عبد الله بن عمر | تاريخ التشريع الإسلامي | برنامج مجالس الطيبين موسم 2011 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس طيبين، نتحدث فيها سوياً عن تاريخ التشريع الإسلامي وعن حال المجتهدين. من الصحابة الكرام المتصدرين لبيان الأحكام الشرعية ولتعليم الفقه والإفتاء للأمة كلها من كبار أولئك الصحابة عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزة رضي الله تعالى عنه، هو ابن سيدنا عمر
بن الخطاب الخليفة الثاني أمير المؤمنين، وكان يُطلق عليه كنية هي أبو عبد الله أبو عبد الرحمن أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان من بني عدي وهو بطن من قريش، فهو قرشي عدوي. لازم وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلتقي نسبه ونسب أبيه مع سيدنا رسول الله في كعب بن لؤي. أمه وأم أخته... أم المؤمنين حفصة هي زينب بنت مظعون. كان هناك رجل من الصحابة سماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخي وهو عثمان بن مظعون، ولما مات عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه في حياة النبي ودفنه النبي، وضع صخرة كبيرة عند قبره وقال: "هذه صخرة أعلم بها قبر أخي". عثمان، هذا هو خال حفصة وخال عبد الله بن عمر، لأنه أخو زينب، بنت مظعون وعثمان بن مظعون هذان الاثنان إخوة. تزوجت زينب سيدنا عمر وأنجبت منه عبد الله وحفصة. وُلِدَ عبد الله في العام العاشر قبل الهجرة، أي في مكة، يعني عندما جاؤوا
ليهاجروا كان... عنده عشر سنوات، وعندما جاء ليُسلم، أسلم مع أبيه. أتذكرون عندما ذهب سيدنا عمر إلى أخته فاطمة وسعيد بن زيد وأسلم وما إلى ذلك؟ أسلم معه في ذلك اليوم، ولذلك فقد أسلم صغيراً ولم يبلغ مبلغ الرجال، ونشأ منذ صغره في الإسلام، وكانت هجرته إلى المدينة حتى قبل هجرة سيدنا. عمر ولذلك وهو الآن عندما حدثت غزوة بدر كان عمره إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة، فلم يشهد غزوة بدر، إذ رفض النبي عليه الصلاة والسلام أن يسمح له بالخروج، ولم يشهد غزوة أُحُد أيضاً حيث رُفض خروجه لأنه ما
زال صغيراً ولم يبلغ بعد. وفي غزوة الخندق كان قد أي أربعة عشر سنة، أو شيء من هذا القبيل، وأصرّ هو، نفس الفتى، أصر على أن يشترك، والنبي عليه الصلاة والسلام وجد جسمه قوياً ويستطيع أن يخدم في الجيش. شاهد إذن غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب، وشاهد اليرموك، وشاهد فتح مصر وإفريقيا، يعني أدرك أيضاً فتح مكة وهو عشرون سنة، وكان سيدنا عبد الله بن عمر من شباب الإسلام، وبذلك عندما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى كان عمره واحداً وعشرين سنة أو نحو ذلك. وكان أيضاً أكبر من ابن عباس لكنه أصغر من ابن مسعود الذين تحدثنا عنهم من قبل. كان الرجل...
هذا عبد الله بن عمر آية من آيات الله في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقلد سيدنا صلى الله عليه وسلم تماماً، يعني يحاكي حركاته ويفعل أفعاله، لدرجة أنه مرة وقف، فسألوه: "لماذا تقف هنا؟ ماذا حدث؟" فنزل فبال عند سباطة قوم واقفاً، ربما يكون ماشياً. يريد قضاء حاجته هكذا ثم عاد وقال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول عندها"، وهي غائبة طبعاً. هذه ليست سنة ولا أي شيء. لماذا يفعل ذلك؟ إنه شخص تعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاب فيه ذوباناً في سيدنا رسول الله لدرجة أنه
كان يلتزم ويفعل هذا. سيدنا ابن عمر فتح الله عليه في الحج، وكان يحج كثيراً جداً. حج أكثر من ستين حجة في الإسلام، وكان يحب الحج. سيدنا عبد الله بن عمر يروي ألفين وستمائة وثلاثين حديثاً تقريباً عن رسول الله، منهم مائة وثمانية وستون حديثاً في البخاري ومسلم. في البخاري واحد وثمانون حديثاً، وفي واحد وثلاثون تفرداً، يعني يروي عنه سيدنا نافع. كان نافع خادمه، وكانوا يا أخي يعلّمون خدامهم ويكونون أئمة، من ضمنهم نافع عن ابن عمر. نافع هذا شيخ الإمام مالك بعد ذلك، ولذلك سلسلة الذهب ماذا هي؟ مالك عن نافع عن ابن عمر. فسيدنا نافع يروي
عن ابن. عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، من ضمن الناس الذين أسلموا أيضاً واحد اسمه أسلم يروي عنه. أسلم هذا هو العبد الذي كان لسيدنا عمر، مولى أبيه، الذي هو والد سيدنا عمر. فيكون لدينا أسلم، ولدينا نافع يروي عنه، والحسن البصري يروي عنه، وثابت البناني يروي عنه، وذكوان السمان. ذكوان هذا كان يؤم عائشة وابن الزبير ويقرأ من المصحف. هنا قال لك الفقهاء يجوز القراءة وأنت في الصلاة، خاصة في التراويح، تفتح المصحف وتقرأ
منه. لماذا؟ قال: لأن ذكوان كان يفعل هكذا. ذكوان هذا تلميذ عبد الله بن عمر، وكان سيدنا عبد الله بن عمر زاهداً وورعاً وربما... شمَّر أحدُهم فيلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر رضي الله تعالى عنه على تلك الحالة الحسنة أعتقه. إن ابن عمر كان عنده عددٌ كبيرٌ من العبيد، فتجد واحداً منهم يصلي، وبمجرد أن يراه يصلي ومجتهداً جداً في الصلاة، يقوم بإعتاقه. فكان هؤلاء الأولاد الذين يريدون أن يُعتقوا يذهبون [إلى المسجد]. يصلي فكان ابن عمر يقول: "مرحباً
بمن خدعنا بالله، من خدعنا بالله انخدعنا له". ما شأنه؟ دعه يخدعنا. ولكن هيا بنا نفعل الخير، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. مرة أعطى ابن عمر الإمام نافع عشرة آلاف دينار، فقالوا له: "يا أبا عبد الرحمن، ألا تنتظر حتى تبيع فيه"، يعني أنت... الآن تشتري هذا الرجل بعشرة آلاف دينار، فكم ستبيعه إذًا؟ فقال: هو حرٌ لوجه الله لأنه نافع. كان لديه شيء عظيم جدًا. سيدنا ابن عمر لا تنتهي عجائبه، يعني له كثير جدًا من المسائل الفقهية. المسائل
الفقهية سنختار منها بعضها لأن مسائله كثيرة جدًا. ذُكِر للسيدة عائشة قول. روى ابن عمر أن الميت لا يُعذب ببكاء الحي، فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن". انظر إلى الأدب، لم تكذبه، وإنما قالت: "أما إنه ليس يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ. إنما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على شخص يُبكى عليه وهو ميت، فقال: إنهم يبكون عليه وإنه ليُعذب القرآن "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، إذا ناقضت الأحاديث كانت متداولة على عهد الصحابة. الحديث الذي تذكره هذا يا سيدنا عبد الله بن عمر قد يعارض القرآن، ولذلك أنا
سأرده. أظن أنك لست كاذباً، حاشاك، أنت من كبار العلماء، ولكنك أخطأت. هكذا كان يتكلم الصحابة وينتقدون الأحاديث. كان ابن عمر يقول: "لأن أصبح مطلياً بقطران أحب إليّ من أن أصبح محرماً وعليّ طيب"، يعني كان يكره أن يضع العطر في جسمه وهو محرم. فقيل لعائشة، فقالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً". ينضح طيباً، كيف يكون
هذا الكلام إذن؟ كان سيدنا عبد الله بن عمر عندما يسمع هذه الأحاديث التي اجتهد فيها من ورعه ولحبه بالرسول، كان يرجع مرة أخرى عنها ويفعل ما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيضاً سُئل ابن عمر عن متعة الحج، الذي نذهب عمرة وبعدين نتمتع وبعدين نحج، فأمر به، قال: "لا، هذه شيء جيد". فقيل له: إنك تخالف أباك. انظر كيف أن أباك عمر كان يقول: "لا، ليس هناك متعة في الحج"، أو دعنا نقرن بين العمرة والحجة، أو نُفرد الحجة. فقال: إن عمر لم يقل الذي تقولونه. هؤلاء هم العلماء والتثبت. والدقة
إنما قال عمر: افصلوا الحج من العمرة فإنه أتم للعمرة، أي أن العمرة لا تكتمل في أشهر الحج إلا بهدي. فأراد سيدنا عمر أن يجعل الناس تحج حجاً مفرداً ثم بعد ذلك، وهذا هو مذهب الشافعي. فإذاً سيدنا عبد الله بن عمر كان من كبار العلماء، من كبار... الأتقياء من كبار الملتزمين توفي وهو ابن ثلاث وسبعين، توفي سنة ثلاثة وسبعين من الهجرة وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة. ثلاثة وسبعون من الهجرة أي كان عمره ثلاثة وثمانين سنة
لأنه مولود في السنة العاشرة قبل الهجرة، فيكون عمره عندما توفي سنة ثلاثة وسبعين هو... ثلاثة وثمانين سنة، وكان آخر من مات من الصحابة، كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه قد أدرك الحجاج، والعياذ بالله تعالى، الحجاج كان ظالماً سفاكاً للدماء وما إلى ذلك، فكان يدركه ابن عمر وهو الذي علمنا أن نصلي خلف كل بر وفاجر، فسيدنا ابن عمر كان يصلي وراء الحجاج. هو الأمير، فابن عمر لا يريد فتنة في مكة، فكان يصلي خلف الحجاج، لكنه مع هذا يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويأمره ألا يسفك الدماء،
ويتكلف الأمر حتى غضب منه الحجاج مرة وقال له: "سأقتلك"، فقال له: "افعلها يا حجاج، وانظر ماذا سيحدث بعد أن تقتل عبد الله بن ماذا سيحدث لك؟ فخاف الحجاج منه رضي الله تعالى عنه وعن أبيه. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.