محاضرة علم التوحيد ج1 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في هذا القسم من الدراسة نتكلم عن علم التوحيد ونتكلم اليوم عن مسائله كما وردت في كتب السلف الصالح وفي العلم الموروث. فكل علم كما تكلمنا في الحلقات الماضية يتكون من موضوع يتحدث عنه العلم ونراه في كل مثال، وعلم التوحيد موضوعه الإلهيات والنبوات والسمعيات. في كل قسم من هذه
الأقسام نرى الواجب والممكن والمستحيل، يعني يدرسون ما يجب وما يستحيل وما يجوز على الله سبحانه وتعالى، وعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك ما قد ورد عن طريق السمع وليس عن طريق التفكر. والعقل الذي ورد إلينا في الكتاب والسنة يتكلم عن أمور غيبية لا يدركها العقل بذاته ولكن لا يكذبها العقل إذا عُرضت عليه، وهذا مثل الملائكة والجن واليوم الآخر والجنة والنار وما فيها في النار من مشاهد أو في الجنة من
نعيم إلى آخره، فهذه يسمونها السمعيات لأن إيمان المسلم بها. إنما أتى عن طريق السمع ولم يأتي عن طريق العقل، هو سمع القرآن أو سمع السنة فآمن بها من هذا القبيل، والعقل لا يُكذِّب ولا يُحيل أن يكون هناك يوم آخر، ولا أن يكون هناك نار ولا جنة ولا صراط ولا جن ولا ملائكة، فالعقل يقول إن ذلك كله... جائز ويأتي السمع ويؤكد ويقول إن هذا واقع، ولذلك لما كان هذا هو موضوع علم التوحيد كما ورد في كتب السلف، وسوف
نلتقي مرة أخرى مع علم التوحيد وكيف نعيش به في عصرنا الحاضر، وهذا موضوع لقاء آخر، ولكن اللقاء اليوم ينصب على علم التوحيد كما ورد في كتب الأقدمين. في الكتب الموروثة فمسائل هذا العلم معناه الجمل المفيدة وهي التي سأعرفها اليوم المتعلقة بهذه الأقسام الثلاثة: ما الذي يجب ويستحيل ويجوز في حق الله تعالى، وما الذي يجب أو يستحيل أو يجوز في حق الأنبياء، وما قضية السمعيات الواجب الإيمان بها من غير تردد ولا إنكار، ومن
أجل أن يصلوا إلى صورة واضحة لهذه الأمور الثلاثة قدموا للعلم مقدمات، وهذه المقدمات أصبحت جزءاً من العلم. في هذه المقدمات نفتح كتاب التوحيد فنرى أنه يتكلم أولاً عن العقل وما العقل وماذا يعني العقل، وعن العلم وماذا يعني العلم، وعن الوجود والعدم وماذا يعني كل من الوجود والعدم، ثم بعد ذلك. نراه يقسم الكتاب إلى هذه الأقسام الثلاثة فيسمي القسم الأول الإلهيات
والقسم الثاني النبوات والقسم الثالث السمعيات. إذاً معنا أربعة أبواب يمكن أن نجدها في كتب التوحيد الموروثة: أولها المقدمات، وثانيها الإلهيات، وثالثها النبوات، ورابعها السمعيات. فماذا يقول في المقدمات؟ يقدم مقدمة وكأن الإنسان يتأمل فيها ما حوله هذه القضية الأولى وهي قضية الوجود ووصف هذا الوجود، ثانياً يتكلم فيها عن كيف يعرف الإنسان وكيف يصل
إلى اليقين وما هي مراتب العلم في عقليته. إذاً فهذه المباحث وإن لم تكن في صلب موضوع التوحيد إلا أنها توصل إلى التوحيد وإلى المسائل التي سنعالجها وسنراها فيما بعد. فيقولون إن العقل هذا... كأنه مكون من أربعة أشياء من الدماغ لأنه فعلاً عملية التعقل والتفكر لا تتم إلا بالدماغ ومن الحواس التي تقوم بنقل صور الواقع
المحيط بنا إلى هذا الدماغ ومن المعلومات السابقة التي يختزنها الإنسان من صغره ومن الواقع المحسوس في الخارج ومعنى هذا أن عملية التعقل أو التفكير لا يمكن أن تتم إلا إذا كان هناك هذه الأركان الأربعة: الدماغ والحواس وهي قائمة في جسم الإنسان، والواقع والمعلومات السابقة وهي أمور خارج الإنسان. المعلومات السابقة تأتي شيئا فشيئا وتختزن في ذهن الإنسان، والواقع إنما هو محيط بالإنسان. وعلى ذلك فإذا
تصورنا إنسانا عنده الحواس وعنده الدماغ لكنه طفل صغير ليس عنده أي معلومات سابقة فإنه لا يمكن له أن يفكر ولا أن يستعمل عقله، وكذلك إذا ما تصورنا وتخيلنا إنسانًا في الفضاء ليس حوله أي نوع من أنواع الواقع، لا شجر ولا بقر ولا حجر ولا مدر ولا أي شيء، هو في عدم مطلق، فإنه لا يمكن له أن يفكر. لأنه وإن كان عنده الدماغ وعنده الحواس إلا أنه ليس عنده أي شيء من الواقع الذي حوله حتى يتفاعل
معه ويتفكر فيه. إذاً، فلو بدأنا القضية من الإنسان، وهذا سوف يفيدنا كثيراً عندما نعلم كيف نحول التوحيد الموروث إلى أداة نستطيع بها فهم كل الفلسفات الشائعة في العالم وكيف نتعامل. معها فيما بعد التوحيد إذا عندما فكر بدأ بالإنسان لأنه هو الذي كلف وهو الذي يخاطبه الله ويقول له لا بد عليك أن تؤمن بالله وبالأنبياء وباليوم الآخر إلى آخره فليبدأ الإنسان في النظر إلى ذلك الكون من نفسه وليعلم أول ما يعلم كيف يدرك وكيف يتعلم وكيف نصل بهذا
العلم إلى مرتبة اليقين ومن أجل ذلك فلا بد عليه من أن يقف عند العقل، ومعنى هذا يعرفه الجويني، مثلاً إمام الحرمين بأنه المعلومات الضرورية، يعني هناك قدر من المعلومات الضرورية هي التي تكون عقل الإنسان. الإنسان يدري بفطرته وتجربته وتفكره وحسه أن الكل أكبر من الجزء وأن ما دمنا في هذه القاعة فإن هذه القاعة تحيط بنا ولا نحيط نحن بها وأن السماء تكون فوقنا والأرض تكون تحتنا وأن إذا كان هناك شيء أو شخص وجاء شيء أو
شخص آخر فيكون هناك اثنان وليس هناك واحد وهكذا هناك معلومات ضرورية أساسية وهي التي نسميها بالبديهيات وهي التي لا يقف الإنسان كثيرا أمامها بل يصدقها مباشرة مثلما لو قلنا أن اثنين واثنين يساوي أربعة، لا يتردد الإنسان ولا يفكر ولا يجعل هذه القضية محل نظر وتدبر وتأمل وتفكر، ليس فيها خفاء، وسبب عدم خفائها أنها وصلت عندنا إلى مرتبة البدهيات، ولو أن أحداً من الناس نزل بها من مرتبة البدهيات إلى مرتبة ما يحتاج إلى تأمل وتفكر فإنه يثير الضحك ويظن الناس أنه يمزح، وإثارة الضحك عندنا من هذا
النوع عندما نقول اثنين واثنين ويجلس يحسب فيهما ويجعلها قضية تحتاج إلى تفكر، جاء من أننا قد حولنا البديهيات إلى نظريات يعني أمراً يحتاج إلى نظر. هذا العقل الذي يفكر بهذه الطريقة التي يُصْدِرُ بها الدماغُ أحكامَه هي أنه يتلقى أساساً المعرفة وهو صغير بالحواس من الواقع، ثم بعد ذلك يضبط هذه المعلومات ويرتب نتائج في عقله يتوصل إليها، ويُصْدِرُ أحكاما. هذه الأحكام على ثلاثة أقسام: الواجب، والمستحيل، والممكن. وهذا
يتعلق بالوجود أيضاً لأنه يقول إن هناك شيئاً هو واجب الوجود. ومعنى واجب الوجود أنه لا يمكن أن يكون في أي لحظة من اللحظات إلا وهو موجود، لا بد أن يكون موجوداً دائماً. ويقول: هناك شيء مستحيل الوجود وهو ما لا يمكن أن يتصوره العقل. إذاً فالعقل يتصور شيئاً لا يمكن أن يخلو منه الزمان، والعقل يتصور شيئاً لا يمكن حدوثه. فالذي لا يمكن الخلو عنه فهو الواجب، والذي لا يمكن حدوثه هو المستحيل، إذاً هناك شيء
يمكن حدوثه ويمكن عدم حدوثه وهو الممكن أو الجائز. ولذلك توصلنا إلى هذه المسألة التي تقول إن أحكام العقل ثلاثة: الواجب والجائز والمستحيل. حقيقة المستحيل اجتماع النقيضين، هكذا يقولون في علم التوحيد. عندما نفتح المقدمة وما النقيضين: الشيء وسلبه، وما سلبه يعني عندما نقول عالِمٌ ونسلب فنقول ليس بعالم. فعالِمٌ هذا هو الذي مقصود في الشيء، ليس بعالم هذا كلام فيه نفي للعلم. هذا
عالِمٌ نسميه إثبات، هذا ليس بعالم نسميه نفي. هل يمكن في محل واحد من جهة واحدة في موضوع؟ واحد في زمان واحد وفي مكان واحد أن يكون هذا الشخص عالماً وليس بعالم لنفس المعلومة في نفس الزمان في نفس المكان في نفس الموضوع. طيب هيا نحاول أن نغمض أعيننا وأن نتصور شيئاً هو عالم وليس بعالم في نفس الوقت من كل جهة، لو فعلنا هذا ما استطعنا. ولا نستطيع أن نتوصل إلى هذا التصور إلا أننا نستطيع أن نستبطن في عقولنا نسبة النقيضين عالم ليس بعالم هما نقيضان في
مكان واحد لا يمكن أن أقول أنا جالس أنا لست بجالس الآن جالس إثبات لست بجالس نفي لا يمكن جمعهما الآن يمكن أن أقول أنا جالس الآن أنا لم أكن جالساً بالأمس من ساعة. أنا هنا الآن، وبعد ساعتين لست هنا. هذا ممكن لاختلاف الزمان، لاختلاف المكان. أنا هنا، أنا لست هنا. كان هناك هو البيت مثلاً. نعم، أنا هنا ولست في البيت، اختلاف المكان، وهكذا. أما من كل جهة أنا جالس الآن، أنا لست بجالس الآن، فهذا... لا يمكن تصور مثل هذه الحالة،
فليحاول أحدنا أن يستحضر الجلوس وعدم الجلوس معا لشخص واحد في مكان واحد في زمان واحد، لا يستطيع أبداً، لا يمكن للعقل أن يتصورها. تطور الزمان ونحن نشرح هذه الحقيقة التي عُبِّر عنها قديماً بالمستحيل العقلي، وهو يختلف عن المستحيل العادي. المستحيل العادي أنني لا أستطيع. أن أطير في الهواء ولكن يمكن أن أجلس وأتخيل أنني أطير في الهواء فأتخيل أتخيل ذلك، ولذلك المستحيل العادي ممكن عقلاً. ترى هناك فرق كبير ما بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي. المستحيل العقلي لا يمكن تصوره
لكن المستحيل العادي يمكن تصوره ولنضرب مثالا أخف من هذا هو أن المستحيل العادي يمكن صناعته في السينما ولكن المستحيل العقلي لا يمكن صناعته في السينما، ففي السينما يمكن أن تصور شخصية مثل السوبرمان يلقي نفسه من أعلى مركز التجارة العالمي وينطلق في الفضاء قبل إنهدامه، ولكن هذا الذي يفعله مستحيل عادةً لكنه ليس مستحيلاً عقلا لأنه يمكن تصويره وقد صُوِّر. فعلاً في فيلم السوبرمان أنه يطير في الهواء وأنه يستطيع أن
يمسك الزلزال في يديه، نعم يمكن أن تتخيل هذه الأرض وأنه ممسك بها هكذا بقوة. يمكن فالمستحيل العادي يمكن تصوره، يمكن صناعته في السينما، يمكن تحويله إلى حقيقة مرئية، في حين المستحيل العقلي لا يمكن، لا يمكن أن نجعل شخصاً جالساً. غير جالس في وقت واحد، ليس من الممكن أن نصوره ونحولها إلى مشهد، لا يجوز. إذاً هكذا نرى أنهم اعتمدوا بداية على الإنسان، واعتمدوا أيضاً على البدأ بكيفية العقل وماهيته. ثم بعد ذلك أخذوا من ذلك أحكاماً
أن هناك واجبا عقليا وأن هناك مستحيلا عقليا، وجعلوا وجود الله سبحانه وتعالى من قبيل الواجب العقلي فالعقل. لا يمكن أن يُتَصَوَّر أثر من غير مؤثر، كيف يتم هذا؟ نحن لم نكن موجودين في الوجود، فكيف هذا؟ هكذا يحولون كلام الأعرابي في القديم، وكان بفطرته يقول: "الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، فنهار ساجٍ، وليل داجٍ، وبحار ذات أمواج، ومسالك ذات فجاج، أفلا تدل على الخبير القدير؟" هذا
الأعرابي وهو يتكلم إنما هو يتكلم الآن بعلم الكلام لأنه يتكلم عن قضية الأثر والمؤثر ولكن نضعها في صورة مصطلحات. فهناك أثر، فإذًا لا بد من أن يكون هناك مؤثر، وهذا هو الذي يدركه الإنسان ببداهته وفطرته عندما يمسك سلك الكهرباء لينظر هل فيه كهرباء أم لا. فإذا كان هناك كهرباء فهذا يعني أن هناك قوة وهناك مصدراً لهذه الطاقة، وإذا لم يكن هناك كهرباء فهذا يعني أنه ليس هناك مصدر، والمصدر أُغلق عن هذا السلك. بالأثر يمكن أن ندرك المؤثر بالرغم من أننا عندما نشعر بالكهرباء لا نعلم من أين
أتت ولا نراها، ولكننا نعرف أثرها. الكون لا يمكن بهذا الإبداع والحكمة وبهذا الاستمرار في هذه الحكمة إلا أن يكون له خالق مدبر، لأننا لو قلنا إن هذا الكون قد خُلق عبثاً وخُلق من غير خالق وهو أثر بلا مؤثر، لوصلنا إلى مرحلة المستحيل العقلي، أن يكون الأثر ولا يكون المؤثر، كيف؟ كيف يُوجد الأثر ولا يوجد المؤثر، فالأثر موجود وهذا الأثر ليس فقط محض خلق بل هو خلق بديع الصنع، وكلما تدبرنا وتأملنا فيه
ازداد إعجابنا وانبهارنا به. فلو تخيلنا مثلاً، وكلما تقدمت المعلومات والعلوم، أن الشمس لو اقتربت من الأرض أو اقتربت الأرض من الشمس قليلاً عدة أميال لاحترقت، وأن القمر إذا قرب من الأرض عدة أميال لغطت البحار اليابسة بالماء، أو بعد عدة أميال لتحولت البحار مثل الأنهار من الجزر، وهكذا في كل حقيقة من الحقائق الكونية نرى الله سبحانه وتعالى بديع الصنع وراءها، ولذلك قالوا هذه الألفاظ في كتبهم: "الله يتجلى في عصر العلم"،
وهو عنوان الكتاب "العلم يدعو إلى الإيمان" وهو عنوان كتاب العلم من منظوره الجديد وهو عنوان كتاب وهكذا كلما تأملوا في الكون كلما ازدادت حيرتهم في هذا التناغم الذي وصل إلى ملايين ملايين ملايين الاحتمالات فإذا به يكون احتمالاً منها فلا يمكن إلا أن يكون عن مؤثر ولا يمكن عقلاً إلا أن يكون من عند الله ويستحيل عقلاً إلا أن يكون قد صدر من الله، ولذلك قالوا بوجود وجود الله سبحانه وتعالى وباستحالة أن لا يكون موجوداً عقلاً، أما الذي هو ممكن الوجود فهو الإنسان، يخلقه الله أو لا يخلقه، يرزقه أو لا يرزقه، يؤجله ويعمره حتى يبلغ أرذل العمر، أو
يجتبيه عنده في شبابه أو طفولته، هذا. يمكن ولذلك العقل يتصوره وصل بهم الحال في الرياضيات الحديثة إلى أنك إذا قسمت واحداً على ما لا نهاية فإن الرقم هو صفر، وصفر معناه العدم، معناه عدم الوجود لا يوجد شيء. في نظرية الاحتمالات يقولون لو كان عندنا كيس وهذا الكيس به عشر كرات، الكرة الأولى نرقم عليها واحد. والثانية اثنين ثلاثة أربعة إلى عشرة، فما احتمال أن أخرج كرة فتطلع من رقم واحد؟ قالوا:
هذا احتمال واحد على عشرة، لأنه واحد على عشرة هو الاحتمال باعتبار أن الكرة من عشرة. فما احتمال أن أخرج الكرة الأولى فتطلع واحد والكرة الثانية تطلع اثنين؟ قالوا: هذا واحد على تسعين لأنه. يكون واحد على عشرة في واحد على تسعة لأن في الأولى هي واحد على عشرة واحتمال أن تخرج الثانية بعدها يكون واحد على تسعة، وعلى ذلك فاحتمال أن يخرجا متتاليان واحد على عشرة في واحد على تسعة أي واحد على تسعين محاولة، فاحتمال أن تخرج الكرات العشرة بالترتيب واحد. على عشرة واحد، على تسعة واحد، على ثمانية واحد، على سبعة إلى واحد على واحد، التي هي الكرة العاشرة، فسيكون الرقم
في الأسفل كبيراً جداً. تخيل أنك تضرب هذا في ملايين وملايين من الاحتمالات: قرب الشمس، وقرب القمر، والبحار، والأنهار، والأشجار، والإنسان، والسماء، والأرض، فإذا بك ستصل إلى واحد على... ما لا نهاية يعني صفر، يعني احتمال أن يكون هذا الكون قد خُلق عبثاً - لا شئ - لا يمكن، مستحيل. هذا هو كلام السلف الصالح الرياضي، وكلامهم عقلي وفلسفي، بدأ بالإنسان وبدأ بالعقل. إذاً، يمكن أن تكون هذه المسألة الأولى بعد استيعابها، والقول بأن أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجود. ثم
الاستحالة ثم الجواز ثالث الأقسام فافهم منحت لذة الإفهام. هكذا يقول الشيخ الدردير في خريدته في بيتين يلخص هذه الحقيقة، هذه الأداة، هذا المفتاح الذي هو أول تنظيم لفكر الإنسان. أحكام وأقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز الإمكان يعني ثالث الأقسام، فافهم منحت لذة الإفهام. أفهم وكأنه يرى أن الوصول إلى هذه الحقيقة فيها لذة، لذة فكرية. القضية الثانية هي أيضاً تتعلق بالبدء، وقد بدأنا بالعقل الذي في الإنسان، فهذا العقل الذي في الإنسان يريد أن يدرك، فقسموا العلم ووجدنا
للعلم خريطة. فالعلم يعني المعلوم، يعني المدرك، يعني هذه الصور التي تدخل عن طريق حواسنا. الأذن والشم والنظر واللمس إلى عقولنا. هذا العلم ينقسم إلى قسمين: علم يقيني جازم وعلم ليس بجازم. وانظر وهو يقول: ليس بجازم، ليس بيقين، فيبقى من العلم الذي هو جازم نعطيه مائة في المائة. مدى تأكدي من أنني ألقي الآن هذه المحاضرة في ذلك الوقت مائة في المائة. أنا متأكد مائة في المائة. لا يستطيع شخص أن
يجلس ويُوهمني بأنني لست هنا. لن أُقتنع إدراكي بنفسي وبما أفعل الآن. هذا مائة في المائة، وقد يكون الأمر ليس كذلك، إنما هو ليس بجازم، ليس بيقين، فإذن ليس مائة في المائة. والذي ليس مائة في المائة يبدأ من التسعة وتسعين، تسعة وتسعين في المائة وينتهي إلى واحد في المائة لأن صفر في المائة معناها أنه متأكد من عدم الوجود فهذا القسم هو مائة في المائة، وهذا القسم من واحد إلى تسعة وتسعين في المائة، هذا القسم الذي هو ليس بجازم ينقسم ثلاثة أقسام: الظن واحد وخمسين في
المائة إلى تسعة. وتسعين نسميه الظن، الشك خمسين في المائة فقط، والوهم من واحد إلى تسعة وأربعين في المائة. يبقى هناك ثلاثة أقسام في غير الجازم، إما يكون هناك وهم، وكما رأينا من واحد إلى تسعة وأربعين يعني مرجوح، يعني لم نصل إلى التساوي خمسين خمسين، بل هو مرجوح أقل من خمسين، فهو. مرجوح أنا عندي تسعة وأربعين في المائة أن فلانًا هو الذي ارتكب هذه الكلمة وواحد وخمسين في المائة أنه لم يرتكبها، نكون في مرحلة ما يسمى بالوهم. عندي
خمسين في المائة أنه هو الذي ارتكبها، يكون في مرحلة تسمى الشك. عندي واحد وخمسين في المائة إلى تسعة وتسعين في المائة. أن هو الذي ارتكبها يكون عندي الظن، إذا فغير الجازم ثلاثة أقسام وهم: وهم وشك وظن. الوهم من واحد لتسعة وأربعين، الشك هو خمسين فقط، الظن من واحد وخمسين إلى تسعة وتسعين. أما الجازم فهو على نوعين: إما أن يكون مطابقاً للواقع وإما ألا يكون مطابقاً للواقع. إذا كان مطابقاً للواقع... فهو اعتقاد صحيح مثل اعتقاد المسلمين بأن الله واحد، وإذا كان غير مطابق للواقع
فهو اعتقاد فاسد، كاعتقاد الوثنيين أن الصنم ينفع ويضر. فهو متأكد مائة في المائة أن الصنم ينفع ويضر، ولكنه مخالف للواقع، فهذا باطل. الصنم لا ينفع ولا يضر، هذا هو المطابق للواقع، أما أن يكون ثابتاً في القلب. لا يقبل الشك وإما أن يكون ليس ثابتًا هو متأكد مائة في المائة ولكن عندما تحاول أن تزعزعه يتزعزع معك. والثابت هذا إما أن يكون عن دليل عن تفكرٍ وتعقلٍ عن أرضيةٍ صلبةٍ يقف عليها الإنسان، وإما أن يكون عن تقليدٍ للغير وسمع آباءه أو علماءه أو غيرهم يقولون هذا. ووثق بهم وسار عليهم واتّبعهم فيما
قالوا، هذا الذي عن غير دليل اسمه التقليد، وهذا الذي عن الدليل اسمه العلم اليقيني. إذاً فالعلم هو إدراك جازم مطابق للواقع ثابت ناشئ عن دليل، وما ليس كذلك ليس بعلم. هم يريدون أن يصلوا إلى توحيد الله ومعرفة النبوات والسمعيات إلى درجة العلم. إلى درجة اليقين وليس إلى درجة الثبات أو إلى درجة الجزم وهو خلاف للواقع أو إلى درجة عدم الجزم ظنا أو شكًا أو وهمًا، ومن أجل ذلك رُسمت هذه الخريطة من أجل أن نصل إلى أننا نسعى إلى معرفة الحق اليقيني الناشئ
عن دليل، ومن هنا كان المسلم وهذا سيفيدنا. فيما بعد في مواجهة العصر يسعى إلى الحق ويقبل كل الحقائق لأنه إنما يريد اليقين الثابت وليس يريد التوهمات ولا يريد الأخطاء ولا الوقوع فيها، هو يريد أن يعرف تماماً ما الذي حدث وتماماً ما الذي يحدث وتماماً كيف سيحدث ما سوف يحدث، هو يريد أن يدرك الواقع ويكون ذلك. عن دليل وليس عن أوهامه ولذلك هذه العقلية التي تبحث عن البرهان والتي تبحث عن الحجة والتي تبحث عن الدليل والتي تبحث عن أن تثبت أقدامها في كل ما تقوله أو
تفعله أو تسمعه لا تقبل توهيمات الموهمين ولا الانتقال من الشبهة إلى التهمة إلى الإدانة إلى العقوبة إلى تنفيذها كما يفعلون بالمسلمين في الأرض الآن، شبهة فحولوها إلى تهمة، فحولوها إلى إدانة، فحولوا الإدانة إلى عقوبة، فحولوا العقوبة. هذه عقلية تختلف عن تلك العقلية، عقلية المسلمين عقلية علمية، وهذه عقلية مصلحية تريد أن تتصيد المصلحة في أي شيء، وتوهم على الناس. عقلية المسلم إذا ما سمع هذه الأمور يعرف. كيف يحلل وكيف يقبل وكيف يرد لأن واضح أمامه ثلاثة أشياء: أين مطابقة الواقع؟ ما الدليل؟ كيف نشأ؟ وهل هذا دليل أو أمارة أو شبهة؟ وهكذا فانظروا
إلى هذا التكوين من علم التوحيد أنه في المقدمات كما تكلموا عن العقل تكلموا أيضاً عن قضية العلم وأن العلم له خريطة فمنه. العقيدة صحيحة أو فاسدة، ومنها العلم، ومنها التقليد، ومنها الظن، ومنها الشك، ومنها الوهم، في خريطة يعلم المسلم رأسه من رجليه فيها، أو يعلم بدايته من نهايته فيها. كل إدراك ينقسم إلى جازم وغير جازم، غير الجازم ظن وشك ووهم، والجازم إما أن يكون مطابقًا أو لم يكن مطابقًا، والمطابق... ثابتاً أو لم يكن ثابتاً، والثابت ناشئ عن دليل أو لم ينشأ عن دليل، وعلى ذلك فالعلم المعتمد الذي عليه البناء هو ذلك الإدراك الجازم المطابق الثابت
الناشئ عن دليل، وغير ذلك من العلم لا يُقبل به، وغير ذلك من الإدراك لا يُقبل، وهذا هو مقياس الحق عند المسلمين ابتداءً. من العقيدة وانتهاءً بالحياة، وطبعاً إذا عرفنا ذلك عرفنا أيضاً أننا في العالم الإسلامي قد تركنا هذه العلوم، وأن كثيراً من المسلمين لم يعودوا يفكرون بهذه الطريقة التي كان السلف يفكر فيها وبها، فبنوا حضارة وأسسوا علوماً بناءً على هذا التفكير المستقيم الذي يسعى إلى معرفة الحق والذي لا يريد لا الأساطير ولا الخرافات ولا التحريف ولا التخليف وإنما يريد علماً يواجه به ربه يوم القيامة. خريطة
أخرى تكلموا عنها في المقدمات وهي تتعلق بالوجود أيضاً وهي خريطة الجوهر والعرض. الجوهر في أبسط معناه هو شيء له حيز في الفراغ، والشيء الذي له حيز في الفراغ الذي ندركه جميعاً. هو الجسم، والجسم كما نعرف منه جماد ومنه نبات ومنه حيوان ومنه إنسان، لكن بالجملة ما له تحيز في الفراغ يكون وكأنه قائم بذاته قائم بنفسه، ولكن لم
يستطيعوا أن يستعملوا هذه الكلمة قائم بذاته وأن جعلوها مختصة بالله سبحانه وتعالى، لأن الكرسي في وجوده يحتاج إلى الله، لأن بدون إمداد الله له وإعطاءه حق الوجود فإنه لا يوجد ولذلك جعلوا كلمة قائم بنفسه هذه التي كان يمكن أن نطلقها على الكون كما أطلقها الفلاسفة من العيب أن نذكرها في قبيل الحوادث والمخلوقات كلمة قائم بنفسه يعني قيوم وهو الله سبحانه وتعالى نحن نحتاج إليه ونقوم به بأمره بسببه بإذنه لكن هو يقوم بنفسه، أي لا يحتاج إلى أحد ولا يعتمد على أحد في وجوده. فالجوهر
معناه الجسم، معناه ما له تحيز. كنا ندرس في المرحلة الثانوية الخلية الواحدة التي يسمونها الأميبا، هذا جوهر، خلية واحدة لها تحيز. هكذا نرسمها: دائرة غير منتظمة تسمى بالخلية، لها حيز، إذًا فهي جوهر. فلو وجدنا خلية... بجوار خليجة بجوار خليجة إلى آخره لتكون جسماً، فالجسم يتكون من عدة جوانب مفردة، فالجوهر ما له تحيز وليكن في مثالنا شخص اسمه زيد أو عبيد
أو عمرو أو أي اسم، فزيد هذا له أعراض والأعراض لا يمكن وجودها في الخارج وحدها بل لا بد لها من جسم تقوم فيه، اللون يمكن. جيداً أن أغمض عيني وأتخيل زيد هذا الذي أمامي أسود أو أحمر أبيض ليكن، لكن هل أستطيع أن أتخيل الحمرة من غير أن تكون موجودة في الجسم؟ أو البياض أو السواد، يمكن أن يكون السواد في الثياب، ممكن أن يكون البياض في اللبن أو في الحائط، ممكن أن تكون
الحمرة. في الأكل أو الشرب لكن لا بد من جسم ما، هو الأكل والشرب وزيد وما شابه، كلها أجسام، كلها أجسام. اللون لا يوجد وحده ولا يمكن أن يوجد وحده، ولذلك اللون هذا من الأعراض. الطول: زيد طويل، أو قصير، الطول هذا لا يمكن أن يوجد خارج زيد، لا بد أن يكون هناك شيء حتى أقيسه، هذا الشيء المقيس هو جسم الطريق من هنا إلى الإسكندرية، جسم أقيسه، لكن هل هناك شيء ليس جسماً واسمه طول؟ الغنى، الفقر، الذكاء، الغباء، الصحة، المرض، كل هذه يسمونها
أعراضاً. جلسوا يتأملون في الأعراض ما هي، فوجدوا أن الأعراض يمكن أن تكون الزمان ويمكن أن تكون المكان عرضاً. ويمكن أن يكون وضع الإنسان جالساً أو قائماً أو متكئاً أو غير ذلك، أو وضع أي شيء مائلاً أو مستقيماً، فوق أو تحت. ويمكن أن يكون الفعل أكلتُ، شربتُ، ضربتُ، ذهب، أحضر. كل هذه لها وجود، ولكنها تحتاج في حدوثها إلى أجساد. ومن الممكن أن يكون الانفعال نتيجة
للفعل، كحرقته فاحترق، كسرته فانكسر. إذا ففرقوا بين سخنت، يعني أوقدت النار عليه فتسخّن، تسخّن يعني ارتفعت حرارته. هذا غير إيقاد النار، إيقاد النار هذا فعل، لكن ارتفاع حرارة الماء هذا أثر، أثر لهذا الفعل. وهكذا عدّوا هذه الأمور تسعة بالتأمل بالتدبر، وليس بالاستقراء العقلي، ولذلك يمكن أن يأتي واحد ويزيد عليه، لكن لغاية... اليوم منذ زمن أرسطو ما أحد زاد عليه التسعة، ما زالوا تسعة. كما كانوا. جُمعوا في بيت شعر أو بيتين،
وكان الأولاد يتغنّون بهم وهم صغار فيقولون: زيد طويل الأزرق بن مالك، في بيته بالأمس كان متكي، متكئاً يعني بيده غصن لواه فالتوى. فهذه عشر مقولات سوى يبقى الجوهر وتسع أعراض. يصيرون عشرة الجوهر زيد زيد الطويل هذه الكمية يسمونها مقولة الكم الأزرق الكيف ابن مالك النسبة في بيته المكان بالأمس الزمان كان متكي الوضع بيده غصن الميل لواه الفعل فالتوى الانفعال فهذه عشر مقولات سواء ثم
قالوا إن الله ليس بجوهر ولا عرض وعلى ذلك ما دام ليس بجوهر فهو ليس بجسم، أُخِذ ذلك من قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". فالله مخالف للأكوان، لو كان جسماً لكانت له بداية ونهاية، لأننا قلنا إن الجوهر له حيز، ولو كان عَرَضاً لما أمكن إلا أن يكون محتاجاً إلى جسم يحل فيه. وحاشا لله سبحانه وتعالى من ذلك. ولا ذاك ليس له جسم وليس له بداية ونهاية وليس بعرض يحل في الأجساد، فالله ليس بجوهر ولا عرض، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف
ذلك. كيف يكون الله ليس بجوهر ولا عرض؟ هل يمكن أن نتصور ذلك؟ قالوا: يصعب أن تتصور ذلك لأننا قلنا، وهذا ربط الكلام المقدمات بالمسائل أن العقل هو دماغ وحواس مع واقع محسوس والواقع يا إما جوهر يا إما عرض، فنحن لم نشاهد ذات الله سبحانه وتعالى ولا شاهدها لا نبي مرسل ولا ملك مقرب لأن الإحاطة بها مستحيلاً، ولذلك نحن نصدق وصفه لنفسه دون إمكان تصور ذلك، لا نستطيع أن نتصوره كلما
أردنا أن نتصور الله فإننا سنتصور. ما في عقولنا من معلومات التي جاءت إلينا عن طريق الحس إذاً عن طريق الواقع، والله خلاف هذا الواقع، الله هو الذي خلق هذا الواقع. هذا الواقع لا علاقة له بمشابهة ما في دماغك لأنك لم ترَ إلا هذا الواقع، ولم تستطع أن ترى غيره، ولذلك لا يمكن أن تتفكر في غيره. ولذلك الإمام علي يقول: "التفكر في ذات الله إشراك". لكن التفكر في وجوده وفي صفاته العُلى وفي كيفية تطبيقها في حياتنا الدنيا والإيمان بها والتخلق بها هو الواجب. أما أن نتفكر في ماهية ذات الله فلن نصل إلى شيء. لقد حاول البشر أن يصلوا إلى ذات الله فلم يصلوا.
إلى شيء حتى أن بوذا لما خرج يبحث عن ذات الله ويريد أن يتحد معه في النيرڤانا التي إدّعاها لم يجد شيئاً فقال إن الله هو العالم يعني هذا الذي حولنا لأن هذا الذي في عقله في ذهنه أن الله هو العالم. هذا العالم من غير هداية الله ومن غير وحي الله الذي بينه للرسل بكل وضوح أن الرب رب والعبد عبد وأن هناك فارقاً بين المخلوق والخالق، بدون هذه الهداية التي جاءت بالوحي وصل الإنسان إلى أن الكون هو الله، وهذا ضلال مبين وخطأ بين، لأن الله سبحانه وتعالى بديع وحكيم، وهذا الكون متغير له بداية وله نهاية. وهو على حد الفناء نرى مخلوقات تنشأ ثم تفنى ثم تنشأ ثم تفنى،
والله سبحانه وتعالى باقٍ لا يزول ولا يتحول. الجوهر والعرض إذاً عبارة عن تأمل في الوجود، ثم بعد ذلك أخذوا من هذا التأمل أشياء من أجل تحرير العقل من أوهامه. إذاً هذا هو الذي سوف نقوم به. به مع الفلسفات الحديثة التي نراها كل يوم في الأفلام وفي المسلسلات وفي الفلسفات التي تبث علينا يومياً وبإلحاح، ونعرف أنه يجب علينا أن ندرك من الوجود ما نُحكِّم به عقولنا التي هي مليئة بذلك الوجود، ونحذر من أن تختلط الأوراق فيما بين الأكوان والرحمن، فالرب رب والعبد عبد، فالله ليس بجوهر وليس بعرض. إلى أن
وصلنا إلى قضية الجوهر والعرض. احتاجت المسألة منا إلى تأمل كبير في الموجودات وسنين طويلة وأخذ خبرات الآخرين من سقراط إلى أرسطو إلى الفلاسفة إلى أفلوطين إلى غير ذلك وما إلى آخره. ولكن عندما أخذنا منهم أخذنا الوصف، وصف الحق ووصف الكائن ووصف الحاصل، فلا بأس إذاً من أن نأخذ منهم الوصف ولكن لا بد علينا أن نفكر بذلك الوصف فيما أخبر الله به عن نفسه وهو الحقيقة فنعرف أنه ليس له كفوا أحد ونعرف أنه ليس كمثله شيء ونعرف أن الرب رب والعبد عبد ونعرف أن التفكر في ذات الله إشراك وأن كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ومؤدى هذا هو التأمل الدقيق العميق في هذا الكون وأنه جوهر وعرض
وأن الله بخلاف ذلك فليس يمكن أن يكون جوهراً ولا عرضاً لأن العرض فانٍ لا يبقى زمنه ويحتاج في قيامه إلى الجسم ولأن الجسم محدود له بداية ونهاية يطرأ عليه التغير والله هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، إذا منهج المسلمون وهم يفكرون، وسوف نحاول أن نتجاوزهم لتجاوز عصرهم فقط لكن لا نتجاوز مناهجهم. مناهجهم في غاية الإتقان والإبداع، إنهم يبحثون عن الحق، إنهم يبدؤون بالإنسان، إنهم يتأملون في الكون، إنهم لا ينكرون الوحي بل يتأملون في الكون، إنما هو لفهم الذي أوحى الله به إليهم يصدقونه
ويؤمنون به ولا يتبعون الخرافات ولا الأضاليل وإنما يتوصلون من هذا التأمل الجاد الواعي العميق في الكون إلى القواعد التي يستطيعون بها أن يتعاملوا مع الوحي الشريف. هذا بعض ما في المقدمات، رأينا فيها خريطة الجوهر والعرض، ورأينا فيها خريطة العلم وتقسيمه، ورأينا فيها خريطة أقسام العقل ورأينا فيها ماهية العقل وما هو. وهكذا هناك تفاصيل كثيرة لا يتسع الوقت إليها لكن هذه هي التي تمثل الركيزة الأساسية للمقدمة وهي الدعامة الأولى وهي لا علاقة لها مباشرة بالمسائل إلا أنها مقدمة لا بد منها
للدخول في مسائل علم التوحيد. ندخل إذاً في الإلهيات وهو الباب الثاني. فنرى أنهم يتحدثون فيها عن الصفات الإلهية والصفات الإلهية لها خريطة، نعم هذه الخريطة بنفس الطريقة تسهّل علينا الفهم والحفظ وتسهل علينا كيفية التعامل مع الوحي، وفي نفس الوقت لا نخرج عنه. يقولون صفات الله سبحانه وتعالى إما أن تكون صفات أفعال وإما أن تكون صفات ذات، فصفات الأفعال لله هي الصفات التي لا يلزم من نفيها نقص، وصفات
الذات هي الصفات التي يلزم من نفيها نقص. ما معنى صفات الأفعال؟ مثل الرحمن، الرزاق، الخالق، هذه صفات أفعال لأنه لا يمكن أن نقول إن الله رزق فلاناً ولم يرزق فلاناً. "لم يرزق" هذه العبارة، الله لم يرزق فلاناً، عبارة ليس... فيها نقص فالله فعَّال لما يريد، الله خلق فلاناً ولم يخلق له ابناً، نعم هو فعَّال يخلق ما يشاء ويختار، وهكذا الله سبحانه وتعالى يرحم المؤمن ويعذب الكافر، نعم ولا يرحم الكافر، نعم
هذا هو ملكه يفعل فيه ما يشاء، وهكذا نرى أن إثبات هذه الصفات لله أو نفيها عنه لم ينتقص منه شيء لا الإثبات ولا النفي، كل صفة كهذه نسميها صفات الأفعال هكذا في العلم الموروث، الرحمن، الخالق، الخلاق، الرازق، الرزاق إلى آخره. الصفات الأخرى صفات ذات وصفات الذات هذه على قسمين: إما أن تكون هي نفس الذات وهي صفة واحدة هي صفة الوجود، يسمونها الصفة النفسية، أي أن الله نفس
الله يعني هو هو، يعني ذات الله هي ذات الله، فيسمونها الصفة النفسية من أجل هذا هي الوجود، أنه موجود أو هو من باب العدم والفكر، يعني هو مجرد فكرة هكذا كما يقول بعض الفلاسفة، فاضطر المسلمون إلى أن يقولوا له: لا، الله موجود وليس مجرد فكرة هكذا في بالي ياترى هل هناك أحد عمل الكون؟ في أحد عمل الكون في ذهني أنا لكن في الواقع لا، لا المسلمون لا يعتقدون هذه العقيدة الفاسدة. المسلمون يقولون أن هناك إله خارجنا بائن منفصل عنا حقيقي موجود، فالوجود صفة من صفات الله، صفة ذات
لأنه قبيح جداً أن نقول أن الله ليس بموجود عيب خطأ، ولذلك صفات الذات هي التي يلزم من نفيها نقص تماماً. لننظر الآن، الله عليم، ولا يصح أن نقول: الله ليس بعليم، ليس بمريد، ليس بقادر، فكلها نقائص. ولذلك هي من صفات الذات، وصفات الذات عشرون صفة. أما صفات الأفعال فلا يمكن حصرها، فهو غفور ورحيم وعَفو ورحمن ورحيم وخلاق ورزاق. ومُحيي ومُميت صفات لا تتناهى، لكن الصفات هذه الخاصة بالذات عشرون، أولها أن يكون نفس الذات قسماً هكذا. القسم الثاني هو القسم الثاني للشجرة، يقول
إنه زيادة زائدة عن الذات، صفات زائدة عن الذات ليست هي عين الذات، إنما هي زائدة عن الذات. الزائدة عن الذات هذه إما أن تكون... مدلولها نفيٌ يعني سلبٌ يعني ليس. مدلولها هكذا كما نرى، يعني ماذا؟ ما تقوله ليس هذا أو نفي أو سلب، فيسمونها الصفات السلبية. أو يكون مدلولها وجوداً فيسمونها الصفات الثبوتية. إذن هناك سلبية وهناك ثبوتية. السلبية هذه خمسة، ما هم؟ أنه سبحانه وتعالى لا. هذه هي النفي وهذه هي السلبية. ها هو ما نسميه سلبية، ولذلك لا
أول له (أي قديم) ولا نهاية له. انظر، كلمة "لا" هي التي جعلتنا نقول عنها أنها صفات سلبية. "لا نهاية له" يعني أنه باقٍ. يمكنك أن تقول "قديم" وليس فيها سلب أو شيء، لكن ما معناه "قديم لا نهاية له"؟ لا أول له إذن. باقٍ يعني ماذا؟ باقٍ يعني لا نهاية له، لا نهاية له، لا مثيل له، لا مثيل له. يعني هو سبحانه وتعالى متفرد، ليس له مثيل، لا شريك له، يعني واحد، لا شريك له، يعني واحد. فنحن قلنا
ماذا؟ قلنا لا أول له، لا نهاية له، لا مثيل له. لا شريك له، لا يحتاج إلى أحد فهو قائم بذاته. كلمة "قائم بذاته" هي هذا: فهو قيوم السماوات والأرض، يعني لا يحتاج إلى أحد وهو قائم بذات. خمسة: قديم، باقٍ، مخالف للحوادث، يعني لا مثيل له، واحد لا شريك له. ثم بعد ذلك الصفة الأخيرة أنه لا يحتاج إلى أحد. فهو قيوم السماوات والأرض، خمس صفات نسميها الصفات السلبية. ولما سميناها السلبية لأن مدلولها فيه سلب، مدلولها عدم، لا،
لا، لا، لا. ثانياً: القسم الثاني صفات الثبوتية، وهذه سبعة، وقُوبلوا بسبعة، سبعة متعلقين بسبعة، فيكونون أربعة عشر. أربعة عشر وخمسة يصبحون تسعة عشر، وواحدة نفسية يصبحون عشرون. طيب، الثبوتية السبعة ما هي؟ وما السبع الأخرى المتعلقة بها؟ قال في بيت هكذا واحد فقدرة إرادة سمع بصر علم حياة كلام استمر قدرة الإرادة السمع البصر العلم الحياة الكلام هذه هي الصفات يسمونها صفات المعاني لأن فيها
معنى قدرة قدرة أن يقدر على أن يفعل كذا مريد يعني هو حر أن يفعل الشيء لا أحد يستطيع قهره ولا أحدٌ يختار ذنبه ولا أحدٌ يسيطر عليه ولا أحدٌ يستطيع أمامه أن يفعل شيئاً خلاف ما رآه وهكذا إلى آخره، وسميعٌ بصير عليمٌ، سمعٌ بصر علمٌ، فتكون القدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم، السمع والبصر والعلم هذه يقولون عنها أنها صفات كشف، أي إدراك. يعني الله سبحانه وتعالى يحيط ويعلم وهو السميع البصير العليم، أخذوا منها سمع وبصر وعلم. دعونا ننتبه إلى أننا نتكلم هنا في صفات المعاني، وصفات المعاني معناها القدرة. صفات المعنوية إذاً التي هي متعلقة بها سنجد قدير.
نحن هنا نقول المعاني، الإرادة المعنوية مريد، فعال لما يريد فهو مريد المعاني. سمع المعنوية سميع المعاني بصر المعنوية بصير المعاني علم المعنوية عليم المعاني حياة المعنوية حي المعاني كلام المعنوية متكلم. يبقى إذا هذه الصفات وهذه كأنها اسم الفاعل الخاص بها أو الصفة الخاصة بصيغة المبالغة أو شيء من هذا القبيل، يعني من قامت به هذه الصفات. فلماذا هكذا؟ ألا نستغني بواحدة عن الأخرى؟ قالوا
إذا أردتَ أن تستغني فستستغني عن المعنوية لأن هذه الصفات هي التي منها الاشتقاق الأصلي، وبذلك ستصبح صفاتنا ثلاثة عشر فقط بعد حذف هذا. حسناً، ولماذا تُصِرُّ على أن توجدهم؟ قال: لأن هذا ما ورد في القرآن. ما ورد في القرآن ليس أنه "ذو قدرة" بل قال في القرآن "قدير" والله. على كل شيء قدير، ليس أن الله له قدرة. الذي في القرآن أنه سميع، أنه بصير، أنه عليم، أنه حي. إذاً، فنحن محافظون عليها بهذا الشكل لأنها موجودة في القرآن. فلنجعلها عشرين سبعة وأصولهم سبعة، فتصبح أربعة عشر، ومعنا الخمسة السلبية، فتصبح تسعة عشر، والواحدة النفسية التي هي الوجود تصبح عشرون رسموا
هذه الخريطة. ماذا نأخذ من هذه الخريطة؟ ماذا من وراءها؟ الوقوف عند الوحي وعدم التجرأ على إنكار السنة فهم نظروا للوحي فوجدوا أن الله وصف نفسه بهذه الصفات. الوحي هنا الكتاب والسنة، فوقفوا عند ما وصف الله به نفسه. التدبر الثاني: إعمال العقل في الوحي. لم يقفوا عند ذلك فحسب ولم يقولوا أن الله هو سميع فقط من غير سمع، هو بصير لكن من دون بصر، بل أعملوا عقولهم وقالوا: لا يمكن أن يكون سميعًا إلا
بسمع، ولا يمكن أن يكون بصيرًا إلا ببصر، ولا يمكن أن يكون قديرًا إلا بقدرة. لماذا يأتون لنا بالمستوى الثالث من اللغة؟ إذًا، هؤلاء الناس في هذه الخريطة اعتمدوا الوحي واعتمدوا العقل. واعتمدوا اللغة يبقى لازم علينا أن نعلم هذا الدرس جيداً وأن نحفظ هذا جيداً حتى إذا ما أردنا أن نقلد السلف الصالح في منهجه هذا في كيف توصل إلى صفات الله فإننا لابد علينا أن نعتني بالوحي أولاً ثم العقل ثانياً ثم اللغة ثالثا، ولا نخرج عن مقتضى الوحي ولا مقتضيات العقل وننكر عقولنا ونعيش مثل النصارى وغيرهم من الذين يعبدون
الله على حرف، ولا أيضاً ننكر اللغة بما أن بها نزل القرآن ووصف الله كلامه بهذه اللغة وجعلها مدخلاً مهماً لفهم هذا الوحي. هذا ما نستخلصه من الصورة هذه قسّمت المسألة إلى صفات أفعال وصفات نفسية، قسّموا النفسية إلى... كذا وكذا إلى آخره، فرَّقوا بين الاثنين عبر القصة. القصة أنهم قد استعملوا الوحي وقد استعملوا العقل وقد استعملوا اللغة في الوصول إلى هذه الخريطة التي أُقيمت. يمكن أن لا تكون صفات الرحمن الآن محل نزاع كما كانت في السابق، لأنه في السابق وجدوا هذه الأسئلة وكل
من... دخل الإسلام من المجوس من النصارى من اليهود من أصحاب الديانات في الهند يسأل عن المشكلات التي كانت تواجهه في دينه وكانت من هذه المشكلات قضية الصفات وكانت قضية اللوغاس أو الكلمة قضية كبيرة جداً عند النصارى وقضية الصفة كلام الله هو مخلوق أو غير مخلوق كلام الله هو صفة من صفات الله، أم هو منفصل عن الله؟ حسناً، إذا كان صفة من صفات الله، فهل هو زائد أم هو نفسه؟ حسناً، إذا كان هو زائد، فهل هو ثبوتي أم نفي؟ إلى آخر ما أثاروه من مسائل الفكر والفلسفة. لم يتخلف المسلمون عن الرد عليهم، لم يتأخروا عن... أن يجعلوا موضوع الساعة وذهن البشرية محل دراسة، جعلوا ديدنهم
في هذه الدراسة الاعتماد على الوحي، الاعتماد على العقل أو صحيح العقل، الاعتماد على اللغة، ولم يخرجوا منها وخرجوا بتصور أجاب عن المشكلات التي كانت عند الآخرين، ولم يقل له أنا لا علاقة لي بمشكلاتك أبدًا، قال له هات كل المشكلات وأنا أقول رأي الإسلام فيها رأي الإسلام جاء من ماذا؟ جاء من الوحي، وجاء من العقل، وجاء من اللغة. إذاً فهذا المنهج، منهج الذي ندرسه، ما الذي يشغل البشرية تعالى؟ أيها البشر، ما الذي يتعب ذهنك؟ نحن مسلمون وندعوك إلى الله، أنت محتار لماذا؟ فيقول: أنا أحتار في كذا. وكذا وكذا ويعرف ما يريد أن أعرفه وعلينا أن نتأنى ونتأمل
ونرد عليه من الوحي بالعقل وباللغة. هذا نوع تحضير لكيفية فهم تراثنا، ثم كيفية الاستشارة منه، ثم بعد ذلك كيفية تفعيله. هذا ما سوف نرى بالتفصيل كيف أن هذه الأسس التي تكلمنا عنها الآن ستتحول إلى أدوات للمعيشة. في هذا العصر الذي نحيا فيه، وفي هذا الخضم الهائل من الأفكار والفلسفات والأخلاقيات وغيرها، ومن ضمن ما أثاروه، كانت قضية الكلام قد أخذت كثيراً في الأخذ والرد، حتى أن المتكلمين المسلمين أنفسهم انقسموا على أنفسهم: هل كلام الله مخلوق أو غير مخلوق؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه مخلوق، وذهب أهل السنة والجماعة. ثم
بعد ذلك ذهبت الأشعرية إلى أنه غير مخلوق، وأخذ هذا الكلام كثيراً من الوقت. وهذا يبين لنا عِظة حقيقية أخرى وهي أنه يمكن لنا أن نختلف ولكن علينا دائماً أن نجعل خلافنا لأجل الوصول إلى الحق. اختلف المسلمون ولم يكفر أهل السنة معتزلياً، بل إنهم قالوا لو أنتم الآن تركتم. أساس من الأسس التي نعمل بها وهو الوحي، وأعملتم عقولكم في المسألة وتركتم الوحي، هذا خطأ. فيجب مراعاة سير الوحي مع العقل مع اللغة. الكلام الذي أقوله الآن لا يوجد في الكتاب، إنما هذا هو الذي عرفناه من كثرة قراءة الكتب والمعيشة في رحاب العلماء
وحياتهم وتاريخهم وما إلى ذلك. آخره يعني عندما نفتح كتاباً في التوحيد، لا نجد في هذا الكتاب الكلام منصوصاً هكذا بشكل رسمي، ولكن هذا الكلام موجود في تاريخ علوم المسلمين وفي كل كلامهم ومناهجهم. فنشأت قضية الكلام، هل القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فقضوا مائتي سنة يفكرون فيها حتى وصلوا إلى قول واحد واتفقوا عليه، ولذلك. لم نجد بعد ذلك أثراً للمعتزلة ولا تبنياً لفكر المعتزلة، لأنهم وافقوا على هذه الحلول التي أتى بها أهل السنة. الله تكلم، والكلام صفة من صفاته. إذاً ما دام صفة من صفاته، فصفات الله غير مخلوقة. الصفات
الذاتية غير مخلوقة، صفات الذات، لأنها لو كانت مخلوقة نقع في ورطة وهي. أن الله محل للمخلوقات وهذه مصيبة لأنه إذا كان محلاً للمخلوقات فيمكن قياس الزمن حوله ولو أمكن قياس الزمن حوله يبقى في تغيير والعقيدة تقول أن الله سبحانه وتعالى كان قبل هذه الأكوان وهو يتكلم قبل هذه الأكوان وأنه لا بداية له ولا نهاية له فلا يمكن تصور أن الله محل للحوادث يعني فيه مخلوقات لا يمكن تصور هذا لأن هذا يناقض لأصل العقيدة، إذا كان الله ما زال متكلماً فما هذا
القرآن؟ أليس القرآن كلام الله؟ قال: نعم، كلام الله قال. طيب، هذا القرآن أليس مخلوقاً، وهذا المصحف أليس مخلوقاً. أنا جئت وحفظت المصحف فأنا ما حفظت في ذهني مخلوق، وهذا الورق مخلوق، وهذه الكتابة مخلوقة، فما الذي هو ليس مخلوق؟ فظهر ما يسمى بالدال والمدلول أن هذا المصحف دال على كلام الله الذي هو صفة من صفاته، فلما نسميه أنه كلام الله، لأنه كلام الله فعلا، لكنه دال، وهناك كلام الله فعلاً، لكنه الصفة القديمة مثل ما لو. كتبنا على ورقة الله، هل هذه الورقة هي الله؟ هل
هذه الكتابة هي الله؟ قالوا: لا. قطعاً هذا الدال على الذات العلية طيب. إذا جئنا بورقة مكتوب عليها الله وقال أحدهم: هذا اسمي، قلنا له: إنك كاذب، هذا اسم الله وليس اسمك. إذاً فالذي مكتوب على الورقة مخلوق لكن. الله ليس بمخلوق والذي مكتوب على الورقة دال على الله وليس دالًا على زيد ولا عبيد، وهكذا يكون الأمر بينك وبين صورتك في المرآة. فالصورة في المرآة لو قلنا لأحدهم: "من هذا؟" قال: "هذا فلان أو علان". قال: "لا، هو فلان". نعم هو صادق، إنما
الأدق من ذلك أن نقول إن... هذه صورة فلان وليس فلان نفسه، إنما هي صورة فلان. والدليل على ذلك أننا لو كسرنا المرآة لم تُصَب أنت بشيء من الضرر. فالصورة شيء وأنت شيء آخر. فكذلك صفة الله هذه شيء، والترجمة عنها والدلالة عليها شيء آخر. فالمصحف الذي بين أيدينا مخلوق، والكلام الذي نحفظه مخلوق، ولكنه يدل على غير المخلوق كدلالة اسم الله المكتوبة في الورقة. عن الذات العلية سبحانه وتعالى، أحمد بن حنبل عندما عُرض عليه هذا كانت له مراحل؛ في الأول امتنع عن الإجابة وقال: "هو كلام الله، يقول له مخلوق أو غير مخلوق؟ يقول لا أدري، لكن هو كلام الله، القرآن كلام الله".
اتوني. بآية أو حديث فيها أنه مخلوق أو غير مخلوق، أقول لكم بها فضربوه، ضربه الخليفة قل: هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ قال: هو كلام الله. وظل على هذا الموقف إلى أن رأى لما خرج من المعتقل أو السجن إلى الناس، وجد الناس بدأت تصبح قضية، إذ في أول الأمر امتنع عن الكلام عندما شاعت في أوساط الناس بدأ يتكلم قائلاً: "لفظي بالقرآن مخلوق، لفظي هو المخلوق والقرآن غير مخلوق". فقال الناس: "أحمد بن حنبل يقول القرآن مخلوق"، وشاع بين الناس أن الإمام أحمد يقول
بخلق القرآن. فقال فجأة: "القرآن غير مخلوق، ومن قال إن القرآن مخلوق فقد كفر يعني رجع عن رأيه. لنستعرض ما فعله الإمام حتى نستنبط منه منهجاً لمقابلة المحدثات. إنه امتنع عندما كانت المسألة في وسط النخبة، ولم يرد أن يخرج من دائرته إلى دائرة الخصم بمصطلحاته العجيبة الغريبة التي يسمعها للمرة الأولى، فالإنسان لا يسلم هكذا ويخرج من دائرته إلى دائرة الخصم، وهذا هو الذي فعله المسلمون في المائة سنة الأخيرة أنهم خرجوا من دائرتهم مباشرة عندما واجهوا الاستعمار، حتى سمى مالك بن نبي هذه الحالة القابلية للاستعمار. عندنا
القابلية للاستعمار لأننا تركنا دائرتنا مباشرة عندما قيل اتركوها وحدث في أكثر من خمسمائة مصطلح كالعلم والثقافة والمنهج والدين والفكر والتراث وغيرها. خمس مائة كلمة أصبح فيها اختلاف مفاهيم المسلمين قبل الاستعمار كان لها وضع ومفاهيم المسلمين بعد الاستعمار أصبح لها وضع آخر. لماذا؟ لأننا لم نفعل ما يفعله أحمد بن حنبل من أن لا ننتقل من دائرتنا إلا عندما يشيع ذلك فينا، لكننا أبداً أول ما دُعينا أخطأنا وأخذتنا المصطلحات عن. طريق البرارِي والسيارة والجامعة وما إلى ذلك، والكل سلَّم مباشرة
من غير فترة للتأني والتأمل والتدبر وإنشاء مصطلحات مناسبة حتى تأخذ لنا الفكر الوارد بهدوء. أبدًا سلمنا وترجمنا واحتللنا المصطلحات. القضية الثانية التي فعلها أحمد بن حمد كانت بعد أن وجد أن المسألة شاعت فينا أنه بل نتكلم. القضية الثالثة. أنه لمّا كان هذا الكلام قد أوحى إلى الناس بعكس مراده رجع فوراً. يبقى إذاً علينا أن نفعل هذا. ألا نتخلى بسرعة عن هويتنا؟ وأننا لا نفعل ذلك إلا عند شيوع المسألة، وأننا إذا لم نُحسن التعبير ولم يُحسن عنا الفهم رجعنا إلى ما يُحسن التعبير والفهم، ولا نُصمم. على
ألفاظٍ قلناها ونُصر عليها والناس لا تفهم ما نقوله، هذه هي العبرة أو الدرس المستفاد من موقف الإمام أحمد في مثل هذه القضية. نحن نريد أمرين: أن نفهم كتب التراث على ما هي عليه، وأن نفهم المناهج الضابطة لها. في هذا اللقاء بعد ذلك: نريد أن نستعمل هذه المناهج. أو كيف نستعملها في الواقع يكون هكذا: المسلم فعلاً أحيا دينه وأحيا سنة السلف الصالح فيه، ليس مجرد أن يقرأ ويفهم، ولا مجرد أن يحلل ويتوصل إلى المناهج، بل أيضاً لا بد عليه أن يحول هذه المناهج إلى حياة يستطيع بها مواجهة ما يعيش فيه، فيكون قد عاش عصره
لا. بمسائل السلف الصالح وإنما بمناهجهم كما يقولون. الباب الثالث كان عن النبوات وهو معرفة ما يجوز وما يستحيل وما يجب في حق النبي. أي نبي، خاصة سيدنا محمد، يجب في حقهم الصدق، يجب في حقهم الفطانة والكياسة، يجب في حقهم العزة وأنهم من أشراف الناس، يجب في حقهم الطاعة لله. وعدم العصيان، ولذلك يستحيل في حقهم صدور الشرك أو الكبائر، كما وصفت بعض الكتب المقدسة الأنبياء بعصيان الله تعالى ونسبوا إلى الأنبياء كل الفواحش والمعاصي.
أما عندنا نحن المسلمين فإنه يستحيل على النبي أن يصدر منه الفاحشة، وأن يصدر منه الكذب، وأن تصدر منه الخيانة، وأن يصدر منه أو أن... يكون خسيساً في قومه أو أن يكون مذموماً في عشيرته أو عند ربه إلى آخر هذا، فيجب عليه هذا ويستحيل في حقه أضادها من الخيانة ومن العصيان ومن الشرك إلى آخره، ويجوز في شأنه ما جاز على البشر من النوم من المرض من أن يُجرح فيسيل دمه ويتألم ويتوجع ويتداوى من المرض. من أنه يسعى لتحصيل رزقه ويعمل من أجل ذلك إلى آخره، حتى قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم، نبي من
الأنبياء، يعني الهواجس ليست يعني ليست بمنأى من الهواجس، والهاجس إنما هو شيء يأتي من ذهنه ويمر، فهذا لا يُستثنى حتى عنه الأنبياء، ففي النبوات لو فتحنا... هذا الباب نجده سهلاً لأنه في الحقيقة يصف البشر، ووصف البشر أخف وأسهل من قضية وصف الله سبحانه وتعالى. وكما قلنا قبل ذلك أن الذي حيّر البشر العلاقة بين القديم والحادث، العلاقة بين الخالق والمخلوق، ما شأنها؟ كيف تكون؟ وهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا أدركنا الخالق، وهذا لا يمكن. أن نصل إليه، ولذلك حيرت البشر هذه العلاقة الفريدة الجميلة العجيبة التي بين الخالق والمخلوق.
وفي النبوات يتكلمون أيضًا عن المعجزة، ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك نوعان من المعجزة: معجزة رسول ومعجزة رسالة. معجزة الرسول يقوم بها النبي لقومه، فمنها أنه عندما ترك جذع النخلة التي كان يخطب عليها صلى الله عليه وسلم سمع الناس أنينه، فالناس هذه سمعت الأنين هذا، يعني سمعوا هذا معجزة وسمعوها وشهدوها وحضروها، ومن ذلك أنه كان يضع يده في الماء فيفور ويسقي الجيش وهو في قلة صغيرة أو في زمزمية صغيرة أو ما شابه ذلك إلى آخره، فيضع يده الشريفة صلى الله عليه. وسلم فيفور الماء من بين أصابعه فعل
هذا مائة مرة كلما جاءوا في الصحراء أو في غزوة أو وحدهم أو كذا وانقطع الماء ولا وجود له يضع يده في المياه فتفور المياه ويسقي الجيش، الجيش يسقي الجيش ومنها تكثير الطعام فعلها مرات كثيرة حتى أنه مرة أخذ كيساً من من الكيس به حبوب ووضع يده الشريفة فيه وقال له أي لا تنظر فيه، خذ منه. فأخذه وقال: يأخذ منه فلا ينتهي. إلى أن أراد أن يرى ما هذه القصة، فنظر فيه، فذهب وانتهى ولم يعد موجوداً. كفى، قالوا: والله، تمنيت ألا أمسه فيبقى إلى يوم القيامة. كادت تتحول من معجزة رسول إلى معجزة رسالة
هذا الكيس، لأن معجزة الرسول خاصة بقومه، ومن شاهدها وأما معجزة الرسالة تالية لمن فعلها. كان كل نبي يأتي إلى قومه، ولذلك كانت معجزتهم قاصرة على قومهم، مثل إحياء الموتى لسيدنا عيسى، ومثل عصا سيدنا موسى، ومثل سفينة. سيدنا نوح إلى آخره، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن رسالته نقطة واحد، خاتمة، ونقطة اثنين، للعالمين. خاتمة لا نبي بعده ولا رسول، وللعالمين. ما سبب الخاتمية؟ سبب الخاتمية أنه يريد وحدة الأمة. سبب الخاتمية العالمية، وسبب العالمية الخاتمية، يعني كأنها متواصلة، لأنها خاتمة وعالمية احتاجت
إلى معجزة الرسالة. ما سبب خاتميتها وعالميتها أنه لو كان هناك رسل تأتي بعد النبي لآمن بها قوم وكفر آخرون، فتتفتت الأمة، وهذا ليس بالمشهد المطلوب للأمة الخاتمة. الأمة الخاتمة تريد أن تؤمن كل الأرض، وليس أن يكذب المسلم المسلم، لأن بعض المسلمين سيؤمنون بالرسول الجديد وبعضهم لن يؤمن بطبيعة الحال. ثم بعد ذلك إذا كان رسول ثالث بعد النبي، بعض الذين آمنوا بالأول يؤمنون وبعضهم يكفر، بعضهم يؤمن وبعضهم يكفر، كما حدث في عبر السنين مع اليهود والنصارى والبشر أجمعين. فكانت الخاتمية حكمة إلهية، إنها عالمية، ولذلك احتجنا إلى معجزة الرسالة، ومعجزة الرسالة هي القرآن الكريم،
ولذلك سمى الله. كل فقرة وكل جملة فيه آية، والآية هي المعجزة التي تعجز البشر، وهذا الكتاب الذي ما زال يعطي في إعجازه العلمي، في إعجازه البياني، في إعجازه التشريعي، في هدايته للإنسان، في كل ما احتوى عليه من بناء الإنسان قبل البنيان وقبل عمارة الأكوان. الباب الرابع والأخير هو السمعيات، والسمعيات أيضًا. نرى أنها سهلة وإن كان كثير من الناس لماديتهم بدؤوا في التشكيك فيها منها الملائكة ومنها الجن ومنها القيامة والجنة والنار والحشر والنشر والصراط وكل عنوان من هذه العناوين تحتوي
تفاصيل بعضها وردت في السنة كمواقف القيامة والشفاعة وبعضها لم يرد إلا إيماناً وتكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن الميزان وعن البطاقة التي فيها لا إله إلا الله، فتوضع أمام السجلات، فتطيش هذه السجلات أمام البطاقة التي فيها لا إله إلا الله، قالها العبد بإخلاص إلى آخره. فهناك من المواقف وهي التي شاع في المسلمين العلم بها، يعني ترى عموم المسلمين يعلمونها، هذه السمعيات جيداً، يعلمون الجن والملائكة وما إلى ذلك. ولا يعلمون الإلهيات وقد لا يعلمون بعض النبوات لكنهم عند السمعيات نراهم دائماً محل الكلام ويستأنس المسلمون كثيراً
بهذه السمعيات. هذه نظرة متعجلة على علم هو من أصعب العلوم ومن أعقد العلوم من أجل أمرين: الأمر الأول أن كثرة مصطلحاته ودقتها، والأمر الثاني هو أنه متعلق بالتفكر والتفكر. يحتاج من الإنسان إلى وقت وإلى تدبر وإلى مدة يستوعب فيها المسائل وينظمها ويناقشها وهكذا، إلا أننا نحاول بقدر الإمكان أن نكسر الحاجز الذي بين طلبة العلم وبين هذه العلوم بمثل هذه الكلمات التي تتوغل في العلم نفسه وتدخل بداخله وتحاول أن تقدمه بصورة هي أقرب ما
تكون إلى العقل. المعاصر وإن كنت أستشعر أنه حتى مع هذا التبسيط وأنه كأن هناك صعوبة على بعض الناس وليس على كل الناس، فقد يمل الإنسان هذا، ولكن الحقيقة هي أنها علوم مليئة بالمناهج، بالمناهج القوية التي تبني فكر الإنسان المستقيم. شكراً لكم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله. الله وبركاته. تفضلي. حضرتك قلت بالنسبة لربنا سبحانه وتعالى ما هو المستحيل والجائز والممكن هذه الثلاثة صفات وهم الممكن ما هو؟ صفات إيه! دي مش صفات. أقصد المقدمات. أنا قلت أحكام العقل، العقل في المخ
في أحكام ثلاثة للوجود، وليس لله في حق الله فيه ما هو الواجب في حقه تعالى أن يتصف بالصفات العلا، ما هي الصفات العلا؟ الصفات النفسية العشرين هذه: أن يكون موجوداً، وأن يكون قديماً، باقياً، قيوماً، واحداً، مخالفاً للحوادث، وأن يكون عليماً، قديراً، كذا كذا إلى آخره. هذا الواجب في حقه، المستحيل هو أضاد الواجب في حقه أن... يكون عاجزًا وأن يكون كذلك إلى آخره الجائز صفات الأفعال وهو أن يرحم أو لا يرحم، يخلق أو لا يخلق، يرزق أو لا يرزق، يعفو
أو لا يعفو، يحيي أو لا يحيي، يميت أو لا يميت وهكذا. إذًا فالواجب هو صفات الذات، والجائز هو صفات الأفعال، وأيضًا المستحيل هو ضد صفات الذات. الآن حضرتك تحدثت عن الإمام أحمد بن حنبل. حضرتك قلت إنه في الأول امتنع عن الكلام ثم تكلم. نعم،بالنسبة لنا في الحياة ماذا سيكون… هذا موضوع المحاضرة الثانية، نعم. بالتفصيل الآن يعني لأننا الآن أخذنا كلاماً لن نستطيع تعميقه، عرفنا أنه لا بد أن... نبدأ بالإنسان وهذه قاعدة ولابد علينا أن نسعى إلى الحق. قال: لا بدّ علينا أن لا نتخلى عن الوحي. قاعدة لا بدّ علينا أن نُعمِل الفكر. قاعدة أخرى لا بدّ علينا أن نعتمد على اللغة العربية وهذه أيضا قاعدة لا
بدّ علينا أن نتخذ منهجاً في السلف. قاعدة، وهكذا لقد قلنا أشياء كثيرة اليوم، هذه الأشياء طيبة. نحن نعيش الآن في سنة ألفين وواحد، كيف نستعملها؟ يعني ماذا نعتمد على اللغة العربية؟ يعني ماذا نعتمد على مناهج السلف؟ يعني ماذا نعتمد على كذا وكذ وكذا؟ هذا هو موضوع محاضرة قادمة. نحن ما أردنا كأننا نستعرض مسائل علم التوحيد، حاولنا أن نستكشف من ورائها ما يمكن أن يصبح أداة في أيدينا لمواجهة العصر ثم بعد ذلك سننتقل إلى الجزء الآخر وهو كيف نستعمل هذه الأدوات في مواجهة العصر، نعم تفضل، أعرف أنها آية إن كنت حبيبتها، نعم فهذا حد بحق، نعم هذا حديث حد، نعم
هو كما قلنا في هذه المحاضرة أن هناك دلالة لغوية يفهمها العرب، فعندما كان العربي يسمع "الرحمن على العرش استوى" يفهم أن هذا الكلام يُعظِّم الله ويُعلي شأنه، وأنه كأنه يصف الله بهيئة الملك، وأنه ملك السماوات والأرض ومالك لكل من في الكون. الملك يملك وعنده سلطان، والمالك عنده قدرة في التصرف. المالك لا يملك إنما يملك، يعني ليس عنده قدرة في... التصرف في الخلق مثلاً أو في الناس الرعية
إنما هو يُملك بميعاد رحمة. فالله ملك ومالك، هذا هو الذي يفهمه العربي من "الرحمن على العرش استوى". جاء وهو ليحول دون الخلط بين مستويين: بين مستوى دلالة هذه الألفاظ في الكون ودلالتها مع الله. العربي فهم دلالتها مع الله "الرحمن على العرش استوى". معناها أنه يوصف الله بالصفات العليا وبالملك والمالكية وأنه يصفه بأبهة. الملك سهل ومضى مع العربي هكذا. صاحبنا جاء لكي يشبّه هذا الكلام بالملك الأرضي الذي لديه سرير وعرش يجلس
عليه، فيصبح المعنى استوى بجلسته ودخلنا في إطار التشبيه. فالإمام مالك أدرك هذه اللعبة، أدرك الفرق بين دلالتين: دلالة الأطفال على... ما في حق الله ودلالة الأطفال على ما في حق البشر عندما يسمع العربي أنه سميع بصير لا يتُهَيَّأ إن له عين وأُذن ومقلة وشبكية وكذا، إنما يدرك أن الله عليم بذات الصدور وأن الله محيط بكل شيء وأن الله ينكشف له كل شيء وأنني مكشوف أمام الله إلى آخره. إنما الآخر يبعث بهذه الدلالة وينزلها إلى مستوى البشرية ويقول ما دام له سمع هل له حدقة؟ هذا السؤال بدعة لأنك افترضت المشابهة،
ومن أجل هذا الافتراض الذي هو بدعة، الذي هو المشابهة بين الخالق والمخلوق، بدأت في الأسئلة. فقال له: "الرحمن على العرش استوى"، كيف؟ وبدأنا هنا في الكلام عن العرض لأن الكيف من أنواع العرض، كيف استوى؟ كيف الله ليس لديه كيف، ليس لديه كم، ليس لديه وضع لكي تقول لي كيف هو؟ يعني كيف يجلس على العرش؟ هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن ذهن شخص يُخرج ربنا عن الجوهر والعرض هذا يُدخل ربنا في الجوهر والعرض ولذلك يسأل فذهب على الفور أدركها الإمام مالك وقال: "الاستواء
معلوم في اللغة". اللغة هذه هي مرجعنا كما قلنا إلى اللغة والوحي والعقل، والعقل يقول إن الله فوق الكيف. ولأننا نعتمد على الوحي واللغة والعقل، فالاستواء معلوم يعني لغةً والكيف غير معقول. انظر إلى الكلام، معلوم لغةً، معلوم في اللغة يُعتمد. على اللغة والكيف غير معقول، يعتمد على العقل والسؤال عنه بدعة، يعتمد على الوحي. وأراك رجل سوء فاحملوه من أمامي، فراحوا مسكينه بقوة هكذا، وراحوا أخرجوه من المسجد. وهكذا فعل صبيغ بن عسل في أيام عمر بن الخطاب. وعمرو بن العاص ظهر في مصر صبيغ بن عسال وقال له: يا عمرو الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟
وفعل هكذا، وكانوا قد كسروا آية هكذا، وكيف استوى فعله. قال له: سأوصلك إلى من عنده إجاباته. وذهب وأرسله إلى عمر ومعه كتاب صغير ملفوف مختوم، كتوب فيه هذا يتكلم في المتشابهات. فسيدنا عمر فتح الكتاب وعلى الفور بعصاه رضي الله عنه ضربه على رأسه ثلاث أربع خبطات هكذا عرفتموه ففهم صبيغ، فهم أنه يُضرب لأنه تجاوز. هذا قال له: "يا أمير المؤمنين، ذهب الذي برأسي، يا أمير المؤمنين، ذهب الذي برأسي، تبت إلى الله خلاص". قال له: "انتظر حتى أجيبك عن سؤالك؟" قال له: "لا تجيبني لقد فهمت"، وظل صبيغاً قالوا إنه ظل لا يتكلم عن هذا حياة عمر يعني مدة حياته، ثم عندما مات عمر
أنشأ يتكلم مرة ثانية. لأنه خلط بين هذا الذي أقول، ولذلك يعني الكلام كله ستجد بعضه يخدم بعضاً. فمن قصة الإمام مالك توصلنا أيضاً إلى هذه الأسس الثلاثة: الوحي واللغة والعقل، وتوصلنا إلى أهمية الكلام في الجوهر والعرض. كما كما فعل المتكلمون، فعلوها من أجل الرد على من يقول بالكيف: "الله خارج الكيف لأنه خارج الأكوان". الحقائق هكذا يعني إذا وضعها في بعض الكلام الذي هو البقرة والكبش وغيره، ما المفهوم بمكتوبه؟ حضرتك انظر إلى الإمام أحمد وجّه إلى الإشارات: الأول لا تهتم، الثاني حسناً حاضر، الثالث نغير رأينا ومصطلحنا لأجل ذلك. نصل إلى المعنى
الثابت بغض النظر عن الألفاظ، إذاً الدرجات الثلاثة موجودة معنا هنا، وهكذا. ومن الممكن في عصرنا هذا أن نرى شيئاً غريباً جداً أنه توجد خطوة تُختزل، نحن نحاول الحفاظ على الهوية، ثم ننتقل مباشرةً إلى النقطة الثانية، لأن الإعلام يعمل ليل نهار والأولاد أمام الإنترنت وهكذا. دعك من هذا والإنترنت ليس على قدر ذلك، ووجدت أن القصة أصبحت مختصرة. يعني ما كان يحدث في مائة سنة أصبح يحدث في جلسة، وأصبحت أنا صامتاً لعدم الشيوع. والآن لم يعد هناك شيء اسمه عدم الشيوع، فالكل يعرف، الكل
يعرف، وهناك مصائب لا تُعد على الإنترنت. الكل يعرف كل شيء. ما هذا؟ هذا عصر غريب لم... لم يكن هذا عند السلف، لكن منهجنا هو مواجهة هذا ومواجهته بهذه الأسس ومواجهته بهذه المناهج. طيباً، شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.