حديث الجمعة | العلاقة بين القديم والحادث وتفسير حديث جبريل

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات عسى أن ينزل الله السكينة في قلوبنا والرحمة من حولنا وأن ننتفع بما تركه لنا سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم آمين. مع حديث جبريل
الذي جاءنا ليعلمنا أمر ديننا، ورأينا كيف وفق الله المؤمنين بإنشاء علم التوحيد دفاعاً عن مقام الإيمان، وكيف أن هذا رد على كل تساؤلات البشر. وكل تساؤلات البشر كانت حول العلاقة بين القديم والحادث. القديم ربنا سبحانه وتعالى كان ولم يكن شيء معه. والحادث الإنسان كيف هذا؟ أين الله؟ ما العلاقة بين هذا القديم وبين الحادث سواء كانت علاقة وجودية أو كانت علاقة تكليفية
أو كانت أي نوع من أنواع العلاقات؟ كيف سار الأمر؟ وهذا الكون سيفنى ثم هل يُعاد أو لا يُعاد؟ ما الذي يكون بعد الموت؟ أجابت الديانات المختلفة بإجابات شتى. على هذه الأسئلة من أين نحن وماذا نفعل هنا في هذه الحياة الدنيا وماذا سيكون غداً بعد الموت، والإسلام جاء واضحاً يجيب عن كل التساؤلات سواء الأصلية هذه الثلاثة أو الفرعية التي تتفرع عنها، ولذلك لم يعرف علماء المسلمين القهر ولا الأسرار التي
كانت عند المذاهب الأخرى والأديان الأخرى لم يقول لك هي هكذا أبداً، من قال هي هكذا فإنه لا يعرف الإجابة فقط، ولكن كل سؤال خطر على بال البشر للإسلام له عليه رد. وإلى يوم الناس هذا تختلف المداخل وتتكاثر الشبهات والتشكيكات، وكلها منضبطة بالقواعد المرعية المنيفة الشرعية التي تركها لنا العلماء في هذا المجال، ورأينا كيف وفق. بارك الله سبحانه وتعالى المسلمين في إنشاء علم الفقه، وأنهم أنتجوا
نحو مليون ومائتي ألف فرع فقهي، جعلوا لها عناوين نحو ألفين من المسائل. تجدها في المغني لابن قدامة عندما تفتحه وترى عدد المسائل التي ذكرها الخرقي، ستجدها ألفين، وهذه الألفين كل واحدة منها تحتها عشرات الفروع، وتحت كل فرع عشرات. تضرب هذه الصور بعضها ببعض فيبلغ مليونًا ومائتين، فإذا هم صنعوا مسائل بؤرية أصلية سموها المختصر، ومختصر الخرق هذا كل سطر فيه يشرحه صاحبنا في ثلاث أو أربع صفحات حتى أنتج خمسة عشر مجلدًا، لكنهم ألفا قطعة، وهذه الألفا قطعة شُرحت
في خمسة عشر مجلدًا. مجلد تصبح الفروع واسعة، وبعد ذلك ماذا صنعوا؟ مسائل أساسية. لم يكتفوا بذلك، بل صنعوا قواعد كأنها هي الخلفية. هذه الخلفية أصلها ليس عربياً، بل هي ترجمة لكلمة "باكجراوند". "باكجراوند" هو ما خلفك، أي الشيء الذي يظهر فيه. يسميها المتخصصون في التصوير "لوكيشن". هذا اللوكيشن هو الخلفية. عند التفكير في هذه الخلفية، ماذا بحث عنه الفقهاء وكيف سمّوه؟ إنها القواعد. القاعدة الواحدة يندرج تحتها أحكام
موجودة في الصلاة وأحكام موجودة في الزكاة وأحكام أخرى موجودة في البيوع وأحكام ثالثة موجودة في الزواج وخامسة موجودة في الشهادات وسابعة موجودة في الحرب والسلام وثامنة موجودة في... العلاقات الدولية وما إلى آخره، وكلها تندرج تحت قاعدة واحدة. فالقاعدة تشتمل على فروع من كتب مختلفة ومن أبواب متنوعة. لكن افترض أن القاعدة كان تحتها نوع واحد فقط، زواج فقط مثلاً، فستصبح اسمها ضابطًا. فالفرق بين القاعدة والضابط هو أن القاعدة تكون متنوعة الفروع، بينما الضابط يكون متحد الفروع، يتحدث عن موضوع واحد.
واحدة لكن هذه على كل الفرق جمعوا هذه القواعد. هذه القواعد كثرت فوجدوها مائتين، فذهبوا يختصرونها في خمسين، واختصروا الخمسين. الاختصار ليس بالحذف، بل الاختصار بالتكوين، يعني كوّنوا مجموعات حتى أصبحت خمسين، والخمسين كوّنوا منها مجموعات حتى أصبحت ماذا؟ خمسة. ما هي هذه الخمسة؟ "الضرر يُزال"، فتكون أول قاعدة تقول... الضرر يُزال، وعادةً قد حكمت العادة المحكمة. القاعدة عنوانها هكذا وكذا:
المشقة تجلب التيسير، المشقة تجلب التيسير، عنوانها هكذا وكذا: المشقة تجلب التيسير. والشك لا ترفع به متيقناً، يبقى اليقين لا يزول بالشك. القاعدة هكذا: اليقين لا يزول بالشك. وخلوص نية إن أردت أجوراً، فالأمور بمقاصدها. إذن هي خمسة مهمة. الأمور بمقاصدها، الضرر يُزال، العادة محكمة، اليقين لا يزول بالشك، المشقة تجلب التيسير. وتحت هذه القواعد مليون ومائتا ألف فرع
فقهي. عندما تجلس وتمسك أي فرع وتتدبر وتتأمل، ستجدهم تحت واحدة من هذه القواعد. فجاء العز بن عبد السلام - سلطان العلماء - ونظر هكذا وقال: طيب، ولماذا خمسة؟ لماذا خمسة يعني؟ ما... دعنا نجعلها واحدة ولتكن هذه هي القاعدة الأساسية لنا. قالوا له: ماذا تقول؟ أجبت: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". درء المفاسد هو أساس الشريعة كلها. أرأيت الفرق بين هذا التفكير وبين الإرهابيين
وداعش؟ ما هو الفرق؟ هؤلاء كانوا يقولون لك: درء المفاسد مؤخر عن جلب المصالح. حسناً، وما هي المصالح؟ يقول... ليكن أن تولي الحكم هذا هو الذي يريده، أن يتولى الحكم وتضيع الأمة ويضيع تراثها ويضيع كل شيء. تقول ماذا؟ أنا أريد هكذا. فالإمام مالك لأنه يعرف طبعاً في قلبه، انظر العز بن عبد السلام هناك في القرن السابع، الإمام مالك هذا في القرن الثاني، فيقول ظلم غشوم. ولا فتنة تدوم في ظلم ما، طوال الدنيا فيها ظلم، في كل مكان فيها ظلم، إنما
الفتنة التي تدوم تصبح بلوى، لن تستطيع أن تأكل، ولا تستطيع أن تشرب، ولا تستطيع أن تذهب لتصلي في مسجدك، ولا تستطيع أي شيء، ولا تستطيع أن تعمل، ولا تستطيع أن تفعل أي شيء، فتنة، قال فتنة فيها دم. ظلمٌ غشومٌ ولا فتنةٌ تدوم. عندما قالوا له: ما رأيك أن نخرج على هؤلاء الحكام الظلمة؟ (أولاد الله زينة) وسنفعل بهم ونفعل. قال: لا، ظلمٌ غشومٌ خيرٌ من فتنةٍ تدوم. قام أحد الإرهابيين على قناةٍ من القنوات المضحكة يقول: الإمام مالك مخطئ. نعم، اكشفوا حقيقتكم يا إخواني هكذا، اكشفوا أنفسكم. مخطئ. كيف قال إنّ الفتنة تدوم ولا الظلم؟ يعني
أنت تريد الفتنة؟ قال: نعم. وأحد الإرهابيين قال: ما بالكم هكذا تهاجمون الخوارج؟ تهاجمون الخوارج؟ تهاجمون الخوارج؟ إن الخوارج هم المحقّون! كفى يا أخي، لقد أتعبتمونا. إننا لن نؤذيكم ولن نفعل شيئاً. سيدنا قال: الخوارج كلاب. أهل النار وأنتم تقولون ما بالهم الخوارج. بعد الفاصل نرى ما بالهم الخوارج. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. إذاً، فقد ذهب أهل السنة
والجماعة بمذاهبهم المختلفة إلى التقعيد الفقهي وذلك بضم الشبيه إلى شبيهه والنظير إلى نظيره وألّف في هذا. الفن ابن الوكيل ثم ألف فيه تحت عنوان الأشباه والنظائر الإمام تقي الدين السبكي، ثم ألف فيه ذلك الماتع الجامع الإمام السيوطي كتابه الأشباه والنظائر والذي يُدرس في الأزهر إلى يوم الناس هذا، وجاء من بعده ابن نجيم الحنفي فأخذ من كتاب السيوطي ما أخذ، وجاء الإمام ابن عابدين الحنفي. فَشَرَحَ كلامَ ابنِ النُّجَيْر رَضِيَ اللهُ تعالى عنِ الجميعِ، والأشباهُ
والنظائرُ هي فنُّ التقعيدِ الفقهيِّ في هذه الخمسةِ التي ذكرناها، الأمورُ بمقاصدِها، وحُجَّةُ ذلك قولُ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: "إنما الأعمالُ بالنياتِ وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، وقولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلم: "العملُ بالنيةِ"، ومِنْ هنا كان المقصدُ هو. الأساس يرتبط بعد ذلك بهذه القاعدة مجموعة من القواعد الأخرى، ولكن قد تكون متفقاً عليها وقد تكون مختلفاً فيها، وقد يكون الترجيح فيها طبقاً للفروع مراعاةً للمصلحة وعملاً
بالمآلات. فمثلاً هل العبرة في العقود بالألفاظ والمباني أو بالمقاصد والمعاني؟ هذه ليس لها علاقة بهذه القاعدة، إنما هي ابنتها، ابنة الأمور. بمقاصدها هذا باتفاق، والأمور بمقاصدها يستوجب وجوب النية في الأفعال، فأوجبوها في الوضوء وأوجبوها في الصلاة وأوجبوها في الحج وأوجبوها كذلك، وقالوا النية تميز بين الفرض والنفل، وتميز بين الأداء والقضاء، وتميز بين النافلة والفريضة،
وهكذا. فالنية للتمييز، ولذلك لا بد منها حتى تتميز العبادات بعضها عن بعض وتتميز الفروض. عن النوافل وتتميز الحضور عن الأداء عن القضاء إلى آخره نية، لكن عندما نرى القواعد الأخرى الخمسين نجد منها: هل العبرة في العقود بالألفاظ والمباني؟ كان ينبغي أن نسكت لأجل الذي يستعمل. هل تأتي الحاجة واحدة فقط؟ هل تعلم له اسماً وتُغلق؟ لا يوجد أو ليس هناك أم لا، لا توجد مقابلة. في أي الذي فيها مقابلة الهمزة؟ هل انتبهت؟ لكن أمامك قلت هل، لكن درج
الفقهاء على هذا الخطأ النحوي. هل العبرة في العقود بالألفاظ والمباني أم أنها غلطة لغوية لكن لا بأس أن يتجاوزوها، أو بالمقاصد والمعاني؟ هل انتبهت؟ قال النووي: "والترجيح يختلف في الفروع"، يعني أحياناً نرجح هكذا. وأحياناً نرجح هكذا لكي نحقق غاية الشريعة، فتكون إذن هذه القاعدة مرنة مثل الميزان لها كفتان، مرة هكذا ومرة هكذا. بناءً على ماذا نفعل هكذا مرة وهكذا مرة؟ بناءً على المصالح المرعية والمآلات المعتبرة. ننظر هل
ستجلب فائدة أم لا؟ هل ستحل مشاكل الناس أم لا؟ فالشريعة فيها مثل هذا. والله فيها أمر مماثل، عندما كانوا يأتون إلى سيدنا النبي فيسألونه: "ما أفضل الأعمال؟" النبي بشفافيته وبالوحي الذي أعطاه الله إياه، ينظر إلى الشخص ويراه كأنه قد عامل والديه بسوء، فيقول له: "أفضل الأعمال بر الوالدين"، ثم يأتي شخص آخر [فيسأل]: "ما أفضل الأعمال؟" فينظر إليه. هكذا يبدو أنه لا يحافظ على الصلاة، فيقوم أحدهم بقول له: "الصلاة في وقتها"، ثم يأتيه شخص آخر، وثالث يسأله: "ما أفضل الأعمال؟" فيجيبه: "الجهاد في سبيل الله". أراه هكذا
لديه بعض الجبن وغير قادر على الخروج للجهاد. هذه هي مشكلته مع الجهاد، لكنه يصلي بشكل جيد جداً ويصوم بشكل جيد. الجهاد كثيراً يعني هكذا، هو سيتخبط فيه، فيقول له: إذا اختلفت الإجابات، فالإجابات تختلف بناءً على اختلاف وتنوع مشارب البشر. فهذه الشريعة واسعة تحتوي على كل ما يلبي المقصود، وهو أن تُكمل علاقتك مع الله، هذا هو المقصود. حسناً، أنت فعلاً مصلٍ محافظ بشكل جيد جداً، لكن برك بوالديك ليس بهذا المستوى، فيبقى... اهتم إذاً ببر الوالدين حتى تكمل بر الوالدين جيداً والصلاة جيدة، لكن الجهاد ليس بهذا المستوى، فيجب على من لم يغزُ
أو يحدث نفسه بالغزو أن يحدث نفسه بهذا بشروطه وهكذا. هذا هو الصحيح، السعي إلى الكمال. الرسول يريدك أن تكون الإنسان الكامل "لقد كان لكم في رسول". الله أسوة حسنة وهو كان الإنسان الكامل، كان قوَّاماً بالليل: "قُمِ الليلَ إلا قليلاً، نصفَه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلاً"، وكان فارساً بالنهار، كنا إذا حَمِيَ الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً هذا كان شيئاً آخر، كامل مكمِّل صلى الله عليه. وسلم من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط. كان
أمراً مهماً جداً وأمرنا باتباعه، "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". فالعبرة بهذا الكمال، فإذا كان الترجيح يختلف في الفروع، فلنأتِ إلى العقد المهم جداً وهو عقد الزواج. لماذا هو مهم؟ لأنه سيترتب... عليه النسب وسيترتب عليه النفقة وسيترتب عليه الزواج أيضاً، فعندما أتزوج امرأة تحرم عليّ أمها وتحرم عليّ ابنتها، ويحرم أن أجمعها مع أختها، وسيحرم كذلك جمعها مع عمتها، وسيترتب عليها الميراث، وستترتب عليها أمور كثيرة جداً، ولذلك العبرة فيه باللفظ، فلا تأتِ وتقول لك.
أنا أعطيتك ابنتي، لا، هذا لا يصلح، يجب أن تقول زوجتك ابنتي على عقد الزواج، هذا واجب، وليس "أعطيتك"، فأنت تزوجت، من أين أخذت؟ من بني فلان، هذا لا يصلح، يجب استخدام لفظ الزواج أو الألفاظ المتعارف عليها فقط، فتكون العبرة هنا باللفظ. وفي أمر آخر يا خولي، عندما تذهب إلى الأزهر لشراء المصحف، قم، فهو لا يريد. يبيع كتاب الله بثمن قليل فيقول لك وهبته عشرة جنيهات يعني أعطني عشرة جنيهات وخذه ويعتبر ذلك كأنه وهبه، أيكون ذلك هبة أم بيع؟ إنه بيع ولكن بلفظ الهبة. فهذا يصح وذاك لا يصح، لماذا؟ لأن هذه سهلة وتأدباً، لكن تلك يترتب عليها
كل هذه الأمور التي... لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً