مصر أرض المجددين | ح 17 | الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي | أ.د علي جمعة

اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة التامة في الدين والدنيا والآخرة.
اشتركوا يرجع النسب إلى الإمام الحسين بن علي كرم الله وجهه وهو أحد أعلام التجديد والتنوير في الفكر الإسلامي الحديث وكان له بصمات علمية وخارجية واسعة وهو أحد من استفاد من البعثات العلمية إلى الخارج وبالتحديد إلى فرنسا ولازال مشروعه التجديدي والعلمي يُذكر حتى الآن رغم مرور كل هذه العقود. الطويل إنه الشيخ رفاعة الطهطاوي في مصر أرض المجددين، تمثل محور مشروعي التجديدي
عند رفاعة الطهطاوي في قضية رؤية الآخر والترجمة وإصدار الوقائع المصرية وتنظيم مسألة الآثار والاهتمام بها، بل أن له كتاباً اسمه "القول السديد في الاجتهاد والتجديد". رحمه الله رحمة واسعة. فضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بحضرتك، أهلاً وسهلاً بكم، أهلاً بكم فضيلة الدكتور. اليوم نتوقف مع العلامة رفاعة الطهطاوي. أولاً هو كله تجديد وكله تطوير وكله رؤى، ولكن من أي الزوايا يفضل دكتور علي جمعة أن نبدأ في الحديث حول العلامة رفاعة الطهطاوي؟ بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول. الله وآله وصحبه ومن والاه، أيضاً كان رفاعة رافع الطهطاوي وهو من طهطا كان على مفارقة، وكان أيضاً كما قلنا قبل ذلك في الشيخ محمد المهدي، كان من العجائب والغرائب، يعني هؤلاء الناس أقامهم الله سبحانه وتعالى من أجل أمر يقتضيه ويريده في الأرض. رفاعة رافع الطهطاوي كان شخصاً. نجيباً، وعندما جاء إلى مصر والتحق بالأزهر، مكث حوالي ست سنوات ثم أصبح متصدراً للدرس. وُلد في سنة ألف وثمانمائة وواحد، أي في وسط القرن، وتوفي سنة
ألف وثمانمائة وثلاثة وسبعين عن عمر اثنين وسبعين سنة رحمه الله تعالى. كانت رحلة عطائه هذه خلال اثنين وسبعين سنة عندما جاء إلى مصر القاهرة. ودخل الأزهر ودرس فيه واختص بالشيخ حسن العطار الذي أصبح بعد ذلك شيخًا للأزهر. كان الشيخ العطار رجلاً فقير الحال، ولكنه كان في منتهى الذكاء، وكان متوجهًا للمعرفة البشرية وما وصل إليه البشر وللحقائق العلمية. ولذلك نراه جلس مع الفرنسيين حتى يستنبئ منهم سر ما وصلوا إليه.
إليه من قوة استطاعوا معها دخول البلاد بهذه الكيفية. صحيح أن الفرنسيين هُزموا في عكا وهُزموا في الصعيد، ولكن مهما كان، كان عندهم شيء من القوة. رفاعة الطهطاوي تعلم على يد مدرسة حسن العطار. رفاعة الطهطاوي لما تصدر للتدريس وكان حافظاً للقرآن، ذهب إلى الجيش المصري وانضم إليه وأصبح إماماً للجيش. عندما جاء محمد علي باشا إلى مصر، حثَّهُ حسن العطار على إرسال البعثات العلمية. كان يرسلها في البداية إلى إيطاليا، ثم بعد ذلك اتفق مع باريس
على أن ترسل إليها. أرسلها إلى باريس وقال له: "حتى لا يتفلت الأبناء هناك، أرسِل معهم من يقيم لهم الصلاة ويلجؤون إليه في معرفة الأحكام ورشح رفاعة الطهطاوي وذهب معهم ثلاثة، رفاعة أحد هؤلاء الثلاثة، وقال لرفاعة: اكتب لي كل شيء لأن الفرنسيين معهم مفتاح، مفتاح يعني شيء معين نحن لا نعرفه، فلما ذهب رفاعة إلى باريس بدأ يتعلم الفرنسية وهو في المركب مما يدل على علو الهمة، واتخذ له أستاذاً هناك يعلمه. الفرنسية وأستاذا يعلمه منظومة
العلم كان اسمه جوما، وبدأ يرسل لحسن العطار كل شيء، كيف أن عربة الرش تعمل في الشارع، وكيف يأكلون، وأين يضعون الشوكة، وأين الملعقة، وأين السكين، وإلى آخره. وكيف تكون علاقة الرجل بالمرأة وهي أصل الاجتماع البشري، إلى أن دفعوه هناك وحولوه من إمام إلى طالب في البحث. عندما رأوا النجابة ورأوا أنهم تعلموا الفرنسية بسرعة، وبعض أهل هذه البعثات كان ينظم الشعر بالفرنسية من شدة تمكنه من اللغة، كل ذلك لأن المنهجية حاضرة في ذهنه. بدأ هنا المشروع التجديدي لرفاعة، المشروع
التجديدي لرفاعة هذا ألّف فيه رسالة لطيفة اسمها "القول السديد في الاجتهاد والتجديد" وهو أول. من أوجد كلمة التجديد في كتاب وفي عنوان كتاب ونشر هذا في صورة حلقات في مجلة كان مسؤولاً عنها في أواخر حياته اسمها روضة المدارس، هذه المجلة نشرت حلقات من القول السديد ثم بعد ذلك طُبع في صورة كتاب. إذاً الرجل كان واعياً أنه يقوم بتجديد، هذا التجديد كانت له. عناصر العنصر الأول هو وجوب الاطلاع على منتجات الآخرين، فقام بإنشاء مدرسة الألسن ودرّب فيها مجموعة كبيرة
من المترجمين منهم صالح مجدي باشا وغيره. صالح مجدي هذا نذكره لأنه عندما أراد الخديو إسماعيل أن يخفف العلاقة التي بين مصر وبين تركيا، وتركيا أصدرت مجلة اسمها المجلة العدلية، وهذه المجلة العدلية أي قوانين قُننت في الفقه الحنفي، فأصبح إسماعيل في ورطة؛ لأنه لو طُبقت المجلة العدلية ستصبح لها أكثر اتصالاً وتبعية لتركيا. فجمع العلماء وقال لهم: ماذا نفعل في هذه الورطة؟ فاقترح العلماء أن نسير على المذهب الملكي، واقترحوا أن نعمل
مجلة ثانية للقول الثاني عند الحنفية، ونرى المجلة الأولى. هي تقول يميناً فنقول نحن شمالاً، ونقول نحن يميناً، وهذا قام به محمد قباشة، وكان أيضاً من تلاميذ رفاعة الطهطاوي. علي أفندي ابن رفاعة الطهطاوي يحكي هذا الكلام وهذه الجلسة لرشيد رضا الذي لم يرَ رفاعة وإن رأى ابنه علي أفندي. فالخديوي إسماعيل لم يخرج من الشريعة ولا يريد بل يريد الخروج من التركية من التركية وتباين نفس المذهب لنفس المذهب ليس منغلقاً لنفس المذهب يعني فالناس جالسون قالوا على فكرة كل القانون الفرنسي مأخوذ من المذهب المالكي من جوارهم للأندلس المالكية وتأثرهم
دراسة وفقهاً بهذا فقالوا حسناً دعنا نرى فبدأ كلف رفاعة هو والفريق الذي فيهم محمد قدري وكان يتقن الفرنسية وكان وزيراً للعدل آنذاك يُسمى الحقانية، ومنهم صالح مجدي باشا وغيرهم لترجمة القوانين الفرنسية، وصدرت في مجلدين موجودين عندي في مكتبي، وهي القوانين الفرنسية التي أصدرها كود نابليون الأول وكود نابليون الثاني في هذا، وأعطى هذه الترجمة إلى مخلوف العدوي ليقارن بينها وبين المذهب المالكي فقارنها. في ميدان المقارنات التشريعية وطبعنا هذا الكتاب أيضاً لكي
نوازن ما بين هذا، إذاً فالمشروع العلمي التجديدي الخاص برفاعة كان هو بناء الجسور الفكرية الثقافية من غير تأثر ولا انطباع يعني تقليد أعمى لما يصل إليه الغرب، لا نحن سنفهم ونهضم ثم نختار وليس أننا ليس لنا رأي أو كذا إلى آخره نحن عندنا تراث وهذا التراث فيه كنوز، ولكن لا يمنعنا هذا من إدراك خبرة الآخرين وما توصلوا إليه من أفكار وما يصلح من هذه الأفكار معنا في بيئتنا وفي ديننا ومراداتنا التي نريدها. إذاً هذا مشروع تجديدي متكامل. حسناً، أستأذن حضرتك بعد
الفاصل لنرى الأسباب. بعد هذا المشروع الذي أدى إلى بقائه لمئات السنين بهذا الشكل، حينما يأتي اسم رفاعة الطهطاوي على الفور يأتي بجانبه أنه مجدد وأن أفكاره ما زالت أو حتى كانت باقية لقرون عدة بعد انتقاله. أستاذنا يتحرك بعد الفاصل بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج، وعند مدخلها تجد تمثالاً له يرحب بك. في مكان مولده فهنا عاش رفاعة رافع الطهطاوي قبل مجيئه إلى مصر ليلتحق بالجامع الأزهر الشريف لتبدأ منه مسيرته العلمية الفريدة. صفاته كما قال صالح باشا ماجدي الذي هو تلميذه، كان يقول لك أنه ذكي بدون غرور، متدين بدون تزمت، كان سياسياً
وعنده كياسة، وكان متحرراً جداً لدرجة أن كُلَّما ارتفع منصبه وازداد نفوذه، كُلَّما ازداد تواضعه. وكان كريماً جداً ومرحاً جداً مع أهله وأصدقائه ومع مَن عرفه، وكل مَن تعامل معه. وعنده منزله الذي أصبح من أشهر المنازل التاريخية في سوهاج وبشارع بورسعيد بمدينة طهطا، والذي جعله مزاراً هاماً لكل مَن وطأت قدمه مدينة العالم. رفاعة طهطاوي مؤسس النهضة العلمية في العصر الحديث. أهلًا وسهلًا فضيلة الدكتور، مرحبًا بك، أهلًا بكم فضيلة الدكتور. لماذا بقي وعاش مشروع الإمام رفاعة الطهطاوي والعلامة رفاعة الطهطاوي كل هذه العقود الطويلة؟ هو أساسًا المشاريع
أول شيء فيها الإخلاص، يعني لو أنها صدرت من مخلص فإنها تبقى، وثانيًا الانفتاح وليس. الإغلاق لأنه من أغلق على مشروعه أصبح زمنياً غير قابل لأن يتجاوز الزمان كما هو في مشروع رفاعة الطهطاوي ومشروع محمد عبده إلى آخره، وثالثاً كما يقول الجاحظ قديماً في القرن الثالث الهجري إن كل زمن له لغته، فلا بد أن تعيش في لغتك عندما تجد الأعمال. الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي التي جمعها الدكتور محمد عمارة - رحمه الله تعالى - تجد أنها مفهومة، تقرأها هكذا وتفهمها. إذاً
هو يخاطب عموم الناس، لا يضع نفسه في أبراج عاجية ويتكلم بلغة لا تصل إلى أفهام وعقول وقلوب الناس. لو أتيتُ بعد مائة وخمسين سنة لأقرأ، فكأنني أقرأ لأحد الكتّاب المعاصرين، لا هذا ولا ذاك. هذه مقدرة حقيقية وتوفيق، وجاء كل هذا من الإخلاص. هذا الرجل كان مخلصاً لأنه حينما جاء عباس كان متضايقاً من المتخرجين من فرنسا، ويرى أنهم منفلتون، لكنه لا يستطيع أن يقول هذا الكلام، فذهب وقال لرفاعة: "أمسك مدرسة، نحن نريد أن نفتح هناك مدرسة ابتدائية"، يعني كان في ذلك إهانة التي. في السودان فذهب وافتتح المدرسة وعلّم الأطفال أربعين [عاماً] وكان يتابعهم وكأنه يعمل
لكل واحد منهم ملفاً، وبعد ذلك وجد نفسه في فراغ فقام بترجمة رواية تلماك من الفرنسية إلى العربية. فهذه الهمة وهذا التواضع وهذا العطاء، لم يكن يهمه أن يكون ركناً من... أركان الدولة أو يكون يدرس في مدرسة ابتدائية هو يؤدي واجباً بينه وبين الله سبحانه وتعالى في قضايا التعليم. عندما جاء رفاعة إلى مصر وجلس في الأزهر، التف الشباب كله حوله، لماذا؟ لأن كلامه واضح ويفهمهم ويفهمهم بعمق. طيب في مسألة الوقائع المصرية وإصدار الوقائع المصرية، كيف ترى هذه الخطوة؟ آثارها سواء آثارها الصحفي أو حتى في آثارها العامة بالمجتمع المصري. أفهم أنه يريد أن يعيش عصره، ولذلك
قضية الوقائع المصرية هي كانت في الأساس آتية أيضاً من حسن العطار وهو يقول في التنظيم لمحمد علي. حسن العطار كان مدرساً، سنرى إن شاء الله، ربنا يسهل، نتكلم عنه، ولكن هو رفاعة. كُلّف بالوقائع المصرية وكانت تُسمى الجريدة الرسمية، يعني الوقائع المصرية هي الجريدة الرسمية التي تُصدر فيها القوانين والتي تُصدر فيها المراسيم التي كانوا يسمونها "دكريتو" والفرمانات وغيرها، ومعناها التنظيم الحكومي. فتولى رفاعة الوقائع المصرية، وكانت الوقائع المصرية في بدايتها تُكتب فيها مقالات. وبعد رفاعة بمدة جاء محمد. عبده ومسك أيضاً الوقائع المصرية وكتب فيها
الشيء الثاني من آثار المشروع أنه يعيش هذا العصر، بدأ يهتم بالآثار وبتجميعها وبوضع القوانين المانعة لتهريبها أو الاستهانة بها. في البداية كان كل شخص يجد شيئاً يصبح ملكاً له، لكن بدأت القوانين تصدر بأن هذه ثروة قومية، وبدأ منذ أن الفرنسيون ولا الإنجليز يأتون ليحملوا هذه الثروة التي لا تُقدَّر إطلاقاً بثمن من كثرة أهميتها إلى بلادهم ليضعوها في متاحفهم أو في قصورهم أو ما شابه ذلك. نحن المصريين لا بد أن نحافظ على هذه الثروة الكبيرة. هذه النظرة نظرة جديدة تماماً. في الحقيقة، كان
رفاعة الطهطاوي أحد العلامات الفارقة في قضية. الآثار وفي قضية تنظيم هذه الآثار وفي قضية بعد ذلك إنشاء المتحف المصري الذي يوجد في التحرير وهذا الذي دفع المصريين لأن يقيموا المتحف الكبير عند الهرم إن شاء الله ربنا يمن علينا بفتحه وما إلى ذلك، وأخذت الآثار معنى آخر وأصبحت الآثار جزءاً لا يتجزأ من دراسة التاريخ. ومن معرفة خبرة السابقين ومن أنها لها قيمة في ذاتها سواء كانت قيمة سياحية أو قيمة علمية أو قيمة اجتماعية أيضاً إلى آخره، هذا يبين عراقة هذا البلد ويبين أهميته. كل هذا جاء من مشروع رفاعة الطهطاوي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في
الدارين. شكراً جزيلاً دكتور علي جمعة. لحضرتك، الشحناء لا تجوز في الدين، والتعصب الأعمى لأي شيء سواء أكان فريقاً رياضياً أو قبيلة أو مذهباً فإنه تعصب مقيت يأباه
الله ورسوله، والحق أحق أن يُتبع. ومن صحبة السوء اللهم اصرفهم عنا صرفاً جميلاً، وألههم بأنفسهم، وأبعد شرهم عنا يا كريم.