مصر أرض المجددين | ح 20 | الشيخ جلال الدين السيوطي | أ.د. علي جمعة

اللهم أنت الحميد الرب المجيد الفعال لما تريد، تعلم فرحنا بماذا ولماذا وعلى ماذا، وتعلم حزننا كذلك، وقد أوجدت ما أردت فينا ومنا، ولا نسألك دفع ما تريد، ولكن نسألك التأييد بروحك فيما تريد، كما أيدت أنبياءك ورسلك وخاصة الصديقين من خلقك، إنك على كل شيء قدير،
هو وارث الأنبياء صاحب العمل الإبداعي والفكري الغزير والفريد من نوعه فأصبح بالتالي هو أحد أعلام الفكر والتنوير ليس في العصر الذي عاش فيه فقط ولكن لأعوام وربما لعقود طويلة جاءت من بعده هو الإمام السيوطي في مصر أرض المجددين
يتمثل محور مشروعه التجديدي في موقفه من التراث جمعاً وتحقيقاً وتلخيصاً، وفي توليده للعلوم، فقد أنشأ علم القرآن الكريم في كتابه الإتقان في علوم القرآن. رحم الله الإمام السيوطي فقد كان علامة. فارقة في تاريخ التأليف في مصر فضيلة الدكتور علي جمعة أهلاً بكم أهلاً بكم مرحباً أهلاً بكم مولانا. أولاً، يعني علامة جلال الدين السيوطي المتبحر في سيرته ومسيرته يجد أنه رحالة من علم، إلى أي مدى كان هذا الترحال له أثر في مشروعه التجديدي؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله. والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وصحبه ومن والاه. الإمام السيوطي وُلد في سنة ثمانمائة وثمانية وأربعين من الهجرة وانتقل إلى رحمة الله تعالى في سنة تسعمائة
وإحدى عشرة، أي أن عمره كان ثلاثة وستين سنة. في هذا العمر استطاع السيوطي أن يكتب كتباً كثيرة ومحررة وعجيبة، وكان مشروعه كان مبناه على توليد العلوم يعني أنه أنشأ علوماً لم تكن موجودة من قبل، وذلك نتيجة كثرة الإطلاع. كانت لديه مكتبة هائلة، وكان أيضاً عنده المكتبة المحمودية التي كان أميناً لها الإمام ابن عسقلاني. المكتبة المحمودية موجودة إلى الآن، فعندما تسير في الغورية تجدها على يسارك وأنت قادم من الأزهر متجهاً إلى الشارع. أو الذي كانوا يسمونه محمد علي. فالإمام السيوطي من
سعة اطلاعه وكثرة ذكائه بدأ التأليف وهو عنده سبعة عشر سنة، ولما بلغ الأربعين، يعني رأى أن كتبه وصلت إلى ثلاثمائة كتاب، ثلاثمائة كتاب في الفترة من الثلاثة والعشرين حتى الأربعين، قال: "أنا خلاص، أنا أريد الآن أن أعبد ربنا فأنا سأعتزل الناس فذهب وألّف كتابًا، يعني لكي يعتزل الناس ألّف كتابًا وسمّاه "التنفيس في الاعتذار عن التدريس". أنا أعتذر عن التدريس، وهكذا ألّف كتابًا. عندما توفي، كان عمره آنذاك أربعين سنة، وبعد ثلاثة وعشرين سنة سيموت. وهكذا اعتزل، ووجدوا أن عدد مؤلفاته وصل إلى سبعمائة أو أربعمائة مؤلف بعد ذلك. الاعتزال، أربعمائة مؤلف بعد الاعتزال، أتلاحظ؟ فما
يتسلى وهو جالس يعمل في القراءة وما إلى ذلك. المهم أن هذا الرجل كان عجيباً غريباً في العطاء. وكل هذا أرجعه إلى توفيق الله سبحانه وتعالى وإلى حسن النية وإلى التخلق بالأخلاق الكريمة والرغبة في اعمار الأرض. الإمام السيوطي ولد علوماً. أي أننا نستطيع القول إن مشروعه التجديدي هو الموقف من التراث تحقيقاً ودرساً وتدريساً وجمعاً، والخامس أيضاً وكذلك الآخر. أي أنه يُولِّد العلوم من الماضي ولا يهدمه. نتذكر دائماً كلام الشيخ أمين الخولي "من أراد التجديد
فليقتل التراث درساً وعمقاً وهكذا، وإلا كان تبديداً". فهم فعلوا - يعني الشيخ أمين رحمه الله لم يقل كلاماً غير صحيح. من عند نفسه، إنه أتى بها من الأمثلة التي رآها في المجددين، وألف كتاب "المجددون في الإسلام"، ومنهم السيوطي. وكان الإمام السيوطي ولد علما عرف فيما بعد بعلوم القرآن - لم تكن موجودة شيء اسمه علوم القرآن، بل كانت هناك قراءات، وتفسير، وغريب القرآن، لكن علوم القرآن بدأ يجمع من خلال... التاريخ من خلال التفسير، من خلال القراءات، من خلال حتى كتب الأدب كالعقد الفريد
لابن عبد ربه أو كتاب الحيوان للجاحظ، يجمع كل ما يخص القرآن. فخرج علوم القرآن، فألف فيه كتاباً ماتعاً طُبع مرات عديدة: "الإتقان في علوم القرآن"، "الإتقان في علوم القرآن"، بعد ما وصل إلى نحو نصفه وهو ولد. علمًا فوجد الإمام السيوطي أن الإمام الزركشي، الذي توفي قبله بنحو أكثر من مائة سنة، قد ألّف في نفس المعنى وسماه "البرهان في علوم القرآن". فلما حصل على النسخة المشابهة، ولما وصلت إليه وجد أنه أضاف أشياء ليست موجودة عند الزركشي، فاعترف وقال. أنا الآن
أصبح تحت يدي البرهان وسأعتبره بمثابة مرجع أنقل منه ما أحتاجه، لكن الإتقان هذا مرحلة متقدمة عنه، وفعلاً ألَّفَ الإتقان. وعندما نأتي ونقارن بين كتاب الإتقان وكتاب البرهان، سنجد أنهما كتابان مختلفان وكتابان مبذول فيهما جهد كبير، وبذلك نشأ علم جديد، لأن ما معنى أن يولد أمثال السيوطي؟ هذا العلم أنه غير موجود بالتأكيد، نعم. بعد ذلك ذهبت أيام وجاءت أيام وأصبحت علوم القرآن مادة مستقلة تُدرس في الأزهر الشريف، وكانت هذه إحدى المشاركات. فعل هذا أيضاً في النحو في جمع الجوامع،
وألَّف كتاباً كبيراً في اللغة وهو ابن عشر سنوات. أقول لحضرتك ألَّف كتاباً كبيراً جداً في اللغة. بعد ذلك عندما وجده كبيراً جداً قسّمه، فجعل جزءاً منه في ترجمة النحاة وجعل جزءاً منه في النحو والصرف وجعل جزءاً منه فيما أسماه بفقه اللغة. وفقه اللغة أيضاً لم يكن مستقلاً فجعله هو مستقلاً في عصرنا الحاضر، وأيضاً دراسة مستقلة. هذه المجهودات مجهودات ضخمة جداً، لكنها تنبيء عن نفسية وعن شخصية نصفها بالتجديد. مسألة الترحال يعني السفر من الهند إلى ما بينهما من بلاد وأنصار، وكيف كان له تأثير على مشروعه التجديدي وعلى فكرة الموسوعي كما حضرتك تفضلت؟. أحد المكونات، لأن طلب العلم
كان جزءاً لا يتجزأ منه. فلم يكن هناك طائرة وسيارة وما إلى ذلك، ولم تكن هناك مؤتمرات وأشياء تجعلهم يلتقون ويتحدثون ويتبادلون المعلومات والخبرات والمناهج وما إلى ذلك، فكانت الرحلة في طلب العلم جزءاً لا يتجزأ من حضارة المسلمين. فالذي لم يرتحل لا يكون بالموسوعية التي تميز بها الإمام السيوطي. الإمام السيوطي ألّف في الطب، وألّف في اللغة وفي الفقه، وقد أنشأ مادة ما زلنا ندرسها حتى الآن من كتابه في الأزهر. وهي الأشباه والنظائر أو القواعد الفقهية، القواعد الفقهية موجودة، وألّف فيها ابن الوكيل، وألّف فيها ابن السبكي، وألّف فيها الإمام السيوطي. عندما تطلع على
كتاب الإمام السيوطي تجده مختلفاً تماماً عن كتابي السبكي أو ابن الوكيل، وكل كلمة - وليس كل سطر - موضوعة في مكانها وكان مولانا سيدنا الشيخ جاد الرب رمضان يدرس هذا الكتاب. الكتاب سبعة أبواب، فكان يدرس السنة الدراسية باباً، والسنة القادمة على نفس المنوال يدرس الباب الثاني، حتى يتمتع هو بالرحلة في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي. وكان الكتاب إذا قرأناه ودرسناه نحفظه مثل القرآن، نحفظه هكذا دائماً ونسمعه مثله. ما هو موجود وأفادنا جدًا في تكويننا
العلمي الأشباه والنظائر للسيوطي، فلو عملت الإتقان ووضعت بجانبه المزهر في فقه اللغة، ووضعت بجانبه جمع الجوامع، ووضعت بجانبه الأشباه والنظائر، إنه صاحب تجديد أثّر فيمن بعده وإلى يومنا هذا، فالرحلة العلمية جزء لا يتجزأ من حضارة المسلمين وليس فقط عند السيوطي، لكن هذا عندهم جميعًا الرحلة في طلب العلم. أستأذن فضيلتكم أن نستكمل سيرة الإمام جلال الدين السيوطي ونلقي الضوء على جوانب أخرى من إنجازاته العلمية ومشروعه التجديدي، ولكن بعد الفاصل. أستأذن حضرتكم
على نهر النيل، وبمجرد أن تمر على قناطر أسيوط الجديدة لتسهيل أرجوكم ابقوا وصولك إلى مقام العارف بالله جلال الدين السيوطي، فهو عالم وفقيه جليل من علماء الإسلام. ومجدد من المجددين الأوائل في العصر الإسلامي يتبارك بمن عاش أو مر بأسيوط وعلى أعتاب مسجده المبارك يمكنك أن تسمع دعوات السائلين وابتهالات المحبين من كل الأعمار من الناس مهرولين لمحبته باحثين عن ضالتهم طالبين من الله الرضا والغفران آملين في العفو فهم في حضرة زاهد أحبه الله عز وجل. وكرمه بمحبته أجدد الترحيب بفضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم مرة أخرى، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور. الأرقام التي تتحدث
عن قدرات الإمام جلال الدين السيوطي ربما يرى البعض أنها مبالغ فيها، يعني أنه يحفظ مئات الآلاف من الأحاديث، وله سبعمائة مؤلف مثلاً. فهل هذه الأرقام حقيقية أم كان فيها أي شكل من أشكال المبالغة من التلاميذ الذين جاؤوا بعده عبر أجيال متتالية. لا، فعندما يتعلم الإنسان بشكل صحيح ويجد مجموعة من المشايخ يفهمونه، ويكون متمتعاً بالذكاء، وثانياً التقوى، وثالثاً أن يكون تحت يده مكتبة عامرة، فسيكون لديه بيان لم يأتِ به غيره كالإمام السيوطي. كانت تحت يده المكتبة المحمودية متفرغ فيها ليل النهار، يجلس يتذاكر فيها كتاباً له اسمه "الحاوي للفتاوي" في ثمانين
كتاباً. "الحاوي للفتاوي" هذا مجلدان، فالرسالة عبارة عن عشرين صفحة، عبارة عن أربعين صفحة، عبارة عن سبعة عشر صفحة، وهكذا، لأنه كان يبحث في المسألة بحثاً عميقاً واسعاً حتى يُلم بأطرافها وحتى. يُعطيها لك وفي كل شيء، يعني سأُعطيك بعض الأمثلة قد تكون بعيدة عن ذهن السامعين. له كتاب في تفسير معنى الاختلاج يُقال له "المنهاج في تفسير الاختلاج". ما هو هذا الاختلاج؟ فالاختلاج هذا هو أن عيني ترتعش، العين ارتعشت، نعم، ارتعشت العين. أحيانًا هكذا يكون هناك نبض، صحيح، يشعر المرء به. فيتتبع هو هذا الأمر ويجد من
الكتب ما يتحدث عن هذا، ويجد أن الاختلاج ليس في العينين فقط، بل ممكن يكون في طرف الأنف، وممكن يكون في جوف الأذن، وقد يكون في رأس الإصبع، وقد يكون في الركبة، وقد يكون في الخد. إذاً ما معنى ذلك؟ إنه إشارة إلى شيء ما، وهناك تسع رسائل في المسائل. الجنسية وكان تأليفهم في هذا تأليف له غرض له هدف. الغرض منها كان غرضاً عفيفاً. الأعداد التي تسأل عنها ليست مجرد أعداد، بل هي واقع. يعني عندما يأتي شخص ما ليعد رسالة دكتوراه في مؤلفات السيوطي ويصل بها إلى سبعمائة مؤلف، حسناً هي موجودة بالفعل، فيأتي احتمال الانتحال.
هل توجد كتب من هذه النوعية للسيوطي؟ نعم، توجد ولكنك ستجد واحداً أو اثنين اخصمهما من سبعمائة فقط. إنما كان يحفظ مائتي ألف حديث مثلاً، لأنهم كانوا يعدون كل سند حديثاً. يعني "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهو حديث له سبعمائة سند، فيصبح سبعمائة حديث. نعم، صحيح. نعم، يعني السند بحديث صحيح، فهذا له سبعمائة صحيح. هو يحفظ السبعمائة أو يعرف السبعمائة. السبعمائة سند كأنهم سبعمائة حديث، كأنهم سبعمائة حديث. عندما نأتي إلى المائتي ألف حديث هؤلاء، سنجدهم في النهاية هو ما ذكره في الجامع الكبير في الأحاديث عندما. ذُكِرَ فيه كم نص؟ ذكر ستة وأربعين ألف نص، ستة وأربعين ألف نص. يعني المائتان هؤلاء بستة
وأربعين. وعندما نأتي إلى الستة والأربعين، كم عدد النصوص المنكرة أو كم عدد الصحيح منها؟ يبلغ حوالي خمسة عشر ألف نص. كل هذا الكلام الذي قام به، عمل الجامع الكبير، والجامع طبع الصغير والجامع الصغير طبع عمل زيادات على الجامع الصغير، والزيادات طُبعت وشُرحت، فكلها أساسية يعني لن نستطيع أن نقول وكلها مرقمة بشكل صحيح موجودة موجودة في الكتب. يعني نعم، يعني ليس وهماً بعد، يعني ليس كذباً بالضبط. وكذلك تقول مثلاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم العيدين. وأيام التشريق ها هو الحديث هنا، حسناً، فهناك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة أيام: يوم الشك الذي هو آخر يوم في شعبان حين لا نعرف أهو أول أيام رمضان أم لا، والأيام الثلاثة الخاصة بالتشريق،
فأصبحوا ستة. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام العيدين، حسناً ماذا بعد؟ ما رأيك أن هذا الحديث وهذا الحديث ويكفيه هذا الحديث، يمكن أن تقول عن هؤلاء الثلاثة إنه نهى عن ستة أيام وهو أحد الروايات، فيكفي لو فعلنا هكذا سيصبح حديثاً واحداً، ولن يصبحوا سبعة وأربعين ألفاً بل سيصبحون ستة آلاف، فإذا عملنا بهذا الشكل سنجد أن السنة قريبة منا وأنها محددة المشكل عشرون ثلاثون حديثاً فلا تأتي تخبرنا ولا ترمِ كل السنة لأنك لا تستطيع إدخال عشرين حديثاً في ذهنك، لأن أغلبها يدعو إلى الأخلاق. خمسة وتسعون في المائة من هذه الأحاديث تقول: "والله لا يؤمن من بات شبعان
وجاره جوعان وهو يعلم"، "اتق الله حيثما كنت"، "أتبع السيئة الحسنة تمحها "وخالق الناس بخلق حسن". أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه. إنها أخلاق عالية جداً، كيف ترمي كل هذا لأنه لا يعجبك عشر أو عشرون نصاً موجودين من ستة أو سبعة آلاف حديث، هؤلاء جمعهم شاكر لحضرتك. هذا هو الإبحار في سيرة الإمام جلال الدين السيوطي. شكراً جزيلاً لحضرتك. رحمة الله، شكراً جزيلاً لحضرتك والشكر موصول لحضراتكم. نراكم على خير، إلى اللقاء. احذر عدم إفساح الطريق لسيارة الإسعاف، فإفساح الطريق لسيارة الإسعاف واجب شرعاً، وعدم إفساح الطريق لها قد يوقع في الإثم الكبير،
فإن سيارة الإسعاف تحمل حالات الطوارئ، فيجب على الإنسان أن يفسح لها وجوباً شرعياً محتماً، حتى إن الفقهاء نصوا على أن... من يجيد السباحة ويرى شخصاً يغرق فيجب عليه شرعاً أن ينقذه. إياك إياك ألا تفسح الطريق لسيارة الإسعاف. اللهم ارزق بناتنا بالزوج الصالح وأولادنا بالزوجة الصالحة. اللهم إن ذلك لا يكون إلا منك، فاللهم اهدنا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك يا رب يا رب يا رب.