طريقنا إلى الله | ح22 | السلطان الحنفي ج2 | أ.د. علي جمعة

طريقنا إلى الله | ح22 | السلطان الحنفي ج2 | أ.د. علي جمعة - تصوف, شخصيات إسلامية, طريقنا إلى الله
إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم "طريقنا إلى الله"، "طريقنا إلى الله" مع فضيلة الدكتور علي جمعة. الإعداد والتقديم: أحمد بشتو. إخراج: هيام فاروق. أساتذتي الكرام، أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة التي نطوف فيها مع ضيفنا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، بين شموس الصوفية في... مصر فضيلة الدكتور توقفنا في الحلقة الماضية عند بداياتنا في حكاية السلطان الحنفي، أرجو
أن تتفضل بالاستكمال. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلطان الحنفي هو شمس الدين محمد بن الحسن، وكان من نسل سيدنا أبي بكر الصديق، فكان صديقياً. وكانت هذه العائلات والأنساب محفوظة وواضحة المعالم حينذاك، إذ كان هناك من أبناء سيدنا عمر عائلات كبيرة ومن سيدنا أبي بكر عائلات كبيرة وما زالوا موجودين الآن. وكل هؤلاء الذين جاءوا مع الفتح الإسلامي، بعضهم جاء في وقت الفتح نفسه وبعضهم جاء بعد ذلك، لكن على كل حال أنسابهم محفوظة لأن... بعضهم ورد إلينا من الشام، وبعضهم ورد
إلينا من العراق، وبعضهم ورد إلينا من الحجاز، وليس دائماً مع الفتح الإسلامي، وإنما بعد الفتح الإسلامي جاءت كل هذه العائلات إلى أم البلاد وغوث العباد كما قال عنها سيدنا النبي. الشمس الحنفي محمد بن الحسن وُلِدَ سنة سبعمائة وخمسة وسبعين، أي... في الربع الأخير من القرن الثامن الهجري ذهب إلى الكُتّاب لتعليم الأولاد حفظ القرآن، وكان حفظ القرآن يُصحح لغتهم فيُصحح تفكيرهم فيُصحح عقيدتهم فيُصحح مسيرتهم في الحياة. هذه الخطة التي اتخذها المسلمون عامة والمصريون خاصة،
وجدنا زميله في نفس المكتب ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في... الحديث وهذا يدل على ما أشرنا إليه قبل ذلك أن الشمس الحنفي يمثل عندنا قمة من قمم التصوف. الشمس بعد أن تلقى ما يناسب من العلوم ابتدأ يبيع الكتب. كان بيع الكتب جزءاً لا يتجزأ من حمل المعرفة، فأن تنسخ الكتاب بيدك وتكون ناسخاً كاتباً، إذاً فأنت متصل مع أهل. العلم أن تبيع الكتاب، وأن تكون أمين مكتبة، وأن تؤلف الكتاب،
كان كل هؤلاء يقولون: "دعه يدخل الجنة". في الكتاب عشرة ومنهم بائع الكتاب، فكان الشمس الحنفي يبيع الكتب حباً في العلم وطلباً لمزيد من المعرفة. طبعاً، كتب العالم تحتل مساحة ضخمة من الكتب لا تحتلها غيرها. لأنه ترد إليه الكتب فيقرأها ثم يبيعها ولا تُخزن عنده ولا تحتاج إلى مكان، لكن في الوقت نفسه هو لديه اطلاع عليها من كثرة سؤال طلبة العلم عنها ومن معرفته الشخصية بها. جاء أحد أولياء الله الصالحين وقال له: "هل هذا مكانك أن تبيع وتشتري وتهتم بالأمتعة" وما إلى ذلك. مكانك العبادة، وقع هذا الكلام في
قلبه وكأن الله سبحانه وتعالى أرسل إليه هذا الشخص لإرشاده، فدخل في خلوة طويلة، وبعد أن ترقى في هذه الخلوة مع نفسه وفي أذكاره، رأى الرؤى الكثيرة التي تأمره أن يعود إلى الناس للنفع ولعمارة الدنيا ولتعليم الخلق وليخرجهم مما هم فيه. من تعب ونكد وكدر شؤون الدنيا إلى نور الهداية ونور الذكر ونور التصوف، فنزل إذًا هذا الرجل الذي كان عاملاً وكان عابداً وكان عالماً،
وليس عالماً فقط ولا عالماً عاملاً فقط ولا عابداً فقط، بل هو هذا المجموع بكله. نزل الشمس الحنفي لمواجهة الناس، فألقى الله محبته في القلوب كلها. الناس يحبونه ولا يعرفون لماذا يحبونه، الذي له علاقة والذي ليس له علاقة، ما شاء الله، لدرجة أنه كان السلطان في زمنه يقول: "أتمنى لو أمرني أن أمثل بين يديه، يعطيني موعدًا فقط لكي آتي وأجلس بين يدي السلطان الحنفي، يعظني، يدعو لي، يرشدني"، يعني يفعل هكذا هو نفسه. أصبح من عند الله، من عندما ذُكر سُمي سلطاناً، ولذلك سُمي
سلطاناً لأنه كانت له الكلمة العليا على كل موظفي الدولة بما فيهم السلطان الكبير حاكم البلاد. يعني كان السلطان الحنفي له شفاعة فالله إن هو تشفع لأحدهم أو طلب منه طلباً لمصلحة الناس ونحو ذلك في هذا الأمر. كان الوقت حين المماليك لم يبلغوا ذروة طغيانهم بعد، ولكن بالرغم من أنهم لم يكونوا قد تجاوزوا الحد، كانوا يُجلّون العلماء كثيراً. وقد رأينا قبل ذلك في القرن السابق كيف أن سلطان العلماء العز بن عبد السلام أرسل إلى السلاطين فامتثلوا، وقالوا له: "إذا كان الشرع هكذا، فسنعرض المماليك للبيع كي يُعتقوا". ثم يولون السلطان ثم يرجعون مرة ثانية أحراراً قابلين
شرعاً للولاية. السلطان الحنفي كانت له كلمة على الجميع، على العوام وعلى السلطان وعلى عموم الناس. وهذه حكاية شيقة أيضاً نستكملها فضيلة الدكتور في الحلقة القادمة إن شاء الله. كنتم مع "طريقنا إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو. هيام فاروق