طريقنا إلى الله | ح4 | آبو الحجاج الأقصري ج2 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم طريقنا إلى الله، طريقنا إلى الله مع فضيلة الدكتور علي جمعة، الإعداد والتقديم أحمد بشتو، إخراج هيام فاروق. مستمعينا الكرام، أهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة. قيل لأحمد بن حنبل إن صوفية يجلسون في المساجد على سبيل التوكل، قال: العلم أجلسهم. فقيل له إنه... ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز
وخرقة، فقال: "لا أعلم على وجه الأرض أقواماً أفضل منهم". فقيل له: "إنهم يستمعون ويتواجدون". فقال: "دعوهم يفرحون مع الله ساعة". أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء. فضيلة الدكتور، كنا نتحدث في الحلقة... الماضية عن أبي الحجاج الأقصري، والآن نستكمل مناقب هذا القطب الكبير من أقطاب الصوفية. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الإمام أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحيم الأقصري، وينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه
وأرضاه، ذهب في رحلةٌ طويلةٌ من بغداد إلى الحجاز ثم إلى مصر وولاية الإسكندرية، وتقلَّب به الشأن حتى مال قلبه إلى الصعيد في قصصٍ كثيرةٍ حول هذا المعنى. لكنه في النهاية ذهب إلى الصعيد واختار مسجده على تلّة، واشتغل بإرشاد الناس حتى أصبح مسجده منارةً للعلم والتعليم والإرشاد والتربية الروحية وإصلاح النفوس. والأخذ بناصيتها نحو ربها سبحانه وتعالى، لم يكتفِ الشيخ بذلك، بل كانت له جولات
في أنحاء مصر نشر فيها معارف التصوف في القرن السادس الهجري. من شيوخه الولي الكبير عبد الرحيم القنائي ساكن قنا، وضريحه في قنا يُزار. ولعلنا نتمكن من الكلام عن سيدي عبد الرحيم، سنخصص له بالتأكيد وقتاً. مهما تعلّم من شيوخه أيضاً حبيب العجمي من شيوخه، والشيخ عبد الرزاق الجازولي. الشيخ عبد الرزاق الجازولي يمثل قيمة كبيرة في حياة أبي الحجاج، وتربى على يديه تربية واسعة، وأثر في نفسيته تأثيراً كان دائماً يذكره سيدي أبو الحجاج. حصل له الخير
مع هذا الرجل الكبير. هؤلاء... من مشايخه حبيب العجم والجزولي وأمثال هؤلاء، لكن من تلاميذه ومريديه ابن له كان اسمه الشيخ أبو الطاهر إسماعيل. الشيخ إسماعيل وهو ابنه كان من كبار مريديه وتلاميذه. كان الشيخ علي بن بدران والشيخ إبراهيم الفاوي والبدر الدمشقي وغيرهم من أكابر أهل الطريق يتتلمذون على أبي الحجاج الأقصري. يتبين هذا. لنا أن هؤلاء أهل علم وأن هؤلاء أهل التزام بالكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الجنيد وهو مدفون في بغداد، الجنيد. ولكن هؤلاء
الناس دخلوا هذا الطريق عن علم وبالعلم وللعلم، وكانت لهم شيوخ ولهم تلاميذ، كانت لهم حلقات للدروس، كانت لهم حلقات للوعظ، كانت لهم حلقات للذكر ولختم القرآن. كانوا يعيشون حياة متوازنة بين الحياة الروحية ومقتضيات الحياة المختلفة لأن هدف هذا الكون كما قسَّمه ربنا "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". لكن أيضاً مع هذه العبادة ومن خلال هذه العبادة عمارة الأرض، "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" يعني طلب منكم عمارتها "إني جاعل في الأرض خليفة" قالوا "أتجعل". فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن
نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون. فالله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى العبادة جعل أيضاً من مهام الإنسان في الأرض العمارة، وجعل أيضاً من خلال هذه العبادة التزكية، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، هؤلاء الأولياء. ومنهم أبو الحجاج، كانوا يعملون على العمارة وعلى التزكية، فأرادوا أن ينقلوا إلى الناس هذا المفهوم. من كلماته رضي الله تعالى عنه: "لا يقدح عدم الاجتماع بالشيخ في محبته". كان مشايخنا دائماً يقولون لنا: "أنتم الحياة ستأخذكم وستبعدكم،
اجعلوا قلوبكم على قلوب بعضكم". فالرجل يقول: دعوا مسألة أنه يجب عليك أن ترى. الشيخ وإلا يكون الشيخ لا يحبك، لا، إن الشيخ يحبك وأحببتم بعضكم بعضاً حتى لو لم تروا بعضكم بعضاً. اجعلوا قلوبكم متصلة بقلوب بعضكم، فإننا نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب التابعين ولم نرهم، فهذا إذاً تعليم للناس حقيقة من حقائق الدنيا أننا سوف ننشغل ومع هذا الانشغال. فقلوبنا يجب أن تميل بعضها إلى بعض. من مواقفه التعليمية للمريدين عندما سُئل: "مَن شيخك؟" أراد أن يعلمه فقال: "شيخي أبو جعران". أبو
جعران الذي هو الجعران المعروف، الذي يُسمى الجعران هذا شيخي. يعني ليس هذا سؤالًا لائقًا. فظنوا أنه يمزح، فقال: "لست أمزح". فقيل له: "كيف؟" قال: "كنت ليلة..." من ليالي الشتاء سَهِرْتُ وإذا بجُعران يصعد منارة السراج، يصعد ويرتقي هكذا إلى المصباح فينزلق لكونها ملساء. عندما يصعد لا يجد شيئاً يتشبث به، فيسقط ثانيةً، ثم يعود محاولاً الصعود مرة أخرى. فأحصيت عليه في تلك الليلة سبعمائة انزلاق، سبعمائة انزلاق، سبعمائة محاولة صعود.
مائة محاولة وهو غير راضٍ أن ييأس أو يسكت في هذا، ثم يرجع بعدها ولا يكل. فتعجبت في نفسي، فخرجت إلى صلاة الصبح ثم رجعت فإذا هو جالس فوق المنارة، نجح بجانب الفتيلة. فأخذت من ذلك ما أخذت، أي تعلمت من ذلك الثبات مع الجد والمثابرة في الطريق. فانظر إلى... هذا الرجل الذي ينظر إلى كون الله وخلقه ويتعلم منه ويعلم الناس، وهكذا كانت المناقشة. أشكرك يا فضيلة الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، وغداً إن شاء الله نستكمل اللقاء. إن شاء الله كنتم مع "طريقنا
إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق.