يسافر إلى بلد بعيد ويريد الزواج طلبا للعفة لكنه ينوي الطلاق فما حكم زواجه ؟ | أ.د علي جمعة

يسأل سائل فيقول: أسافر إلى بلد بعيد وهو يقول في السؤال سنغافورة لمدة ثلاث سنوات للعمل والدراسة والضرب في الأرض، فهل يجوز لي طلباً للعفة أن أتزوج في هذه البلاد بشروط الزواج الإسلامي وإن كنت أضمر في نفسي من الداخل أنني بعد عودتي إلى الوطن أتركها وأطلقها؟
نص الأئمة الأربعة. على أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعفاف وحرم علينا الزنا وأجاز لنا الزواج وعظّم أمر الفاحشة، وأن الإنسان إذا تزوج كان الزواج لأغراض عدة وليس لغرض التكاثر والتناسل فقط، بل منه لغرض الأنس والتخلص من الوحدة، ومنه ما يكون لغرض الولد، ومنه
ما يكون لغرض التطبيب والتمريض، ومنه ما يكون لغرض الصلة والقيام بواجبات المجتمع التي وضعها الله سبحانه وتعالى في أعناقنا، ومنهما يكون للرحمة ومنهما يكون للحب، وهكذا فليس الزواج لغرض واحد كما يظنه الناس، فإضمار هذه النية عند الأئمة الأربعة لا يفسد الزواج والزواج صحيح، وكان طلاب الأزهر يأتون من البلدان فيتزوجون طلباً
للعفة وطلباً للأنس وعدم الوحدة والقيام. بالخدمة وأشياء من هذا القبيل وهم يضمرون في أنفسهم أنه عندما يعودون إلى بلادهم يتركون من تزوجوه، وأغلب من فعل ذلك لم يترك، لأن منهم من رزقه الله منها بالولد فتغير الحال وتعلق قلبه وحاله بالولد، فلما عاد منهم من عاد بأسرته كلها ومنهم من بقي في مصر حتى مات لأن شأن الأسرة عظيم، إذًا
فما أضمره في نفسه لا يؤثر في العقد، لأن العقد إنما هو على الظاهر من الألفاظ وليس ما يعتمل في القلب، فهذا جائز وهذا العقد لا شيء فيه وأقره الأئمة الأربعة، ولكن هناك نصائح اجتماعية غير الأحكام الشرعية. المرعية الدينية تعني أنه ليس كل شيء حلال نفعله، ليس كل شيء حلال نفعله، فهناك مباح قد يكون غير متاح. فهذا الأمر من الناحية
العقدية الشكلية الشرعية الدينية حلال، لكن ثقافة العصر الموجودة تعتبر أن هذا الإضمار هو نوع من أنواع الخداع، ولذلك بعض الناس عندما يرون مثل هذه الفتوى يتعجبون. كيف هذا؟ أنت متزوج وتريد بعد ثلاث سنوات أن تطلق! كيف يعني؟ لا أفهمها، لا أفهم أن عقد الزواج اتفاق إرادتين، لا أفهم أن الله أباح الطلاق ولو كان هو أبغض الحلال عند الله. الطلاق ثقافة العصر مرتبطة بدوام وهو عقد دائم بلا شك بدوام عقد
الزواج، فيعتبرون هذا يعني... نوعاً من النقص، وقد يكون ذلك كذلك عندما نتعامل مع ثقافة عصر بهذه الكيفية. وعلى ذلك فالعفاف أولى، يعني الصبر، يعني أن يعف نفسه عن أن يتزوج زواجاً هو مقرر من البداية أنه بعد ثلاث سنوات سوف يطلق حتى ولو كان حلالاً. يبقى كلامنا ينقسم إلى قسمين، قسم ما هو رأي. الشرع في مثل هذا العقد هذا عقد حلال باتفاق، وقسم آخر هو من سبيل النصيحة الاجتماعية التي تبني صورة الإسلام في
العالمين وليس لها الحلال والحرام، بل علو شأن صورة الإسلام. فلتصبر، أحزنتني، أأتزوج أم لا أتزوج؟ ليس هكذا، لا تعامل ربنا هكذا، ليس كل شيء. تريد أن تعامل ربنا بالفرد؟ هذا فضل، عندما جاء الأعرابي إلى النبي وقال له: قل لي الفرد فقط. قال له: حسناً، صلِّ الخمس وصم رمضان وحج البيت. وكأنه قال: والله لا أفعل سواها. هكذا، هو هذا أعرابي. على فكرة، سيدنا الأعرابي هذا ليس هو المثال الذي تركه لنا النبي عليه الصلاة.
والسلام المثال الذي تركه لنا النبي عالٍ جداً. شيء آخر، لكن هذا إنسان مناسب، لن يفعل إلا هكذا. فقال: "أفلح وأبيه إن صدق". يعني كان النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه شيء أنه هذا سيصدق أم لا. حسناً، افترض أنه صدق وصلى فقط وصام فقط وحج فقط. وعمل الزكاة ليس فيه ولا مليم يزيده، سيدخل الجنة، حسناً، ولكن إياك أن تنسى ولا تنسوا الفضل بينكم. صحيح أنها جاءت في موضع آخر لكن هذه قاعدة عامة. ولذلك هذا
الإنسان ننصحه، انتبه، لا نأمره. احرصوا على حفظ هذه الأمور، أن هناك فرقاً بين الأمر وبين النصيحة، بين الفرض وبين. الفضل حتى نفهم الدين، لأن كلما نقول فرضًا، يظن الناس أنه هو الفضل، وما دام فضلًا فلا بد أن أفعله. لا، الفرض يجب أن تؤديه وتزيد عليه، وهذه الزيادة هي النافلة. "ما تقرب إليّ عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته". كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر
به ويده التي يبطش بها. الله، هذا عبد رباني، أي يكون عبداً ربانياً يقول للشيء كن فيكون، يعني مستجاب الدعاء. فليستجب له وليؤمن به. انتبه أن هناك فرقاً بين الفرض وبين المباح، وما بين الفضل وما بين المتاح. هناك فرق كبير، هكذا التفت لهذا، احذر أن يفلت من يديك، وإلا مرة جاء سؤال: هل المرأة عليها الغسيل والطبخ والتنظيف وما إلى آخره من أعمال البيت أم لا؟ ليس هذا ما كُتب
في كتبنا، وليس ما كُتب في تراثنا. لست بهذا تدعو النساء إلى التمرد، ليست القضية هكذا، الإمام. يقول النووي ماذا: "وتلك سنة حسنة صارت عليها نساء المسلمين، سنة حسنة لها أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين". إن عمل الظل هذا، كما قلنا سابقاً، يأخذ مائة وستين ألف دولار في السنة. كل هذا في ميزان حسنات المرأة التي تجلس وتعمل شيئاً، لكن هذا هو المفهوم الفقهي. ماذا سيفيدك إذا نظرت إلى زوجتك هكذا واعتبرتها صاحبة فضل عليك، لا أن تنظر إليها باحتقار وتقول لها: "أنا ذكر وأنت أنثى"، بل
عليك أن تنظر إليها وأنت تقول لها كل صباح: "كثر خيرك، شكراً، والله إنني لا أعرف ماذا أفعل لكي أشكرك"، عندها ستكون سعيدة ويصبح هناك... سعادة يقول لك الدين هذا سعادة الدارين لكننا نسير بالمقلوب دائمًا، لا يصح هذا الكلام، فانتبه وفرّق بين الفرض والفضل، وفرّق بين المباح والمتاح. فرّق كما قلنا قبل ذلك ماذا مرة هكذا في حلقة سابقة أو لقاء سابق، يقول ما الفرق بين النص وبين تفسيره وبين تطبيقه، أعمل عقلك. دائماً عقلية مميزة تُفرِّق ما بين الحلال والحرام والقضاء والحياة. الحياة
أوسع مما يحكم به القاضي عندما نتنازع، ولا تنسوا الفضل بينكم. أُفرِّق بين الأمر وبين النصيحة، الأمر هذا مرجعه إلى ماذا؟ مرجعه إلى الفقه والشريعة والقضاء. حسناً، والثاني - النصيحة - هذا ديننا، النصيحة هذه مرجعها إلى الحياة، إلى الحب، إلى الود. أسئلة كثيرة جداً نعالجها بهذه الحكاية. تأتي إليّ إحداهن وتقول لي: "هل فُرض عليّ أن أخدم حماتي؟" أرجع إلى الكتاب فيخبرني أنه ليس فرضاً عليها أن تخدم حماتها. حسناً، والتي تخدم حماتها بينها وبين الجنة أن تموت فقط لتدخل الجنة
مباشرة. عندما احتارت قلت لها: "لا، الكتاب يقول لا". فذهبت. مربية حماتها يوم أسود من قرن الخروب، يوم يكون أسود من قرن الخروب. لماذا نحن في صراع ونزاع دائماً هكذا؟ فلتجعلوها جميلة وكوني صاحبة فضل واخدمي بحمل، لكن كل شيء فيه غضب وفيه خصام وفيه صدام وفيه كذا. على فكرة، أنا أضيع نفسي. ليس على الآخرين، فإذا قلنا للشخص الذي سيسافر إلى سنغافورة ويمكث ثلاث سنوات "انتبه أن عقد الزواج
بنية التوقيت وفي المضمر، إياك أن تصرح بذلك باللسان، فلو صرحت باللسان فماذا يكون؟ يكون زواج متعة، ويكون حراماً باتفاق، ويسمى الزواج المؤقت حراماً، وما الفرق؟ الفرق أنه بعد... الثلاث سنين أحبها، خلف منها، قرر الجلوس في سنغافورة، فقررت الذهاب معه. ما هو توجد صور كثيرة يتم فيها الزواج والسير في الحياة وكل شيء جميل، لكن هذا حلال. إنما افعلوا ذلك بطريقة لا يكون فيها نوع من أنواع الخداع، ولا نوع من أنواع الخصام والصدام، ولا نوع من أنواع أن يكر على صورة. الإسلام بعلامة الاستفهام الموجودة الآن في العالمين من تصرفات المسلمين بناءً على
أنهم لا يفرقون بين المباح والمتاح، وأنهم لا يفرقون بين الفرض والفضل، وأنهم لا يفرقون ما بين النصيحة وبين الأمر، وأنهم لا يفرقون بين النص ولا بين تفسير النص ولا تطبيق النص، وأنهم لا يفرقون بين الدين. والتدين إلى آخره فالصورة أصبحت سيئة، لا بد أن نعيد مرة أخرى ما كان عليه الصحابة. الصحابة لم يكونوا هكذا، التابعون لم يكونوا هكذا، السلف الصالح لم يكن هكذا، أئمة المسلمين الكبار لم يكونوا هكذا. كتبهم موجودة ومفهومة وواضحة أنه يجب علينا أن نكون بعقلية فارقة وأن نلتفت إلى أن... الدين ليس ضد الحياة إنما الدين هو جزء من الحياة