ابن حزم | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

ابن حزم | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة - تاريخ التشريع الإسلامي, شخصيات إسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس طيبين مع تاريخ التشريع من خلال معرفة الأئمة المجتهدين أصحاب المذاهب من لَدُن الصحابة وإلى يومنا هذا، نعيش اليوم مع الإمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وُلد علي بن حزم في أسرة غنية، فكان أبوه وزيراً وهو تولى الوزارة.
وُلد بمدينة عامرة بالعلم وسكنها هو وأبوه وهي مدينة قرطبة، ومدينة قرطبة حاضرة. الأندلس والأندلس تُسمى الآن بدولة إسبانيا، فإسبانيا كان قد دخلها المسلمون الموريسكيون ومكثوا فيها، وكان منهم في القرن الخامس الهجري ابن حزم الذي أخذ مذهباً من المذاهب المتبعة حتى يومنا هذا وهو مذهب الظاهرية. كانت له ولأبيه من قبله رئاسة الوزراء وتدبير المملكة، وكان أبوه من وزراء المنصور محمد بن عامر وأيضاً
تولى الوزارة لابنه المظفر من بعد المنصور، وكان الفقيه أبو محمد علي بن حزم وزيراً لعبد الرحمن المستظهر بالله، وعبد الرحمن المستظهر بالله في الحقيقة كان أموياً من بني أمية. قال ابن حزم عن نفسه: "وُلدت بقرطبة في الجانب الشرقي من ربض منية المغيرة". كلمة "منية" كانت كلمة... مستعملة بمعنى أمنية المغيرة، فكان المغيرة مثلاً يبني لنفسه مكاناً ويسميه المنية، ومن هذه "المنية الربض". "أنا زعيم بيت في ربض الجنة" يعني في أعلى الجنة. فربض منية المغيرة
يعني في تل مرتفع في هذا المكان منية المغيرة. ولدينا أيضاً في مصر المنية وهي منية بن خصيب، يعني ابن. عندما جاء خصيب من العراق أنشأ لنفسه مكاناً مدينة فسُمِّيت بالمنية، منية بن خصيب، ثم بعد ذلك تحرَّفت إلى المنية. قال عن نفسه أنه قد وُلِدَ قبل طلوع الشمس وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح. انظر إلى الدقة وانظر إلى الرواية كأنه سأل من حضر ميلاده فأخبروه بأنه قبل. طلوع الشمس وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح في آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان المعظم وهو اليوم السابع من نوفمبر سنة ثلاثمائة وأربعة
وثمانين، ولذلك عدّوه أنه قد وُلد بطالع العقرب. هو يقول عن نفسه هكذا أنه وُلد بطالع العقرب التي هي الأبراج التي نراها. في الصحف وكذلك كانت له مكانة كبيرة جداً في تحصيل العلم. كان ابن حزم حافظاً للحديث ومصنفاً فيه، وروى عن جماعة من الأندلسيين في الفقه وفي الاختيارات الفقهية وفي الحديث، ولكنه اقتنع بطريقة المذهب الظاهري. فابن حزم فاق علماء عصره وأصبح عالم الأندلس الكبير، وهو أحد أئمة الإسلام وكان في... الأندلس خلقٌ كثير ينتسبون إلى مذهبه، وحتى قيل لهم الحزمية، يعني كان مذهباً يقول له: "أنت مذهبك
ماذا؟" بدلاً من أن يقول له حنفي أو مالكي أو شافعي، يقول له: "أنا حزمي". حزمي يعني يتبع مذهب ابن حزم وابن حزم يحكي عن نفسه أيضاً عن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة فدخل المسجد فجلس ولم يركع، فقال له رجل: "قم فصلِّ تحية المسجد". وكان حينئذ قد بلغ ستاً وعشرين سنة. واحد عنده ستة وعشرون سنة ولا يعرف هذا الحكم، أو واحد يقول له: "الله! أنت لم تقم وتصلِّ ركعتين؟". قال: "فقمت وركعت". فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة دخلت المسجد فبادرت. بالركوع فقيل لي اجلس ليس هذا وقت الصلاة وكان
بعد العصر، يعني عندما دخل أول مرة وجلس قالوا له قم صلِّ، ولما دخل ثانية مرة وصلى قالوا له اجلس. اضطرب هكذا، قال: فانصرفت وقد حزنت وقلت للأستاذ الذي رباني لأنه وزير وابن وزير، فقد كان يأتي أناس من هؤلاء يُربّون الأولادَ في القصور وما إلى ذلك، وقلتُ للأستاذِ الذي ربّاني: دُلّني على دارِ الفقيهِ أبي عبدِ الله بن دَحون. وهذه أوزانٌ مغربيةٌ هكذا: كَنّون، جَنّون، سَحنون، دَحون، هكذا. فقال له: أريدُ أن أذهبَ إلى ابنِ دَحون لأتعلّم. لا، أنا لديَّ ستةٌ وعشرون سنةً وأنا من وجهاءِ الناس. ووالدي وزير، وأنا أيضاً مرشح للوزارة، فكيف لا أعرف متى أصلي
ومتى لا أصلي، وما الذي يصح فعله في هذا الأمر. ولذلك بدأ في التعلم المنهجي. نعم، قد يكون يعرف العسكرية، وقد يكون يعرف السياسة، وقد يكون يعرف الإدارة، وقد يكون يعرف هذه الأشياء، ولكنه يريد أن يَدخُلُ فيتعلمُ الفقهَ ويتعلمُ المساعداتِ للفقهِ، ويتعلمُ اللغةَ. ومما تعلَّمَهُ الشعرُ حتى أصبح له شعرٌ وله رسائلُ أدبيةٌ في غايةِ الجمالِ، مما يدلُّ على تمكُّنِهِ من اللغةِ. من شعرهِ: "هل الدهرُ إلا ما عرفنا وأدركنا فجائعهُ تبقى ولذاتُهُ
تفنى..." تفنى..." أمكنت فيه مسرة ساعة تولت كمرح النظر واستخلفت حزناً إلى تبعات في الموعد وموقف نود عنده أننا لم نكن قد حصلنا على همٍّ وإثمٍ وحسرة وفاة الذي كنا نلتذ به عين حنين لما مضى وانشغال بما أتى وغم لما يُرجى فعيشك لا يهنأ كأن الذي كنا نُسر بوجوده إذا
حققته النفس لفظ بلا معنى، كان هذا الشعر من شعر ابن حزم حيث فيه الحكمة وفيه الجزالة والبساطة، وأنه مفهوم من كل أحد. كان ابن حزم له منهج في التأليف ومنهج في الاجتهاد، وكان واسع الاطلاع، وكان من أكابر الباحثين فقهاً وحفظاً واستنباطاً للأحكام من الكتاب والسنة، وكل ذلك كان. بعيداً عن المجاملة، وكان ينكر لأنه ظاهر القياس، كان ابن حزم في بداية أمره شافعياً ثم انتقل من الشافعية إلى القول بالظاهر على مذهب داوود بن علي الأصبهاني. وداوود هذا كان أحد
الأئمة المجتهدين لكنه كان في المشرق وتنسب إليه الطائفة الظاهرية، سميت بذلك لأنها تأخذ بظاهر الكتاب والسنة وتعرض. عن التأويل وعن الرأي وعن القياس وتتمسك بعمومات النصوص وبالبراءة الأصلية ما دامت المسألة ليس فيها نص، إذًا فهي في نطاق المباح، وقد تكون مباحة أيضًا. كان ابن حزم يبدو أنه كان مريضًا في الجلد، فكان هذا المرض الجلدي يسبب نوعًا من أنواع العصبية، فكان فيه نوع من أنواع الصدام. كان شديد الخصومة، وقد اعتذر عن ذلك في آخر حياته قائلاً: "يبدو أن هذا كان بسبب ضيق نفسي مما
أصابني من المرض الجلدي الذي يثير الأعصاب". انتقد كثيراً جداً من العلماء والفقهاء وأغلظ لهم القول، فاجتمعوا واتفقوا على كراهيته وعلى عزله وعلى الرد عليه، وكان أعظم هؤلاء هو الإمام الباجي الذي تخصص في الرد على ابن حزم، وكان يُقال في الأدبيات: "لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان". طبعاً نعلم أن الحجاج كان سفاحاً ومتعطشاً للدماء، وأعمل سيفه أعمالاً قبيحة، فكذلك تجاوز ابن حزم كثيراً في كلامه مع الأئمة الأعلام الكبار. لكن بالرغم من ذلك كان ذكياً وكان يجيد المناظرة. والمنافحة والدفاع
عن رأيه ومذهبه، وكان يقول: "أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب من المذاهب". من أشد النقد الذي تعرض له ابن حزم وأتباعه هو ما قاله عنه القاضي أبو بكر بن العربي، وهو أبو بكر بن العربي الذي كان شيخ أبيه في العلم، لم ينصفه ابن حزم طبعاً. هو لا يهتم به ولا تكلم فيه بالعدل، بل بالغ في الاستخفاف به في كتاب "العواصم من القواصم". ابن العربي رد على ابن حزم واستخف به في هذا الكتاب. إذاً
فنحن أمام رجل من كبار علماء المسلمين ومذهبه باقٍ إلى الآن، له كتاب "المحلى"، وقد توفي سنة أربعمائة وستة وخمسين، اللهَ ونفعنا اللهُ بعلومه، وإلى لقاءٍ آخر، أستودعكم اللهَ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.