سفيان بن عيينة | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

سفيان بن عيينة | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة - تاريخ التشريع الإسلامي, شخصيات إسلامية
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. أيها الإخوةُ المشاهدون، أيتها الأخواتُ المشاهداتُ في كلِ مكانٍ، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقاتِ مجالسِ طيبين مع تاريخِ التشريعِ الإسلاميِ مع المجتهدين من الفقهاءِ والعلماءِ ونقلتِ. الدين وأهل الذكر الحكيم مع طيبين الذين رزق الله الأمة الإسلامية بهم عبر التاريخ. تكلمنا عن فقهاء الصحابة الكرام، عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها، وعن غيرهم. تكلمنا
عن التابعين، عن فقهاء المدينة السبعة، عن عروة بن. الزبير وعن سعيد بن المسيب وعن أبي بكر بن عبد الرحمن وعن خارجة بن زيد بن ثابت وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن سليمان بن يسار وهكذا تكلمنا عن الحسن البصري من التابعين وننتقل اليوم لنتحدث عن الجيل الثالث بعدما تحدثنا عن الصحابة وعن تلاميذ الصحابة وأبنائهم التابعين، نتحدث عن أتباع التابعين، أي أبناء التابعين، تلاميذ التابعين. ونبدأ برجل كبير في
هذا المقام من أتباع التابعين وهو الإمام سفيان بن عيينة. اسمه سفيان بن عيينة بالضم هكذا، ليس عيينة ولا غير ذلك كما يخطئ بعضهم. سفيان بن عيينة بن أبي عمران، كانوا يقولون له محمد الكوفي كان حافظاً كبيراً، وكان مولى بني عبد الله بن رويبة من بني هلال بن عامر بن صعصعة. إذاً فسفيان بن عيينة ليس من العرب الأقحاح، ولكنه من الموالي. وُلِدَ في منتصف شعبان، أي في الخامس عشر من شعبان، وهو ما نتذكره دائماً بمنتصف شعبان. تحول القبلة سنة
سبع ومائة، مائة وسبعة، ولد مائة وسبعة، تتذكرون عندما كنا نتحدث عن التابعين وعن علماء المدينة السبعة، وقلنا أن جميعهم تقريباً توفي آخرهم سنة مائة وثمانية، إذاً هذا فعلاً جيل ثانٍ تماماً، الذي سندخل فيه، الذي هو سفيان بن عيينة ممن حملوا هذا العلم ممن... حملوا هذه التقوى وتربية سفيان بن عيينة أحد الأئمة الأثبات الذين أجمعت الأمة على جلالتهم وعلى الاحتجاج بهم. أتقن وجوَّد وجمع وصنف، وكان يُرحل إليه. كلمة "يُرحل إليه" في العربية يقولون عنها رحلة. كلمة "رحلة" يعني يقولون ماذا؟ الكعبة رحلة المسلمين، لأن الواحد يذهب إلى الكعبة، فالكعبة رحلة
يعني مقصودة. يعني يرحل إليها، فكان سفيان بن عيينة رحلة، ليس أنه يرحل، بل أنه يُرحَل إليه. انتهى إليه علو الإسناد. كان ابن عيينة هذا جده يعمل مع خالد بن عبد الله الحصري، فلما عُزل خالد عن العراق وتولى بعده يوسف بن عمر الثقفي، ضايق عمال خالد، فهرب أبو. عمران الذي هو جد صاحبنا إلى مكة ولكنه كان من أهل الكوفة، كان سفيان بن عيينة هذا عنده تسعة إخوة، حدّث منهم
وظهر علماء منهم أربعة: محمد بن عيينة وواد بن عيينة وإبراهيم بن عيينة وعمران بن عيينة، لكن كان أعلمهم وأشهرهم والناس تسمع عنه وتجده في الكتب كثيراً هو. سفيان بن عيينة أدرك أكثر من ثمانين نفساً من التابعين، وهو ليس تابعياً بل هو من تابعي التابعين، فهو كما لو كان من أبناء التابعين. يعني أنه لم ير الصحابة، فالصحابة رأوا النبي، والتابعون لم يروا النبي لكنهم رأوا الصحابة، أما تابعو التابعين فهم أبناؤهم الذين رأوا التابعين لكنهم لم مائة وسبعة فلم يَرَ ولا صحابة. سفيان بن عيينة كانت له قراءة وكانت له مدرسة وكان له شيوخ وكان له تلاميذ. من ضمن الشيوخ الذين كانوا
له: ابن شهاب الزهري، وعمرو بن دينار، والسبيعي. كل هؤلاء من التابعين: منصور بن المعتمر، وأبو الزناد، وأيوب السختياني. وكذلك كانت مسيرته بعد ذلك، روى عنه الأعمش والثوري وشعبة وهمّام بن يحيى وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع والإمام الكبير محمد بن إدريس الشافعي. فكل هؤلاء كانوا محيطين بسفيان، إما أنه تتلمذ عليهم أو أنهم تتلمذوا على سفيان. يقول سفيان: دخلت الكوفة ولم يتم لي. عشرون سنة، فقال أبو حنيفة لأصحابه ولأهل الكوفة: "جاءكم حافظ علمي عمرو بن دينار". ما هو، ما هو، يعني ماذا هذا؟ ما هو مائة وسبعة، فهذا
سفيان بن عيينة، ففرح به أبو حنيفة. قال الشافعي: "ما رأيت أحداً فيه من آلة الفتيا ما في سفيان، وما رأيت أكف عن...". الفتوى منه انظروا كيف يعني سفيان ربما كان أقل شخص في الفتوى وأضعف شخص في الفتوى وأقوى شخص في العلم لكنه لا يحب التصدر ولا يحب هذه الأشياء. الإمام سفيان سُئل: ما هو الزهد في الدنيا؟ قال: من إذا أنعم الله عليه نعمة شكرها وإذا ابتلي ببلية صبر عليها فذلك
قُلْتُ له يا أبا محمد، أرأيتَ إن أنعم اللهُ على شخصٍ بنعمةٍ فشكر، وابتُلِيَ ببلية فصبر، هذا الذي أنعم اللهُ عليه بنعمة ما زالت النعمة معه وهو ممسكٌ بها، يعني معه في يده، كيف يكون زاهداً؟ قال سفيان: اسكت يعني أنت لا تفهم شيئاً، فمن لم تمنعه البلوى من وأقسم بالنعمة أن الشكر هو الذي يؤدي إلى الزهد، نعم، فتصبح الدنيا في يدي، ولذلك كان من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل الدنيا في يدي ولا تجعلها في قلبي". هذا فَهْمُ الأكابر من السلف الصالح. كان هناك شخص اسمه مطرف بن الشخير، فمطرف
بن الشخير هذا يُعَدُّ تلميذاً لسيدنا ابن عباس، لا أن أُعافى فأشكر أحب إليّ من أن أُبتلى فأصبر، فسألوا سفيان بن عيينة: ما رأيك في كلام مطرف هذا الذي هو يُعتبر أستاذاً ويُعد من طبقة التابعين، فهو أعلى منه مكانةً؟ فقال: والله إن النعمة أفضل عندي من البلية، وعندما أشكر على النعمة يُنعم الله عليّ وأشكر. أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي فَأَصْبِر، أَنَا أُحِبُّ هَذِهِ وَلَيْسَ تِلْكَ. مَا رَأْيُكَ فِي هَذِهِ الحِكَايَةِ؟ فَسَكَتَ وَفَكَّرَ، أَيْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ قَالَ: قَوْلُ مُطَرِّفٍ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنَ القَوْلِ الثَّانِي، ذَلِكَ الَّذِي هُوَ أَنْ أَكُونَ قَدْ رَضِيتُ لِنَفْسِي مَا رَضِيتَ لِي يَا رَبِّ. يَعْنِي أَنْ تَفْعَلَ مَا تَشَاءُ هُوَ أَفْضَلُ أفضل أن تنعم علينا متوكل، فما رأيك، نتوكل أم سفيان يكون النعمة أفضل. فقال: كلام مطرف أحب إلي. فقال الرجل السائل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضي الله له واحد متوكل؟ فقال سفيان: إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان النبي عليه السلام مع العافية التي كان فيها، ووصفه ربه العبد إنه أوّاب، ووجدت صفة أيوب مع البلاء الذي كان فيه
سيدنا أيوب "نعم العبد إنه أوّاب". قال على هذا "نعم العبد إنه أوّاب"، وقال على هذا "نعم العبد إنه أوّاب". فاستوت الصفتان وهذا معافى وهذا مبتلى، يعني هذا في نعمة وهذا في مصيبة، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر. فلما اعتدل أسوق كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر، وهذا موافق لما كان يقول رسول الله: "لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاصبروا". وسمع رجلاً يدعو: "اللهم أنزل علي الصبر"، فقال: "سألته البلاء، إنما اسأله العافية، فإذا نزل البلاء فاسأله الصبر". إذاً الرجل هذا كان حكيماً. يتحدث بالحكمة سفيان بن عيينة، وكان هو بالرغم من
ذلك يستحي أن ينسبها إلى نفسه، كان دائماً يقول: "قال رجل من العلماء". سفيان كان يقول: "قال رجل من العلماء" يقصد نفسه، لا يوجد أحد قال هكذا إلا هو، فكان يستحي أن يقول: "قلت" أو "أنشأت هكذا"، فكان يخفي. نفسه، فكان سفيان دائماً كثيراً في الكتب يقول: "قال رجلٌ من العلماء" ويعني نفسه. "اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة: ترك الطمع فيما بيني وبين الناس، وإخلاص العمل لله عز وجل". إلى آخر ما قال سيدنا سفيان بن عيينة الذي توفي سنة مائة وثمانية وتسعين بمكة ودُفن فيها.
بالحجون وهو جبل بأعلى مكة، اللهم انفعنا به في الدنيا والآخرة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.