عقيدة العوام | الإمام الدردير | الدرس الأول | أ.د علي جمعة

عقيدة العوام | الإمام الدردير | الدرس الأول | أ.د علي جمعة - عقيدة, عقيدة العوام
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يقول القطب الدردير رضي الله تعالى عنه وأرضاه: بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ بذكر الله فهو أبتر"، وفي رواية: "بحمد الله". فهو أبتر، وفي رواية "ببسم الله" فهو أبتر. وحديث "ببسم الله" فيه كلام، فيه كلام، ولكن فضّله العلماء لا اقتداءً بالكتاب. الكتاب قال ماذا؟ "بسم
الله الرحمن الرحيم"، ففضّلوه. وهكذا أبداً كان علماء الإسلام عبر القرون يقدمون كتاب الله على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في السنة. خيارات ذهبوا إلى الكتاب حتى يكون ضابطاً لاختيارهم، حتى نبت فينا نابتة، حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم، قدموا السنة على الكتاب مطلقاً وألغوا كتاب الله بسنة حبيبه المصطفى، فضلوا وأضلوا، فما أمرنا النبي بهذا ولا أرشدنا لذلك، ولذلك فاحذر أيما حذر، ولا يلعبن بعقلك من أراد بطريقة تلبيس إبليس أن يدخل عليك بإنكار القرآن بالسنة، فإن هذا يريد
أن يضرب نصوص الشرع الشريف بعضها ببعض، ونصوص الشرع الشريف لا تناقض فيها. والمدخل الصحيح هو أن القرآن مقدم عند جميع المسلمين على السنة النبوية الشريفة، فأول علة ومرض وعارض نجده في هؤلاء أنهم يريدون تقديم السنة المشرفة الشريفة على الكتاب فينشئون. بذلك تعارضات وهمية ليست موجودة، أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً، وها نحن لم نجد فيه اختلافاً لا بينه وبين نفسه ولا بينه وبين سنة نبيه. وإنما الأمر في الاختيار يجب أن يُرتب القرآن أولاً، ثم السنة هي المصدر الثاني
للتشريع كما أُقِرَّ بذلك. كل علماء المسلمين شرقاً وغرباً سلفاً وخلفاً باتفاق أطبق الدنيا حتى نبتت النابتة فإذا بهم يريدون هذا، والمصيبة الثانية أنهم يريدون اختزال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتوهمونه صحيحاً، فيقول هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف، هذا صحيح وهذا ضعيف، بالرغم من أن هذه الأحاديث قد وردت في أصول الحديث الستة التي ارتضاها علماء الأمة، فيقول لك: لا، هذا الترمذي فيه صحيح وضعيف، هذا أبو داود فيه صحيح وضعيف. نعم، أنت في ذهنك قد ساويت - وهذه البلية الثالثة - بين الضعيف والموضوع، وهذا هدم للدين
بالكلية، فإن الإمام الأردبلي الشافعي ألف كتابًا أسماه "المعيار" أورد فيه أكثر وخمسمائة حديث ضعيف استدل بها أئمة السلف الصالح على مذاهبهم، فكانوا دائماً يقدمون الحديث ولو كان ضعيفاً على الرأي والهوى والقياس، لأنه لعله أن يكون صحيحاً، كما أن هذا الحديث الذي أخذوا به أخذوه بشرط ألا يخالف القرآن، في بحوث رائقة فائقة بذلوا فيها أعمارهم، ثم لما ظهرت النابتة. أرادوا هدم كل ذلك والبدء من جديد كمن أراد أن يخترع البخار بعد أن وصلنا إلى النووي. مصيبة هذه مصيبة،
يا جماعة، مصيبة! بعد أن وصلنا إلى النووي يجب أن نرى ما بعده، الهيدروجيني أو نحو ذلك، لكن ما زلنا سنرى أديسون وهو يلعب بالبخار. يا جماعة، هذه أمة ألهِمْها كيف تبني مجدها وعلمها وتحافظ على كتاب ربنا بإذنه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وعلى سنة نبيها صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا". لا يفعلون شيئاً ولا ينطقون بحرف من الحروف إلا. وهم على حال التقيد بالكتاب والسنة بسم الله الرحمن الرحيم اقتداءً بالكتاب
وعملاً واختياراً بهذا. بعضهم يجمع بين الحديثين فيقول: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين"، فيكون بذلك أتم، ويكون بذلك قد فعل الروايات الثلاث: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين"، وبذلك يكون قد ذكر الله. وهكذا يقول بسم الله الرحمن الرحيم يجب على المكلف. فلما لم يحمد ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: إذا كان الأمر على هذا النحو من إرادة الاختصار والدخول في المقصود من أقرب طريق، فإنه يُسَنُّ له الحمد لله والصلاة على النبي
شفهياً. يبقى قال بسم الله الرحمن. الرحيم وكتبها، وذهب قائلاً في الروح، وكتب ماذا؟ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، يجب على المكلف. واستدلوا بفعل أمير المؤمنين في الحديث الذي رواه الإمام البخاري، فإنه قال بسم الله الرحمن الرحيم مباشرة، وذهب يذكر حديث "إنما الأعمال بالنيات"، ولم يقل الحمد لله ولا الصلاة على فقالوا: لِمَ قالها شفاهةً؟ لأنه جعل كتابه هذا مختصراً. ما هو كتابه هذا مختصرٌ، وجاء به من نحو مائة ألف حديث، وهو لا يحتوي إلا على سبعة آلاف وخمسمائة وبضعة وثلاثة عشر أو نحو ذلك - ثلاثة وستين حديثاً - من مائة ألف حديث، لكن ذلك بالمكرر،
أما من غير المكرر فيزيد عن الألفين بشيء بسيط، ألفين ومائة وخمس مائة وثلاثة عشر. هكذا، بسم الله الرحمن الرحيم، يجب على المكلف، يعني إذا أنت لم تفعل هكذا فيكون حراماً عليك. لماذا؟ لأن الوجوب معناه هكذا، لا بد عليك أن تعتقد هذا وإلا كان حراماً عليك أن... لا تظن أن ما يأتي هو "يجب على المكلف"، فنحن لسنا في حالة "يندب" أو "يسن". هناك فرق بين "يجب" و"يندب". يجب على المكلف معرفة ما يجب لله تعالى. هذه هي العبارة
الكاملة التي لها معنى. فالله سبحانه وتعالى يجب له جل جلاله أشياء، فيجب عليك معرفتها. ما الذي يجب؟ للهِ، انتبه جيداً، ليس على الله (فالله لا يجب عليه شيء)، وإنما ما الذي يجب للهِ؟ يجب أن تعتقد في الله ماذا؟ والله