ابن حجر العسقلاني | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

ابن حجر العسقلاني | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة - تاريخ التشريع الإسلامي, شخصيات إسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع تاريخ التشريع، ومع إمام جديد هو إمام مصري تفخر. بها مصر هو قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر العسقلاني شارح البخاري في كتابه الماتع فتح الباري في شرح صحيح البخاري. وُلِدَ رحمه الله تعالى سنة سبعمائة وثلاثة وسبعين من الهجرة، وتوفي في سنة ثمانمائة
واثنين وخمسين من الهجرة، ودُفِنَ بعد الليث بن سعد يعني في المكان الذي دُفن فيه الليث بن سعد في الإمام هكذا بالقرب من الإمام الفارسي، وقبره معروفٌ يُزار إلى الآن لكنه مُهدم. وأنا من مكاني هذا وفي هذا الشهر الكريم أدعو هيئة الآثار لأن تهتم بهذا الضريح المبارك. لو عرفنا قيمة ابن حجر العسقلاني لبنينا له شيئاً يليق بمقامه من اللؤلؤ والمرجان وكان. يُسمى بعالم الفِرَق أو مفتي الفِرَق وكان قاضي قضاة القضاة، وكان
في الحقيقة شخصًا لم نرَ مثله عبر التاريخ، فكان يجب علينا أن نهتم به أكثر من هذا. أصل ابن حجر العسقلاني من عسقلان بفلسطين، لكن كان مولده وكانت وفاته بالقاهرة، وُلِدَ في الثاني والعشرين من شعبان سنة. في سنة سبعمائة ثلاثة وسبعين كان والده عالماً أديباً، وكان ثرياً غنياً، وأراد لابنه أن ينشأ نشأةً علميةً أدبيةً، إلا أنه توفي ولم يزل أحمد العسقلاني صاحب الترجمة طفلاً. فكفله أحد أقارب والده وكان يُسمى زكي الدين الخروبي، وكان كبير تجار
مصر. أدخله الكُتّاب فظهر نبوغه المبكر، وأتم حفظ القرآن وهو ابنُ اثني عشر سنةً ووُصِفَ بأنه كان لا يقرأ شيئاً إلا انطبع في ذهنه، وهذه يُسمونها الذاكرة الفوتوغرافية، كأنه كل شيء في [ذاكرته]. وهذا لا يمكن أن يكون قد ألَّف هذه المؤلفات بهذه الكيفية وهذا التتبع إلا أن يكون صاحب ذاكرة فوتوغرافية، تُذكِّرنا بالإمام الذهبي مثلاً وهو يقول لو أن الرواة... على تلةٍ وأنا على تلةٍ، لأنني ناديتهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم ودرجاتهم ومن روى عنهم ومن روى عنه. ما هذه الذاكرة العجيبة الغريبة في هذا البحر المتلاطم من الأسانيد! كان ابن حجر العسقلاني يفوق كل هؤلاء في إدراكاته،
وهذا لا يتأتى إلا بفضلٍ من الله وإلا بنورٍ من الله قد. ألقاه في قلبه، وإن قيامه بالعلم في كل عصر. كان ابن حجر أديباً أيضاً وكان شاعراً، وحبب الله إليه طلب الحديث. سمع بالقاهرة الإمام سراج الدين عمر البلقيني، وسمع الحافظ ابن الملقن والحافظ العراقي، وكان ملازماً للحافظ العراقي حتى أنه قدمه على ابنه أبي زرعة. أخذ عنهم الفقه وأخذ من الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي ونور الدين الهيثمي والشيخ تقي الدين، أي تقي
الدين الدجوي، وكان في الحقيقة واسع الاطلاع. أخذ أيضاً حتى من الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط والقاموس الوسيط. كان شخصاً كبيراً، رحل إلى غزة وإلى الخليل وإلى بيت المقدس وإلى دمشق وإلى اليمن وإلى مكة وأصبح له اسم. حافظ الإسلام على علامات الزمان وأصبح معروفاً في العالم كله إلى يومنا هذا، حتى أنهم قالوا للإمام الشوكاني: "ألا تشرح لنا البخاري؟" فقال: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، كيف أشرح البخاري بعد ابن حجر العسقلاني الذي شرحه في فتح الباري؟ لا هجرة بعد الفتح"، هذا حديث لكنه استعمله. هنا في
مقام فتح الباري شرح صحيح البخاري، بعد ابن حجر ما شُرِح البخاري في فتح الباري لا نحتاج إطلاقاً إلى أي نوع من أنواع الشرح بعد ذلك. قال الإمام السيوطي - الإمام السيوطي هو تلميذ السخاوي، والسخاوي تلميذ ابن حجر - الإمام السيوطي توفي والده وهو صغير عنده أربع سنوات أو ثلاث سنوات. حَمَلَهُ إلى مجلس ابن حجر فأجازه ودعا له. والإمام السيوطي هذا إمام كبير واسع الاطلاع، لكنه وُلِدَ سنة ثمانمائة ثمانية وأربعين. كان ابن حجر قد بقي له أربع سنوات من عمره، فوالده أخذ السيوطي وعمره ثلاث سنوات إلى ابن حجر لكي يدعو له، فدعا له وأجازه. طبعاً الإجازة هنا تبركاً. يعني قال السيوطي: إمام فن
الحديث ومقدم عساكر المحدثين وعمدة الوجود في التصحيح وأعظم الشهود والحكام في باب التعديل والتجريح هو الإمام ابن حجر العسقلاني. وكان العكبري يقول: انتهى إلى ابن حجر العسقلاني معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنازل وعلم الأحاديث وغير ذلك، وصار هو المُعَوَّل عليه في هذا الشأن. في سائر الأقطار تولى مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير الموجودة إلى اليوم. عندما تسير بجوار مقام سيدنا الحسين وتجعل مقام سيدنا الحسين على يمينك وتذهب حتى حمام الجمالية، ستجد الظاهر جاشنكير أو بيبرس الجاشنكير هناك على يدك اليمنى. اهتمت
هيئة الآثار بهذا الجامع وجددته ورممته وما إلى ذلك، وهو مدفون فيه الآن. لأن الظاهر جاشنكير لم يُدفن في هذا المسجد وإن كان فيه قبر، لكن دُفن فيه سيدنا الشيخ محمد أمين البغدادي النقشبندي. والخانقاه في الداخل، عندما تدخل داخل المسجد تجد فيه خلاوي كانت للطلبة والعُبّاد يجلسون فيها. الشيخ ابن حجر كان شيخ هذه المدرسة، وذلك في دولة الملك المؤيد شيخ المؤيد. شيخ بنى مسجداً آخر أصبح بجانب باب زويلة، اسمه مسجد المؤيد شيخ، وصار من أعيان العلماء، قرأ ودرس وألَّف، وهكذا استمر في المنصب إلى أن عُزل قاضي القضاة شمس
الدين الهروي، ثم أُعيد إلى القضاء عوضاً عن الهروي هذا أيضاً، فتولى منصب قاضي قضاة البلاد. كان من طرائف... هذا هو قاضي القضاة وهو شافعي، عندما يشتم أحد المسلمين سيدنا النبي، شخص كهذا قد اضطرب في عقله وشتم سيدنا النبي، فالإمام الشافعي يقول: وبعد ذلك قال له تاب، قال: أنا كنت مخطئاً وقد تبت إلى الله فسامحوني وما إلى ذلك. فالإمام الشافعي يقبل توبته ولا يكون عليه شيء. مالك يقول له: حسناً أنت تبت إلى الله، لكن لنا حق معك، حق مثل حق المجتمع. أنت ارتكبت جريمة تستحق الإعدام. كان سيدنا
ابن حجر العسقلاني من شدة حبه للنبي، عندما تأتيه قضية مثل هذه أن أحد الأسافل سب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو أنه إذا حكم فيها سيخرجون ببراءة لأن الرجل تاب، فقرر تحويلها إلى القاضي المالكي. بعض الناس يقولون لك: "لماذا هذه الشدة؟" لأنه يحب النبي كثيراً وهذا تجاوز على سيدنا رسول الله، يجب حسم قضيته. ولذلك لا أحد يشتم النبي أبداً، هذا واحد تجده فقط، لكنه هكذا عبرة لمن يعتبر. لم يُعتَبر، ولذلك كان يُحوِّل أوراقه إلى القاضي المالكي من أجل أن يُقيم عليه الحد، حتى يكون هذا سيف الشرع الشريف دارئًا لهذه الجريمة الفظيعة وهي سب النبي صلى الله
عليه وسلم. كما قلنا أنه شرح البخاري "فتح الباري"، وهو كتاب جيد ورائع، ونعلم أنه ألّفه في مدة عشرين سنة. ولما أتمّ تأليفه أقام حفلةً كبيرةً ودعا إليها أناساً كثيرين جداً، وهذه الحفلة أنفق فيها أموالاً كبيرةً جداً. ألّف من الكتب نحو - ربما يصل إلى مائتي كتاب - أشياء مهمة مثل "الإصابة في تمييز الصحابة" في خمسة مجلدات، و"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، و"فوائد الاحتفال في بيان أحوال". الرجال تهذيب التهذيب كتب كتب كتب كثيرة
جداً ويعني ومتنوعة الكافي الشافي في تحرير أحاديث الكشاف الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام القصد الأحمد في من كنيته أبو الفضل واسمه أحمد لأنه كان أبا الفضل أحمد وهكذا إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى في ثمانمائة اثنين وخمسين أكرر نداءٌ إلى هيئة الآثار لتهتم بمقبرة الإمام أحمد بن حجر الهيتمي وتعيد بناءها، لأنه علامة من علامات مصر. فقد سار في جنازته أكثر من خمسين ألف إنسان، وكان لوفاته وقع عظيم على المسلمين، حتى على أهل الذمة، ورثاه الشعراء بمراثٍ كثيرة.
إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته