حديث الجمعة | الصدق عند رسول الله وصحابته

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المحجة البيضاء التي تركها لنا والتي وصفها بأن ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ماذا ترك لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما ترك لنا نحو ستين ألف
حديث ينقلها عنه الثقات والروايات، وهذه الستون ألفاً أغلبها في الأخلاق. فترك لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظاماً أخلاقياً رائقاً فائقاً شغل أكثر من تسعين بالمائة من الشريعة الإسلامية. وقال صلى الله عليه وسلم بعدما وصفه ربه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" إنما أنا رحمة مهداة، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب جلائل الأمور
ويكره سفسافها، يعني الأشياء ذات القيمة يحبها ويكره تفاهتها. فماذا ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ترك لنا أنه قد أمرنا بالصدق، والصدق. متفق على جلالته والكذب متفق على خساسته بين العقلاء إلا أنه أمرنا وزاد في الأمر ووضح وزاد في الإيضاح فتركنا على المحجة البيضاء وعلى الرغم من ذلك نجد الناس يكذبون وبعد كل هذه السنين التي كان ينبغي أن يتحول
هذا الخلق عند المسلمين إلى ملكة لا يستطيع الفكاك منها ولا يستطيع أن يتفوه بالكذب إلا أن العكس قد حدث، ولذلك نرى الأمر وكأنه من المسلمات، إلا أنه من كبائر الأمور. رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل: "أيسرق المؤمن؟" قال: "نعم"، "أيزني المؤمن؟" قال: "نعم"، "أيكذب المؤمن؟" قال: "لا". كره الكذب، وأتاه مرة واحد للإسلام وكانوا قادمين في
دخولهم للإسلام وعرف أن المسلمين تُحرّم الزنا والعياذ بالله تعالى وتجعله من خسائس الأمور وتنظر إليه بنظرة الريبة والانحطاط، وأمرنا الله وقال: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة" أو "إنه فاحشة"، فالفاحشة هذه شيء يأباه الإنسان في فطرته، وقوله: "ولا تقربوا الزنا" فسّرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. في المحجة البيضاء أن النظرة سهم من سهام إبليس، فحرم علينا الخلوة
بالأجنبية من الرجال أو النساء، يعني الرجل لا يختلي بأجنبية والمرأة لا تخلو بأجنبي عنها، حتى أن بعضهم سأل: "يا رسول الله، الحمو أخي يأتي لزيارتي فيجد زوجتي وحدها"، قال: "الحمو الموت"، ليس هناك ترحيب، هو من... عند نفسه أخي موجود، لا ليس موجوداً. السلام ختام، هو ليس هي، لكي يقول لها: "هذا لم يستقبلني، هذا لم يضيفني، هذا لم يدخلني، أهانني يا أخي". لا، الحمو الموت. "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم
حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً". تركنا. على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وهنا حمل الصحابة الكرام هذا الصدق ورأوا أنه ليس من الكذب التورية، فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول في هذه التورية: "فيها مندوحة عن الكذب"، يعني بدلاً من أن تكذب قُل عبارة تحتمل وجهين فتكون لم تكذب، وذلك من شدة بعدهم عن الكذب. ولقد هديه صلى الله عليه وآله وسلم
في المواقف الصعبة، فعندما ذهب يتحسس أخبار قريش وسأل أعرابياً عنهم وعن أحوالهم وعرف عُدَّتهم، فقال الأعرابي: "من أين أنت؟" لا يعرفه، فقال: "أنا من ماء" صلى الله عليه وسلم، "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، "أنا من ماء" وانطلق. فقال الأعرابي: "والله لا" أدري أمن ماء مصر أم من ماء العراق؟ يعني فُهِم الماء هنا على أنها نهر. أنا من عند النهر يا رب. هو نهر العراق الفرات أم نهر مصر النيل؟ تورية. فقال إن
في المعاريض لمندوحة عن الكذب. هذا سيدنا عمر فهمه وحوّلوا هذه الأوامر إلى برامج عمل وحولوا تلك البرامج. إلى مناهج حياة وحوّلوا تلك المناهج إلى ملكات حدثت في الأنفس، وعندما نقول: "لقد ابتعد الناس عن دين النبي محمد"، نقصد هذا الجانب الأخلاقي. فمن قارن المصلين الآن بما كانوا عليه منذ مائة سنة لوجدهم الآن أكثر، وهو شيء طيب، لكنه الإناء الفارغ، والشريعة أمرتك بملئه، فكونك ليس لديك إناء. مصيبة! فلا بد من الإناء، ولا بد
من الصلاة والزكاة، ولا بد من ظاهر الدين ومن شريعة الإسلام. لكن لا بد أن تملأها بالخشوع تلك الصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين. ولا بد أن تجعلها تنهاك عن الفحشاء والمنكر، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم لا بد أن تكون هذه الأمور ملكة في حياتك لا تعاني منها ولا تعكر عليك صفو حياتك، وتأخذ الحياة بشيء من السهولة وتسير بشيء من النعومة، وليس دائماً النزاع مع نفسك التي هي أمّارة بالسوء في أصلها، إن النفس
لأمّارة بالسوء. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما خُيّر أمرين إلا اختار أيسرهما، وهناك من المشارب العنيفة والعقول النتنة من إذا خُيِّر بين أمرين اختار أشدهما. ووصلنا حتى على مستوى الموظف الحكومي، ووصلنا حتى على مستوى الداعية إلى الله، إلى اليد المرتعشة. واليد المرتعشة حذَّر منها سيدنا عمر، وكان يضرب من يُظهر التنسك بدعوى اليد المرتعشة ويقول له: "أمت". علينا ديننا أماتك الله وكان سيدنا عمر جهوري
الصوت، إذا ضرب أوجع وإذا تكلم أسمع، وكان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فترك لنا أن نسير في حياتنا بدون يدٍ مرتعشة، لكن هناك من الناس من إذا خُيِّر بين أمرين اختار دائماً أشدهما وأقساهما وأعنفهما، والنبي صلى الله. عليه وسلم ينهانا عن ذلك ويقول: "يا عائشة، إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزِع من شيء إلا شانه". نكمل بعد هذا الفاصل. بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال لعائشة وهي ترد العدوان وتصد الطغيان حيث مرَّ بها يهودٌ فقالوا: "السامُ عليكَ يا محمد"، والسامُ هو الهلاك. وسمعتْ عائشةُ وسمعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكان يقولُ لهم: "وعليكم"، ليس "وعليكم السلام"، بل "وعليكم" فقط. إذا كنتَ شتمتَني سيُرَدُّ عليك وينتهي الأمر، وإن شاء الله. فردَّت عائشةُ: "بل عليكم وعلى آبائكم وذريتكم السام"، هذا الذي فقال:
"يا عائشة، إن الله يعطي على الرفق أكثر مما يعطي على العنف"، والعُنف لغةٌ في العَنف. الحديث وراءك هكذا، على أي شيء؟ العنف، الذي هو ماذا؟ هذا عنف، هذا عنف، يعني الذي نقول عليه العنف. والاثنان في اللغة: "يا عائشة، إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي مما يعطي على العنف وأن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، أما سمعت ما أقول لهم؟ يعني يعلمنا علماً كثيراً وجعل الصحابة الكرام
تفعل ما فعلت ليس انتقاصاً من قدرهم بل تعليماً للأمة، فلهم أجر المعلم. يعني عائشة بهذا الشكل لها أجر المعلم. لا تقل إن عائشة أخطأت والنبي صحح لها، بل إن الله أجرى ذلك الحال عليها حتى يُحسب لها يوم القيامة أجر المعلمين، وهكذا فعل مع عمر ومع أبي بكر ومع كل من فعل شيئاً فعلّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الأمة إلى يوم الدين ومن أجل تلك. المحجة البيضاء التي تركها لنا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا فيما أمرنا بالخلق الكريم، وهو
حسن المطالبة وحسن الأداء، وقال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا تقاضى". كن سمحاً هكذا، قال تعالى: "واعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره". أن الله على كل شيء قدير، عندما حدث هذا خُلِقَ الناس. كنا نذهب ونحن صغار هكذا لنشتري شيئاً حلواً من البقال، وكان هذا البقال يبيع بعض الكراريس وبعض الأقلام وشيئاً كان يُسمى قديماً الحصّالة. كنا نضع فيها ونربي فيها هكذا قرشاً أو
تعريفة حتى تتكون. علينا أن نفتحها ونشتري بعض الأشياء والحلويات والأدوات وما إلى ذلك، فيحسب ويقول: "والله هذا كله بعشرة قروش ونصف"، فنقول: "عشرة قروش"، ويترك التعريفة، وكانت تُسمى تعريفة قديماً. كثير منكم لا يدرك هذه الأيام، حيث كان هناك شيء اسمه تعريفة بخمسة مليمات، فيترك التعريفة. هذا الذي يفعلها دينًا لأجل أن يكتب، هو لا يفعلها مع شخص واحد فقط، بل يجمع هذه بقرش ونصف، وهذه بقرش، وهذه بكذا، إلى آخره. عشر ساعات هو يأخذ النصف ويترك لك النصف الآخر.
نقول: عشر ساعات لم نجادله ولم نساومه ولم نفعل شيئًا، ولا نتقن هذا، نحن أطفال صغار، المسامحة تُشيع في الناس حباً وتُشيع في الناس رحمةً وتُشيع في الناس بهجةً. وكان هذا الرجل قد وضع حلويات في ثلاث علب، وبعد أن دفعنا عشرة جنيهات وأخذنا حاجتنا وكل شيء، قام بفتح علبة وأعطانا شيئاً حلواً. وكان السلف لا ينصرفون إلا بعد تذوق الطعام، فعندما كان السلف يأتي ويدخل. قم، يجب أن يأخذ شيئاً، أي شيئاً يغير ريقه. تفضل فنجان شاي الذي أعددناه. هذه الأشياء
التي صنعناها هي رحمة إنسانية تخلق نوعاً من الراحة. كان الناس يطلقون على هذا الرجل اسماً يكرهه، اسمٌ هو يكره هذا الاسم، فكنا لا نذكر هذا الاسم أبداً أمامه حتى لا يتأثر. أو يغضب رحمة، هذا شائع، هذا، الطفل قد تربى هكذا على ألّا يؤذي هذا الرجل السمح الطيب الذي يشيع البهجة بين الناس والذي، آه، طبيعته هكذا بالرغبة. إن الاسم يعني لم يكن سيئاً لكن إذا قلنا:
"أين أنت ذاهب؟" نقول: "ذاهب إلى فلان"، نسميه باسمه الشهير. وإذا جئنا... أمامه لا نذكر هذا مراعاةً لخاطره وتطييباً لنفسه وعملاً بالإنسانية والتسامح والحلاوة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم. مع كثرة السكان واتساع البلاد وكثرة العباد ذابت تلك الأخلاق حتى تغيرت اللغة بين الشباب، ومع تغير اللغة ذهبت القيم، ولذلك نقول إنه مما تركه لنا رسول الله صلى. الله عليه وآله وسلم في المحجة البيضاء الاهتمام باللغة وأحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم
غاية الإحسان وكان أفصح العرب وكان يهتم بها ولفت ابن عباس إليها فصار ابن عباس حبر الأمة ودعا له النبي فقال اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين وابن عباس لما تصدر جاء رجل منسوب إلى الخوارج اسمه نافع بن الأزرق فقال: "مَن هذا الذي يتصدّر الناس عند الكعبة؟" قالوا: "هذا عبد الله بن عباس". قال: "أراه صغيراً، هيّا بنا نمتحنه". فذهبوا إليه وسأله نافع أسئلةً سُمّيت بأسئلة نافع بن الأزرق. هذا يعني أن نافع بن الأزرق
كانت لديه معلومات لكنه خارجي، إذاً عمران بن الذي روى له البخاري وكان خارجياً أو نافع بن الأزرق الذي روى عنه أهل اللغة وكان خارجياً لم ينفعهم، لم تنفعهم معلوماتهم. فهل يُسمى ما قام في أذهان هؤلاء من معلومات بالعلم؟ العلم الذي علّمنا الله أنه علم، ذلك العلم الموصل إلى الله وليس ذلك العلم الذي يحجب عن الله. فكل معلومات تُضِلُّ بك الطريق وتُشوِّش عليك الأمر فهي تقف عند حد المعلومات. يعرف شعر العرب معلومات، ويعرف معاني الكلمات معلومات، وقد يدرك بعض القواعد معلومات،
لكن متى تتحول هذه المعلومات إلى نسق يوصل إلى الله سبحانه وتعالى؟ "إنما يخشى الله من عباده العلماء" والعلماء جمع عليم وليس جمع عالم. جمع "عالم" "عالمون"، لكن "العلماء" جمع لكلمة "عليم"، و"عليم" على وزن "فعيل" فهو من صيغ المبالغة. متى يكون ذلك؟ ليس بمعرفة المفردات والمعلومات، بل بمعرفة النسق الذي نراه في حلقة قادمة إن شاء الله. فاللهم اشرح
صدورنا، والسلام عليكم ورحمة