عقيدة العوام | الإمام الدردير | الحلقة الثالثة | أ.د علي جمعة

عقيدة العوام | الإمام الدردير | الحلقة الثالثة | أ.د علي جمعة - عقيدة, عقيدة العوام
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يقول الشيخ الدردير في عقيدته التوحيدية: "فيجب لله تعالى عشرون صفة". انتهى السطر الأول من العقيدة، وهي أي العقيدة. أعطني يا بني هنا، سأقوم بتكبير صفحة عقيدة المسلمين الواضحة. لماذا هي واضحة؟ لأنها صفحة واضحة، لأنها... صفحة عقيدة المسلمين، ولكن ما رأيك أن كل حرف فيها يُكتب بماء الذهب بالإبر على آماق البصر؟ يقولون إنها شيء جميل جداً، ولكنها واضحة جداً وتجيب
على كل سؤال. مرة قالوا لنا: "يا جماعة، أنتم العيب الذي في الإسلام، هل تعلمون ما هو؟" فقلنا لهم: "ما هو؟" قالوا: "أنتم تعبدون إلهاً لا تعرفونه". لا شيء نعرفه حق المعرفة. وقد أخبر الله عن نفسه في مائة وثلاث وخمسين صفة. أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم مائة وأربعة وستون اسماً، وفي السنة النبوية المشرفة مجموعهم مع حذف المكرر مائتان وعشرون اسماً. والعلماء مستنبطون نحو عشرين صفة يُعلِّمونها للعوام. إذن نحن نعبد من نعرفه. ابحث إذن عما لا تعرفه. نعرفه لكننا نعرف من نعبد وهي الوجود. اسمع الآن
الكلام، يقول الشيخ الدردير وهي ثانيتها في السطر الثاني: "الوجود بيني وبينك وقل للناس". يقول لك: "بيني وبينك فقط، لا تقل". لا، قل للناس، بلّغ: "بيني وبينك الوجود" هي الصفة النفسية. الوجود هذا رقم واحد الذي هو القسم الأول الذي... هي النفسية فهو موجود سبحانه وتعالى ليس وهماً وليس فكرة كما يقول بعض العلمانيين أن الله فكرة، لا ليس فكرة بل هو موجود جلّ جلاله، الله عالم، حكيم، منتقم، عفو، رؤوف، لا إله إلا الله، هو موجود وليس وهماً وليس فكرة كما يقول بعض الفلاسفة.
المُحدَثين يقولون إن الوجود أهم شيء لأنها الصفة النفسية تدل على عزَّته هكذا، وسيأتي بالصفة الثانية القِدَم. ماذا يعني القِدَم؟ يعني ليس حادثاً، أي ليس له بداية وليس له شيء. المصريون يجعلون حرف الشين هذا للنفي، فيقولون لك "بلاش"، "مش سأفعل كذا"، أي جعلوها للنفي. فقديم. ماذا تعني صفة القِدَم؟ تعني أنه لا بداية له، أي ليس بحادث أو شيء جديد، ليس بحادث بل هو قديم سبحانه وتعالى. فالقِدَم إذن، وعندما تفسره تستعمل
السلب أو النفي، تستعمل كلمة "لا"، نعم، تستعمل كلمة "لا" و"ليس"، إذن هي سلبية، ولذلك سموا هذه الصفة سلبية، وعددها خمسة. القِدَم يعني لا بداية له، والبقاء يعني لا نهاية له. الله لم أجد له نهاية أيضًا، أي سبحانه وتعالى باقٍ أبدًا. خُلِقَت الدنيا وهو باقٍ، استمرت الدنيا وهو باقٍ، فنيت الدنيا وهو باقٍ، "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". ما مجموع الاثنين إذًا؟ القِدَم والبقاء: لا بداية له ولا نهاية. له كان
قبل أن يخلق المكان وهو الآن على ما عليه كان سبحانه وتعالى. ما هذا الأمر؟ قبل أن يخلق المكان كان موجوداً، وبعد أن خلقه هو موجود، وبعد أن يفنى هذا المكان ويقوم يوم القيامة ويحدث الدمار العام وكلنا نفنى ونصبح عدماً، هو موجود. إذاً لا بداية له. ولا نهاية له القدم والبقاء والمخالفة للحوادث يعني ليس كمثله شيء، يعني الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. معنى الكلام هكذا، يعني ما المخالفة
للحوادث؟ يعني هو ليس كالمخلوقات، المخلوقات هذه شيء والله جل جلاله شيء آخر. إذاً قلنا "ليس"، نعم نفي، إذاً هو سلب أم لا؟ فهذه صفة قِدَم البقاء، وهاتان الصفتان معًا، واحدة للماضي وواحدة للمستقبل. أما الحاضر فهو أنه ليس كمثله شيء، فيكون واحدة للماضي وواحدة للمستقبل وواحدة للحاضر. حسنًا، لكي نحفظ كل هذا الكلام للتحفيظ فقط، والمخالفة للحوادث، والقيام بالنفس قيوم سبحانه وتعالى. ما معنى قائم بنفسه؟ هذه هي الفكرة.
كلها أن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد سبحانه وكل من سواه وما سواه يحتاج إليه. أفأنت قائم بنفسك أم بربك؟ لا، بل بربك. فإذا قطع عنك الإمداد ستنطفئ مثل شريط السينما. أنت أمامك التلفزيون فيه تمثيلية بها أناس ذاهبون وآتون وأحداث وغير ذلك. أغلق التلفزيون وامنع عنه الكهرباء، فماذا سيحدث؟ ماذا؟ لا تجدهم! الله! كان الأولاد يتحدثون الآن، أين ذهبوا؟ لم يعودوا موجودين. لو أغلق الله علينا المدد، لن نجد سماءً، ولن
نموت، لن نموت، بل سنفنى. يعني أنا باقٍ الآن لأن الله يخلقني الآن. نعم، ما هذا؟ هذه مسألة. مرعبة مرعبة لماذا؟ لأن هذا يجب أن أكون متذكراً دائماً، وأصبح يعنيني، وأخاف منه دوماً، وأصبح حريصاً. ما هذا إذن؟ ما يأتي أكثر من هذا. أنا يجب أن أراعي الله. إذن الله، العقيدة لها أثر في السلوك. هذه ليست عقيدة تدخلك في متاهات. عقيدة تربيك، عقيدة تجعلك تذكر
ربك. والقيام بالنفس يعني لا يحتاج إلى غيره، يكون فيها "لا"، أيضاً ستكون سلبية. والوحدانية تعني لا شريك له، أيضاً "لا"، فتكون سلبية. إذن هذه الخمسة السلبية النفسية للوجود. القسم الثاني خمسة، وهم السلبية، عرفنا فيهم: القِدَم، البقاء، المخالفة للحوادث، القيام بالنفس، الوحدانية. خمس. صفات، ها نحن أصبحنا ستة، حسناً. والحياة تُعد من صفات المعاني.
صفات المعاني إذن: الحياة، طبعاً هذا هو الحي القيوم، فهو متصف بالحياة. والعلم سبحانه وتعالى، فهو ليس عالماً فقط بما كان وما يكون، بل هو عالم بالذي سوف يكون. وليس عالماً فقط بالظاهر، بل هو عالم بالسر وأخفى. هذا علمٌ تامٌ علمٌ تامٌ والإرادة سبحانه وتعالى. انظر ماذا يقول الكلام: حياةٌ قدرةٌ إرادةٌ، هو متصفٌ بهذه الصفات العُليا والقدرة والسمع والبصر
والكلام. فالله سبحانه وتعالى له كلامٌ ولا يزال متكلماً، وكلامه وكل هذه الصفات غير مخلوقة، هي قائمةٌ فيه وهو ليس محلاً للحوادث، وهذه يسمونها ماذا؟ صفات. المعاني وكونه سبحانه أليس أنت قلت الحياة فيكون هو حي، أليس أنت قلت العلم فيكون عليم، أليس قلت الإرادة فيكون مريد، أليس قلت القدرة فيكون قدير، أليس قلت السمع فيكون سميع، أليس قلت البصر فيكون بصير، ألم تقل الكلام فيكون سبحانه وتعالى متكلماً، فيكون وكونه تعالى حياً وعليماً ومريداً. وقادراً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً،
يبقى سبعة مقابل سبعة. هكذا، المجردات سنسميها المعاني، والمنسوبات التي هي الأسماء سنسميها المعنوية. لم ينكر المعنوية أحد من المسلمين، لا أحد أبداً يقول لك ربنا ليس عليماً. أبداً هناك أناس يقولون لك: حسناً، نكتفي بالسبع هذه عن السبع تلك. أناس يقولون هكذا، لكن... لم ينكر أحد أبداً هذه المعاني أنه مريد، أنه قدير، أنه عليم، أنه سميع، أنه بصير، في الكتاب والسنة وكل شيء، وعقائد المسلمين مستقرة على هذا. إذاً الذي سيقول لك دع السبعة الخاصة بالمعاني، واجعل العشرين كم؟ ثلاثة عشر. ها! ولكننا ننسبهم عشرين لأن هناك فرقاً ظهرت وأحدثت اضطراباً في. هذه القصة فذهبوا وقالوا:
"لنجعلها عشرين صفة ونحفظها للناس عشرين حتى لا يتلاعب أحد بعقله". حسنًا، فهذه عشرون صفة: الأولى التي هي الوجود نفسية، والخمس بعدها سلبية، والسبع بعدها صفات ومعانٍ. ها أنتم تقولون: "الله"، أنتم علماء الآن. انظر كيف تنظم فكرك وأنت جالس تنظم أفكارك. لكن النابتة خوفهم مضطرب لأنهم لم يقرؤوا هذا. والمصيبة أنهم يحاربونه وهم لا يريدونه ولا يعرفون لماذا. أنا شخصياً لا أعرف. فهذه عشرون صفة، الأولى نفسية، والخمسة بعدها سلبية، والسبعة بعدها صفات معانٍ، والتي بعدها معنوية. فهو
سبحانه وتعالى واجب الوجود، قديم، باقٍ، مخالف في ذاته لجميع. الخلائق فليس بجسم ولا عرض ولا يتصف بالمكان ولا بالزمان ولا باليمين ولا بالشمال ولا بالخلف ولا بالأمام القائم بنفسه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله حي عليم بكل شيء ما كان وما يكون وما لم يكن مريد لكل شيء جرى وبرز من العوالم وما لم يكن منها قادر على كل شيء من الممكنات وعلى إعدامها لا يشاركه في ذلك مشارك، سميع لكل موجود ومبصر، متكلم
بكلام أزلي منزه عن الصوت والحرف. انتهت الإلهيات. تتصور انتهت هكذا الإلهيات؟ ما رأيك أن بعض الجالسين حفظ المتن؟ لماذا؟ لأنه فهم عقيدة المسلمين واضحة وسهلة وخفيفة وحلوة وجميلة، وكل حرف من هنا مؤيد. بالكتاب والسنة