يريد خطيبي أن يرى شعري..فماذا أفعل؟ | أ.د. علي جمعة

تسأل فتاةٌ فتقول: أنا فتاةٌ مخطوبةٌ ومحجبةٌ، والخاطب يريد أن يرى شعري، فما هو الحكم الشرعي في هذا؟ اتفق الأئمة الأربعة على أن المرأة يمكن لها أن تكشف وجهها وكفيها، واستدلوا في ذلك بما أخرجه أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها يومًا بغير حجاب وهي أخت عائشة عليها السلام فقال لها: "يا أسماء، إذا
بلغت المرأة المحيض لا يبدو منها إلا هذا وهذان" وأشار إلى وجهه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وإلى كفيه. وحجاب المرأة المسلمة فرض باتفاق بين جميع فرق المسلمين من أصحاب القبلة سلفًا وخلفًا. قديماً وحديثاً سنةً وشيعةً لا نعلم خلافاً بين العلماء الذين اطلعوا على تلك النصوص الشريفة من كتابٍ وسنةٍ أياً كان مذهبهم أنهم قالوا بعدم
فرضيته، بل هو فرضٌ باتفاق الأمة وبإجماع العلماء وإلى يوم الناس هذا، ولذلك لما أعيا بعض من اشتغلوا بالإعلام والصحافة في الدعوة إلى نبذ الحجاب وخلعه. عندما أعياهم الأمر بدؤوا يكذبون ويختلقون الأشياء، فتنشر بعض الصحف أن هناك شخصاً قد حصل على الدكتوراة في عدم فرضية الحجاب من الأزهر، وهذا والله أمر تضحك منه الثكلى وتُسقط منه الحُبلى ويشيب منه الأقرع. الأقرع لا شعر
عنده يشيب من هذا الكلام الذي لا أصل له ولا فصل وهو بهتان. الملحد بإتفاق العلماء وإلى يوم الدين هذا بإجماع لا يُنقض ولا يجوز الخروج عليه لأنه لا تجتمع أمة النبي صلى الله عليه وسلم على ضلالة والإجماع مصدر من مصادر التشريع ينقل الدليل الظني إلى دليل قطعي فثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن عورة المرأة سوى الوجه والكفين ولذلك فكل من لمح دون أن يصرح فأوهم
الناس أن الحجاب ليس فرضاً فبادرت نساء كثيرات بخلع الحجاب، كل ذلك باطل مخالف لما اتفقت عليه الأمة ومخالف للكتاب والسنة ومخالف للعفاف ومخالف لكل قواعد أصول الفقه التي بُني عليها هذا الدين. كون المرأة لا تستطيع أن تلتزم بهذا الأمر، هذا أمر آخر، تعرف أنها مخطئة وتدعو الله: "يا ربِّ في يومٍ من الأيام وفِّقني". أما أن تُغيِّر الحكم من أجل هواها فهذه مصيبة أشدُّ وأنكى من قول فلان وعلان وتُركان من
النساء والرجال ممن لم يبلغوا حتى قراءة القرآن مرة في حياتهم، بل ولا فهم هذا القرآن، بل ولا تقعيد القواعد وفهم أصول وأسس. الفهم أبداً، إذا فهذا تمهيد للإجابة أن حجاب المرأة المسلمة فرض على كل امرأة بلغت، وبلوغ المرأة واضح بمداهمة الحيض لها، تكون قد بلغت اثني عشر سنة، ثلاثة عشر سنة، خمسة عشر سنة مثلما يكون طبقاً للعادة والجينات والجو والطقس ودرجة الحرارة
إلى آخره، ولكن في النهاية العلامة للتكليف. هي هذه والمرأة التي تحيض تكون من الناحية الحيوية قابلة للحمل حتى لو منعنا زواج القاصرات الصغيرات لأمور أخرى لا علاقة لها بهذا الشأن فيأتي من هنا السؤال ومن خلال ما ذكرناه هل يجوز للخاطب أن يرى المرأة بما نسميه ملابس المهنة وما ملابس المهنة يعني الملابس التي تلبسها في البيتِ فتكونُ متخففةً من الطرحةِ
ويظهرُ منها نصفُ ساعدِها أو ثُلثا ساعدِها وتكونُ غيرَ مرتديةٍ جورباً أو أيَّ شيءٍ، فهذا ليس الوجهَ والكفينِ فقط بل أكثر، فذهبَ الأئمةُ الأربعةُ إلى عدمِ جوازِ ذلك. يعني الأئمةُ الأربعةُ الذين يريدُ أن يُقلدَهم أو الذين يريدُ أن يلتزمَ بهم أو الذين يريدُ أن يتورعَ في هذا. فإن الأئمة الأربعة متفقون على عدم جواز أن يرى الخاطب سوى الوجه والكفين فقط لا غيره، إلا أن بعض علماء المسلمين استدلوا بما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أراد..." إذا أراد أحدكم أن يخطب فلينظر منها ما يجعله يفعل هذا، وهذا الخاطب في السؤال هو متمسك بأن يراها كما هي في بيتها، والإمام الباجوري عندنا في الشافعية يقول: من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز. الذي يُبتلى
بشيء مختلف فيه بين العلماء ليس محل إجماع، هل الخاطب له أن... يفعل هذا. ذهب ابن حزم رحمه الله تعالى إلى أنه يجوز له أن يفعل هذا، وكان جابر يقول: "فكنت أتلصص لمن أريد خطبتها". يعني يختبئ وراء نخلة أو وراء شجرة لكي يتلصص على الفتاة التي ربما ترفض أصلاً أن يراها. لا يريدها كزوجة، فليتركها بلا زواج. ولكن هذا كان وفق عادات عصرهم. بخلاف عصرنا الذي نرى فيه النساء غير محجبات أصلاً، والعري قد ملأ العالم شرقاً وغرباً، والأمر
لله، فماذا نفعل؟ فنقول: من ابتُلي بشيء من ذلك فليقلد من أجاز. إذاً فعندنا رأيان: رأي تمسك بالورع وهو رأي الأئمة الأربعة، ورأي آخر أخذ بالإباحة والجواز لما قد وسع علينا رسول الله صلى. الله عليه وآله وسلم بحديث جابر فيما أخرجه أحمد والأمر لك ولك فإذا أردتم أن تأخذوا بالرخصة فهذا جائز وإذا أردتم أن تأخذوا بالورع وأن تميلوا إلى العزيمة فهذا جائز والله تعالى أعلى
وأعلم ولا يفهم من كلامي هذا أن الحجاب ليس فرضاً بل هو فرض باتفاق ولكن هناك حالات يُجيزها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها نظر الطبيب، ومنها الخاطب، ومنها القاضي، ومنها رجل الأمن، وهكذا. يعني في حالات معينة، لكن هذه حالات وليست هي التي يسير عليها المسلم حياته كلها، إنما هذه استثناء، ولا يمكن أن نجعل الاستثناء أصلاً.