وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 16 | قضايا الحوار

وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 16 | قضايا الحوار - قال الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من مبادئنا التي نؤمن بها ونرجو أن نلقى الله سبحانه وتعالى عليها أن الإسلام دين خاتم، فختم الله سبحانه وتعالى بنبيه النبوات والرسالات، وهذه الخاصية كانت مناسبة جدا لقضية عالمية الإسلام، فكان النبي يرسل إلى قومه خاصة وبعثت للناس كافة وما أرسلناك إلا كافة
للناس بشيرا ونذيرا، إذا فنحن نؤمن أن الإسلام دين خاتم فليس هناك نبي ولا رسول بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه دين قد خاطب العالمين، ومن أجل ذلك اختص الله سبحانه وتعالى القرآن بالحفظ فهو محفوظ إلى يوم الدين وخصه بالإعجاز فهو إعجاز رسالة وكان كل نبي يأتي بمعجزة يأتي بمعجزة رسول يراها قومه ولا يراها سواهم لكن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أتى بمعجزة الرسالة وبمعجزة الرسول فعدوا له
ألف معجزة مما ورد إلينا من معجزاته صلى الله عليه وسلم شهدها الناس وعلى مثلها آمن الخلق، ثم أتى زيادة على ذلك بمعجزة أخرى وهي القرآن الكريم من أجل أن يتجاوز بالإسلام الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وأن يكون نسقا مفتوحا وأن يكون رسالة للعالمين يستطيع كل أحد في الأرض أن يؤمن بها وأن يدخل في دين الله أفواجا، وهذا الذي تم فعلا من هذا المبدأ ومن هذا المنطلق ومن إيماننا بخاتمية الرسالة وبعالميتها وبأنها نسق مفتوح وبأننا ينبغي ألا نكون حجابا
بين الخلق والخالق وأن نصد عن سبيل الله بغير علم بنينا مفهوم الحوار فنحن نفتح أيدينا وقلوبنا من أجل البيان نحن لا نرد على أحد وهذا منهج من مناهجنا لأن الرد على كل شبهة وعلى كل هجوم وعلى كل افتراء يخرجنا عن المقصود ولأن الله سبحانه وتعالى قال للنبي فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر فما علينا إلا أن نمتثل وأن نذكر ونعلم أنه ما على الرسول إلا البلاغ نعلم أننا نقول كلمة ثم نتركها بعد
ذلك نتركها بعد ذلك تتسع في العالمين قد يؤمن بها أحدهم بعد عشرات السنين وقد تكون سببا لهداية أقوام بعد ذلك ولذلك نحن لا نعبد إلا الله ولا ننتظر النتائج من الأعمال إن أتت فرحنا بها فرح الممتن لربه والشاكر له وإذا لم تأت فنحن لسنا في انتظارها لأننا نقوم بواجبنا دون أن ننتظر النتائج ولا نعبد النتائج نحن نعبد ربنا سبحانه وتعالى هو فاعل لما يريد يهدي من يشاء ويضل من يشاء إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء منهج القرآن هكذا فسيكفيكهم الله وهو
السميع العليم فالله سبحانه وتعالى سيكفي الداعية الذي قال له النبي بلغوا عني ولو آية عندما هوجم النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يصفوه بأنه كذاب أو بأنه مجنون أو أمره ربه بأن لا يلتفت إلى هؤلاء وأن لا يرد عليهم فنحن أيضا لا نرد على كل من هاجم أو افترى أو اشتبه عليه أو شكك وكذلك نحن لا نهاجم أحدا من الناس ولذلك ترى القرآن يعلمنا الإنصاف ويصف الواقع بدقة ويهاجم الأفعال والصفات لا الأقوام والأجناس،
بل إن الناس جميعا عنده سبحانه وتعالى سواسية متساوون كأسنان المشط كما جاء في الحديث النبوي الشريف: لا فرق ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أصفر إلا بالتقوى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. منهج واضح في أنه يتجاوز هذه الحالة، هذا هو الذي دعانا إلى أن يكون منهجنا هو البيان وأن نكون من أجل الختمية والعالمية والنسق المفتوح وعدم الصد عن سبيل الله أن نتعايش مع الخلق مؤمنين بأنه
لا إكراه في الدين، لكم دينكم ولي دين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وإن الأمر مرده إلى الآخرة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للكافرين نارا أحاط إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا فإذا الأمر ليس بيدي الأمر مرده إلى الآخرة ومن هنا بنينا مفهوم الحوار لأننا عندما نريد أن نبني مفهوما ينبغي علينا أن نرجع إلى الكتاب وإلى السنة وأن نستأنس بالتجربة التاريخية كيف انتشر الإسلام انتشر الإسلام
بوسائل الحياة وبوسائل الأسوة الحسنة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير وجاهدوا في الله حق جهاده فالحوار نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في سبيل الله له بالمعروف والنهي عن المنكر ويشمل البيان
والتبليغ ويشمل كلمة حق عند سلطان جائر ويشمل فريضة الحج للصغير وللمرأة وللشيخ ولغير القادر في جسده أو في ماله فإن فريضة الحج تعد جهادا بالنسبة له ويشمل الجهاد بمعنى القتال في سبيل الله وله شروطه التي وضحها القرآن وقاتلوا في سبيل الله وليس في سبيل أي شيء آخر من القضايا ومن الأمور الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين نرجع إلى القرآن نجد المفهوم مؤصلا وهذا أيضا منهج من مناهجنا أننا دائما مقيدون بالكتاب والسنة أننا نذهب فنبحث عن أصول هذه المسألة
فإذا ما رجعنا إلى الكتاب والسنة وبحثنا فيهما عن الحوار وهل أمرنا ربنا به وعلمنا إياه وذكره لنا أم إننا قد استحدثناه أو ابتدعناه لوجدنا أمرا غريبا غاية في الغرابة فإن القرآن الكريم يكاد يذكر حتى في أصل الخلق أن الأمر في هذا الكون كما أراده الله مبني على الحوار فنجد أن الملأ الأعلى في الحضرة القدسية الملائكة
عندما يأمرهم ربهم وهم الذين جبلوا على الطاعة يحاورون الله سبحانه وتعالى، والحوار فيه نوع من أنواع الاستكشاف، وفيه نوع من أنواع طلب البيان، وهذا أساس أول من أسس الحوار، إنني عندما أجلس مع الآخر أريد أن أكتشفه، وأريد أن أبحث عن المشترك، وأريد أن أصحح بعض الصور القائمة في ذهني. أما أتت من التاريخ وتراكماته بأحداثه وأما أتت من الاطلاع على كتب الآخرين ينتقدونه وينقضونه
وأما أتت من أي سبب آخر فأريد أن أعرف الحقيقة، ثم عندما أقوم بالاستماع يذوب كثير جدا من الجليد، عندما نوحد اللغة والمصطلحات يذوب كثير جدا من الاختلاف حتى قال ابن حزم أنه إذا ما ضبطت المصطلحات واتفق عليها فإن ثلاثة أرباع اختلاف أهل الأرض سينتهي وسنكتشف أن المساحة التي بيني وبين الآخر أوسع بكثير جدا في حالة الاتفاق والاشتراك من مساحة الاختلاف. نحن لا نبتغي
بالحوار أن نغير رأي الآخر وإنما نريد أن نطلع عليه اطلاعا حقيقيا منه، ثم بعد ذلك نبحث عن المشترك. ثم بعد ذلك نتعاون فيما اتفقنا عليه تحت أساسين كبيرين الإيمان بالله وحسن الجوار لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه إذا فلا بد علينا من أن نؤسس لهذا الحوار فبدأ هذا التأسيس بما فعلته الملائكة مع ربنا سبحانه وتعالى إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، إذا
هناك سؤال حتى الملائكة يسألون عندما يحدث الله لنا هذا من عالم الغيب ومن الملأ الأعلى، حاشا لا يكون ذلك عبثا، هو يعلمنا نحن كيف نضع الأسس التي بها الحوار وأن السؤال هو مفتاح هذا الحوار وأن الله سبحانه وتعالى جل جلاله مع هذه المخلوقات التي خلقت من نور لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبالرغم من ذلك سمح لهم بالسؤال وأجاب لهم بالمثال وكأنه يربيهم فهو رب
العالمين سبحانه وتعالى، على الرغم من أنهم لا يعصون ولا يتأخرون أبدا. والاستغراب هنا أن يجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء قد يعبد لكن بعضهم يعبدون وبعضهم يعصون بعضهم يؤمنون وبعضهم يكفرون ونحن هنا في الملإ الأعلى يا ربنا نقدس لك ونسبح لك ونؤمن بك ونعبدك على كل حال ولا نعصيك أبدا فلماذا تخلق خلقا منهم العاصي ومنهم الطائع منهم المؤمن ومنهم الكافر ما حكمة هذا أتجعل فيها من يفسد
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، وبعد ذلك أمرهم أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. إذ يعلمنا ربنا سبحانه وتعالى هنا أن حوارا ما تم بين الملائكة وبين رب العزة وأن الحوار أساسه
الاستفهام. طلب البيان والاستفهام يعني طلب الفهم وأنه سبحانه وتعالى لم يحرم الملائكة من هذا الفهم ولم يحرم الملائكة من الإجابة، بعد ذلك رأينا حوارا طويلا بين إبليس العاصي الآبي المستكبر وبين الله سبحانه وتعالى، تتبعنا الكتاب ووجدنا كلاما طويلا في الحوار بين الله وملائكته وبين الله وإبليس وبين الله وآدم. وزوجته وبين الله وملائكته وأنبيائه وبين الأنبياء وأقوامهم وبين أهل الجنة وأهل النار فعرفنا
أن الحوار مسموح به وإننا تعلمناه من خلال قراءتنا للقرآن الكريم وأن الحوار هو صفة من صفات المسلم الذي يدعو عن حق ويقين أن الإسلام دين أرسله الله لكل العالمين وأن الإسلام دين بنسق مفتوح وأن الإسلام دين خاتم لا دين بعده، إذا كان الأمر كذلك فلا بد له من أن يضع هذا الحوار نصب عينيه، لو تأملنا الحوار في القرآن الكريم ثم تأملنا الحوار
الذي حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهله في مكة وفي الطائف وفي صلح الحديبية، وبينه وبين اليهود في المدينة أو بينه وبين الوفود الذين جاءوا إليه صلى الله عليه وسلم أو بينه وبين الملوك الذين أرسل إليهم رسله ورسائله لو رأينا هذه المفاوضات والحوارات لعرفنا أن معنا كنزا كبيرا يحدد لنا أسس الحوار بيننا وبين الآخرين في ظل عالم أصبح يعيش في حوار مستمر ورفعت الحدود عن طريق الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة وأصبح الجميع يتفاعل
مع الجميع وتدفقت الأفكار من كل مكان وأصبحنا نعيش في عالم يسمى بالقرية الصغيرة أو بالقرية العالمية أصبح كل تصرف في أي مكان يؤثر في الآخرين سلبا أو إيجابا ولذلك لم يعد هناك مكان ولا إمكانية للعزلة ولا للانعزال لم يعد هناك إلا أن نعيش معا على هذه الأرض، فماذا نفعل وديننا دين بيان؟ هذا بيان للناس، هذا نص بأن ديننا دين بيان وديننا خاتم وديننا عالمي. لا بد إذن من أن نحاور وأن نضع أسس الحوار كما أرادها الله سبحانه وتعالى. عندما
بدأنا الحوار منذ أكثر من ربع قرن، وجدنا مفاهيم مختلفة. قائمة في أذهان الناس فهناك من ظن أن الحوار معناه الجدل الديني وأنه يبشرني بدينه حتى أنتقل إليه يعني هدف الحوار أن نجلس ثم بعد ذلك نتناقش ونتحاور من أجل أن يغلب أحدنا الآخر ويغير دينه قلنا لهم هذا مكانه في الأكاديميات وليس مكانه في المؤتمرات التي نسعى فيها من أجل البحث عن المشترك من أجل البيان من أجل التعاون فنحن نريد أن نسمع حتى نصحح
الصور ونريد أن نزيل جبال الثلج من بيننا ونريد أن نبحث عن المشترك ونريد أن نتعاون في سبيل عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس أما أن نتناقش ونتجادل في الأمور الدنيا فنحن على استعداد ولكن ليس في هذا المقام، مقام البحث عن المشترك ومقام التعاون، ليس هذا مكانه. إنما هناك إذا ما أردتم أن نقيم الحجج على صحة ما نعتقد وأننا ندعو على بصيرة نحن وعلماؤنا، فتعالوا إلى الأكاديميات والجامعات ونحن لدينا منها الكثير، وتعالوا للمناقشة إذا
أردتم، إذا كان لديكم هوى ورغبة للجدل. الديني فنحن على استعداد، نحن دين واضح، إذا أردتم أيضا ليس لدينا أسرار وليس لدينا ما نخفيه ولا ما نخجل منه، نحن نعرض عليكم من غير إكراه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، هذا مبدؤنا، لكن سنعرض عليكم الذي نراه أنه الحق، ومع هذا ومع مخالفتكم لنا في العقيدة فإننا مع هذا يمكن أن نتعاون معكم، نحن نؤمن بجميع الرسل. ثم وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حتى لو كان هؤلاء الرسل
محل شك، فلما عرض عليه شأن المجوس قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب لأن لديهم كتابا. ولو عرض عليه الهندوس وهم لديهم الفيدا لقال: سنوا بهم ولو عرض عليهم الحقائب أو الآيس كريم أو الكونفوشيوسية وهو عندهم كتاب الحوار لقال سنوا بهم سنة أهل الكتاب فليس بيننا وبين العالمين مشكلات أبدا طبقا لكتاب ربنا وطبقا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم الصابئة وهم طائفة قليلة من أتباع يحيى تكلم عنهم القرآن وذكرهم مع اليهود ومع النصارى كانت أمة النصارى وأمة اليهود أكبر بكثير جدا من الصابئين، والصابئة أتوا
من الصبغ لأنهم كانوا يصبغون أنفسهم بصبغة الله بأن يستحموا أو يتعمدوا في نهر الأردن، كما كان سيدنا يحيى قد عمد سيدنا عيسى وهو ابن خالته، فالصابئون الصابغون ثم لأن الغين والهمزة من مخرج واحد من الحلق تبادلتا. تبادل الحرفين يسمونه تعاور الحروف، بعض الحروف تأتي مكان بعض من أجل قربها في المخرج. ما زالوا إلى الآن على نهر الفرات وهم دائما يسعون لأن يكونوا بجوار الأنهار لما يلزم من تطهر مستمر عندهم إلى آخره. لكن على كل حال الإسلام ليس بينه وبين أحد من الناس
مشكلات، وبالرغم من ذلك فنحن لا ندعو إلى الجدل الديني في الحوار، ولكن نحن لا نرفض الجدل الديني، إنما مكانه مكان آخر غير مكان الحوار. فمن مبادئنا المنبثق من فهمنا للكتاب والسنة، المنبثق من دراستنا لتاريخ المسلمين، والكلام يطول جدا في هذا المجال في تاريخ المسلمين، وهو تاريخ ناصع مشرف ناجح استطاع وسيستطيع إن شاء الله أن يخرج من كبوته الحضارية لأن هذه الكبوة الحضارية تكررت لديه وعرف كيف يعيد مرة أخرى صياغة نفسه بعد
المغول وما أحدثوه بعد الحروب الصليبية وما أحدثوه وانتشر بعد ذلك عن طريق الدولة العثمانية كل ذلك يؤكد أننا بخاتمية الرسالة وعالميتها ونسقنا المفتوح لا بد لنا من منهج الحوار وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته