طريقنا إلى الله | ح17 | السيد أحمد البدوي ج1 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم طريقنا إلى الله، طريقنا إلى الله مع فضيلة الدكتور علي جمعة. الإعداد والتقديم أحمد بشتو، إخراج هيام فاروق. مستمعينا الكرام، أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة التي نشرف بوجودنا فيها مع فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء. فضيلة الدكتور، لم يكن علماء... لم يكن التصوف مقتصراً على الاهتمام بالدراسة والدعوة وتربية الناس، وإنما كان للمتصوفة دور تاريخي
كبير في الأحداث التي عاصروها. فالسيد أحمد البدوي مولانا كان فاعلاً كبيراً في الكفاح ضد الحملات الصليبية في عصره، وربما دعا تلاميذه إلى الكفاح، وربما نظمهم أيضاً. نتحدث عن هذه الحالة في حياة الصوفي، وربما هناك أمثلة أخرى. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اتخذ الصوفية من الجهاد ديدناً لهم، لم يكن هناك جهاد إلا وقد رأيت الصوفية في مقدمة الصفوف. لماذا؟ لأن الصوفي جاد بنفسه إلى ربه، فسهل عليه أن يضحي بنفسه سهولة لا يتصورها الآخرون.
حتى كبار العسكريين، الصوفي محبٌ للقاء ربه وإلا لا يكون صوفياً، فهو يتمنى أن يستشهد في المعركة أكثر مما يتمنى أن يرجع سالماً. المجاهد في سبيل الله يخرج على الاحتمالين: إما النصر وإما الشهادة، ولكن الصوفي يتمنى الشهادة ويميل إليها من شدة شوقه إلى ربه ومن شدة معرفته بفناء الدنيا. وبانت في أيدينا وليست في قلوبنا، وظهر أن الشهيد حبيب الرحمن، فإذا التصوف في ذاته حيث يعبد الإنسان ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو يراه،
أقرب إلى الجهاد وإلى مفهوم الجهاد أن يجود الإنسان بنفسه. هذا أمر في غاية الرقي والفهم أن يكون هذا الجود منه من... من أجل حماية الديانة وحماية الأعراض وحماية الأملاك، ويكون من أجل قضية يؤمن بها ويرجو ثواب ربه عند جهاده، فهذا أيضاً من أسس التصوف. فالصوفية بطبعهم وبعقيدتهم وبحالهم مجاهدون، إنهم لا يخافون. والقصص الكثيرة التي تُحكى فيها عن أولياء الله الصالحين وعن
أنهم جوّعوا أسداً وألقوا واحداً من أولياء الله الصالحين [إليه]. فنظر إليه الأسد هكذا، فذهب جارياً خائفاً منه، فقام بالمشي وراء الأسد وربت عليه. يظن الناس أن هذا كأنه سيرك أو كأنه شيء خرافي، لا، إن اليقين بالله الذي عند الصوفية يجعله على حافة الحياة، أي ذلك الشعور العسكري الذي يتحدث عنه العسكريون أنهم يشعرون أنهم على حافة الموت. يا إما النصر يا إما الشهادة، وهكذا كان أبطال أكتوبر عندنا. يقول لك: "أنا رأيته بطائرته وهو يدخل على العدو"، يعني يعرف أنه سيموت، ولكن الموت عنده له
غاية، له معنى. ليس هو نوع من التدمير بقدر ما هو نوع من التعمير. فهكذا دائماً كان الصوفية، وربما يؤخذ على... الصوفية أو إن الصورة النمطية فيها مقولة عن الصوفية أنهم العلماء جالسون في أماكن يدعون إلى الله ويدرّسون مع أتباعهم وفقط. كان منهم بالتأكيد من يعمل في التجارة أو في الصناعة وغيرها. سأقول لحضرتك ما حدث في القدس الشريف: ابن المظفر السمعاني يتحدث عن أن العلماء الذين هم ما... لم يكونوا يتقنون حمل السلاح ولا لهم في الجهاد، كانوا يذهبون إلى المسجد الأقصى وهو
محتل من العدو، يجلسون يكتبون كتبهم هناك. وكانوا منظمين جدولاً بحيث أن الإمام الغزالي يذهب لكي يكتب "إحياء علوم الدين" هناك، وما زال إلى يومنا هذا معروفاً المكان الذي كان يجلس فيه الإمام الغزالي للكتابة. إحياء علوم الدين أنه يكتب إحياء علوم الدين في وسط العدو حتى يشعر ذلك العدو أن هذا المكان ليس له وأنه ما زال محتلاً حتى لو لم أقاتله لأنني لا أعرف فنون القتال لكنه جهاد. فكانوا يوزعون أنفسهم العلماء ومنهم الصوفية مثل الإمام الغزالي، يوزعون أنفسهم كل واحد يذهب شهراً. فبعد مرور سنة،
وجدوا أن الغزالي ظهر لهم مرة ثانية لأن جدوله أتى. فهذا كان حال الصوفية ولا يزال. ربما المثال الذي نستمع إليه من فضيلتك الآن عن الشيخ أحمد البدوي كان يقرر ويؤكد ما تفضلت به فضيلتك. هو السيد شهاب الدين، فكل واحد اسمه أحمد كنا نسميه. شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني وهو أحد الأقطاب المشهورين الذين أثروا في التصوف الإسلامي إلى يومنا هذا. ومن أجل اشتغاله بشيء من الجهاد سُمِّيَ وكُنِّيَ بأبي الفتيان، أي أبو الفتيان، وجمعه فتى، والفتى
مشتق من الفتوة والقوة والهمة العالية. وعُرف بالبدوي لأنه كان في أثناء... ارتدائه للعمامة، وعمامته موجودة في ضريحه إلى الآن في طنطا. في طنطا العمامة التي كان يلبسها، فلها شيء يسمونه العذبة. هذه العذبة كان يتلثم بها، حيث كان من عادات المقاتلين أن يتلثموا في الحرب حتى لا يعرف العدو من هذا، هل هو القائد أم هو جندي أم هو مهم. هل هو غير مهم؟ فكان هذا التخفي نوعاً من أنواع فنون القتال. وكانت كل هذه مرشحات لأنه عمل بالجهال، وأنه
سُمي باب الفتيان، وأنه كان ملثم الواجب. هذه القصة شيقة جداً فضيلة الدكتور، نستمع إليها ونكملها إن شاء الله في الحلقة المقبلة إن شاء الله. كنتم مع "طريقنا إلى الله". مع تحيات أحمد بشتو وهيام فاروق