طريقنا إلى الله | ح13 | ياقوت العرش ج1 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم "طريقنا إلى الله" مع فضيلة الدكتور علي جمعة، الإعداد والتقديم أحمد. مرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة. قيل لأحمد بن حنبل إن الصوفية يجلسون في المساجد على سبيل التوكل، فقال: "العلم أجلسهم"، فقيل له... إنه ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة، فقال:
"لا أعلم على وجه الأرض أقواماً أفضل منهم". فقيل له: "إنهم يستمعون ويتواجدون". فقال: "دعوهم يفرحون مع الله ساعة". مستشفى الإسلام، مستشفى الإسلام. أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة في البرنامج الذي نشرف بوجودنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة. عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الدكتور: كبار مشايخ الصوفية ورموزها لم يتركوا آثارًا كثيرة مكتوبة كما فعل ابن هطة إلياس كندري. لماذا؟ يعني لماذا نُقِلَت فقط أقوالهم تواردًا وتواترًا من شخص إلى شخص؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كانوا يرون أن تربية
التلاميذ في مقام الكتب وأنهم لا يتركون كتاباً مكتوباً على الورق وإنما يتركون إنساناً يسعى على قدميه، يسجد لرب العالمين ويعلّم الناس أمور دينها. وكان عندما يُسأل أحدهم: "أين كتبك؟" يشير إلى تلاميذه ومريديه ومن رباهم على التقوى ويقول: "هؤلاء كتبي". فكان هذا الأمر كأنه منهج. عملي سلوكي واقعي يهتم بعمارة الدنيا وبتعليم الناس أكثر مما يهتم بتسجيل العلم. السبب الآخر هو أنهم كان لديهم اكتفاء، أي أنهم اكتفوا بما قد أُلِّف مثل إحياء علوم الدين وقوت القلوب والرسالة
القشيرية وغيرها. كان لديهم هذا التوجه، وهذا التوجه عندما يأتي للإنسان يكون لديه همة في التربية. أكثر من همتهم في التعليم أي في تسجيل التعليم، لكنهم كانوا علماء وكانوا فقهاء وكانوا سالكين إلى الله سبحانه وتعالى، ويرون أن المجهود الأكبر يكون في أمرين: في تربية أولادهم - والتربية أمر صعب جداً - وتغيير الإنسان، تلك الغابة المتشابكة من المشاعر ومن الرغبات ومن الشهوات ومن الإرادات، أمر صعب. جداً لكن كانوا يهتمون بهذا ويهتمون أيضاً بخدمة الناس، فكانوا يطعمون الطعام على حبه، وكانوا يبذلون الخدمة الاجتماعية.
أو العمل الأهلي الذي نتحدث عنه كان جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، فكل واحد منهم كان يقدم نفسه كمثال للمجتمع بالإضافة إلى عمله مع تلاميذه بالطبع، ولذلك أحبهم العلماء، ولذلك بعد القرن. في القرن الثامن الهجري بدأ العلماء يدخلون أفواجاً في التصوف، ولهذا أيضاً ربما كان علماء التصوف ومشايخه في المقدمة التي أتاحت للآخرين في البلاد التي فُتحت وفتحها الإسلام أن يفهموا الإسلام ويدخلوا فيه أفواجاً. كثير من أهل الصوفية دخلوا الإسلام من غير قتال وحرب وما إلى ذلك، وكل أفريقيا دخلها الإسلام بهذه الطريقة. عن طريق التصوف كل شرق آسيا وجنوب آسيا كلها دخلها الإسلام من غير
قتال ونزاع وما إلى ذلك، فأغلب المسلمين دخلوا الإسلام ولم يروا قط القتال ولم يروا سيفاً أصلاً، إنما كان جهادهم محكوماً بما أخرجه البيهقي في الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رجع مرة فقال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس. فضيلة الدكتور ياقوت العرشي لا يُسمع عنه كثيراً، لكنه يحتل مكانة كبيرة بين علماء التصوف هنا في مصر. ما قصته؟ قصته أنه رجل حبشي، وُلِد ياقوت رضي الله تعالى عنه في بلاد الحبشة سنة ستمائة وسبعة وعشرين للهجرة.
مائة سبعة وعشرين، هذا يعني أنه متقدم في السن. وكان بعد ذلك عندما وصل إلى المرسي ابن أبي العباس، كان من كبار تلاميذه حتى أنه تزوج ابنة المرسي أبي العباس، كما أن المرسي أبا العباس تزوج ابنة أبي الحسن الشاذلي. وإن ياقوت العرشي كان أسمر اللون جداً، لكن كان وجهه منيراً وكان... يحب الناس أن تنظر إلى وجهه، فلما أتى ياقوت العرشي إلى أبي العباس لازمه وخدمه وصار من كبار أتباعه حتى أنه دُفن معه أيضاً. يعني عندما تذهب لزيارة سيدي
المرسي أبي العباس في الإسكندرية، ستجد مجموعة من العلماء في نفس المنطقة، منهم الإمام البوصيري صاحب البردة. المديح منهم الإمام ياقوت العرشي وكثير من العلماء منهم الإمام ابن الحاجب الأصولي اللغوي الفقيه المالكي المتبحر المتفنن رضي الله تعالى عن الجميع وهي سلسلة لا تنقطع. وسنكمل في الحلقة القادمة حكاية ياقوت العرشي إن شاء الله. كنتم مع "طريقنا إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو
وهيان فاروق.