مصر أرض المجددين | ح 19 | الشيخ إبراهيم الباجوري | أ.د. علي جمعة

مصر أرض المجددين | ح 19 | الشيخ إبراهيم الباجوري | أ.د. علي جمعة - شخصيات إسلامية, مصر أرض المجددين
اللهم بك نحيا وبك نموت وعليك نتوكل وإليك نُحشر، يسِّر لنا أمورنا مع الراحلين وأبداننا، وهب لنا الصحة التامة والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا وآخرتنا، وكن لنا ولا تكن علينا، لا نعرف إلا إياك ولا نعبد ربًا سواك، يا أجود الأجودين، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين.
شكرًا، هو ابن محافظة المنوفية. شيخ الأزهر السادس عشر هو صاحب الحاشية الذي كان دائماً ما يحرص طلاب العلم والأمراء والوجهاء على حضور مجالسه العلمية، هو الشيخ الباجوري في مصر أرض المجددين. تمثل مشروعه التجديدي في موقفه سبع سنوات دراسة وتأليفاً، وهو الذي ألف حاشيته الماتعة سواء في
العقيدة أو في الفقه وفي رفضه إخراج. الأقباط ظلماً من مصر فكان مشرفاً لله والمسلمين إلى يوم الدين، رحم الله الإمام إبراهيم الباجوري رحمة واسعة. فضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً وسهلاً بحضرتك، أهلاً وسهلاً بكم مولانا. اليوم نتوقف عند محطة المجدد وصاحب الحاشية العلامة إبراهيم الباجوري، وهو عزيز علينا لأنه من نفس المحافظة. يعني من المنوفية، فماذا يقول عنه فضيلة الدكتور؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كثير من الناس يقولون الشيخ إبراهيم البيوي، وآخرون يقولون الباجوري، لكنه كتب في كتبه يقول: "العبد ذو
التقصير إبراهيم الباجوري"، وهكذا فأصلها الباجوري وليست. البَيْجُورِيّ أيْ أنَّهُ مِنْ بَاجُور مُحَافَظَةِ المَنُوفِيَّة، وَهِيَ طَبْعًا بَلْدَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْعُلَمَاءُ كَثِيرًا. وَالشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ وُلِدَ سَنَةَ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ، أَيْ عِنْدَمَا جَاءَتِ الْحَمْلَةُ الْفَرَنْسِيَّةُ كَانَ عُمْرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً، فَتَرَكَ الْقَاهِرَةَ وَسَكَنَ الْجِيزَةَ فِي بِدَايَاتِ الصَّعِيدِ هَكَذَا خَوْفًا. من طغيان الفرنسية لأن الفرنسيين كانوا يقتلون طلبة العلم ويقتلون العلماء، كان نابليون يقتل خمسة كل يوم، فكثير من علماء الأزهر ذهبوا
إلى الصحراء من أجل الفرار من هذه المذابح التي كان يقوم بها الجيش الفرنسي. ونابليون نفسه في مذكراته اعترف بهذا وأنه كان يقتل خمسة كل يوم من أهل الأزهر الشريف استمر مدة قتل فيها ألف وخمسمائة. عندما نقول أن الأزهر كان في ألف وثمانمائة، أي تبقى ثلاثمائة، ولكن ربنا سبحانه وتعالى خيب ظنه، وظل العلماء يتداولون العلم وينقلونه، ومنهم إبراهيم الباجوري الذي عاد مرة أخرى إلى الأزهر ودرس على علمائه الشيخ القلعاوي والشيخ السقى يعني. كان الذين أصبحوا في أواخر القرن الثامن عشر، ومنحه الله الفصاحة، كانت هي عماد مشروعه
التجديدي. مشروعه التجديدي كان أن يصوغ مرة أخرى التراث بلغة يفهمها كل الناس، ليست لغة غامضة وإنما لغة مفهومة تجاوز فيها المصطلحات، بل ووضع فيها بعض الملحوظات من إنشائه حتى يوصل المعنى إلى... الطلاب فأحبه الطلاب جداً. الطالب عندما يشعر أن هناك من يهتم به يفرح جداً. الإمام البكبوري ألّف في كل شيء، ألّف في الأصول، ألّف في العقيدة، ألّف في الفقه، ألّف في
اللغة، ألّف في المنطق، ألّف في آداب البحث والمناظرة، ألّف في كل ما يُدرس في الأزهر وما حوله. العبارات المعقدة القديمة التي كان الغرض منها الحفظ، أي تحفظ المتن، من "حفظ المتون حاز الفنون"، إلى ما الذي يعنيه هذا بالتفصيل والتفريع والتصوير الدقيق الذي بعد أن تفهمه تتغير حياتك وتتغير طريقة تفكيرك وتتغير حتى عطاؤك للآخرين. فالشيخ الجوري قام بهذا، ولذلك سماه الكثيرون بخاتمة المحققين لأنه لم يكن... أثناء هذا العرض الجديد بالأولى
الجديد وبالصياغات الجديدة، مفرطاً في شيء من نمطه، فإنه سينقل التراث من حالة الغموض إلى حالة فك شفرة التراث والأداء المتميز بأعلى مستوى من التحقيق والتدقيق والترقيق والتزويق. وهكذا يقول هو أنه في خمس مراحل: التحقيق والتدقيق والترقيق والتنميق والتزويق، يعني عمل. عملية تنقية للتراث مثلاً باللغة، أي بلغة العصر أو كما يُقال عنها حالياً، نقّاه وأعاد صياغته وجعله مُهيئاً لأن يكون قابلاً للتعليم والتدريس. أي
وضع المنهج الدراسي الحديث إن صح التعبير، وضع الكتاب الذي تحتاج إليه والذي أخذه الغرب بعد ذلك في صورة كتاب دراسي (تيكست بوك). هذه يعني الآية المرجع الأصلي الذي يرجع إليه في هذا البنك، فكان عندما يدخل في علم يشرحه لك ابتداءً من مَن الذي وضعه، وما هدفه، وما موضوعه، وما الذي يسمونه المبادئ العشرة. هذه المبادئ العشرة كان يتحدث عنها في منتهى السلاسة، ثم يدخل في الشرح والترتيب وفي... البيان فإذا نستطيع أن نقول إن مشروع الشيخ البري الأساسي كان يتمثل في الموقف من التراث
تدريساً وعرضاً وفهماً. لماذا يُلقب بصاحب الحاشية؟ لأن حاشيته ما زالت تُدرس الآن في الأزهر. طرق التأليف تطورت عبر السنين، ففي بداية الأمر في القرون الأولى دُوِّنت العلوم، ولما دُوِّنت العلوم دُوِّنت في صورة. في صورة عرض مثل عندما يأتي الخليل بن أحمد ويؤلف في النحو، فيرزقه الله تلميذاً نابهاً اسمه سيبويه، فيأخذ سيبويه كلام الخليل بن أحمد ويصنع منه مجلدين اسمهما "الكتاب". "الكتاب" في النحو هو كتاب سيبويه، ولكن هذا الكتاب في النحو في الحقيقة عندما تفتحه تجده كله من تأليف الخليل. نضع في
كل صفحة "قال الخليل، قال الخليل، قال الخليل"، فتصبح الكتب مؤلفة بطريقة بدائية هكذا. بعد ذلك دخلنا في مرحلة المختصرات والمتون، ثم دخلنا في مرحلة تحويل هذه المختصرات إلى نظم شعري لكي نحفظها ويسهل حفظها للناس. بعد ذلك أصبح هذا الشعر يحتاج إلى شرح، فصنعنا الشروح، أي دخلنا... في قفا بالشروح بعد الشروح دخلنا في قضية الحواشي، فالحواشي معناها تعليق أو شرح للشرح. شرح الشرح يعني أنني أملك متناً مختصراً، وبعد ذلك هذا المتن عليه شرح يُسمى الشرح،
وبعد ذلك يُسمى حاشية. عندما جاءت الحاشية جاء عليها شرح لشرح الشرح الذي هو التقرير، فأصبحت هناك تقريرات على الحاشية، هذه التقريرات. أحياناً أيضاً يتسلل التشويش إلى المرء، فيصبح التعليق تعليقاً على تقرير على حاشية على شرح على فكرة، فبدأت الحكاية عندما بدأوا يدعون إلى العودة مرة أخرى إلى ملكة اللغة، لأنني الآن سأركز على الألفاظ ولن أكون واعياً للمعاني، وما أردت إيضاحه عبر السنين سيضيع مني. فذهبوا متدرجين أنفسهم لكي يفهموا المعاني
وهذا ما قام به الإمام الباجوري في هذا الأسبوع. حسناً، أستأذن حضرتك لنستكمل سيرة الإمام الباجوري بعد الفاصلة. المنوفية، فاعلم أنك ستجد هدوء الريف ممزوجاً بحياة المدينة، ومن تلك الروح المصرية الأصيلة التي كانت شاهدة على مولد واحد من أئمة الإسلام ومجدديه هو الإمام. الباجوري بدأ بالحمد لله عندما تلقى العلم هنا، وحفظ القرآن في مركز الباجور، ثم ذهب مع والده إلى القاهرة. انتقل من القاهرة إلى الجيزة ومكث فيها أربع سنوات هو ووالده، وبعد ذلك عاد إلى الأزهر الشريف مرة أخرى ليتلقى العلم في الأزهر مع العلماء الكبار. العلماء في هذه الأرض المباركة التي تشع جمالاً وسحراً بامتداد الأراضي
الزراعية على جانبي الطريق، والتي تشكل لوحة فنية غاية في الروعة والإبداع من صنع الخالق سبحانه وتعالى. فمدينة الباجور التي نُسِب الإمام الباجوري إليها، كان له منزل كبير بداخلها تبرع به مبتغياً وجه الله تعالى لعمل توسعات لمسجد النرش. في شارع الثالث والعشرين من يوليو، أحد أكبر الشوارع التجارية بالباجور، والتي تُعد غاية في البساطة والجمال، فميادينها تأخذ طابعاً خاصاً ومميزاً، وعلى بُعد خطواتٍ من هذه الميادين المتطورة تجد طبيعة خلابة لا تراها سوى داخل هذه المدينة الساحرة. نرحب مرة أخرى بفضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً بكم مولانا، أهلاً. أهلاً وسهلاً بحضرتك. كان
لكم تحقيق في حاشية الشيخ الباجوري، أليس كذلك؟ نعم، وهي حاشية على التوحيد، لأنه له حاشية على الفقه، وله حاشية على المنطق، وله حاشية على التوحيد. فعلى جوهرة التوحيد، جوهرة التوحيد هي القصيدة التي برع فيها، فشرحها الشيخ إبراهيم اللقاني، فلما شرحها الشيخ إبراهيم اللقاني. هو أعدّ حاشية على هذا الشرح، فيكون إذا هو شرح قد جئت به، ولأنه مفيد أي يصلح لدراسته. العبارة سهلة، والمعاني واضحة ودقيقة وشاملة لكل ما نريد إيصاله في هذا المقام. ونسّقته إذا كان فيه حديث أخرجته، وإذا كانت فيه آية ذكرت في أي سورة وردت، إذا كان.
في شعره قول من الذي قال، وإذا كان هناك أحد من العلماء اذكر متى وُلد ومتى تُوفي وما شابه ذلك، وهذا ما نسميه التحقيق. وأيضاً جعلت له فقرات: هذه الفقرة الأولى، وهذه الفقرة الثانية، وهذه الفقرة الثالثة وهكذا. فأصبح كتبت البيت الذي يريد شرحه في الأعلى بطريقة مختلفة عن بقية الشرح لكي يكون واضحاً. العين سهلة عليها أن تقرأ، وسُمِّيت كل فقرة من هذه الفقرات بعنوان كتبته في الهامش الصغير. هكذا قاموا بالقول إن هذا تحقيق خدمة الكتاب حتى يصل إلى القارئ من أقرب طريق كما
أراده المؤلف. صعبٌ صعبٌ، فنحن ننتقي الكتب التي لها تأثير والتي يُقبِل عليها الطلب، وهو مُقبِل عليها لأنه فَهِم. قرأ ففهم، لكن قرأ ولم يفهم فحفظه. هذا ما لا نريده، نحن نريد أن يقرأ ويفهم، لأننا دائماً نتذكر كلام الشيخ أمين الخولي رحمه الله تعالى أن من أراد التجديد فيه أن يقتل التراث درساً وفهماً وتعميقاً. بعد ذلك تستطيع أن تختار وتقول أنا اخترت هذا من ذاك لأنك فاهم. تستطيع أن تقبل وتستطيع أن ترفض. متى تصل إلى هذه الدرجة؟ عندما تكون فاهماً، لكن عندما تدخل وأنت غير فاهم ثم ترفضه لأنك لا تفهمه، فيكون المرء عدو ما جهل. إذن نحن جهلة
ولسنا علماء. فالإمام البيجوري عندما يأتي لي ويترك لي شيئاً كهذا، بعض الناس يقول لك... الله، ما هو كان في عصره. طيب اقرأه واقرأه وانظر أنت فاهم أم لا. فتجد أن تحقيق هذه الكتب ونشرها بصورة تجعلها أقرب إلى القارئ المعاصر أيضاً هي خطوة من خطوات المشروع التجديدي، خدمةً للمشروع التجديدي الذي أتى به الشيخ إبراهيم، أو بمعنى صحيح، الذي منحه الله سبحانه وتعالى. للشيخ إبراهيم لأنها منحة ربانية وعطية صمدانية كما كانوا يقولون، كان دائماً على علاقة بالحكام وبالولاة، وكانوا دائماً ما يحضرون دروسه، فإلى أي مدى كان مؤثراً في الحياة السياسية أو في دوائر الحكم؟ سأعطيك مثالاً عجيباً بعض الشيء، ولكن التاريخ هكذا، كان
عندنا في هذا العصر الذي... كان الشيخ الباجوري شيخاً للأزهر، وكان يرسل البعثات العلمية إلى ألمانيا لاحتياج مصر الشديد إليها. لو قرأت الفرمان الخاص به وهو يكتب في هذه القضية، يقول: "وتوجه البعثات العلمية إلى ألمانيا" حيث أنهم كانوا يأتون من فرنسا قبل ذلك، بنفس هذا اللفظ، ومشهور عن ألمانيا أنهم أهل جد واجتهاد حقيقة. كان عباس يحضر دروس الشيخ الباجوري، وكانوا
يُحضرون له كرسيًا لأنه لم يكن يستطيع الجلوس على الأرض نظرًا لارتدائه البنطال والملابس الرسمية والهيئة الخديوية التي كان يظهر بها. كانوا يُحضرون له كرسيًا من مقهى كان يقع تحت مبنى محمد بك أبو الذهب، الذي نُسميه نحن "باب المزين" لأن الحلاقين كانوا يجلسون هناك. عند الباب هذا لأجل الطلبة، وكان الحلاق يُسمى مزيناً فيُحضر له الكرسي ويجعله مثل الباشا. فالشيخ الباجوري لا يقوم بإعطاء الدرس ويجد شخصاً مثل الباشا هذا وهو الخديوي داخلاً، فيقول له ويشير له هكذا يعني يجلس، يعني يأذن له بأن يجلس، ويُحضر له الكرسي وهو الكرسي ذو الخوص الذي من النوع القديم، ويجلس. عليه وينصرف بعدما ينتهي. في
يوم من الأيام، كل هذه القصة أصبحت مشقة لأجل أن أنقل لك هذه الرواية. استدعاه الخديوي عباس، وهذا موجود في التاريخ وموجود في الكتب كثيراً، وقال له: "أنا أفكر في أن أطرد الأقباط من مصر، فأريدك أن تعطيني فتوى بأننا نعم نطردهم، وأنا جهزت الأمر". وفكرت بشكل جيد جداً أن نُرسلهم جميعاً معاً إلى السودان، وأن يكونوا بعيدين عن ملكي وعن عاصمتي. قال له: يعني أنا لا أفهم، يعني سترسل الأقباط وتخرجهم من ديارهم؟ قال له: أخرجهم من ديارهم وأبعدهم عني. قال له: لا يصح، دين الإسلام لا يقول لك هكذا، هذا ممنوع. قال... له بل
أنا أريد هكذا، قال له هذا ضد الشرع الشريف، لا أستطيع أن أفتي لك بهذا، هذا الشيخ البجوري، هذا الشيخ البجوري، فغضب عليه غضباً شديداً وقال للرجل هذا: أبعدوه من أمامي، دخل الناس وقال لهم، ومشى الشيخ البري، والتاريخ يروي أنه اشتكى لزوجته من الخديوي، يعني قال لهم إن هذا الرجل... لن تكون نهايته جيدة، هذا الخديوي. وقد جلس الخديوي في منصبه لمدة لا تتجاوز ست سنوات، الخديوي عباس، وحتى إن هناك شبهة حول مقتله، إذ يقال إن العائلة قتلته. وهناك من يقولون لا، بل حدث ما حدث أو ما إلى ذلك. فمات، وعلى كل حال، فإن الشيخ الباجوري بموقفه هذا أعزّ الإسلام والمسلمين، وبيّن للعالمين أن الأقباط مواطنون.
مثلما المسلمون مواطنون، ومثلما كان اليهود موجودين كمواطنين، فإن المواطنة أمر لا بد منه خاصة في عصرنا الحديث. طبعاً المواطنة قد أسسها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة الأولى وكتب صحيفة المدينة ليجمعهم عليها. إنما هذا الموقف وعدم محاباة الشيخ الباجوري أو عدم خوفه من السلطان مع أنه كان عنيفاً. وقاسٍ وشيء من هذا القبيل إلا أنه أبداً لم يلن، رحمة الله عليكم، رحمة الله عليكم. أنا أشكر فضيلة الدكتور علي شكراً جزيلاً لحضرتك.
من الإصابة بكورونا، والصحيح أنه إذا أُصيب أفطر وعالج نفسه بمقررات العلاج، أما إذا لم يُصب بشيء من ذلك فعليه أن يصوم. أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. اللهمَ اجمع شملنا وصِلْ أرحامَنا يا كريم