يضطر لدفع رشوة حتى تتم أعماله دون تعطيل | أ.د علي جمعة

يضطر لدفع رشوة حتى تتم أعماله دون تعطيل | أ.د علي جمعة - فتاوي
أنا رجل أعمال ولدي أعمال تحتاج إلى تخليص أوراق مع المصالح الحكومية، فأضطر لدفع بعض المبالغ، وإن لم أفعل لن تتم. فهل علي ذنب؟ هذه مسألة أثيرت قديماً وحديثاً حتى أنها أثيرت في مقاومة الفساد. أولاً دعنا نتفق أن هذا من الفساد البيّن الذي يجب علينا جميعاً القضاء عليه. يجب أن نتفق على هذا ونرى هذا ونتأثم منه وننشر في ثقافتنا أن هذا حرام، وأن هذا من أسباب عدم استجابة الدعاء، وأن هذا من
قبيل السحت إن لم يكن من قبيل الرشوة. انتبه ما الفرق بين الرشوة والسحت: الرشوة تأكل بها حق أخيك في حصة إسمنت أو تخرج لك. يا إما تُظهر لأخيك فرحتك أو أنت ترشو الموظف لكي يُظهرها لك أنت ولا يُظهرها للطرف المقابل، لأخيك، لخصمك. هذه هي الرشوة. في قضية أخرى، نقوم بعمل مناقصة أو ممارسة أو أي شيء، فأنت تقدم ظرفاً وذاك يقدم ظرفاً، فتعطي رشوة لكي يجعل هذا الظرف هو الذي يفوز بدلاً من ذلك الظرف ويُسند إليك. الأعمال أهذه هي رشوة وما هو السحت؟
أنت تطالب بحقك، أنت ذهبت لتستخرج رخصة، إنها رخصتك أنت، سواء كانت رخصة مبانٍ أو رخصة أخرى أو رخصة مزرعة لا أعرف، هذه خاصتك أنت، لا يوجد أحد يقابلك فيقول لك: لن أعطيك الرخصة إلا بالأذى، ما هو هذا الأذى الذي هو... هذا الشاي والله! الناس يعرفون ما هي الإكرامية؟ الشاي سحت، هذا سحت، فهو حرام. فالإجابة أن هذا حرام. ندخل الآن في مرحلة ثانية: الميتة حرام، والخمر
حرام، والخنزير حرام. هل عند الاضطرار يبقى حراماً أيضاً؟ ولكن زال إثمه، فيبقى حراماً لكن زال إثمه. "فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ"، انظر أنه ليس غير. من اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه، ما هو اسمها في هذه الحالة؟ اختلف الأصوليون في تسميتها. الذنب الذي سنرتكبه هذا أن آكل قطعة لحم خنزير أو قطعة من ميت - والعياذ بالله - أو كأساً من الخمر - والعياذ بالله - ما اسم هذه الحالة؟ فمنهم من قال إنها تسمى حراماً منزوع الإثم، أي أنها حرام صحيح ولكن... في عفوٍ ومنهم من قال إنها
حلال لأن الله تعالى يقول: "فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه"، وما ليس فيه إثم فهو حلال. ومنهم من قال: لا تُسمى بشيء، ما اسمها؟ اسمها التي لا تُسمى. كل هذا بناءً على ثقافة الرفض، يعني عندما نقول للشخص: فإذا اضطررت... من غير عدوان فالضرورة تُقدّر بقدرها. هو طلب مني مائة جنيه، فتقول له: "الله يا رجل! مائة جنيه؟ كيف يا رجل؟ خذ مائة وخمسين، ها هم". هذا لا يصح، مثل الميتة، الميتة لا يصح أن أصنع منها كباباً وكفتة وأجلس آكل حتى أشبع هكذا، لا، على قدر سد
الرمق فقط، صحيح آخذ منها. أخذت قطعة وشويتها وأكلتها ووجدت نفسي ما زلت جائعاً، لكن رأسي الذي كان يدور بدأ يهدأ هكذا، لكنني لم آكل كثيراً لأن الضرورة تقدَّر بقدرها. ما زالت قطعة اللحم تزن مائة جرام، أخذت منها خمسين فقط، وهذا يكفي لأن الضرورة تقدَّر بقدرها على القدر، فلا تتوسع في هذا لا أفقياً ولا رأسياً، ولا ترسل له. هدية في غير الشيء، قفص طماطم، وقفص برتقال، وقفص لا أعرف موز،
ليس بينك وبينه شيء. قلتُ لعلنا نحتاجه. هذا هو الفساد العميق الذي ينخر فينا. لماذا؟ لأننا اعتبرنا هذا كأنه من الحقوق المكتسبة. لا، ليس من الحقوق المكتسبة، هذا حرام. لكن أُبيح، أُبيح بقدره، كما يقولون. تتعطل أموري وسيتخرب بيتي فيباح بقدره ولا زيادة فيه، وذلك بعد. هل ممكن أن نبلغ عنه الرقابة الإدارية؟ حسناً، ما المانع. بلّغ عنه، كل واحد بحسب ظروفه. راقب هذا المجرم وبلّغ عنه حتى لو أخذ. بلّغ عنه وهكذا. يجب أن نعرف أن هذا ذنب كبير، ويجب أن نعرف أن الحياة لا بد أن تستمر وأن... الفساد
لن يعيقنا وإننا نلاحق الفاسدين حتى نقضي عليهم