طريقنا إلى الله | ح20 | السيد أحمد البدوي ج4 | أ.د. علي جمعة

طريقنا إلى الله | ح20 | السيد أحمد البدوي ج4 | أ.د. علي جمعة - تصوف, شخصيات إسلامية, طريقنا إلى الله
إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم "طريقنا إلى الله"... "طريقنا إلى الله" مع فضيلة الدكتور علي جمعة. الإعداد والتقديم: أحمد بشتو، إخراج: هيام فاروق. مستمعينا الكرام، أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا وضيفكم الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء. فضيلة الدكتور، في الحلقة الماضية بدأنا الحديث... عن جهاد السيد البدوي ودوره في المقاومة ضد المحتل الصليبي، وربما ما زال في
الذاكرة الشعبية المصرية "الله الله يا بدوي جابي الأسرى". إلى هذا الحد كان الصوفي الكبير متماهياً مع قضايا وطنه ومؤثراً في ذهن شعبه وتاريخه حتى اليوم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. الله وآله وصحبه ومن والاه، الإمام أحمد البدوي كان مثالاً للجهاديْن جهاد السلاح وجهاد الفلاح. جهاد السلاح كان بموعظة الجيوش في الوقوف ضد الحملات الصليبية وفي الآداب التي تحدث بعد النصر، لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجعنا من الجهاد الأصغر
إلى الجهاد الأكبر". الأكبر إلا وهو جهاد النفس. هذه نفسية لا يعرفها إلا المقاتل. فالمقاتل عندما يعود منتصراً فإن نفسه تحدثه بأنه أعلى ممن حوله من الناس، وهنا مكمن الخطر، لأنه سيتحول من قائد شريف عسكري إلى شخص يظلم الناس أو يمارس قوته التي كانت سبباً في نصره على العدو ضد جيرانه. ومن حوله قد يأخذه الغرور، يأخذه الغرور، فالنبي
يحذره كل الحذر، ويلفته إلى جهاد آخر، الجهاد الأصغر. هذه الروح نحاربها، حاربنا شهراً، حاربنا شهرين، تنتهي المعارك. أما الجهاد الأكبر فطوال حياتك وأنت تمسك نفسك عن أن توقع الضرر بغيرك لأنك أقوى منه، لأنك متدرب وهو غير متدرب، فتمسك نفسك. إلا أن ظلم الناس جهاد أكبر لأنه يستغرق العمر كله. هذا المعنى كان واضحاً عند سيدي أحمد الجذبة، علمهم كجنود وعلمهم أن بالإخلاص ينتصرون.
لكن أيضاً جهاد السلاح لم يكن ضد الصليبيين فقط أو ضد هذا، بل كان ضد قطاع الطرق أيضاً، لأنه كان في ذلك الوقت عصابات قطع الطريق وصلت إلى... منتهاها الدنيا فيها حروب ولا أحد متفرغ في الأمن الداخلي، كلنا نراقب الأمن الخارجي لكي نصد العدوان عن البلاد والعباد. فكوّن فرقاً للقضاء على قطاع الطرق، وأيضاً لم يكتفِ بجهاد السلاح بل بجهاد الفلاح وهو كراماته وأخلاقه مع هؤلاء القطاع، كان يحول هؤلاء القطاع
من قطاع طرق إلى عباد بالموعظة الحسنة. بالدعاء والكلمة الطيبة واستيعابهم واحتوائهم، لكن في النهاية هو منتبه للأمن الداخلي، يعني يرعى المقاومة الشعبية كعسكري على الجبهة ويرعى المقاومة الداخلية لحفظ الأمن الداخلي. فهذا جهاد السلاح وجهاد الفلاح كان متمثلاً في سيدي أحمد بن كيف جيّش الناس وجيّش الشعب ليكونوا جنوداً على الجبهة ضد المحتل الصليبيين. مَن رأى ليس كمن سمع، لو أنك تخيلت أنك تعيش في هذا الجو. هذا الرجل كان موفقاً وكان
مؤيداً من الله، فكان الله سبحانه وتعالى قد أعطاه قدرة أبهرت الناس في الموعظة وفي التأثير الفوري على العُصاة. يعني عندما كان يكلم أحداً من المهاجمين عليه من عدو أو من قُطّاع الطريق. ترى أنه سلّم نفسه وترك سلاحه واتبع ما هذا. هذا كرم من عند الله الذي نسميه الكرامة والتي جاءت فيها الأغنية "يا بدوي جاب الأسرة". يعني توجد أسرة فعلاً ظهرت وجاءت من الغرب، وحكوا أنهم وجدوا أنفسهم وقد ركبوا
البحر وما إلى ذلك، وجاءوا من ماذا؟ من الدعاء الذي كان. يدعوه السيد البدوي، فجاء الأصل من بلاد الفرنج. كان يُغيث الناس من قطاع الطريق. كثُر خلفاؤه وأولاده ومن تربوا على طريقته، وانتشروا في البلاد وتوزعوا في الأنصار. كان منهم وأشهرهم سيدي عبد العال، وعبد العال تلميذ أحمد البدوي. منهم سيدي عبد المجيد، ومنهم سيدي عبد الوهاب الذي شهد له العلماء بالولاية. وإنه رجل صالح، وكان مرة قاضٍ من قضاة الدجالين كان اسمه ابن دقيق العيد. فابن دقيق العيد قال: "ما هذه
الحكايات التي تُروى عن هذا الرجل؟ إنها حكايات عجيبة غريبة تشبه الخيال"، فرتب له أسئلة وذهب إليه وقال له: "نحن نريد أيضاً أن نتأكد أنك رجل تعرف شيئاً، لكن لا تخدعنا". على الناس ألا تكون محتالاً وقدم له هذه الأسئلة حتى يجيب على أسئلة علمية فقهية حديثية لا يجيب عنها إلا عالم متخصص أو شخص قد درس. أما إذا كان رجلاً طيباً متديناً بسيطاً فلا يستطيع أن يجيب عنها لأنها كانت عميقة وتحتوي على تعريفات وحدود وأحكام. وفيها هيئة متكاملة فأجاب عنها كلها بما أبهر ابن دقيق العيد نفسه، قال له: "لا، هذا
كلام لا يصدر إلا عن عالم علامة، بحر فهامة"، فأقروا له بالولاية. لهذا جمعَ بين الفقه والجهاد، بين الحسنيين، بين الحسنيين. أشكرك جزيل الشكر لضيفنا الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء. وفي الحلقة المقبلة يتجدد اللقاء إن شاء الله، إن شاء الله كنتم مع "طريقنا إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق، شكراً.