الإمام السيوطي | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع تاريخ التشريع ومع ترجمة عالم من علماء أهل الذكر. المُجتهدين مع الإمام جلال الدين السيوطي، جلال الدين السيوطي كان اسمه عبد الرحمن وهو معروف بالسيوطي. كان إمامًا حافظًا مؤرخًا أديبًا، وكان السيوطي يُقال عنه ابن الكتب لأن أباه كان من أهل العلم واحتاج إلى مطالعة كتاب فأمر
أمه أن تأتيه بالكتاب من بين كتبه، فذهبت لتأتي به فجاءها المخاض. وهي بين الكتب فوضعته في المكتبة فكأنه يعني وُلد في مكتبة، والحقيقة أنه وُلد بالقاهرة في سنة ثمانمائة ثمانية وأربعين أو تسعة وأربعين، ثمانمائة تسعة وأربعين، يعني كان ما زال الحافظ ابن حجر الذي تحدثنا عنه مرةً ما زال حياً، ونقله أبوه إليه من أجل أن يأخذ عنه السند. ويدعو له. مات أبوه ونشأ في القاهرة يتيمًا. وحكاية أنه ابن الكتب هي أنه بعد ذلك عمل أمينًا للمكتبة المحمودية، والمكتبة المحمودية كانت من أكبر المكتبات
في العالم، ولذلك فقد اطّلع على ما لم يطّلع عليه عالم في عصره قط. مات أبوه وهو ابن ست سنوات فكفله ابن الطباخ ورباه. عند الأمير برسباي الجركسي أستاذ دار الصحبة، وكان في جملة أوصيائه الإمام كمال الدين بن الهمام الحنفي السيواسي صاحب فتح القدير في كتب الحنفية. الإمام السيوطي النابه الذكي حفظ كتباً كثيرة منها عمدة المنهاج الأحكام، ومنها منهاج البيضاوي، ومنها ألفية ابن مالك، ومنها المنهاج في الأصول للبيضاوي، وكثيراً جداً من... الكتب وحج سنة ثمانمائة تسعة وستين وشرب
من ماء زمزم، وهو يشرب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ماء زمزم لما شُرب له"، يعني وأنت تشرب ماء زمزم تدعو دعوة هكذا، فيقوم ربنا باستجابة هذه الدعوة، وهذا مجرب وهو حديث صحيح، فشرب من ماء زمزم ودعا، دعا بماذا؟ "اللهم أصل"... في الفقه إلى رتبة الشيخ عز الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر، وقد كان هو أخذ العلم عن العلامة البلقيني والشرف المناوي والشمس الفناري والجلال المحلي، وأكمل تفسيره فسمي التفسير بالجلالين لأنه ألّفه جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي، والزين العقبي والبرهان البقاعي إلى آخر ما هنالك. له عشرات من المشايخ، والإمام السيوطي بدأ
مبكراً، كان عمره سبعة عشر عاماً وإذا به يؤلف كتاباً في النحو في عدة مجلدات، جمع فأوعى، فإذا به يؤلف كتاباً ممتعاً في النحو اسمه "همع الهوامع على جمع الجوامع"، ويؤلف كتاباً في تراجم النحاة، ويؤلف كتاباً في فقه اللغة "المزهر"، ويؤلف كتاباً. في أسرار العربية ويؤلف كتاباً اسمه الأشباه والنظائر النحوية، وكل هذا كان كتاباً كبيراً فقسمه رضي الله تعالى عنه وهو ابن سبعة عشر سنة، ابن سبعة عشر سنة. ونرى أنه توجه إلى اللغة العربية فأتقنها إتقاناً شديداً لأن هذه اللغة هي التي سيُبنى عليها التفسير وهو الذي سيُبنى عليها الفقه. وهي التي سيُبنى
عليها القراءات والتي سيُبنى عليها أصول الفقه والتي سيُبنى عليها الكثير جداً من المصنفات. أكثر السيوطي جداً من التأليف حتى إذا بلغ أربعين سنة من عمره كان ألّف أكثر من ثلاثمائة كتاب. فالثلاثمائة كتاب هذه كثيرة، فالرجل مَلَّ من التأليف ومن كذا إلى آخره فذهب. ألّف كتاباً لأجل أن يعتزل سماه "التنفيس في الاعتذار عن التدريس"، أي أنه لأجل أن يعتزل قام بتأليف كتاب يقول لهم فيه: "يا جماعة، أنا سأعتزل". فلأجل أن يعتزل يؤلف كتاباً. إن الذي
اعتاد على شيءٍ لا يستطيع الخروج منه. عندما توفي الإمام السيوطي كان قد ألّف ثلاثمائة كتاب حتى بعد عشرين سنة وجدوا أنَّ عدد الكتب التي ألفها كان سبعمائة كتاب. أراد السيوطي في هذه الكتب أن يلخص كل المعرفة التي وصل إليها المسلمون في حضارتهم وأن يعرضها عرضاً محرراً جيداً منظماً في هذا المقال. طبعاً الكتاب يمكن أن يكون عشرين صفحة، يعني "الحاوي للفتاوى" يشتمل على أكثر من... ثمانون عنواناً، هذه العناوين الثمانون موجودة في مجلدين فقط. يعني كان هذا الكتاب يمكن أن يكون عشرين صفحة ويمكن أن يكون ستة مجلدات مثل الدر المنثور أو مثل كتبه في النحو إلى آخره. قال تلميذ الشمس
الداوودي مؤلف طبقات المفسرين: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفاً هو حافظٌ يكون مُسترجعًا يكون علامةً، وكان مع ذلك يُملي الحديث ويُجيب عن المتعارض منه بإجاباتٍ حسنة. والسيوطي ادّعى الاجتهاد وألّف كتابًا في الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، وقال: "ما قلّدنا الشافعي ولكن وافق اجتهادنا اجتهاده". ومن كتبه الماتعة أنه... ألَّفَ كتاباً سمَّاهُ "التحدُّث بنعمة الله" يحكي فيه سيرته الذاتية ويترجمُ فيه لنفسه، وقال: "إنني مجتهد، ولما
عرضتُ الفقه وجدتُ أنني مثلُ الشافعي، وفي سبع عشرة مسألة هي مخالفة للشافعي، لكنها وجهٌ ضعيفٌ في مذهب الشافعي. فبدلاً من أن أقول هكذا، لا، أنا أقول: نفسي شافعي، لكن شافعي في الصورة". فقط وإنما في الحقيقة أنا مجتهد، هكذا كان يقول ابن دقيق العيد، وهكذا كان حال ابن تيمية وحال ابن القيم وحال العز بن عبد السلام وحال الأكابر الذين وصلوا إلى درجة الاجتهاد، لكنهم لم يجدوا فارقاً بين ما ذهبوا إليه وبين الأئمة المتبوعين، فلم ينشئوا مذاهب جديدة وإنما هم فعلاً. وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد. الإمام السيوطي ظل في العطاء وظل
في التقوى وظل في الحديث إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى سنة تسع مئة وإحدى عشرة من الهجرة. سليم خان دخل مصر في الدولة العثمانية سنة تسع مئة وخمسة وعشرين، أي بعد وفاة الإمام السيوطي بأربعة عشر سنة. دُفن السيوطي بجوار القلعة في مكان يُعرف به حتى الآن سيدي جلال، فسيدي جلال هذا هو المكان المدفون فيه السيوطي، وهو مكان معروف وقبره ظاهر. ألَّف فيه أحمد باشا تيمور في تحرير مكان الإمام السيوطي. الإمام السيوطي له أيضاً شاهد موجود في أسيوط، لكنه ليس مدفوناً في أسيوط، إنما
هو... مدفون في سيدي جلال بجوار القلعة في حي القلعة في حوش قوسون وهو شرقي باب القرافة معروف إلى الآن وهو على طريق صلاح سالم عند قبر السيدة عائشة خلف مسجد المسبح، ومسجد المسبح تراه موجوداً أمام السيدة عائشة الثانية، وخلفه مدفون الإمام السيوطي رضي الله تعالى عنه وأرضاه الإمام. السيوطي من كبار العلماء، كان مصرياً، كان يدرس في كل هذه الأماكن ومنها الأزهر. كان آية من آيات الله في الفقه وفي اللغة وفي الحديث. كان واسع الاطلاع إلى أن ألّف كتاباً كبيراً أسماه "جارف
سيل وحاطب ليل" يعني سأجمع فيه كل شيء وجدته سواء كان محرراً أو غير محرر. العقلية الموسوعية أفادت فيما بعد في عرض الإسلام وفي عرض الحضارة وفي عرض الثقافة وفي عرض أشياء كثيرة جداً ننتفع بها إلى اليوم من الكتب المقررة على الأزهر الشريف وعلى الدراسات العليا "الأشباه والنظائر" للسيوطي في الفقه، وهذا كتاب ماتع لم يؤلف مثله حتى ما ألفه التقي السبكي ولا... ما ألّفه ابن الوكيل ولا ما ألّفه بعد ذلك ابن نجيم أو ابن عابدين لا يصل في الإتقان ولا يصل في التحرير ولا يصل في الصياغة إلى ما وصل إليه الإمام السيوطي. ألّف كتاب الإتقان أيضاً، والإتقان
هو كتاب في علوم القرآن وهو كأنه وقبله كان الزركشي، لكن الإتقان هو... الأمثل والأقوى في هذا المقام. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.