا يتسق بعضه مع بعض، نريد أن نستفيد مما
حدث في المدينة المنورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نريد أن نستفيد مما حدث في مكة من كيفية معيشة المسلمين في وسط المشركين، بل في مدينة ترفضهم ولا تريدهم في مرحلة كانوا فيها يختفون في دار الأرقم بن أبي الأرقم عندما يريدون أن يجتمعوا في مرحلة يكتم فيها أحدهم إسلامه في مرحلة فيها مواجهة ولو كانت فردية يعذب فيها ذلك الكافر بلال بن رباح في مرحلة يجير فيها المشرك المسلم في مرحلة أخرى
ظهر الإسلام وخرجوا بقوة مع خالد بن الوليد وخرجوا بقوة مع حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب في مدينة كهذه وجو كهذا نريد أن نستفيد منه كذلك المسلمون في الحبشة كيف كانوا يعيشون تحت سلطان ملك كان أولا غير مسلم وفي وسط مجتمع يرضى بهم وهم غير مسلمين وفي وسط مجتمع يستقبلهم استقبالا حسنا كيف كانوا يتعاملون كيف كانوا يشاركون في أمن البلاد أو
في مفاهيم الوطنية ولو كانت الحديثة، إذا لا نريد أن نضيع شيئا وليس معنى أننا لا نريد أن نضيع شيئا من هذه المصادر، ليس معنى هذا أننا نقول إن الأحكام تنسخ بعد استقرارها أو بعد عصر النبوة، هذا كلام باطل لا نقول به. ولا نقول أيضا أنه يجوز مثلا تغيير حكم الخمر فتصبح حلالا في عصرنا، بل هي حرام وأنا أرى في نفسي أنها كانت محرمة في كل دين، ولكن القضية ليست تغيير الأحكام بل الاستفادة من
التجربة التاريخية للمسلمين لأن زمن التشريع موضع لاستنباط الأحكام، هذه القاعدة هي التي ندعو إليها. في فهم الشريعة كذلك نحن نوسع الدائرة ونرى أن الأخذ من الكتاب والسنة وهو أمر معتمد ولا بد منه ويمثل أغلب الشريعة ينبغي أن يضاف إليه الأخذ من السيرة وطريقة توثيق السيرة اختلفت عن طريقة توثيق الحديث واختلف ذلك عن طريقة توثيق القرآن وموضوع السيرة هو شارح للمواقف والمواقف تشتمل
على أمور متراكبة مختلفة لها عنصر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، لها توازنات، لها مراعاة للمآلات والمقاصد والمصالح، فيها مرونة قد لا توجد في النص، فالنص مطلق ولكن المواقف قد تكون نسبية، ونحن في حاجة إلى تطبيق النص المطلق في واقع متغير، ولذلك نحن في حاجة لاستخراج مناهج فهم هذه المواقف. النسبية حتى تساعدنا على تطبيق المصدر المطلق النصوص الكتاب والسنة على
الواقع المتغير حتى نحقق مراد الله سبحانه وتعالى من شرعه. إذن فدعوتنا هذه ليست نوعا من أنواع الإنكار ولا النقد ولا الهدم، وإنما هي نوع من الإضافة ونوع من الاستفادة التي نحتاجها أشد الاحتياج في عصرنا الذي نعيش فيه. يوجد إذا تأملنا في التجربة الحبشية وإذا تأملنا في الفترة المكية وإذا تأملنا في الفترة المدنية بقسميها القسم الأول قبل إسلام جميع من في المدينة وطرد اليهود والقسم الثاني
بعد إسلام جميع من في المدينة وبعد إسلام من حول المدينة وبعد طرد اليهود هناك قسمان مختلفان وواضح الاختلاف أن يعيش المسلم في وسط اليهودي والمشرك وكذا إلى آخره وأن يعيش المسلم وحده في مجتمع تام ولكن هذه مسألة زمنية وليست مسألة تشريعية وعلى ذلك فينبغي علينا أن نفهم كيف كان يعيش المسلم الذي رضي الله عنه ورضي عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحبشة كيف كان يعيش في مكة كيف كان يعيش في المدينة أولا وآخرا، ثم كيف عاشوا بعد ذلك مع العالم، ماذا فعلوا عندما دخلوا مصر ودخلوا
الشام ودخلوا العراق ودخلوا ما وراء النهرين، ماذا فعلوا عندما دخلوا الهند وكيف كانت التجربة الإسلامية عبر التاريخ، كيف كان يعيش التجار مع الأفارقة الوثنيين وكيف دخل الإسلام إلى أفريقيا وإلى إندونيسيا وإلى ماليزيا وبأي طريق كان ذلك وماذا فعل أهل مصر مع الصحابة الكرام وهل تزوج الصحابة من غير المسلمات وعشنا عيشة هنيئة وأحب كل واحد منهما الآخر ونتج من هذا الحب ومن هذا الزواج أولاد انتسبوا إلى الإسلام وبدأ الإسلام ينتشر عن طريق الأسرة وكيف كان ذلك كل هذه النقاط:
التجربة الحبشية والمكية والمدنية بقسميها، ومعيشة المسلمين ودعوتهم في العالم، كل هذه العناصر التي ذكرناها تكون المفهوم الذي ندعو إليه وهو مفهوم التعايش. فالتعايش له مصادره سواء في النصوص أو في المواقف الموجودة في السيرة أو في التجربة التاريخية التي هي صحيح ليست مصدرا للتشريع وإنما تبين النجاحات التي حققها المسلمون عندما فهموا بعمق دينهم وطبقوه فملؤوا الأرض خيرا وحبا وسلاما واحتراما وحضارة وبناء، هذا
هو الذي ندعو إليه، هذا هو الذي نشعر به وهو أننا وكأننا قد تقلصت مصادرنا وحصرت في النصوص وأغفلنا السيرة، كما أنها حصرت في السنين الأخيرة في المدينة وأغفلنا ما قبلها من تاريخ الوحي كما أنها انحصرت في ظاهر هذه النصوص ولم يرد عند بعضهم التعمق إلى ما وراء هذه النصوص من أغراض أو من أهداف أو من أوضاع عندما نذهب
إلى بعض البلدان ونجد أن الفنادق بها خمور وينزل فيها السائحون إلى هذه البلدان وأنه قد استقر في نظام البلاد مؤسسات مالية مثل البنوك هي عند بعض الباحثين والعلماء من باب الربا، وأن استقر في ثقافة هذه البلدان صناعة السينما، وأن صناعة السينما ليست مجرد صناعة ترتبط بالتقنيات الحديثة بل هي أيضا تحمل فكرا، وهذا الفكر عندما يؤدى تحدث من خلاله
مخالفات شرعية قد تتعلق بالأهداف وبالدعوة التي وراءها الفيلم وقد تتعلق أيضا بغير ذلك من الأداءات التي تتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة أو بحجاب المرأة المسلمة أو بغير ذلك من الأمور وهناك جدل كبير يتمثل في اعتزال الفنانين والفنانات ويتمثل في عودة بعضهن أو بعضهم ويتمثل في قضية العودة هذه تكون بالحجاب أو من غير حجاب من خلال مناظرات معينة ترفض أو تقبل جدلية واسعة وموارد موجودة في هذا المجال في الفنادق وفي
بلد تباع فيه الخمور وبلد تعتبر السياحة من أساسيات الاقتصاد فيها وفي بلد فيه هذه الثقافة وهذه الصناعة التي تمكنت أكثر من ثمانين سنة كصناعة السينما ونحو ذلك تأتي أهمية نظرية التعايش التي نتحدث عنها لا يؤمر المسلم بأن يترك شيئا من دينه ولا من أحكامه، لكنه أيضا لا بد له كأساس من أسس التعايش أن يفرق بين المسائل وبين
القضايا. مسلم يريد ألا يستعمل التماثيل وألا توجد في بيته فله ذلك. بعض الإعلاميين والصحفيين والمفكرين يريدون أن يتدخلوا وأن يفعلوا مثلما يفعل الإرهابيون. تماما في فرض الرأي بالقوة وقد يكون هنا ليس بالأسلحة وإنما بالاستهزاء وبالسخرية وبعدم الاحترام تجاه هذا الذي لا يريد كلبا في بيته أو لا يريد تمثالا في بيته يا أخي هناك اعتقاد وهذا الإنسان يعتقد أن هذا
هو طريق الجنة وأنت لا تعتقد فكما تركك تختار طريق النار وتركك وهو يتعايش معك فأيضا أن تتركه يختار طريق الجنة، هو حر. ليس من المعقول أن يكون هناك إرهاب فكري لكل من تمسك بحكم شرعي ما دام تحت مظلة التعايش. هو حر يقول إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة، هذا أخرجه البخاري وهو يعتقد في صحة ما أخرجه. البخاري، ما شأنك وما شأن التدخل في عقائد الناس ما داموا لم يتدخلوا في عقائدك، الحقيقة أن هؤلاء يخافون
من وضع معين وهو تمكن الدين من أغلب الشعب وأن الدين يعتقد فيه جماهير المصريين مثلا بل جماهير العرب بل جماهير أمة الإسلام وهم يرون أن أحدا إذا قال بحرمة ما وما يفعلونه أنه قد قدح فيما يريدونه للمجتمع، فأين الحرية وأين الليبرالية وأين مبدأ دعه يعمل دعه يمر التي ينادون بها؟ أمر عجيب غريب أن يكيلوا بمكيالين وأن يزنوا بميزانين، هذا أمر لا جدال فيه. نحن ندعو المسلمين إلى التعايش كما كانوا يفعلون في مكة
حيث ما أقام المشركون الأصنام حول الكعبة لكنهم كانوا يصلون في الكعبة وكان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة ولم تزل الأوثان المعبودة وليس التماثيل التي تزين بها البيوت بل الأوثان المعبودة لم تزل ولم يحاول أحد منهم أن يحطمها شخص يقول لي فلماذا تتركون التماثيل المنصوبة في القاهرة ماذا تقصد هل لا بد علينا أن نقول إنها حلال هناك شيء آخر وهو إنها حرام ونتركها كما ترك المسلمون ليس فقط هذه التماثيل التي قد تعبر عن تعظيم أو عن إحياء لذكرى أو كذلك بل التماثيل المعبودة
من دون الله تركوها في مكة ولم يحطموها لا بليل ولا بالنهار ولم يتخذوا فعل سيدنا إبراهيم مع تماثيل قومه المعبودة، لم يتخذوها، لم يتخذوا هذا الطريق أصلا من أجل التعايش الذي تعلمناه في الحبشة وفي مكة وفي المدينة. وعندما نصنع مؤتمرا في فندق يبيع الخمور، يأتي الإخوة أهل العنف والدماء التي تسيل على الأرض فيقولون: هؤلاء فقهاء الفنادق ونحن فقهاء الخنادق وكأنهم يفتخرون بهدم بنيان الرب وبقتل الناس بغير حق وينسون قوله صلى الله عليه وسلم تأسيسا في هذا من
قتل أمتي من غير تمييز بين بر وفاجر وهو ما يحدث في التفجيرات فليس مني ولست منه، التعايش يجعلني أذهب إلى المؤتمر أنا لا أشرب الخمر ولا أجلس على مائدة يدار عليها الخمر وأقيم المؤتمر وأستضيف الناس ولا يشرب أحد منهم خمرا ولا يريدها ولا يطيقها وستظل الخمر محرمة حتى لو كانت في الأفلام المصرية عبر ثمانين سنة ليس فيها فيلم إلا وفيه خمر وبالرغم من ذلك فإن الشعب يرفضها ويعلم أنها محرمة بالإجماع حتى
الذي يشربها فإنه يعلم أنه يرتكب حراما وسيظل الأمر كذلك، سيظل الأمر أنه حرام ومنكر وأن حتى الذي يمارسه يعلم أنه حرام وأنه منكر، وهذا من هوية الإسلام، ولكن التعايش هو أن أذهب إلى هذا الفندق وليس في نيتي أن أدمر ما فيه من خمر. تحدثت مع أحد الصحفيين الذي أثار مثل هذا الكلام، فقال إذا كانت التماثيل محرمة فإننا نكون آثمين إذا تركناها، قلت له أنت تدعو الشباب إذن إلى أن يدخلوا الفنادق ويكسروا صالات القمار والخمر التي هي محرمة بالإجماع، فصمت فقلت له لماذا تصمت؟ لماذا تصمت
والأمر في أوضح الواضحات وأجلى البينات؟ نحن نقول بالتعايش وهذا التعايش جعلني أسير في هذا الميدان. ولا أنظر إلى هذا التمثال وقد تنظر إليه أنت تتأمل جماله أو جمال صنعته أو جمال هيئته أو جمال أو إتقان فنانه أنت حر وأنا أتعايش معك لأنني أعتقد أن هذا الحديث صحيح وأن معناه هو هذا أنت لا تعتقد أنا أتعايش معك وأدخل الفندق فأترك الخمر وأترك العري وأترك القمار وأقوم بواجبي من أداء محاضرة أو لقاء أو مؤتمر أو أبحاث أو نحو ذلك، وهذا نوع من أنواع التعايش، ولكن فكرتك أنت عن الإسلام
أنه دين عنيف، فلما جئت إليك بأنه دين رحمة وبأنه دين تعايش وبأنه دين سلام لم يعجبك هذا، أنت تريد هذا الإسلام الذي يمثله أولئك الإرهابيون المرجفون أنتم لا تريدون الإسلام الذي فهمه علماء الأزهر الشريف عبر التاريخ وهذه الوسطية الراقية الفائقة الجميلة التي دعوا الناس إليها، أنتم لا تريدون أن تفهموا هذا الإسلام، أنتم تريدون أن يكون الإسلام هو تلك الأفعال التي أتى بها هؤلاء المرجفون، هذه هي الحقيقة، التعايش جزء لا يتجزأ من يجعلنا لسنا في حالة صدام ولا صراع لأن من سنن الله في كونه الوفاق والصراع أمر طارئ موجود
لكنه طارئ ومن هنا وبهذه العقلية ندعو إلى التعايش ويؤثر هذا في وجودنا نحصل على العلم ونطبع كتبنا في المطبعة التي قد تطبع الهزليات والمهازل ولكننا نطبع كتبنا لأننا نتعايش هكذا كان يعيشون سواء في بلاد غير المسلمين كالحبشة أو سواء في بلادهم وإن كانت في الحبشة فهناك هجرة وهم يعيشون في مكة يعيشون في بلادهم فهناك إنجليزي مسلم وهناك أمريكي مسلم وهذه بلاد لا تريد الإسلام ولا تطبقه ولا تفكر فيه ولها ذلك ولكن التعايش الذي حدث من المسلم في الحبشة وهو
مهاجر أو مع أهله وهو في مكة أو في مدينة أخرى وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنماط مختلفة من التعايش هي أساس واقعنا الذي نحيا فيه نحن لا نشعر بأذى ولا نتحرج ولا نصطدم مع المجتمعات التي حولنا وإنما نحن نعيش بحكمة ونعيش ونحن نعتمد على الكتاب والسنة والسيرة وعلى التجربة الناجحة التاريخية وعلى مقاصد الشريعة وعلى المصالح وعلى المآلات وعلى العلم ولذلك نذكر الله ونحن مطمئنون ونحن نعلم أنها دعوة عالمية وأن كل هذه الصور لا بد أن تحدث لأنها دعوة تجاوزت الزمان وتجاوزت
المكان ودعت الستة مليارات للإسلام نرشدهم إلى هذا من غير إكراه ومن غير عنف، ولكننا نقول إن هذا ما عرفناه من الحق فارتضينا أن نبلغه إليكم وما على الرسول إلا البلاغ. إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. التعايش نشأ بعد دعوتي إليه والحمد لله كثير من المؤتمرات بل ومن المراكز البحثية التي تريد أن تبحث وربما هذه الحلقة وضعت كثيرا من النقاط على الحروف، ولكننا نريد المزيد من توسيع النقاش حول أسس هذا التعايش وكيفية هذا التعايش والفروع المتعلقة بهذا التعايش، حتى نؤسس
كلامنا دائما على علم أكثر رسوخا وأكثر قوة، وإلى لقاء قريب.