سعيد بن المسيب | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

سعيد بن المسيب | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة - تاريخ التشريع الإسلامي, شخصيات إسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بعد ما ذكرنا جملة من الصحابة الكرام الذين تصدروا لدراسة الفقه وتدريسه، منهم عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، انتقلنا إلى التابعين ورأينا عروة بن الزبير ونأخذ اليوم سعيد بن المسيب. وسعيد بن المسيب أو المسيب بن حزن القرشي المخزومي كان إماماً عالماً، وكان يُكنى بأبي محمد. كان اسمه نطلق عليه كنية أبو محمد، سعيد
بن المسيب أو المسيب. كان أهل المدينة يقولون بن المسيب لأن أباه أُسِر في معركة. ثم أطلقوه من الأسر فسُمّي مُسَيَّباً، لكنه كان يرى أنه كان يُكثر من إعتاق العبيد فهو مُسَيِّب. وكان مما أُثِرَ عنه: "سَيَّبَ اللهُ مَن سَيَّبَني" يعني: مَن قال المُسَيَّب. ولكن العلماء يذكرون هكذا أن أهل الحجاز يقولون المُسَيَّب، وأهل العراق يقولون المُسَيِّب على مراد سعيد رضي الله تعالى عنه. وارضاه ولد سعيد، وسعيد بن المسيب اسم لا بد أن تحفظوه وأن ترددوه لأنه كان إماماً كبيراً وكان أساساً من أسس الفقه الإسلامي. بعد
مضي سنتين من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، يعني في حدود سنة خمسة عشر هجرياً، كانت أمه هي نسيبة بنت عثمان بن حكيم بن أمية، فهو من بني أمية، وكان والده المسيب بن حزن صحابياً، وكذلك كان جده حزن صحابياً. رُوي أمرٌ لطيف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله سأل حزناً هذا فقال: "ما اسمك؟" قال: "حزن"، قال: "بل أنت سهل". كان سيدنا رسول الله يغير الأسماء إلى... الأسماء التي تُفيد التفاؤل، فالحزونة فيها شدة وفيها صعوبة وفيها نوع من أنواع الكآبة أو الاكتئاب، والنبي صلى
الله عليه وسلم كان يُحب السهولة والليونة. فقال حزن: "يا رسول الله، اسم سماني به أبواي وعُرفت به بين الناس"، يعني أنه لا يريد أن يترك اسم حزن، فهو مسرور جداً باسم النبي صلى الله عليه وسلم إذاً عندما أرشد الناس إلى تغيير أسمائهم، كان ذلك على سبيل النصيحة والإرشاد وليس على سبيل الإلزام، فحتى هذا عندما ناقش النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك في فروض الدين، بل كان في التفاؤل، تركه. كان سيدنا سعيد بن المسيب بن حزن يقول: فما زلنا نُعرف بالحزونة ونعرف الحزونة فينا أهل بيتي. حزن يعني أننا نشعر من داخلنا أن
فينا صعوبة وفينا شدة وفينا اكتئاب وفينا حزن، لسنا فرحين ولسنا مبتهجين وهكذا. إذاً يبدو أن الأسماء لها أثر. في أصحابها وهذا نوع من أنواع العلاقة بين التربية وعلم النفس وكذلك إلى آخره. وأيضاً يدل على بركة النبي صلى الله عليه وسلم وأننا نسارع ولا بد علينا أن نسارع في طاعته. فعندما وُلد سنة خمسة عشر، كانت قد مضت سنتان من خلافة عمر، فهو رأى عمر وهو صغير هكذا ثمان سنين تسع سنين وسمع عثمان أيضاً، سمع علياً وكان قد كَبُرَ، سمع زيد بن ثابت وأبا موسى الأشعري، وسمع سعد بن أبي وقاص،
وسمع السيدة عائشة، وسمع أبا هريرة كثيراً وابن عباس لأنهم تأخروا في الوفاة، كذلك سمع أم سلمة رضي الله تعالى عنه، فروى عن هؤلاء ورواياته. موجودة في الصحيحين في البخاري وفي مسلم وعن حسان بن ثابت وصفوان بن أمية ومعمر بن عبد الله وعن معاوية أيضاً ومع أم سلمة كما قلنا هذا موجود في صحيح مسلم وروايته عن جبير بن مطعم موجودة في البخاري إذا كان سعيد بن المسيب صاحب مكانة علمية سأل رجل القاسم
ابن محمد القاسم بن محمد هذا أيضاً فقيه كبير من الفقهاء السبعة في المدينة. سُئل عن شيء فقال: "أسألتَ أحداً غيري؟" قال: "نعم، عروة وسعيد بن المسيب". فقال: "أطِعْ ابن المسيب فإنه سيدنا وعالمنا". هذه الشهادة عندما تأتي من شخص في مكان ومكانة هذا الرجل الكبير الفقيه تكون شهادة كبيرة، سلوا سعيد بن المسيب فإنه قد جالس الصالحين، يعني العلم ليس فقط معلومات، بل هو أيضاً نوع من أنواع التربية ونوع من أنواع القيم. سعيد رضي الله تعالى عنه تزوج بنت سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، تزوج
سعيد ابنة أبي هريرة وكان بذلك صهر أبي هريرة. أصبح حماه كان أعلم الناس بحديث أبي هريرة لأنه جلس مع أبي هريرة كثيراً. قيل مرة لسعيد بن المسيب، حتى نرى هذه المنظومة المتكاملة من العلم والعبادة والدعوة من الأخلاق من الإيمان من الإسلام، وقد رأى أقواماً يصلون ويتعبدون: "يا أبا محمد، ألا تتعبد مع هؤلاء القوم؟ ما شاء الله حمامة المسجد يعني يصلون كثيراً، فقال: يا ابن أخي إنها ليست بعبادة. قلت له: فما التعبد يا أبا محمد؟ قال: التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله وأداء فرائض الله. إذاً هذا
رجل مفكر لا يلتفت إلى كثرة الأعمال الظاهرة كما يعتمد عليها كثير من الناس ويظنونها أنها نهاية المطاف، ولذلك تراهم يصلون ويصومون ويفعلون ثم يخونون. ليس عندهم وفاء، ليس عندهم خلق كريم، عندهم قسوة في قلوبهم. ولذلك العبادة في مفهوم ابن المسيب كانت لها معنى فكري، فالعبادة لم تكن إلا بالتفقه في الدين والتفكر في أمر الله سبحانه وتعالى. هذا هو مذهب ابن المسيب في العبادة. كان ابن المسيب متمسكاً ولكن ليس بهذه الكثرة، قال مرة: "ما فاتتني
الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة". كان متمسكاً بالجماعة وكان متمسكاً بالمسجد وكل شيء. ابن المسيب عاصر عندما كبر قليلاً الحجاج بن يوسف الثقفي، وطبعاً الحجاج كان المنفذ لكلام عبد الملك بن مروان. مرة قيل لسعيد لأن الحجاج... لم يؤذه. ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ولا يستفزك ولا يؤذيك؟ إنها حالة غريبة جداً. أنت رجل متصدر ومعروف أنك ضده، فكيف نجوت منه؟ كيف أفلت؟ فهذه أيضاً درس لنا ولعلماء الأمة. قال: والله لا أدري، لعل الله صرف عني، غير أنه صلى ذات يوم مع أبيه. صلاة فجعل لا يتم
ركوعها ولا سجودها، يظهر أن الحجاج كان صغيراً ويصلي مع أبيه، فكان يعبث في الصلاة. فأخذتُ كفاً من الحصباء، يعني أخذتُ بعض الحصى الصغيرة، فرميته بها لكي يتم الركوع. قال الحجاج: فما زلت بعد ذلك أُحسن الصلاة. الحجاج الجبار هذا كان عنده شيء من الرحمة. كان ملتفتاً لفعل الله في الكون، كان ملتفتاً للعبادة ولمعناها. وهؤلاء ظلمت عهدهم، فنسأل الله أن يقينا ظلمات عصرنا، الذين لا ينفع معهم كلام ولا تنفع معهم موعظة. ابن المسيب وهو صغير ضرب الحجاج، فوجد الحجاج أن هذه الضربة تنبهه لإقامة الصلاة،
فاستقامت صلاته، ولما استقامت صلاته حصل التغيير. له حالٌ وحصلَ له إعزازٌ لذلك الذي أرشده وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر وجعله يحافظ على الصلاة. ولذلك لما كَبُرَ نقلها إلى سعيد ولم يؤذه. كان عند سعيد بن المسيب ابنة، وطلبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد. قال له: "أنا أريد..." يعني أصبح الناس من أكابر القوم في المسيب أحد الفقهاء السبعة الكبار الذين سنخصص لهم حلقة منفردة ونتحدث عنهم جميعاً معاً، السبعة معاً، منهم سعيد بن المسيب ومنهم القاسم ومنهم غيرهم. فأرسل إليه قائلاً: "أريد أن أزوج ابنتك لابني" أو "زوج ابنتك لابني". فقال له: "أبداً لن أزوجها
للوليد، هذا الوليد مشهور بالفسق". هذا الوليد بن عبد الملك قطع المصحف، وكان سبب تقطيعه للمصحف سبباً لهلاكه، فأخذه وضربه مائة جلدة في يوم بارد، وهو لا يفعل ذلك أبداً. وزوّج سعيد ابنته بدرهمين من ابن أخيه، ولم يعطها لأولاد الملوك. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته