وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 18 | التجربة المصرية

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من مبادئنا أننا لا نتكلم إلا بما نعلم وأننا من أجل أن نتكلم في شيء فلا بد لنا أن نبحثه، وقديما في العربية قالوا هذا يهذي بما لا يعرف على سبيل القدح لا المدح. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، ولذلك فمن المبادئ التي نسير عليها ألا
نعتمد كثيرا على المسموع من غير تتبع ومعرفة وتأكد وتوثيق، كما علمنا القرآن وكما علمتنا السنة وكما علمتنا أيضا التجربة التاريخية التي خضناها المسلمون وضعوا أساسا لنقل القرآن الكريم وعلوما لهذا النقل، ووضعوا أساسا لنقل السنة النبوية المطهرة الشريفة ووضعوا علوما لهذا النقل حتى أنشأوا علوم الرجال وعلوم المصطلح وعلوم الجرح والتعديل وعلوم الدراية وعلوم الرواية وعلوم الغريب لتفسير الغريب وعلوم شرح الحديث وأنشأوا في الحقيقة مجموعة كبيرة من العلوم تخدم السنة
الشريفة يكتفون بأن يسمعوا كلمة من هنا أو كلمة من هناك فيصدقون، وتحت هذا المبدأ مبدأ كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع وهو مبدأ نبوي شريف أكده العلماء كما ورد في مقدمة صحيح مسلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإننا سمعنا أن المصريين يطبقون القانون الفرنسي وأن المصريين بذلك يحكمون بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى، والخطوة
التالية مباشرة هي تطبيق قوله تعالى في سورة المائدة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وعلى ذلك فإن المصريين في نظامهم أو في أفرادهم أي يدخلون في هذا المعنى، وكذلك معظم بلاد المسلمين شرقا وغربا. فإنهم خرجوا من دين الله أفواجا وإنهم على الكفر وهذا شاع بصورة في أدبيات بعضهم بصورة تكاد التي تجد غيرها وكأنها مسلمة وكأنها حادثة
بالفعل لكن أين الحقيقة هل التجربة المصرية التي خاضها المصريون منذ قرنين ومنذ رحيل الحملة الفرنسية التجربة المصرية هذه التي خاضها المصريون هل خرجوا فعلا من دين الله أفواجا، هل طبقوا فعلا القانون الفرنسي هكذا كما يقال؟ هل هم يطبقون قوانين غير القوانين الإسلامية؟ وعند ذلك فهم من الكفار على الأقل في النظام. هيا بنا نوثق هذا الكلام ونرى
ما فيه من حقيقة ومن جهالة ومن صدق أو افتراء. دخل الإسلام مصر في أيام عمرو بن رضي الله تعالى عنه وتوفي عمرو بمصر ودفن بها وكان قد أنشأ مسجدا هو باق إلى اليوم تؤدى فيه الصلوات الخمس وتؤدى فيه الجمعة والأعياد وهو المسجد العتيق على الحقيقة في مدينة القاهرة لأنه أقدم من الأزهر الشريف، هذا المسجد ما يزال موجودا إلى اليوم وما يزال الناس يأتونه من كل فج ليصلوا
فيه دفن به وفي ركن منه ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد العبادلة من الصحابة الكرام وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص أيضا كانوا من العلماء الفقهاء من المحدثين من المتصدرين للفتوى وللتعليم وللتدريس وهكذا فسموا بالعبادلة، ولكل واحد منهم فضل معروف. دخل الإسلام في سنة عشرين من الهجرة إلى مصر دون إكراه، ولذلك رأينا الإحصاءات التي وردت مع ريتشارد بيليو في كتابه
عن الحضارة الإيرانية المطبوع في نيويورك سنة ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين بإحصاءات كاملة لنسبة المسلمين في بلاد مصر، ففي القرن الأول كانت خمسة في المائة، وفي القرن الثالث بعد مائتين وخمسين سنة زادت إلى خمسة وعشرين في المائة، وفي القرن الخامس الذي يوافق أربعمائة وخمسين سنة زادت هذه النسبة إلى خمسة وسبعين في المائة، وفي القرن الثامن الهجري زادت إلى أربعة وتسعين في المائة ولا تزال باقية إلى اليوم على هذه النسبة، أربعة وتسعين في المائة من المسلمين وستة في المائة من غير المسلمين، وغير المسلمين طوائف النصارى وطوائف
اليهود وموجودون إلى الآن في مصر لإثبات هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى إثبات لأن الواقع يؤيدها وهو أن المسلمين لم يكرهوا أحدا على الإسلام وإنهم لم يبيدوا أحدا أمامهم كما فعل في أستراليا وكما فعل بالهنود الحمر وكما فعل هنا وهناك، ولكن المسلمين عندما استولوا على الهند، أغلبها من الهندوس، المسلمون عندما استولوا على إيران، فيها إلى الآن المجوس، المسلمون عندما استولوا على الشرق والغرب لم يفعلوا ما فعل بالمسلمين في الأندلس ولم يفعل ما فعل بغيرهم في أرجاء الأرض، تاريخ المسلمين تاريخ ناصع، لم نر أمة قط حولت مماليكها وعبيدها إلى حكام سوى في التاريخ الإسلامي في فترة كبيرة تسمى
بالفترة المملوكية، لم يحدث هذا في الأرض أن صار العبيد حكاما حتى الآن، وبعد التحرير لم يتول أسود رئاسة الولايات المتحدة ولم تتول امرأة رئاسة الولايات المتحدة وهي دولة ديمقراطية ولكن لم يحدث مثل هذا في تاريخها، لم نظلم العبيد فلا خطفناهم لأن الخطف حرام ولا آذيناهم لأن الأذية حرام بل جعلناهم حكاما لنا، هذا كلام لا بد أن نعيد ونكرر فيه وأن نظهره للعالمين، تاريخنا نظيف من إبادة الأمم ومن اضطهاد الناس ومن محاكم التفتيش ومن خطف الناس ومن يعني ومن الإكراه، تاريخنا نظيف وكل
من يشيع غير ذلك فعليه بالدليل والتوثيق لأنه كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. نحن في التجربة المصرية منذ مائتي عام وبعدما جاءت الحملة الفرنسية ورأينا أن شيئا ما يحدث في العالم وأن حضاراتنا مهددة من قبل العسكر الذين يريدون أن يبيدونا كان نابليون كما يقر في مذكراته وكما يشير إلى ذلك الجبرتي في تاريخه يقتل خمسة من علماء الأزهر كل يوم إبادة جسدية ولما انتهى منهم سافر بعد سنة بدون الدخول، لماذا سافر وما السبب وهل هذا أم غيره؟ لكن هذا الذي حدث في السنة الأولى قتل نحو ألف وخمسمائة
عالم أزهري كانت تقوم عليهم النهضة التي بناها المرتضى الزبيدي بكتابيه الماتعين في اللغة والحديث، اللغة في تاج العروس والحديث في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين الدين إلى نهضة ويهتم بالحديث ويهتم باللغة ومن قبله البغدادي في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب فهو يحيي اللغة مرة أخرى باعتبار أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة فإذا بهذا يأتي للعبادة الجسدية فيبيد بذور النهضة ويرحل
وفي هذا رد على من يريد أن يحتفل به وأن يحتفل بالاحتلال نرى أمة قط تحتفل بأنها قد احتلت، رحل وتركنا حسن العطار شيخ الأزهر يقول لرفاعة الطهطاوي: اذهب إلى هناك واكتب لي كل شيء كل يوم، فينتج من ذلك، من هذه المراسلة كتاب تلخيص الإبريز في تلخيص باريز، يستشعر فيه الشيخ أن ثمة عصرا جديدا، عصرا جديدا بدأ وأننا يجب علينا أن نغير من بعض تصرفاتنا ومناهجنا وسيرنا وأن
نستيقظ لهذا العالم من حولنا، هذه كانت البداية. أراد إسماعيل باشا لبعض الأمور السياسية لديه ولعائلته المالكة أن يستقل عن الدولة العثمانية. استيقظت الدولة العثمانية وأرادت الإصلاح في كثير من نظمها وطورت من نفسها. كان هناك نظام قتل الأخ، فبمجرد أن أتولى الحاكم قتل إخوته من أجل ألا ينازعه أحد منهم في الحكم من أجل استقرار الدولة، مصيبة هذه. ألغى هذا النظام وتركه، كان هناك أنظمة للجباية والعلاقة بين القبائل المختلفة،
كان هناك أنظمة في القضاء وفي التعليم، أرادوا أن يغيروا من كل ذلك من أجل أن يدخلوا العصر الجديد الذي استشعروه الحملة الفرنسية وبعد هذا المؤتمر في العالم الذي حدث بعد دخول الحديد السفينة في إنجلترا سنة ألف وثمانمائة وثلاثين فأرادوا أن يقننوا الفقه الحنفي الذي كان فقه الدولة المعتمد وفعلا قننوه فيما يسمى بالمجلة العدلية وصدرت المجلة العدلية كقانون يحكم البلاد والعباد وأراد إسماعيل باشا أن يستقل بمصر
وهنا وقع في حيرة هو يريد ألا يتبع المجلة العدلية لأنه لو اتبعها فإنه سيظل في ركابي وفي مداري وفي جاذبية الدولة العثمانية أراد أن يستقل بمصر من الناحية التشريعية أيضا لكنه لم يرد أبدا ولم يفكر أن يخرج عن الإسلام يحكي رشيد رضا عن علي أفندي ابن رفاعة الطهطاوي يحكي ذلك في مجلة المنار أن علي أفندي أخبره عن أبيه رفاعة الطهطاوي بأن الخديوي إسماعيل أحضر مشايخ المذاهب بالأزهر الشريف وكان
مشايخ المذاهب في الأزهر الشريف أربعة يمثلون أربعة مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ولم يجدوا للحنابلة شيخا فكان للحنفية شيخان وللشافعية شيخ وللمالكية شيخ يدعى علي أفندي أن أباه قد أخبره أن إسماعيل باشا أحضر المشايخ وقال لهم إني أريد تشريعا مثل المجلة العدلية فماذا تصنعون فاختلف المشايخ على أي مذهب تحكم البلاد فالمالكي دعا إلى أن يكون ذلك من مذهب المالكية والشافعي دعا إلى أن يكون من مذهب الشافعية والحنفية دعوا أن يكون ذلك على مذهب الحنفية واشتد الخلاف جدا حتى أن الخديوي صرفهم ولم
يستدعهم مرة أخرى وعرف أن الخلاف الديني قد لا يستطيع السياسي أن يسيطر عليه ولذلك نحاه من اتخاذ القرار وجلس يفكر انتهت رواية علي أفندي سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة سواء كان فيها اتهام بضيق الأفق أو فيها اضطراب في فهم الواقع أو فيها غير ذلك من المعاني إذا صحت فلنا فيها تحليل وإذا لم تصح فتنحى من المسألة هي رواية أحد يرويها علي أفندي عن رفاعة الطهطاوي ومعروف أن رفاعة الطهطاوي يعني لم يكن
مع هذه العائلة وكان بينه وبين محمد علي بعض الخلافات التي استوجبت أن ينفع إلى السودان فإذا القضية هنا متى دقت هذا الكلام لا نشتغل به الآن لأنه ليس هو الموضوع إنما رأينا أمورا تحدث في القصر رأينا الخديوي يأمر رفاعة وجماعته وهم علماء لغة وعلماء ترجمة وأنشؤوا الألسن أن يترجموا قانون نابليون الأول وقانون نابليون الثاني من اللغة الفرنسية لأن بعضهم قال له إن هذه القوانين أخذت من لويس وأن لويس أخذها من الفقه المالكي
الذي كان منتشرا ومتمكنا في الأندلس، ولذلك فإنك ستجد هذا القانون قانون نابليون الأول وقانون نابليون الثاني وهو المسمى بمجموعة ألف وثمانمائة وعشرة، ستجدها مطابقة للفقه المالكي، فأمر رفاعة أن يترجمها ورفاعة استعان فيها بشخص يقال له مجدي باشا صالح، ومجدي باشا صالح كان عالما في الفرنسية والعربية وبدأ في الترجمة، وظهر هنا الشيخ مخلوف المنياوي المالكي، والشيخ مخلوف المنياوي المالكي كان مفتي الصعيد، وكان الشيخ المالكي قد
أمر إسماعيل أن تعطى له الأوراق المترجمة شيئا فشيئا وأن يقارن بينها وبين الفقه المالكي، وفعلا قام المنياوي رحمه الله تعالى وكان من كبار علماء الشريعة واللغة وله كتب في البلاغة وما إلى ذلك قام بالمقارنة بين مجموعة ألف وثمانمائة وعشرة المترجمة من رفاعة الطهطاوي الفرنسية وبين الفقه المالكي وخرج من هذه المقارنة بمجلدين أسماهما المقارنات التشريعية وعندما انتهى من العمل كان الخديوي إسماعيل قد نفي إلى اسطنبول وأتى بعده توفيق في ذات الفترة التي كان يعمل فيها
مخلوف المياوي في المقارنة قدر باشا أنهى وفي فترة وجيزة لا تتجاوز ستة أشهر مجموعة من الكتب أو الكتاب الأول الذي أنهاه في ستة أشهر يواجه المجلة في معرفة أحوال الإنسان مرشد الحيران مرشد الحيران يتخير تخيرات أخرى غير الاختيارات التي اختارتها المجلة فقد سار على نهجها باختيارات واعتمادات أخرى وقدري باشا كان عالما بالفرنسية وهو فقيه حنفي فأخذ بالقانون الفرنسي وقارنه بالفقه الحنفي، مخلوف يقارنه بالفقه المالكي وقدري
يقارنه بالتشريع هو أيضا. النتيجة أن مخلوف قال إن أغلب القانون الفرنسي موافق للفقه المالكي، قدري باشا قال أغلب الفرنسي مخالف للفقه الحنفي، إذا هي مدارس ما زلنا في نطاق الإسلام، علماء الإسلام يدرسون شيئا بعد أن انفتح عليهم العالم، لا يريدون أن يخرجوا عن الإسلام ولا عن مدارس الإسلام، وإنما يريدون أن يدرسوا الأمر بعلم وبمنهج. ظلت المقارنات التشريعية للمخلوف المنياوي حبيسة في دار الكتب لا يدري عنها أحد. شيئا
حتى من الله علي مع الدكتور محمد سراج في إخراجها إلى النور وطبعها في دار السلام والآن ولأن أغلبها مخالف تأخر خروج مقارنات التشريعية لقدر باشا ولكن أنا من رأيي أن تطبع أيضا وهي في طريقها إلى المطبعة حتى نعلم حتى تكون عندنا أسس واضحة بكلام جلي رأينا بعد ذلك أن قدري باشا كتب قانونا مصريا بالفرنسية وهو متمكن من الفرنسية استوحاه من مجموعة ألف وثمانمائة وثلاثين ثم ترجمه إلى
العربية لما فعل هذا قدري باشا لم يفعل هذا خروجا عن الإسلام وهو يدرك مدى مقارنة هذا القانون بالفقه المالكي وأضاف إليه حتى باب الشفعة وبعض الأبواب فظن الناس ولأنه كتبه أولا بالفرنسية هو نفسه كتبه وليس هو ترجم ألف وثمانمائة وعشرة التي ترجمها رفاعة التي ترجمها رفاعة صدرت في مجلدين في المطابع الأميرية في أواخر القرن التاسع عشر وهي عندي في مكتبتي لكن القانون الذي وضعه قدري باشا وضعه أصلا مصريا ولكن متأثرا بالمدرسة اللاتينية وسبب ذلك أنها موافقة للمذهب المالكي وأصدر هذه المجموعة
سنة ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين أي بعد رحيل إسماعيل وفي عصر توفيق الذي لم يلتفت إلى ما أمر به أبوه من مقارنات أو من ترجمات أو غير ذلك إلى آخره فرأينا أنها سلكت مسلكا آخر فالمقارنات وضعت في دار الكتب والنص المترجم إلى العربية طبعا في المطابع الأميرية وانتهى الأمر على هذا وقدر باشا لو رأينا بقي كلامه في مجلس النظار وكيف أن هناك ضغوطا وجدلية الآن توجب مع عدم وجود الكفاءات القضائية ومع عدم تمكننا من نشر الثقافة القضائية في هذا العصر ومع فقداننا لمؤسسات نظامية قضائية أنه لا بد من وجود قانون وأن هذا القانون
لا بد أن يكتب سريعا فكتبه قدر باشا ولم نحكم قط بمحض القانون الفرنسي، بعضهم يقول إن هذا الذي أتى به قدر باشا هو مجموعة ألف وثمانمائة وعشرة وعلى ذلك فكأننا حكمنا بالقانون الفرنسي والأمر ليس كذلك، الأمر أن هذا تغيرت فيه أشياء كثيرة وأنه من وضع هذا الفقيه الحنفي الذي يعلم ما يكتب وكان وزيرا أيضا لوزارة العدل أو للحقانية وهو المسؤول عن تطبيق هذا القانون كلامه في رئاسة الوزراء الموجود في الكتاب الذهبي لعبد العزيز باشا فهمي والذي يحكي قصة تاريخ القانون في مصر ويأتي بمناقشات بين رياض باشا وشريف باشا ونوبار باشا وقدري باشا وكيف أنهم يضطرون
إلى هذا ويتعجلون فيه جدا حتى تستقر البلاد ولا يظلم العباد مع وجود المحتل الإنجليزي الذي لم يتدخل قط في هذا الشأن وهذا نص صريح بأنه لم يتدخل وإنما يجب علينا نحن أن نتقوى أمامه حتى تزول هذه الغمة إلى آخر ما هنالك من بعد ذلك سنة ألف وتسعمائة وثمانية وبعد مضي خمسة وعشرين عاما وعندما كتبت هذه القوانين بهذه الصفة كتبت فيها المادة الأولى أنه لا يجب أن تعارض أي مادة من هذه المواد الشريعة الإسلامية ولا أن تسلب حقا تقرره تلك الشريعة وبعد خمسة وعشرين سنة اجتمعوا في البرلمان وذهبوا إلى أن هذه المادة أصبحت مسلما بها وأنه خلال ربع قرن
لم يتقدم أحد ليدعي أن مادة من هذا القانون تخالف الشريعة الإسلامية أو أنها أضاعت عليه مصلحة قررتها له الشريعة الإسلامية فرأوا عندئذ أن ترفع هذه المادة وبالرغم من ذلك ظل أهل مصر يطالبون بأن يكتب القانون متحررا عن المدرسة اللاتينية أو متحررا عن مدرسة واحدة بمعنى صحيح، لأن المدرسة اللاتينية هذه إنما اعتمدوها لموافقتها للمذهب المالكي كما رأينا، فقام عبد الرزاق باشا السنهوري، وقام أحمد بك أمين، وقام صبري أبو علم، وقام غير واحد من هؤلاء بوضع القوانين التي انتهوا منها سنة ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين. وصدرت القانون المدني والقانون الجنائي
وغيرها من القوانين، عبد الحميد أبوهيف في المرافعات، أحمد أمين في الجنائي وهكذا. ماذا كانوا يريدون؟ كانوا يريدون أن يكون هناك تشريع مصري يؤخذ من الشريعة الإسلامية ويقف بقدميه وسط التشريعات العالمية، وقد كان. ثم أرادوا أن يطوروه فلم يتمكنوا، منهم من مات ومنهم من نعم وكان عبد الرزاق باشا السنهوري بعد حادثة الاعتداء عليه قد سافر إلى العراق ثم إلى الأردن ووضع القانون المدني العراقي ثم القانون المدني الأردني وطورهما وكتب في أواخر حياته أن هذا التطوير هو الذي كان يريده للقانون المدني المصري هؤلاء الناس تقيدوا بالشريعة ومن أجل ذلك نراه
يكتب مصادر الحق في ستة مجلدات يدافع فيها عن وجهة نظره، فهل الاجتهاد صار كفرا؟ وهل التبني بهذه الطريقة صار مخالفا للدين؟ كل ما يأخذونه عليه أمران: الأمر الأول الفائدة التي قررها في القانون المدني وهو كان يرى أنها ليست ربا، والأمر الثاني إذن فهي وجهات نظر سواء أكنت ترى أنها ربا لم ترها ربعا فإنها وجهات نظر وليست كفرا، الأمر الثاني أين الحدود وناقشوا كثيرا أين الحدود في العقوبات وقالوا نحن في عصر أمرتنا الشريعة أن نوقف الحدود كما أوقفها عمر في عام الرمادة وهي أنها عصر شبهة، باكستان رأت رأيا آخر أن تضع هذا في القانون
وتوقفه قضائيا، إيران رأت مثل هذا وكتبوا أن ذلك للملاءمة الدولية، المصريون أفضل من التجربة الإيرانية وأفضل من التجربة الباكستانية لأنهم التزموا بالشريعة بأن أوقفوا هذا لأنه عصر شبهة، والعصر قد يكون عصر فتن وقد يكون عصر ضرورة وقد يكون عصر شبهة، قد لا تتفق أنت معهم في هذا، لا بأس، ألف مرحبا وأهلا الله حسين التيدي رحمه الله وهو كان من طبقة مشايخنا أربعة مجلدات اسمها المقارنات التشريعية بين فيها وجهة نظره لكنه لم يكفر أحدا وأصدر هذا الكتاب سنة ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين في عيسى الحلبي قبل صدور القوانين بسنة يمكن أن نعترض ويمكن أن نبدي وجهات نظر ولكن التكفير
أمر مستبعد إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.