طريقنا إلى الله | ح5 | عبدالرحيم القنائي ج1 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم "طريقنا إلى الله"، "طريقنا إلى الله" مع فضيلة الدكتور علي جمعة، الإعداد والتقديم أحمد بشتو، إخراج هيام فاروق. مستمعينا الكرام، أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا الذي نشرف بصحبته فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء. فضيلة الدكتور، لماذا... يؤخذ دائماً على الصوفية أنهم منقطعون عن الدنيا ملتزمون بخلواتهم بمساجدهم وفقط.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مرّ على أولياء التصوف الانكفاف عن الناس، فلم يكن هذا شائعاً وعاماً فيهم، بل كان بعضهم على هذه الهيئة فأرادوا أن يتخلصوا. من ضجيج المدينة ويستأنسون بالوحدة والخلوة مع الله سبحانه وتعالى، فخرج عليهم هذا الكلام أو تلك الصفة. كان عندنا في التاريخ شخص اسمه شيبان الراعي. شيبان الراعي هذا أخذ غنيماته وذهب إلى الجبل يرعى تلك
الأغنام، لكن من كبار أهل الصوفية محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة، قيل... قالوا له: ألا تؤلف لنا كتاباً في الزهد؟ فألف لهم كتاباً في البيوع على العكس، وقال لهم: ألفت لكم كتاباً في الزهد. قالوا: بل هذا في أحكام البيع والشراء والبيوع! يعني قال: الصوفي من اتبع الحلال والحرام في مأكله، ولا يكون ذلك إلا بالبيع الصحيح، فإذا فعل ذلك فهو الصوفي. الزاهد والصوفي الذي يأكل الحلال فقط واصل قطب، أطعم طعامك
تكن مستجاب الدعاء. هذا الكلام نجده عند ابن جماعة الهواري، قالوا له: اكتب لنا، الله يحفظك، بعد محمد بن الحسن، الذي كان في القرن الثاني الهجري. ابن جماعة الهواري في القرن السابع أو الثامن، فاكتب لنا كتابًا في التصوف، فألّف. لهم كتاباً في البيوع وكان مالكياً ابن جماعة الهواري. فيقول ابن مخلوف في شجرة النور الزكية: وعلى كل من أراد طريق الله أن يقرأ كتابه، ألّفه لكي يوضح له الحلال والحرام حتى يلتزم به، فيكون بذلك صوفياً حقاً. هؤلاء هم الصوفية،
فإذا هذا الذي أخذ شيبان الراعي كمثال فعممه، فالتعميم خطيئة. سر هذه الإشاعات أو هذه الانطباعات سرها التعميم، فقد عمموا ما هو خاص، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من سنته قلة الطعام وقلة المنام وقلة الأنام وقلة الكلام. ألّف ابن أبي الدنيا كتاباً ضخماً في تتبع أحاديث رسول الله في الأمر بالصمت، فألّف قضية الاعتكاف وما يعنيه من من الانكفاف والخلوة عن الناس هناك قلة المنام في التهجد الذي أمرنا به "ومن الليل
فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". إذاً، فنحن أمام ديانة أمرتنا ببرنامج متكامل، ويجب علينا في هذا البرنامج المتكامل ألا نوجد اضطراباً فيه، وهكذا فعل عبد الرحيم القنائي وهو أحد أعلام الصوفية. الموجودون الذين عاشوا في صعيد مصر، وصعيد مصر في الحقيقة زاخر بأقطاب كثيرين من أقطاب الصوفية. سيدي عبد الرحيم كنا نكنيه باسم أبو محمد، أبو محمد عبد الرحيم، وهو من أهل بيت النبي، من أولاد سيدنا الحسين
رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ولد سيدي عبد الرحيم في قرية في مكان يسمى بطرغة. في بلاد المغرب في حدود سنة خمسمائة وواحد وعشرين، أي في النصف الأول من القرن السادس. وقد ذكرنا سابقاً أن عبد الرحمن قنائي كان أيضاً من شيوخ أبي الحجاج الأقصري الذي وُلد بعد ذلك في سنة خمسمائة وخمسة وستين أو نحو ذلك، فهو أكبر منه بحوالي ثلاثين سنة. أربعين سنة، فلما توفي والده كان عمره اثني عشر سنة، فنشأ يتيماً لكنه سافر من المغرب إلى بلاد الشام والحجاز وتنقل بين مكة والمدينة وأقام سبع سنوات هناك، ثم قدم إلى مصر بصحبة شيخه
مجد الدين القشيري، وكان عبد الرحيم - رحمه الله - قد أقام بها إلى حين وفاته وتزوج فيها. أيضاً عبد الرحيم القنائي كان من أكابر المشايخ، شرب من أسرارهم، وخاصة الشيخ الإمام أبو يعزي ابن عبد الرحمن المغربي المدفون بالمغرب، ويقولون أبو يعزة أيضاً. وعندما قدم الشيخ عبد الرحيم إلى قنا أسس مدرسة للتعليم لأنه كان يحب التعليم. وهذه أيضاً من صفات الصوفية أنهم يحبون التربية والتعليم والإرشاد.
إلى آخره ومزيد من مناقب الشيخ عبد الرحيم القنائي نستكمله إن شاء الله في الحلقة القادمة إن شاء الله. كنتم مع "طريقنا إلى الله" مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق.