طريقنا إلى الله | ح10 | المرسي أبو العباس ج2 | أ.د. علي جمعة

طريقنا إلى الله | ح10 | المرسي أبو العباس ج2 | أ.د. علي جمعة - تصوف, شخصيات إسلامية, طريقنا إلى الله
إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم طريقنا إلى الله طريقنا إلى الله مع فضيلة الدكتور علي جمعة الإعداد والتقديم أحمد بشتو إخراج هيام فاروق مستمعينا الكرام أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الدكتور ختمنا الحلقة الماضية عند خوارق العادات عند أهل الصوفية أو كما اشتهرت عنهم، هل هذه من الأشياء الحقيقية التي يمكن
أن نصدقها؟ أن فلانًا يسير على الماء، أن فلانًا يُرى في أكثر من مكان كما يشتهر عن بعض أبطال الصوفية. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه. ومن والاه، الصوفية هدفها ليس فعل الخوارق، هدفها ليس التباهي بالخوارق، وكل كلامهم في هذا المجال يقول: "وكنا نستحي من الكرامة تظهر على أيدينا". يعني عندما يُبتلى أحدهم بكرامة من الكرامات يخجل كاستحياء البكر من دم حيضها. فالفتاة عندما يداهمها الحيض تخجل وهي
صغيرة لا تعرف ما هو. ما هذا أو هكذا يحدث خجل، فانظر إلى كلام هؤلاء الأكابر. الخوارق تجري على أيديهم ولا يطلبونها، وتجري على يد الضعيف منهم تثبيتاً لهم. للعلم، هو رأى هذا الكون المنظور وغير المنظور. كرامات الأولياء لم ينكرها أهل السنة ولا الفقهاء ولا الصحابة، بل أثبتوها جميعاً. من الإمام البخاري إلى الإمام أبي حنيفة إلى الإمام الشافعي إلى الإمام مالك، أجمعوا على أن الكرامة تحدث، لماذا؟ لأنها حدثت فعلاً، ولكن هذه الكرامة ليست مقياساً
للحق. انظر إلى كلامهم: "إذا رأيت الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فاعرض أمره على الشرع، فإن وافقه فذاك حسن، وإن خالفه..." فهو شيطان، يعني ماذا؟ يعني خوارق العادات يمكن للشيطان أن يفعلها، فليست دليلاً لا على أن هذا الإنسان طيب، ولا على أن هذا الإنسان من أولياء الله، ولا على أن هذا الإنسان مقرب من الله. خوارق العادات يفعلونها إما بحيلة وإما من غير حيلة، ففي النهاية هي ليست مقياساً للحال وما. بما أن الأمر كذلك، فهي تظهر كمسألة كونية تظهر عند
الجميع، تظهر عند البوذيين والهندوس وعند القَبَالة في اليهودية وعند غيرهم. هذه خوارق العادات موجودة حتى أنشؤوا لها قسماً خاصاً لدراستها اسمه الباراسيكولوجي. فإذاً نحن أمام ظاهرة كونية وليست ظاهرة شرعية فقط، لكنها تجري على يد الولي وتجري على يد الشيطان إذاً. فهي مسألة كونية. ماذا عن المرسي أبي العباس في سياق هذه الأفكار؟ المرسي كان يعيش الدائرتين: دائرة الظاهر ودائرة الحقيقة والباطن، دائرة التعامل
مع الناس، دائرة التعامل مع الفقه، ودائرة التعامل مع التصدي. كان يعيش الدائرتين. كان من ضمن أقواله: "الورع من ورعه الله" يعني. هو مسلم أمره لله ويرى نفسه أنه مثلاً ورع لكن ليس الفضل له، بل إن الله هو الذي وفقه ليكون ورعاً. هذا التسليم وهذا الرضا يُحدثان في النفس البشرية تواضعاً، وليس بحول وقوة، بل لا حول ولا قوة إلا بالله. كان يقول: شاركنا الفقهاء في ما هم فيه نحن. رأينا الفقهاء وذهبنا ودرسنا الفقه فأصبحنا
نحن أيضاً فقهاء، ولم يشاركوا فيما نحن فيه من الإخلاص، من العبادة، من التفات لا يصل، من التخلية والتحلية، من الذكر والفكر. فالفقيه منشغل بالتأليف والنقل والضبط والتوثيق وما إلى ذلك. لا بأس، هذا علم وهذا أمر طيب، لكن أين أنت؟ كإنسان لا بد أن تكون في علاقة خاصة بينك وبين الله، فانظر إلى نظرته للدائرتين. نحن شاركنا الفقهاء في ما هم فيه، لكنهم لم يشاركونا في ما نحن فيه. فنحن معنا الدائرتان، وهم ليس معهم الدائرتان، هم معهم دائرة واحدة فقط وهي دائرة الفقه. ونقل ابن عطاء الله
السكندري. طبعاً عن طريق أنه تلميذه، فالتلميذ المرسي قال يوماً: "لو حُجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين". تخيل أنه يعيش برسول الله، رسول الله أمامه طوال النهار، يتمثله وهو حاضر في كل شيء، وهذا يعني ما منحه الله له. كيف سيتمكن من ارتكاب معصية إذا كان يستحضر رسول الله أمامه هكذا؟ كيف سيقصّر؟ إن المرء ليتمنى الموت لو أنه رأى سيدنا رسول الله يمشي على قدميه هكذا، ويقول له: يا رسول الله، مُرني فقط. فتخيل شخصاً يستحضر الرسول بهذا النوع من
الاستحضار الدائم لدرجة... أنه لا يغيب عنه كيف يكون حاله مع الناس ومع الله ومع النفس، لا بد أنه حال قوي وحال عالٍ. وهكذا كان ديدنه جميعاً رضي الله عنه وأجمعين، رضي الله تعالى عنه. في الحلقة المقبلة إن شاء الله نستكمل الحلقة الثالثة من الطور. أهلاً وسهلاً بكم، كنتم مع "طريقنا إلى الله". مع تحيات أحمد بشتو وهيام فاروق