عبدالله بن إباض | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس طيبين مع تاريخ التشريع مع الناس الطيبين الذين كانوا في عهد. الصحابة ثم في عهد التابعين ثم في عهد أتباع التابعين تكونت المدارس الفقهية وظل من هذه المدارس معنا حتى يومنا هذا ثمانية ظلت معنا: المذهب الحنفي والمالكي والشافعي
والحنبلي وظل معنا المذهب الإباضي والمذهب الجعفري والمذهب الزيدي والمذهب الظاهري مذهب داوود الأصبهاني وابن حزم الظاهري. لعلنا اليوم مع رجل من الطيبين وهو إمام الإباضية لأنه كان متقدماً، ونحن نتكلم الآن في مستوى أتباع التابعين. إمام الإباضية كان اسمه عبد الله بن إباض التميمي من بني مرة بن عبيد بن مقاعس، هو عربي. عبد الله بن إباض عندما بحثنا في الكتب عن متى وُلد ومتى مات، وجدنا اضطراباً كبيراً في هذا لكنه كان معاصراً
لسيدنا معاوية بن أبي سفيان وعاش إلى أواخر أيام عبد الملك بن مروان، وقيل إنه توفي عام ستة وثمانين هجرية. ولذلك هو كأنه أقدم التابعين، لكن في الحقيقة أنه كان إما من التابعين أو من أتباع التابعين، لكن لأن هناك اضطراباً في ذلك. في هذا الكلام قال الإمام الشماخي إنه من التابعين، وقال إن عبد الله بن إباض الذي نُسبت إليه المذهب الإباضي، لكنه في الحقيقة المذهب
الإباضي هو رأي ومذهب جابر بن زيد. كان عبد الله بن إباض فقيهاً، وكان من أخص تلاميذ ابن عباس، وروى الحديث عن أم المؤمنين عائشة. وعدد كبير من الصحابة ممن شهدوا بدراً، وهذا الذي يرجح أنه كان هذا الرجل من التابعين. المذهب الإباضي نُسب إليه، أي ليس بالأصالة، وإنما كان جابر بن زيد. في البداية لم يكونوا يقولون إباضية، بل كانوا يقولون: جماعة المسلمين، أهل الدعوة، أهل الاستقامة، لكن ظهرت كلمة الإباضية في أواخر القرن. في القرن الثالث
الهجري اكتملت صورة المذهب وتم تحرير أقواله وأصبح مذهباً معتبراً له كتبه وله ملامح في أواخر أيام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة والذي خلف عبد الله بن إباض على إمامة المذهب في مدينة البصرة. كانت مدينة البصرة مركز التجمع الأساسي لعلماء الإباضية. يعتقدون أن كل من نطق بكلمة الشهادة فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، لا يستحلون دماء أحد من أهل القبلة أبداً، ولا يستحلون مال أحد إلا بالطريقة التي فرضها الله سبحانه وتعالى في
كتابه. يرى الإباضية أن القرآن مقدم على غيره من المصادر، وأن السنة العملية أيضاً مقدمة على سنة الأحد هذا هو مكون الإباضية. تنكر الإباضية إنكاراً تاماً أنها فرقة من فرق الخوارج كما يُشاع ويُذاع عنها من خارج المذهب الإباضي. الإباضية الآن تنتشر في عُمان وتكاد تكون متمركزة هناك، ولكن أيضاً هناك كثير من الإباضية في الجزائر. الحقيقة أن المذهب الإباضي مذهب اعتُمد فقهياً في مواطن كثيرة. اعتُمِدَ فقهياً
في مجمع البحوث الإسلامية، واعتُمِدَ فقهياً في الموسوعة التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والتي لا تزال تخرج إلى الآن، كواحد من المذاهب الثمانية. اعتُمِدَ في مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ويحضر فيها مفتي الإباضية من عُمان. المذهب الإباضي وإن كان أتباعه قلة إلا أنه مذهب معتمد. من المذاهب الثمانية المعمول بها والتي أجمع عليها علماء المسلمين في عمّان في الأردن وفي مكة في اجتماعاتهم، لأن هذا المذهب هو مذهب معتمد. يأتي إذن، ما هو الخلاف بينهم وبين أهل السنة؟ الخلاف
بينهم وبين أهل السنة في أشياء في العقيدة، هذه الأشياء التي في العقيدة منها: هل نرى. هل سنرى ربنا يوم القيامة أم لا؟ وهذه مسألة متعلقة بيوم القيامة. أهل السنة يقولون سنرى ربنا، لأن الحديث يقول: "وجوه، هل تُضامون في رؤية البدر في ليلة التمام؟" قالوا: "لا يا رسول الله". قال: "ترون ربكم هكذا". وربنا يقول: "وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة". إذاً هناك خلافات في لا تؤثر في وحدة المسلمين ولا تؤثر في اتفاقهم. الإباضية لها كتب كثيرة، وعُمان الحقيقة يعني ساهمت في إبراز هذه الكتب. وأهم مراجع الإباضية الفقهية هو كتاب اسمه المدونة
لأبي غانم الخراساني، ينقل عن أئمة الإباضية السنة العملية بطريقة فقهية دون نقل الإسناد في أغلب الأحيان، ولذلك تجد اختلافات في... بعض المسائل الفقهية بين الإباضية وبين مذاهب أهل السنة بسبب الاختلاف المنهجي وليس بسبب التضاد أو الصراع أو غير ذلك. رفض الإباضية رفضاً قاطعاً الروايات التي تتحدث مثلاً عن وجوب اشتراط القرشية في الإمام أو الخليفة. أهل السنة يقولون هذا، بينما الإباضية تقول أبداً، أي مسلم حر كفء عنده تقوى. فإنه يتولى هذا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ لم يقل مالٌ ولا كذا ﴿إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. فمن مزايا الإباضية تقديرهم جداً للحرية الإنسانية أيما تقدير، فكان مما تفردوا به في مذهبهم أن قالوا أن العبد عندما يكاتب فهو حر من بداية المكاتبة، فهو حر من أول المكاتبة تطلعاً لحرية الإنسان. هذه اللفتات العميقة في هذا الفقه تجعلنا نستخدمها ونحن نعرض الإسلام في الخارج. المذهب الإباضي في الحقيقة مذهب يمكن أن نأخذ منه كثيراً. عندما ذكرنا كتب الإباضية ورجعنا إليها وجدنا أشياء غريبة جداً، وجدنا يُذكر الحكم عندنا من غير بيان علته أو
دليله، فنجد هذه الأدلة موجودة في كتب الإباضية. إذاً، مذاكرة كتب الإباضية مسألة مفيدة لأنها توسع المدارك، ولأنها تبين لنا شيئاً كبيراً. هناك أيضاً من كتب شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب، وهذا في ثلاثة أجزاء. وهناك قاموس الشريعة الحاوي. طرقها الوسيعة للعلامة الجميل ابن خميس السعدي، هذا الكتاب غريب عجيب يقع في اثنين وتسعين جزءاً، وألَّفه في القرن الحادي عشر، فهو شيء غريب - اثنان وتسعون جزءاً. يعني الآن قاموس الشريعة أظن أنه صدرت منه أجزاء كثيرة، لكنه لم يصل إلى
الآن إلى تمامه، صدر منه حوالي تسعة عشر إلى الآن أو أكثر ربما هناك علماء منهم الشيخ محمد بن يوسف بن اطفايش الجزائري. وكلمة "اطفايش" هي كلمة بربرية ومعناها بلغة البربر "امسك واقبل". حسناً، كان اطفايش أيضاً من بين من كانوا علماء في دار الكتب المصرية، وقد حقق تفسير القرطبي. الشيخ اطفايش هو صاحب الكتاب. الفقهي الماتع الكبير شرح النيل وشفاء العليل الذي هو
الشفاء العليل لضياء الدين الثميني هذا يقع في عشر مجلدات كبيرة وله أيضاً في التفسير وكذا إلى آخره. المذهب العبادي مذهب معتمد، مذهب له كتبه، مذهب له مصطلحاته، مذهب له طريقة استدلاله لا تخرج في الجملة عن المذاهب الفقهية المعتمدة. يمكن أن نستفيد من المذهب الإباضي في عصرنا الحاضر أيَّما استفادة. فالمذهب الإباضي وإن قلّ عدد أتباعه إلا أنه مذهب من مذاهب الفقه الإسلامي. لقد حظي المذهب الإباضي بكثير من الدراسات الأزهرية في الأزهر الشريف، وأُنجزت رسائل الدكتوراه ورسائل الماجستير في دراسة المذهب الإباضي وفي
أسس المذهب الإباضي وفي أصول فقه المذهب الإباضي، ولذلك فنحن أمام مذهب معتمد حتى ولو قلّ أتباعه. سيذكرنا هذا بمذهب الظاهرية، مذهب الظاهرية يعني كان أتباعه قليلين جداً، ولكننا في فتاوانا قد نعتمد على رأي هنا أو هناك للظاهرية يناسب العصر ويناسب مصلحة الناس وهو أقوى دليلاً، ولذلك نحتاج إلى كل المذاهب الفقهية. حتى ولو قل عدد أتباعها لأن فيها خيراً كثيراً، إلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.