حديث الجمعة | الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي و فكرة وضع علم العروض

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، معَ الحبيبِ المجتبى والنبيِّ المصطفى صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ نعيشُ هذهِ اللحظاتِ عسى أن ينزلَ اللهُ علينا سكينتَهُ ورحمتَهُ، فعندَ ذكرِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تتنزلُ الرحماتُ، فهوَ بابُ اللهِ وحبيبُ اللهِ. الله والمصطفى المجتبى
صلى الله عليه وآله وسلم، تحدثنا عن بعض مجهودات علماء العربية من بعد الصحابة والتابعين، وكان منهم الخليل بن أحمد الذي أراد أن يضع قوانين يُرجع إليها بطريقة منهجية علمية مبتكرة، لم يمنحها الله سبحانه وتعالى لأحدٍ من قبله في العالمين. حفِظ وقرأ واطّلع على شعر العرب. وما نُقل عنهم وبتلك
الملكة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في نفسه، والملكة هي كيفية راسخة في النفس بها تدرك النفس المعلومات. ملكة يعني ماذا؟ كيفية راسخة في النفس. "كيفية" هذه واحدة من الأعراض التسعة، كيفية راسخة. انظر إلى كلمة "راسخة" أي أن النفس تشبعت بتلك الكيفية، بها تدرك النفس أية عملية؟ عملية تشبع وعملية أداة. تصبح هذه الملكة أداة للوصول إلى الإدراك الصحيح. الشيخ الخليل بن أحمد أحس
من داخله هكذا أن هذا الشعر يسير على إيقاع معين، يسير على إيقاع معين. ظل يتأمل: "يا رب، ما هذا الإيقاع؟". أراد أن يكتشفه حتى توصل إليه وفتح الله عليه. أن هذا الإيقاع الساكن والمتحرك، الساكن والآية والمتحرك فقط وانتهت القصة، لا لم تنتهِ بل بدأت، قال الله: أنا أدرك أن الآن هناك عمل بالساكن والمتحرك، ساكن ومتحرك. كيف تقوم بذلك؟ قال: تنمو، تاء
مفتوحة ونقول سكّنه، فتصبح هذه المتحرك والساكن، وها نحن الآن في... علم الكلام عندنا أن الأصل في الكون السكون، فجاءت إرادة الله فحركت. أما الفلاسفة فيقولون: "ما هذا؟! الأصل في الكون الحركة، والسكون عارض، والحركة كامنة". هذا ليس كلامنا، بل هو كلامهم، وقد ناقشناهم وأثبتنا لهم فساد هذا القول وما يترتب عليه. لكن مثال الساكن والمتحرك ما هو؟ أنت قلت: "حسناً". لا تضيف لها أيضًا واحدة أصبحت رنين حسنًا واحدة أخرى
رنين حسنًا اجعلها ثلاثة وجعل اثنين فأصبح تم حسنًا ثلاثة اثنان واحد تم الله! هل هي أم ماذا؟ فذهبوا يسمونه الشعر الغنائي عندما تذهب الأدب يقول لك ماذا، ومن الشعر الغنائي، يعني ماذا غنائي؟ يعني فيه موجودة ماذا بداخله؟ إنه بالساكن والمتحرك. قال: طيب، ألا يأتي يعني متحركان وراء بعضهما؟ قال ماذا؟ يصبح تاتاتان ها هو تتت
تتا. ها هو تاتاتان تان تاتاتتتتنتنتن. أصبحت شيئاً آخر. الرجل عاش يذهب ليصلي وفي ذهنه هذه الخواطر كلها، والله أحبَّ الحكاية وعشقها وتولّه بها. ففي مرة من المرات كان هو في قضائه هكذا، وبعد ذلك جالس مثلاً "قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ"، فجلس يقول "قفا
نبكِ من ذكرى"، فأصابه النعاس، فسمعه ابنه عندما قال "لا". الحقي أبي الجنة، أبي الجنة، لماذا يفعل هكذا الولد؟ هو لا يعرف. دخل جالساً كأنه يهذي، إنه لا يكمل الكلمة بل يقطعها. وماذا يريد أن يوصل؟ هي التفعيلات. بعد ذلك، عندما اكتشف التفعيلات واكتشف البحور وأشياء مثل ذلك في علم العروض، اكتشف مجموعة من حوالي خمسة عشر بحراً. أما البحر رجلٌ اسمه الأخفش المتدارك، وسمي كذلك لأنه تدارك ما فات. هذا الرجل الذي اسمه الأخفش هو
الكبير خليل بن أحمد. لقد ذهب وسمع شخصاً يلوم أمه، فأمسكه من رقبته وقال له: "لو كنت تعلم ما أقول لعذرتني، أو كنت تعلم ما تقول لعذلتك، ولكنك جهلت". تكلمتْ فأنكرت عليها، وعلمتُ أنك جاهل فعذرتك. هل تدرك يا سيدنا؟ وعلمت أنك جاهل فعذرتك. استبدلت بتشويه شيء عمله الخليل بن أحمد
- البحور الشعرية التي ابتكرها، والناس التي أتت بعده كانت مذهولة، كيف وصل إلى هذه الدقة، حتى قيل: كل علم يولد فينضج، يولد فينضج شيئاً فشيئاً، إلا بالك هناك بعض الناس يقول لك: "هناك من العلوم ما نضج واحترق"، كما أنك عندما تترك الشيء على النار يحترق. "هناك من العلوم ما نضج واحترق". نحن لسنا مع هذا الكلام بل ضده، ونقول إن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، و"مع المحبرة إلى المقبرة"، و"فوق كل ذي علمٍ عليم"،
لا شيء اسمه العلم احترق؟ لا، العلم لا ينضج فقط لكنه لا يحترق، بل في كل يوم كلما نفتح شيئاً نجد أربعين شيئاً أمامنا ولن ننتهي. فحكاية العلم احترق هذه، إنها مخيفة بالنسبة لنا. نحن لا ننكر وجودها، لكننا نؤكد أن العلم لا يحترق أبداً، العلم يزداد ويُبهر وهكذا. المهم سيدنا الخليل ألّف هذا العلم وألفه كاملاً حتى أن من جاء بعده بدأ في إنضاج أو في تفصيل ما أجمله. فقالوا: إن لدينا
ست دوائر في العروض هذه، والست دوائر هذه هي التي تجد فيها الستة عشر بحراً. حسناً، الست دوائر هذه هي التي بمؤشرها نستخرج البحور، فالدائرة هذه أنتجت... هكذا بحر وهذه الدائرة هكذا، حسناً، ألا يمكننا أن نولّد بحوراً لم تحدث من قبل؟ قالوا: نعم، ممكن، ولكن ماذا ستفعل إذن؟ نحن نقدم هذه خدمةً للكتاب، انظر الفرق إذن، لكنك ستُحضرها لشيء من الطرف والأدب، ولا مانع من ذلك. وذهبوا يُحضرون أشياء، وأصبح الشعراء يتبارون في وضع الأوزان. جديدة لم تنطق بها العرب لكن هذا ليس لخدمة الكتاب والسنة، إنما لخدمة
الأدبيات. شخص يريد أن يبدع، فذهب شوقي وصنع من ذلك كثيراً، قال: "مال واحتجب وودّع الغضب، ليت هاجري يشرح السبب". قوله هكذا، ما هذا الوزن! إنه ليس وزناً عربياً، وليس موجوداً عند العرب. ولذلك كان شخص ربما كان إماماً - الله يرحم الجميع - قال له: "إنشال وانخبط وادع العبط ليهاجري يضرب بالظلط"، بعد الفاصل نواصل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول
الله وآله وصحبه ومن والاه. إذا بذل الخليل بن أحمد وتلامذته وعلى رأسهم سيبويه وغيره من الكسائي ومنهم الأصمعي ومنهم بعد ذلك الشافعي بذلوا مجهوداً كبيراً في حفظ العربية وفي تصنيفها وفي الغوص في أدبياتها، وكل هذا موجود من لدن الصحابة، ولكن يأتي الإمام فيصوغ ما قد استقرت عليه الجماعة العلمية ونُقلت إليه بوضوح. مثال
ذلك الإمام الشافعي، الإمام الشافعي هذا كان رجلاً عظيماً كلامه. يُخفي وراءه قواعد، وهي مسألة واضحة بالنسبة إليه جداً. فلما دخل، لازمه أحمد الشافعي يركب دابة وأحمد يمشي بجانبه. فلامه أحد إخوانه في هذا: "أتتركون إسحاق بن راهويه وتتبعون هذا الفتى؟" فقال إسحاق: "إن فاتنا أدركناه، والشافعي إن فاتنا لا ندركه". كانوا يشعرون أن
معه شيئاً ليس معهم، وأنه يفسر إشكالات هم ليسوا منتبهين لها، فلما وصل إلى مصر أرسل إليه عبد الرحمن بن مهدي رضي الله تعالى عنه، وكان من كبار العلماء، وقال له: "اكتب لنا ما في ذهنك، في ذهنك شيء فاكتبه". فكتب له الرسالة. أخذها رجل يُدعى النقال وأوصلها إلى عبد الرحمن بن. مهدي، هذه الرسالة جلس فيها الشافعي وكتبها ثمانين مرة، وفي كل مرة يقول: "لا، ولكن هذا الجزء ليس متقناً تماماً". ولذلك شُغلها حتى يومنا هذا أن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه. مشكلته
هي فكر عميق وإخلاص في الكتابة. عندما قرأها ثمانين مرة استكثر وقال: حسناً. وبعد ذلك لا توجد مشكلة، فلا بد أن يكون هناك خط للموت (الموعد النهائي). لا بد أن ينتهي الموعد النهائي هكذا. هل أنت منتبه؟ أنا أقول لك الآن بالإنجليزية لأجل... نعم، عندكم تتحدثون الإنجليزية. هذا الموعد النهائي يعني أنه يجب أن تنتهي. والله، أنت في الامتحان تعرف كل شيء، لكن لا بدّ أن يكون هكذا. فقال أبي: "كتاب الله وحده، كتاب لا يُملّ منه، عندما تجلس لتقرأ في القرآن، في كل مرة يزداد وضوحاً، في كل مرة يزداد
جمالاً، في كل مرة يزداد قوة، ولكن في كل مرة سأقرأ فيها سأكتشف فيها شيئاً جديداً". فأرسل المال بها إلى عبد الرحمن تعجّبوا كثيراً وقالوا: ما هذا العلم كله؟ إنه شيء غريب جداً. ثم جئنا في القرن الخامس الهجري، والشافعي توفي سنة مائتين وأربعة هجرية، يعني في أوائل القرن الثالث. وبعد مائتين وخمسين سنة جاء الخطيب البغدادي. قال الخطيب البغدادي: يا أخي، من أين أتى هذا الرجل بهذا الكلام الجميل؟ فتتبع كلامه كتاباً في مجلدين اسمه "الفقيه والمتفقه"، أرجع ما فيه إلى الصحابة الكرام، فيكون هذا متبعاً
لا مبتدعاً. قال: أتعرفون هذه الكلمة التي قالها؟ هذه ابن عباس قائلها. أتعرفون هذه الكلمة؟ إنها تلك التي قالها ابن مسعود. أتعرفون هذه العبارة؟ إنها منقولة عن عمر. أتعرفون هذه؟ ها هي هذه التي جاءت. بالأسانيد فبيَّن لنا شيئاً عجيباً غريباً أننا أمام شخصية استوعبت وهضمت ما كان موجوداً أيام الصحابة والذي تناقله العلماء الأتقياء الأنقياء في دروسهم وعلّموا الأجيال من جيلٍ بعد جيل حتى انتهى الأمر بالإمام الشافعي فجمع ما تفرق وجمع شتات العلوم وأعطاها هدية لأهل السنة والجماعة ولأهل الحديث ولأهل
الجماعة لأن حينئذٍ خرجت الخوارج وخرجت الشيعة وخرجت المعتزلة وخرجت مختلف الفرق، لكنه أعطاهم المفتاح الذي به الفهم: أصول الفقه. ماذا تعني أصول الفقه؟ إنها أسس الفهم. هكذا كما رأينا في الإمام الشافعي، وقل مثله في الإمام الخليل بن أحمد. الخليل بن أحمد نعم صحيح وفقه الله، لكنه لم يأتِ. به هو موروث من هؤلاء ولم يكن بدعاً من القول ولم يكن شيئاً قد خرج يعني ليستر شيئاً آخر كما يحلو لمن ذهل وانبهر من هذا من المستشرقين أن يدعوا. هؤلاء
الناس توارثوا العلم وسجلوه ودونوه ونظموه وتعمقوا فيه تعمق الشفافية، وذلك بعد الخليل بن أحمد وعمله في العروض وما إلى آخره ما أحد يجرؤ أن يقول ما هذا! والله أصل الشعر الجاهلي منتحل؟ كيف يكون منتحلاً؟ لا والله! فهناك شعر الجاهليين وشعر المخضرمين وشعر الإسلاميين في العصر الأموي وفي العصر العباسي وفي العصر العباسي الثاني وفي العصر الأندلسي، والنمط مختلف، وفي العصر الحديث مختلف النمط. مختلف والروح مختلفة لا بأس، ولكن ربما -
نعم ربما - هؤلاء أولاد، فنقول لهم: هناك فرق بين الشك الذي هو منهج والتشكيك. نعم، هناك فرق بين الشك والتشكيك. أنتم لا تتبعون منهج الشك عند ديكارت ولا عند الإمام الغزالي أبداً، أنتم بهذا تمارسون التشكيك. وقد وضع علماء الكلام قاعدة تقول: "مطلق الاحتمال في قطعية الدليل، مطلق الاحتمال العقلي، يوجد شخص جالس هكذا متعباً من التفكير العميق، وذهب وجلس قائلاً: أليس من الممكن أن يكون هذا الشعر الجاهلي كله قد وضعه أحدهم في
العصر الأموي؟ نعم، ولكن الأمور مختلفة، فاللغة مختلفة، والأساليب مختلفة، والأدوات مختلفة، وعالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأحداث وعالم الأفكار إن ما تقوله يعد كلاماً غير علمي، إنه تشكيك وليس شكاً. الشك أهلاً وسهلاً، فالشك يولد أسئلة منهجية علمية، لكن التشكيك يريد أن يحدث الريبة في صدور الناس. هل تدرك كيف يكون الفرق بين الشك والتشكيك؟ هناك فرق كبير بين قفا نبكي ولا... بين "تداركتما عبسًا وذبيانًا بعدما تفانوا ودقّ بينهم عِطرُ منشمِ" الذي ينتمي لزهير بن أبي سلمى،
وبين "أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا من الحسن حتى كاد أن يتكلما" وقد فتق النيروز في غسق الدجى أوائل ورد. كنا بالأمس نيامًا. ما هذا البحتري؟ إلى لقاء آخر. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة وبركاته