السيدة عائشة بنت أبي بكر | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين، نتحدث فيها عن تاريخ تشريع الإسلاميين في صورة ترجمة الأئمة. المجتهدين من الصحابة وإلى يوم الناس هذا من علماء الأمة الذين فهموا عن الله ورسوله، كيف فهموا، كيف عاشوا، من هم، ما صفاتهم. واليوم نتكلم عن السيدة الصديقة بنت الصديق
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشية التيمية المكية زوج النبي صلى. الله عليه وسلم وحب رضي الله تعالى عنها وأرضاها وألحقنا بها على الإيمان وكمال الإسلام. النبي صلى الله عليه وسلم كنّاها بأم عبد الله. عائشة لم تُرزق ولداً، وكانت أسماء أختها قد رُزقت بعبد الله بن الزبير من الزبير بن العوام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة يا أم عبد الله وهو الذي كان يقول:
"الخالة أم الخالة بمنزلة الأم"، فأنت يا عائشة وإن لم تُرزقي بالولد فإنك أم لابن أختك وهو ابن الزبير. أبوها هو الصديق الثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها كانت تُسمى أم رومان. اسمها هكذا أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية وهي أيضاً أم عبد الرحمن بن أبي بكر. وُلدت بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بأربع سنين وتزوجها النبي صلى الله عليه
وسلم في شوال. ولم يتزوج النبي أصلاً بكراً غيرها ولا شابة غيرها، فإنه تزوج خديجة وهي ثيب وعندها... أولاد هند بن أبي هالة، وتزوج النبي سودة بنت زمعة وكانت كبيرة، وأم سلمة كانت كبيرة وعندها سلمة وعمر، وهكذا فزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بأمر من الله سبحانه وتعالى، فعن عائشة أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة رواه الترمذي. إذا لم يكن ذلك كما يقول أعداء
الإسلام عن شهوة أو عن حب للأطفال أو شيء من هذا القبيل الذي يتهمون به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ويجعلون هناك حجابًا بينهم وبين الأنوار الربانية الإلهية وبين الهداية التي أرادها الله للعالمين. إبليسه لا نعرف عنه شيئاً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان هكذا كان تزوج الأبكار وكان بدلاً من زوجاته كبار السن الثيبات كان يتزوج لكنه لم يفعل ذلك لأنه كان سيد الخلق أجمعين. كان النبي صلى الله عليه وسلم لما أن أفهمه جبريل هذا عمرو بن العاص يسأله. أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة.
فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. رواه البخاري. كان يحب هؤلاء الناس لأنهم أهل ديانة، أهل صدق، أهل صفاء، أهل وفاء، أهل حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كان سيدنا رسول الله يقول، وعن عائشة أيضًا هي كانت تروي أن من نعم الله أن... من نِعَمِ الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي في القسم وبين صدري ونحري (صدري الذي هو الصدر والنحر)، فكانت رأسه الشريفة بين صدرها ونحرها، ففاضت روحه الشريفة إلى الله، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته. كيف دخل
عليّ عبد الرحمن؟ أخوها وبيده السواك وأنا مُسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله متعب وينازع الموت، فرأيته ينظر إليّ، أي أنه يريد أن يطيب فمه الشريف بالسواك، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه نعم، فتناولته وقلت: أليّنه لك؟ فأشار برأسه نعم، فوضعته في فمها لتليّنه ثم أعطته عليه وسلم فساكفاه ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى. كان جبريل يلقي عليها السلام، فالنبي يقول: "يا عائشة، هذا جبريل يُقرئكِ السلام". قالت: "وعليه السلام
ورحمة الله". قالت: "وهو يرى ما لا نرى"، تقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني الرسول يرى جبريل وهي لا تراه، فإذن عائشة يعني... مكانتها في الإسلام مكانة عظيمة لأنها تدل على مكانة المرأة في الإسلام، حفظت عن رسول الله علماً كثيراً ونقلت هذا العلم إلى الأمة، وكانت من المجتهدين العظام، بل إنها تفردت بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع هذا كله الإمام الزركشي في كتاب أسماه "ما استدركته عائشة على...". الصحابة: الإجابة في ما استدركته عائشة على الصحابة، وكانت أفقه
الناس كما يقول عطاء بن أبي رباح، وأعلم الناس، وكانت أحسن الناس رأياً في عموم المجتهدين. فالسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها يروي عنها القاسم بن محمد من التابعين، وهو محمد بن أبي بكر، أي إنها تكون عمته وأخت أبيه. عبد الله بن الزبير أخوه عروة بن الزبير، فمحمد وعبد الله وعروة هؤلاء، أي عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير الإخوة، كانوا يروون أيضاً عن عائشة. القاسم بن محمد هي عمته، وسعيد بن المسيب أيضاً من كبار التابعين، ومسروق وغير
هؤلاء كثير كانوا يحدثون عنها. السيدة عائشة تفردت... بمسألة غريبة عجيبة يمكن كثير من الناس لا يلتفت إليها، كان قديماً للكعبة ستر، وهو موجود حتى الآن، لكن كان هذا الستر في البدايات أبيض، لم يكن أسود من الحرير الأسود، بل كان من الحرير الأبيض. كانت عادة الصحابة أنهم ينزلون هذا الستر كل سنة ويكسون الكعبة. أحتاج شيئاً جديداً، لكن أين يذهب ستار الكعبة؟ يحفرون له حفرة ويدفنونه إكراماً له وتقديساً له، لأنه شيء مقدس كان على الكعبة فيدفنونه. فجاءت السيدة عائشة وقالت: "أنا لست معكم
في هذا الأمر، أنا أفتي"، وهي وحدها التي أفتت، وكل الصحابة صدقوها في هذا، أفتت بأن... تُباع كسوة الكعبة لمصلحة البيت، فسنبيع الكسوة، نقطعها ونبيعها للملوك والرؤساء والأغنياء والمشتاقين وغيرهم، ونجمع الأموال في صندوق يُسمى صندوق كسوة الكعبة، وهذه الأموال نصرف بها على شؤون البيت، فالبيت يحتاج إلى مصاريف، فنصرف عليه من هذا الصندوق. هذا الكلام افترضته. عائشة لم يخطر ببال أحد من المجتهدين العظام من الصحابة. فلما سمع الصحابة ذلك صدقوا عليها، وأخذ المسلمون
يبيعون كسوة الكعبة ويتبركون بها وهكذا. وهذا من اجتهادات السيدة عائشة، فهي لم تكن مقلدة لأحد، وإنما اجتهدت فصدقها الصحابة. في بعض الأحيان لا، أم المؤمنين عائشة تخالف. في الرواية أو في الفقه خالفت أبا هريرة، قيل لها: "أبو هريرة يقول أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال إنّ الشؤم في المرأة والدار والدابة" يعني الشؤم موجود في هذه الثلاثة: إما في المرأة (الزوجة)، وإما في الدار، وإما في الدابة، فغضبت غضبًا شديدًا فقالت:
"والذي أنزل القرآن على أبي". القاسم ماها كذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كان أهل الجاهلية يقولون الطِّيَرة في المرأة والدار والدابة". يعني هو جاء وهدم هذا. إذا كان في شؤم ففي هذه أو هذه أو هذه. أبداً لم يقل هكذا، إنه يقول أهل الجاهلية كانوا يقولون هكذا ثم... قرأتُ "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب". فإذا كانت السيدة عائشة واعية، وكانت مثالاً لوجهة نظر الإسلام في المرأة، وكانت مثالاً يُحتذى به في الوصول إلى العلم والوصول إلى الفهم والوصول والمشاركة في الاجتهاد. مرة اختلفت أيضاً مع أبي طلحة، قيل
لها أن أبا... يُخبِرُ طلحةُ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيه كلبٌ ولا تمثالٌ". فهل سمعتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكَرَ ذلك أمامَك؟ فقالت: لا، ولكن سأُحدِّثُكم ما رأيتُهُ فَعَلَ. رأيتُهُ خرجَ في غزوتِهِ فأخذتُ نَمَطاً فستَرتُهُ على البابِ، فلمَّا قَدِمَ رأى النَّمَطَ. يعني مثل الستارة هكذا، عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه وقطعه، وقال إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة والطين. قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوناهما ليفاً، فلم يعب ذلك عليه. يبقى عندما قُسمت الصورة ولم تكن كاملة،
والأبهة التي لم يكن رسول الله يريد أن... يَتَمَثَّلُ بها في الدنيا، أجازَ هذا والدِّينُ واسعٌ. ماتت السيدة عائشة سنة سبعٍ وخمسين من الهجرة ودُفِنَت بالبقيع، رضي الله عنها وعن أبيها. إلى لقاءٍ آخر، نَستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.