طريقنا إلى الله | ح2 | ذو النون المصري ج2 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم طريقنا إلى الله، طريقنا إلى الله مع فضيلة الدكتور علي جمعة، الإعداد والتقديم أحمد بشتو، إخراج هيام فاروق. مستمعينا الكرام، أهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة. قيل لأحمد بن حنبل إن صوفية يجلسون في المساجد على سبيل التوكل، قال: العلم أجلسهم. فقيل له إنه ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة
خبز وخرقة. فقال: "لا أعلم على وجه الأرض أقواماً أفضل منهم". فقيل له: "إنهم يستمعون". (الوصري) كأحد أعلام التصوف في مصر وفي التاريخ الصوفي الإسلامي. فضيلة الدكتور، كيف كان هذا الرجل بتأثيره الكبير على الفكر الصوفي في بداياته في مصر؟ بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ذكرنا في حلقة سابقة أن ذا النون المصري كان اسمه ثوبان، وثوبان كان أحد
خدام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المصريون يحبون أن يستعملوا هذه الأعلام والألفاظ للدلالة على أبنائهم أو لتسميتهم، فذو النون كان اسمه ثوبان. وُلِدَ في المائة والخمسين كما ذكرنا، وكان فصيحَ اللغة والفكر، ووجّهني لعمله مرة واحدة. ولذلك أول ما كانوا يتعلمون كانوا يتعلمون اللغة، وهذا مكّنهم من أداءٍ ممتازٍ لما يشعرون به ولما يختلج في صدورهم. كان مهتماً جداً بالشعر وبالحكمة،
وكان أول من تكلم من أهل مصر في المقامات: مقام الرضا ومقام التسليم. مقام التوكل ومقام التوبة ومقام اليقظة ومقام المقامات التي تحدث فيها الصوفية، كان أول من التفت إليها بعد ذلك الصوفية، ووصلوا إلى ألف ومقام واحد. لكن من بدأ هذه المقامات هو ذو النون المصري، فقد كان من أوائل من تحدثوا في مقامات أهل التصوف وأصحاب السلوك والطريق إلى الله. سبحانه وتعالى كان ينظر وكان يحلل وكان يتأمل ويصدر من هذا التأمل ما أصبح بعد ذلك من قواعد الصوفية. كان يقول: "تُنال
المعرفة بثلاث". هذه التقسيمة التي يقول لك كذا بثلاثة أو بأربعة أو بكذا، معناها أنه يفكر، ومعناها أنه تعمق في كيفية تحصيل المعرفة بالنظر في الأمور وكيف دبّرها. النقطة الأولى وفي المقادير كيف قدَّرها، وابتدأنا أن نصوغ هذه الثلاثة بطريقة قابلة للحفظ، قابلة لأن تكون كأنها موزونة، كأن فيها سجعاً حتى تكون أسهل في الحفظ. يعني إذا كان هو أيضاً يراعي أن هذا سوف يُنقل لمن بعده، لكنه يريد أن
يكون ذلك بصورة لافتة. للنظر كان مالكًا لناصية اللغة، النظر في الأمور كيف دبّرها، وفي المقادير كيف قدّرها، وفي الخلائق كيف خلقها. فهذا يدلنا على كيفية تفكير ذي النون الذي هو أحد رواة الموطأ كما ذكرنا. إذًا العلم، ولكن أيضًا الفكر، ولكن أيضًا الرغبة في تعليم من بعده هذه المقامات، كان من لطيف كلامه. يقول إن الأنس بالله من صفاء القلب مع الله،
ويكون عندما يجعل الإنسان الأنس بالله هدفاً له. ثم يتساءل كيف نصل إلى هذا الهدف. هذا هو التصور الذي سُمّي به البرنامج العبادي للصوفية بالطريق. كان هناك طريق نهايته الله، وهو يسير في هذا الطريق. الأنس بالله هو هدفي، كيف أصل إليه؟ ما الطريق إليه؟ صفاء القلب مع الله. يقول من لطيف كلامه: "لم أرَ شيئاً أبعث بطلبي الإخلاص من الوحدة". إنه يدعو إلى قلة الاختلاط بالناس. بعد ذلك عبروا عنها بهذه الوحدة التي يأمرنا الله سبحانه وتعالى بها في قضية الاعتكاف. لقد
أعطانا الله فرصة لهذه الوحدة أن يعيش الإنسان وحده مستأنساً. بالله سبحانه وتعالى، هذا الذي نراه في حياة رسول الله عندما كان يتزود ليذهب إلى غار حراء فيتعبد الليالي ذوات العدد، وينزل فيأخذ مثلها. يأخذ من الزاد مثل ما كان. لو مكث مثلاً مع الزاد خمسة أو ستة أيام، يقوم فينزل ليأخذ خمسة أو ستة أيام أخرى. الاعتكاف والخلوة التي علمنا إياها. رسول الله فيها قضية قلة النوم فيعطي الإنسان نفسه فرصة للتأمل والتعبد والصفاء والإخلاص والمناجاة والدعاء والذكر، ويبدأ الإنسان في حالة روحية يشحن
بها، ويدخل مرة أخرى إلى العالم. يرجع مرة أخرى إلى مقتضيات الحياة لكنه يرجع إنساناً مختلفاً كأنه حصل على الشحنة الإيمانية ثم عاد إلى حياته. مرة أخرى نعم، وهذا هو الذي ميّز رمضان أن الناس تأخذ شحنة إيمانية قد تكفيهم لعام. فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، نستكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله مع رمز آخر من رموز الصوفية. أهلاً وسهلاً بكم،
كنتم مع "طريقنا إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق.