وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 26 | الأحكام الرموز

وقال الإمام | أ.د علي جمعة | الحلقة 26 | الأحكام الرموز - قال الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه من مبادئنا التي نسير عليها التفريق بين الأحكام الشرعية باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال باعتبار المقاصد الشرعية وما تؤول إليه وهذه القاعدة ولدت حالة أسميها بالأحكام الرموز ففي بعض الأحيان يصل الأمر إلى الحكم الذي يكون شعارا للأمة أو الذي يكون عالي القدر ويكون عنوانا للعصر أو
يكون فيه ما فيه من ضياع الأمة إذا لم يراع كثير من الناس ولأن اللفظ جديد الأحكام رموز تنكر ذلك وتقول إن الأحكام هي الأحكام وأنها ثابتة ولذلك أنظر في الكتاب وغاية المراد من رب العباد عنده أن ينقل ما في الكتاب إلى الناس دون مراعاة لأي شيء حوله ولا لأي شيء آخر، الإمام القرافي في كتابه العظيم الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ينبه أظنه في القاعدة
السادسة والثلاثين ينبه على خطورة هذا الوضع ويقول إن بعضهم من جهالته لا يراعي الأعراف ولا العوائد ولا اختلاف الأحوال، ولذلك فإنه يفتي بما هو مسطور في الكتب دون وعي للربط الواجب على الفقيه أن يفعله بين ما هو مسطور في الكتب وبين ما هو محقق للمآلات ومحقق للمقاصد ومحقق للمصالح، ومن هنا ضاع كثير جدا من الخير على المسلمين بجهالة بعضهم أو بتعنتهم. يذكرني ذلك بصاحب
الشجة الذي أفتوا بأن لا بد عليه أن يستحم بالرغم من وجود شجة في رأسه باعتبار أن الاستحمام هو الذي أمرتنا به الشريعة عند وجود الجنابة فمات الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوه قاتلهم الله انظروا إلى رسول الله الرحيم عندما يدعو على أولئك الذين أفتوا بدون علم أنهم قتلوه وكانوا سببا في قتله، كثير من الفتاوى تؤدي إلى خراب البيوت وإلى زهوق الأنفس بل وإلى الضياع في الحياة الدنيا، وكل ذلك من عدم فهم هذه
الكلمة التي هي من مبادئنا وأتينا بها الأحكام الرمزية، نضرب أمثلة للأحكام الرمزية، حدث في الهند أن سلطانا من السلاطين كان اسمه جلال أكبر أراد أن يوحد بين المسلمين وبين الهندوس وأن يجعل الدين بينهما واحدا وأراد أن يعني ودوا لو تدهن فيدهنون ودوا لو تدهن فيدهنون فأراد أن يدهن حتى يدهنوا وكان جلال أكبر هذا أصلا من المسلمين لكنه أراد أن يجمع الاثنين
تحت مظلة واحدة وتحت عنوان واحد قال للمسلمين يمكن أن تفعلوا شيئا بسيطا وهو أن تقدسوا البقر أو أن تمتنعوا عن أكل لحم البقر، لا نريد منكم إلا هذا. في الهندوسية يمكن قبولك بكل عباداتك وكل عقائدك إذا سميت نفسك هندوسيا فقط لا غير، فهم ينزلون الاختلاف في العقائد كما ننزل نحن الاختلاف بين الشافعية والمالكية وكل من المسلمين. لا يضر فكذلك عندهم هذا لا يضر فجاء جلال أكبر وقال هذه بسيطة أنتم أيها الهندوس تعظمون النبي وتصلون عليه وأنتم أيها المسلمون
لا تأكلوا لحم البقر وعليكم بشيء بسيط وهو ولو سميتم أنفسكم هندا أو هندوسا لا يكون هناك أي ضرر وابقوا كما أنتم صلوا وصوموا وحجوا وعظموا النبي صلوا عليه واحفظوا القرآن وامشوا على الفقه كما أنتم ولكن فقط المطلوب منكم أن تمتنعوا عن لحم البقر، قام الإمام السرهندي رحمه الله تعالى المجدد الثاني وجعل هناك حكما من أحكام الرموز وقال إن أكل البقر أكبر شعائر الإسلام، أكل البقر ليس أكبر شعائر الإسلام، أكل البقر الحقيقة مباحة، بل إن هناك حديثا وهو حديث صحيح أيضا يذكر فيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال إن لحمها داء وإن ألبانها دواء، يتحدث عن البقر، أي أن هناك حديثا كأنه يرشد إلى عدم أكل البقر، وهناك من ينكر هذا الحديث باعتباره مخالفا للقرآن الكريم الذي جعل الأنعام مما أنعم الله به علينا ولا يمكن أن يمن الله سبحانه وتعالى علينا بما هو مكروه، ويتحدث بعضهم ويدافع عن الحديث ويقول لأن فيها الدودة الشريطية والدودة الشريطية وغير ذلك وكلام كثير بين الناس في هذا الموضوع، لكن على كل حال هذا الوضع ما الذي يترتب على أن يسمي نفسه بأنه هندوسي هو
جيل واحد فقط ثم يحدث الاضطراب هذا الجيل هو الجيل الذي عاش وفهم هذا الاسم لكنه لو سمى نفسه بهذا فإن الجيل الآخر سوف يذهب ويدخل في هذه العقائد الغريبة التي لا يعرفها وينتهي ويذوب فهو جيل واحد فقط هو الذي سوف يتمسك إن تمسك ولذلك كان هذا المدخل الذي عرضه جلال أكبر هو مدخل يجب أن يقف ضده على هذا المستوى، مستوى إرادة ضياع الأمة، مما يجعله لا يتحرج وهو العالم الفقيه التقي النقي الذي له المكتوبات الربانية، لا يتحرج في أن يقول
إن أكل البقر من أكبر شعائر الإسلام، أي أنه لم يدخل في ولم يدخل أنه نعمة عارضة ولم يظهر الحديث الذي يجعل من لحم البقر داء وفي البقر دواء، كل هذا سكت عنه وتجاوزه وجعل أكل لحم البقر أكبر شعائر الإسلام للحفاظ على الأمة. كثير من الناس لا يدرك هذه الحقيقة، هذا الواجب القيام بواجب الوقت الأحكام الرموز لا يدركون هذا جاء. مثال آخر: سؤال في أوائل القرن العشرين من الترانسفال التي هي جنوب أفريقيا الآن، سأل المسلمون
هناك: ما حكم لبس القبعة؟ والقبعة هذه لها قصة وهي أنها أولا من زي غير المسلمين الذين احتلوا البلاد، وثانيا مع أنها زي يختص بغير المسلمين إلا أنها أيضا لا تتناسب مع عبادات المسلمين حيث إن لها حافة تمنعهم من السجود فجمعت بين أمرين: الأمر الأول هو التشبه، والأمر الثاني هو عدم القدرة أو عدم الملاءمة للسجود، والأمر الثالث وهو الأهم تكريس ثقافة
المحتل. الأمة الإسلامية أذابت من جاءها: جاءها التتار والمغول فأسلموا، وجاءها الصليبيون فرجعوا مسلمين كما حدث في فرسان المعبد في قصة طويلة ذابت الأمم فيها وهم لم يذوبوا في أحد، فقضية الذوبان هذه مراعاة في حين حينئذ فيخرج الحكم بعد اختلافات بين الباقين الذين يريدون ألا ينظروا إلى ما حول القضية فيحرمون للمشابهة لمطلق المشابهة أو يجيزون لأنه أصل في الملابس الإباحة وماذا نفعل
في الغربي إذا دخل الإسلام وهو يرتدي القبعة هذه فهي ليست حراما، ولكن كونها رمزا للمستعمر هذا هو المعنى الذي ينبغي أن يعلل به الحكم على الرمز، فنقول إن لبس هذه القبعة في هذا الجو حيث إنها رمز للمستعمر يصبح من أكبر الكبائر، هي في ذاتها مباحة ولكن عند الصلاة نقول وقت الصلاة يقول التشبه ما هو التشبه نسبي لأنه لو شاع فيهم لما كان تشبها، افترض أو أسلم القول لما كان تشبها، لكن الخفي في المسألة
الذي أدركه بعض الناس بنور بصيرتهم هو أنه من الأحكام الرمزية أن هذه في هذه الأوقات في هذه البلاد بالذات إنما هي شعار ولذلك فإن ارتداءها يكون أسوأ الذنوب وأعظمها ونقول إن ارتداء القبعة من أكبر الكبائر، ارتداء القبعة من أكبر الكبائر. هذا ليس حكما عاما، هذا حكم من أحكام الرموز وليس في كل مكان وفي كل زمان ولكل أحد أبدا. هذا مختص بهذا، مثل قول السرهندي عندما يقول المجدد الثاني الرباني عندما يقول إن أكل لحم البقر من أكبر شعائر الإسلام، وهو ليس كذلك وإنما هذا من الأحكام
الرمزية. نواجه هذا أيضا عندما يأتي فيقول إن الإسرائيليين يريدون شراء ما حول الحرم القدسي الشريف، والبيع والشراء مع اليهود ليس فيه شيء وهو مباح نفعله معهم طوال السنين وفي كل القرون وفي كل فروا من الأندلس وألقوا بأنفسهم في أحضان الدولة العثمانية لحماية المسلمين لهم، ليس لدينا أي مانع من أن يكون وزير السياحة المغربي من اليهود، ليس لدينا أي مانع من أن يتولى اليهود بعض الحسابات للخلفاء عبر التاريخ لإتقانهم ذلك، ولا أن يعملوا بصناعة الذهب عبر التاريخ
لتخصصهم في هذا، ولكن يمنع أن تباع الأراضي حول الحرم القدسي حتى لا يؤدي ذلك إلى ملكية تحيط به من كل جانب وتسعى لهدمه، بيع الأرض لغير المسلمين في القدس الآن من أكبر الكبائر، لكن الرجل محتاج والبيع مستوف لأركانه، ولكن الظرف الخارجي والبيئة الخارجية لهذا البيع ليست بريئة وليست سليمة، إن الإعلان والأنفاق لهدم التل والجبل الذي عليه المسجد الحرام والمسجد المقدس الأقصى وكل هذا أمام العالم،
جميع قرارات الأمم المتحدة تصف إسرائيل بأنها محتلة للقدس من النزاعات الأساسية لأن القدس هذه رمز كبير وهي أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية ولا يمكن أن نتنازل عن هذا، كل ذلك يؤدي بالفقيه إلى أن يكون واعيا وعندما يسأل هل يجوز لليهودي أن يشتري من المسلم هذا ليس بريئا هذا السؤال نعم يجوز في مصر في المغرب في إنجلترا في أي مكان وليس في مكان المسجد الأقصى وليس بغرض التوسل إلى هدمه كما هو حاصل الآن فهذا من الأحكام الرمزية هناك بعض الأحكام هي ليست تسمى بمفهومنا هذا الأحكام الرموز، ولكن
في الوقت نفسه لها تأثير عظيم أو حدث فيها تأثير عظيم جدا عبر التاريخ. منها ما يرويه المقريزي في الخطط، يروي أن ملكا من ملوك روسيا أرسل في الأرض ليبحثوا له عن دين، فجاء من يصف له البوذية والهندوسية، جاء من يصف له المسيحية واليهودية وجاء من يصف له الإسلام بعد أن أرسل بعثات في الأرض، وهذا الملك كما يروي المقريزي في خططه استحسن الإسلام ورأى فيه من مكارم الأخلاق ومن أنه دين قد
جمع بين الروح والجسد وراعى المصالح وأنه دين خاتم وأنه دين يعترف بجميع الأديان ويرى أن الأنبياء أولاد علات من أب واحد وأمهات مختلفة وقد استحسن هذا الدين أن يدخل هو وقومه فيه ولكن هناك عائق عاقه عن هذا الدخول وهو تحريم الإسلام للخمر فالخمر تمكنت منهم يشربونها من أجل طلب الدفء والفودكا هذه تعد من أشد أنواع الخمور لكنهم يشربونها لشدة البرودة جدا وبدونها يعتقدون
خاصة حينئذ أنهم يعنون الموت فأراد أن يتأكد من هذه المعلومة أو من مدى هذه الحرمة أو يرى ما مكانة الخمر في الشريعة أو هل يمكن أن نسلم وفي الوقت نفسه نشرب الخمر فأتى بأحد المفتين المسلمين واستدعاه وعرض عليه الأمر وقال له إننا نريد أن نسلم وكل روسيا تسلم ولكن بشرط أن نشرب الخمر للأسف هذا الرجل لم يعرف قضية البيئة فقال له أبدا يتوقف الخمر يبقيك على ما أنت عليه الإسلام
لا يتوافق مع شرب الخمر هذا الكلام كلام فاسد وكلام خاطئ وهناك في الفقه لو كان هذا الرجل يطالع ويقرأ عفا الله عنه باب اسمه الإسلام مع الشرط الفاسد وهناك من أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد الإسلام مع شرط أن يترك له الزنا، حرام لكنا ندعوه إلى الإسلام ويدخل في الإسلام وقضية الزنا هذه سوف ينتهي عنها، وإذا لم ينته عنها فإن أبناءه سيصبحون من المسلمين وينتهون عنها، ولذلك يجوز الإسلام مع الشرط الفاسد الأمور الفاسدة كثيرة ومن بينها قضية الخمر ومن بينها قضية المعصية والزنا وما إلى ذلك، ومن بينها
أيضا ترك الصلاة وعدم إقامتها، ومن بينها استحلال الظلم وهناك بعض الشروط التي لا يجوز أن نتخلى عنها حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا خير في دين ليس فيه ركوع لوفد أن يسلموا مع شرط ترك الصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين والصلاة هي التي تنشئ الإنسان وتنقله من الجاهلية إلى الإسلام والصلاة هي العهد الذي بيننا وبينهم فمن تركها فقد كفر والصلاة هي ذروة سنام هذا الإسلام وهي ركن من أركانه فلا يتم الإسلام إلا بها ولذلك رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشرط واعتبره في غاية الفساد وأنه يقضي على الإسلام بالبطلان، أما الزنا فقال للرجل إذن لا تكذب علي، فكان كلما
أراد أن يزني تذكر إذا سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا أفعل، فيمتنع عن الزنا خشية سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى من الله عليه وجعله يترك هذا الفعل الخبيث شيئا فشيئا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ قال: لا يا رسول الله. قال: إذن لا ترضاه لبنات الناس. فهذا الأسلوب الذي مارسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قبوله التوبة هو الطريق الصحيح في هذا كان يقول له إن الخمر حرام ولكن يجوز لك أن تدخل الإسلام ثم بعد ذلك وبالتدريج ولعله في الجيل الذي يأتي بعدك أو الذي
يأتي بعده تنتهي هذه الأمور ويخرج الناس من شرب الخمر والمسكرات وذهاب العقل إلى صحيح الإسلام. نعى كثير من الناس على هذا الفقيه الذي ضيع بملوكها وشعوبها الإسلام وتخيل لو أن هذه المنطقة كلها أصبحت من المسلمين إذن لتغير وجه التاريخ وأحداث التاريخ ولكن الله غالب على أمره تخيل أن تركيا المسلمة وروسيا المسلمة بدلا من النزاع الطويل الذي أضعف وأوهن عضد الأتراك بدلا من النزاع الطويل الذي أهدر ثروات كلا الطرفين كان سيكون في منطقة قوية
كانت ستسيطر على العالم أو تكاد، والسيطرة ليس غرضها الاستعمار وإنما غرضها إعلاء كلمة الله وإرشاد الإنسان إلى دين الحق، ثم بعد ذلك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. الأحكام والرموز فيها جزء كبير من إدراك الواقع. فيها جزء كبير من إدراك المقاصد الشرعية، وفيها جزء كبير من شفافية صدر الفقيه وهو ينظر إلى المآلات والتي تتداعى إليها الأمور في المستقبل. الأحكام الشرعية فيها مراعاة للبيئة المحيطة وفيها محافظة على المصالح الآنية والمستقبلية. الأحكام
الشرعية فيها وعي للفقيه وفيها توكل صادق على الله وفيها معرفة لخصائص الدعوة الإسلامية وعالميتها وفيها حفاظ على هوية الأمة وعدم ذوبانها بل إنها تكون بوتقة تذوب فيها الحضارات والأمم ولا تذوب هي في ذاتها. الأحكام والرموز من مبادئنا التي تحتاج إلى دراسة وتجميع ووعي وإرشاد وأن تكون جزءا من الاختيار الفقهي حتى نطور من فقهنا ومن تطبيق أحكام ربنا سبحانه وتعالى. على الواقع المعيشي إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.