مصر أرض المجددين | ح 21 | الشيخ أحمد الدردير | أ.د. علي جمعة

اللهم يا رافع السماوات بغير عمد، يا عالم الغيب والشهادة، يا رب كل شيء ومليكه. اللهم إنا قد عجزنا عن دفع الضر عن أنفسنا فادفع الضر عنا يا كريم.
كان شيخاً للجامع الأزهر ثم مفتياً للديار المصرية. أحبه المصريون حباً شديداً لأنه كان يدافع عن المَلِك والعثمانيين، فلقبه المصريون بأبي نحو الشيخ أحمد الدردير في مصر أرض المجددين كالطائب، ويقوم محور مشروعه التجديدي على القيام بالسلطات الثلاث: التشريعية، فكان فقيهاً مالكياً لا يُشق له غبار، شرح مختصر خليل، والتنفيذية حيث كان يأتي للناس بحقوقهم من ظلم المماليك، والقضائية حيث كان يحكم
بين الناس. الشيخ أحمد الدردير يرحب بفضيلة العالم الجليل الدكتور علي جمعة: أهلاً بكم. المحاور: مولانا، أهلاً ومرحباً، أهلاً بفضيلتكم، فضيلة مولانا، نحن بصحبة فضيلتك اليوم للحديث عن شيخ أهل الإسلام الشيخ أحمد الدردير. ماذا تقول فضيلتكم عن أحد أعلام المجددين في الفكر الإسلامي؟ الدكتور: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه كان الدردير نقطة فارقة بين عصرين لدرجة أنه عندما توفي سنة ألف ومائتين وواحد من الهجرة، أي في السنة الأولى من القرن الجديد، القرن الثالث عشر. هذه السنة كانت توافق
ألف وسبع مائة وثمانية وسبعين ميلادياً، أي قبل دخول الفرنسيين باثني عشر سنة وقبل وفاة... المرتضى الزبيدي صاحب الشرح على القاموس بأربع سنوات، فترة مليئة بالتطور الاجتماعي. استطاع المماليك أن يبسطوا سيطرتهم على مصر. كانت مصر تحت الحكم العثماني إن صح التعبير، لأنه لم يكن حينئذ يُسمى احتلالاً بل كان برضا أهل البلد وما إلى ذلك، لكن على كل حال كان الوالي
يُعيَّن من اسطنبول يُعَيَّن من القاهرة وحاكم مصر يأتينا من الخارج، ولكن مراد وإبراهيم هم الذين كانوا ممسكين بالحكم، أبناء المماليك من الفترة السابقة. الشيخ الدردير أنصح بتوضيح التعبير أيضاً وبلغة العصر، لأنه حينئذٍ في أواخر القرن الثامن عشر لم يكن هناك هذا التقسيم الواضح الذي أتى بعد ذلك من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وبناء الدولة الحديثة على انفصال السلطات، انفصال السلطات. كان الشيخ الدردير آخر من جمع بين السلطات، فهو كان أولاً فقيهاً لا يُشَقُّ له غبار، له شرح
على مختصر خليل، ومختصر خليل هذا كان هو العمدة في الحكم بين المالكية، يعني كأنه قانون، فإنه شرح القانون الذي سيحكم بين الناس. إذا فهذه سلطة شرعية وأيضاً كان قاضياً يقضي بين الناس لدرجة أن الناس ربما تتعجب من هذا، لكن هذه هي طبيعة العصر أنه كان ينفذ الأحكام. فلو كان هناك شخص يستحق الإعدام، فكانت توجد مشنقة في دار الدردير، فيجلس أي يقوم بتنفيذ الإعدام فيه. هو الذي كان ينفذ الحكم، هو ينفذ الحكم في بيته، في بيته، في بيته، والناس راضية بهذا لأنهم قد وثقوا في ذمته وفي
علمه وفي ديانته، وأنه لا يظلم عنده أحد، وأنه يطبق القانون السائد الرائج وهو شرع الله. حينئذٍ، طبعاً هذا قد يناسب قلة السكان لكنه لا يناسب الدولة الحديثة من ناحية طبعاً ولا... يناسب قلة السكان من ناحية ثانية، فالناس يجب أن تفهم الأمور من خلال الظروف الاجتماعية والبيئية والدينية في ذلك العصر. نقرأ العصر من خلال معطياته وعناصره. السلطة الثالثة التنفيذية، فهو يمثل سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية هو وحده هكذا، ولذلك كان مسموع الكلمة وكان الناس تلجأ إليه عند الشعور. بالظلم والمظلمة
مرة بعد مرات، أحداث كثيرة جداً تحدث. الشيخ القدير يأتيه مرة جاءت له قضية جماعة من المغاربة لهم قطعة من الأرض، فرفعوا قضية ضد إبراهيم بيك. إبراهيم بيك هذا هو الحاكم، فقضى بأحقية المغاربة لهذه الأرض بناءً على المستندات والشهود وما إلى آخره. لا، هذه فعلاً الأرض هذه لهم والله نحن ليس عندنا هذا الكلام، هذه خاصتي يعني خاصتي وانتهى الأمر، يعني لا يحدث شيء. فذهبوا إليه، أي هو ذهب إليه كقاضٍ. عندما نذهب في تنفيذ الأحكام لا نذهب إلى القاضي، وإنما نذهب إلى الشرطة لأن الشرطة هي التي تنفذ، لكن هو كان يعني
مع بعضه هكذا، هؤلاء يُنفّذوا حُكمك، فلا يوجد شيء اسمه يُعملوا حُكمك. هذا لا بد من تنفيذ هذا الحكم. فإبراهيم بك قال: أنا لست منفذه، انظر ماذا ستفعل. قال له: حسناً، ارفع الأعلام الحمراء على منارة الأزهر. ماذا تعني الأعلام الحمراء؟ وهل توضع على منارة الأزهر؟ نُنزل القاهرة للإتيان يا. خبر أبيض يعني خطر، يعني أنه سيُحدث له ضجيجًا ويُسبب له اضطرابًا اقتصاديًا، وسيخرجون جميعهم ضد المماليك وسيزيلونه ويعزلونه. وهو يُحضّر لعزل إبراهيم بيه من الحكم. مَن الذي سيعزله من الحكم؟ الذي سيعزله
من الحكم لدينا هنا أو المحكمة الدستورية العليا. فهو لم يُعزل من الحكم بعد، وإنما يتهيأ للعزل. مِن الحُكَّام مُراد الذي كان في القضاء. قال إبراهيم: "لا، هذه مصيبة سوداء". هذا إبراهيم أحمق. مُراد يقول هكذا: "إنَّ إبراهيم هذا أحمق وسيُؤدي بالدنيا إلى الهاوية". فذهب إلى الشيخ الدردير ليستريح وأعاد الأرض للمغاربة. حسناً، انتهينا. عرفنا الطريق أننا نذهب إلى الشيخ الدردير لأنه فعلاً نَجَح في هذا الأمر. حادثة ثانية مع أمير اسمه الأمير يوسف أيضاً، أراد أن يأخذ شيئاً فأخذه، وذهب إلى البيوت وأخذ منها الأشياء التي تعجبه
لبيته، فجاؤوا يشكونه، فعمل نفس الحكاية وقال: "تُرد الأشياء، خلاص حكمنا برد الأشياء إلى أصحابها"، وترجع ثانيةً. فالأمير يوسف قال: "لا لن أردها"، والمماليك قالوا: "والله هو في..." كل مرة تقول إبراهيم باشا الذي هو الحاكم أو إبراهيم بيك، ومرة تأتيني هكذا، هذا لا يصح. وقف الأمراء، وهؤلاء الأمراء لديهم قوة وتدريبات عسكرية وسلاح وما إلى ذلك، وقفوا في صف يوسف. فذهبت الأعلام الحمراء أيضاً فوق الأزهر، كانت هذه الأعلام الحمراء يراها. الذي يسكن في بلاق التكرور لأن الدنيا كانت فارغة، فينظرون هكذا في الأعلام الذي
رُفع على مئذنة الأزهر. تجمع كل الناس عند الأزهر، نعم لأنه أيضاً الشيخ يريدهم، فلابد أن يجتمعوا عنده. وأيضاً ذهب مراد باشا، وكان جالساً في صحن الأزهر، وبدأ يقرأ القرآن، ومدَّ رجله وجلس يقرأ. القرآن هكذا فلما جاء مراد لم يؤمله ولم يعمل له ولم يرحب به، فمراد أيضاً شعر في نفسه أنه قال: "أنا أتيت إليك، فهلا قمت لي؟" فذهب أحد الأتباع وأخذ هذه الصرة وأعطاها للشيخ، وفيها نقود لكي يُظهر له بعض الاحترام أو شيء من ذلك، فأعطاها له وقال له: "اذهب لسيدك من مدَّ رجليه لا يمدّ يديه، الله
من مدَّ رجليه لا يمدّ يديه. وكان بعد أن ألَّف شرح المختصر، عمل الشرح الصغير وأنجز مجموعة من الكتب. وكان يهتم - وهذا هو مشروعه العلمي - اهتماماً بليغاً بتعليم العوام، الاهتمام بتعليم العوام. هذا هو مفتاح مشروعه: أشعة العلم، أشعة العلم، عمل مثل طه حسين عندما كان يقول العلم كالماء والهواء، كالماء والهواء، فهذا يعني أنه في الدير وبدأ من هنا يضع قصيدة الخريدة التي تشرح قضيتين: العقيدة والأخلاق. حسناً فضيلتك، بعد الفاصل سنرى هذه القصيدة وما فيها، وسنرى أعماله وأيضاً فكرة تأثيره في المجتمع الذي
كان. أعيش فيه وقتها. أرجو من فضيلتك بعد الفاصل إن شاء الله، إن شاء الله أرجوكم ابقوا معنا. هذا الحي العريق الذي يرمي بظلاله وتاريخه عتق وأصالة التاريخ الإسلامي في قاهرة المعز، وفي تلك البقعة المباركة يقع مسجد وعلم من أعلام الدين الإسلامي، مسجد سيدي أحمد الدردير، وبعد أن تتجاوز أعتاب الشريف وقبل أن تصل إلى مقامه بزاوية صغيرة بالقرب من مسجده تجد كلمات رثاء محبيه بوصف بليغ وبديع، فهو أبو البركات كما لقبه محبوه وتلاميذه وكل من جاوره برحلته العلمية، فتجد ساحة صغيرة وغرفة تضم نسل شيخنا الجليل التي حفظت
سيرته العاطرة على مدار الزمن. أرحب مرة أخرى بفضيلة الدكتور جُمُعَة، أهلاً بفضيلتك، أهلاً وسهلاً ومرحباً. طيب، الشيخ الدَّرْدير الملقب بأبي البركات. فأسألُ فضيلتك لو تحدثنا أكثر عن الجانب الروحاني في حياته وأعماله. الشيخ الدردير آمن بالتصوف وأخذ الطريقة الخلوتية، والطريقة الخلوتية في سندها الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي الذي كان في القرن السادس. الهجري وترقى ترقياً كثيراً فكان كثير الذكر، كان كثير قراءة القرآن، كان قلبه
رقيقاً. كان ذلك كله على الخلوتين، وكان تلميذاً للشيخ السباعي والشيخ الصاوي، وشرحوا كلهم الخريدة البهية التي تركها من أجل أن يعلّم الناس العقيدة من ناحية والتصوف والأخلاق من ناحية ثانية. ولما وجد... يرى الشيخ الدردير أن الخريدة تصلح لأن تكون كتاباً مدرسياً يتعلم منه الطلبة أصول العقيدة في صفحة واحدة. وهذا جانب آخر، أنه ألّف العقيدة في صفحة واحدة من أجل العوام. كان في ذهنه أيضاً تعليم الناس، لأن هذا التعليم يُحدث فرقاً. كان الأطفال تقريباً ينشدون قصيدته هذه، الخريدة. لقد جعل في مدرسة ابتدائية،
ولكن هذه الصفحة مخصصة أيضًا لمن لم يدخل المدارس ليتعلم فيها ويستخدمها. ولذلك الشيخ الفضالي قام أيضًا بعد ذلك بتطوير هذه الصفحة وتعليمها للأولاد الذين يقودون الحمير، فيقول لك: "أصبح قائدو الحمير من المنيل إلى الأزهر من علماء الكلام". لم يكن الشيخ الفضالي يأخذ هذا الوقت في... الانتقال من بيته في المنيل إلى الأزهر الشريف، وهو يُعَلِّم الولد الذي معه ويُعَلِّمها له بطريقة، وهو ليس من طلبة المولى من العلماء ولا ما شابه ذلك، لكنه يُبَسِّط الأمور ليجعل هذا الصبي يفهمها، نعم ويضرب له الأمثال ويفعل ما يلزم حتى تدخل المعلومة في عقله ويفهمها، ويبدأ يناقش زميله
بعضُ كلِّ هذا كان من بركاتِ الشيخِ أحمدَ الدرديرِ، فهو يُعَدُّ أبا البركاتِ لأنه كان صاحبَ تقوى، ولأنه كان صاحبَ ذِكرٍ وتلاوةٍ، ولأنه كان صاحبَ طريقةٍ، ولأنه كان عالِماً يدعو إلى كلِّ هذا الخيرِ. وفي إحدى المراتِ أرسلَ سلطانُ المغربِ هديةً له باعتبارِ أنه شيخُ المالكيةِ، والمغربُ مالكيٌّ بالطبعِ، وبعد عندما كان عائداً من الحج، نفدت أمواله. وكونه ابن السلطان، ماذا سيفعل؟ هل سيذهب ليستجدي من أحد، أو يأخذ من أحد، أو يستدين من أحد؟ فسمع شيخ الدير بذلك، فقال: إنه أولى بهدية أبيه،
وذهب وأحضر الهدية التي كانت قادمة إليه بأموالها وأحوالها وما إلى ذلك، وأعطاها لابن السلطان. حلَّ أزمته، وعندما عاد إلى أبيه، حكى له موقف الشيخ الدردير الذي أنقذه وأنقذ الحاشية التي كانت معه. فما كان من السلطان إلا أن أرسل للشيخ الدردير عشرة أمثال تلك الهدية، أي أنه ترك الهدية خالصة لوجه الله، لا يريدها بعدما دخلت في ملكه، فأعطاها لابن السلطان وحلَّ. بها اسمه فالسلطان جزاءً لهذا في المغرب قال له عشرة أضعاف، نعم، يعني إذا كان يُرسل له مثلاً عشرة آلاف،
أرسل له مائة ألف. فهكذا كانت حياتهم، وهكذا كانت بركتهم، وهكذا كان تأثيرهم في الجمهور الذي حولهم. لم يتركوا أبداً مظلوماً، ولم يتركوا أبداً يعني من يحتاج إلى الغوث، ولم... يُؤاسوه، لِمَ؟ مثلاً موقف يُحكى عنه أنه كان عند الوالي وكانت أمامه مائدة طعام مُعَدّة، فرفض أن يأكل من المال الحرام. وبعد ذلك أعطاهم الدليل من على المائدة نفسها. وقد حدث هذا لأنه كان لا يحب أن يدخل إلى المماليك، ولكنهم أرغموه أو أحرجوه، فحضر وفي نيته ألا يأكل. حتى لا يدخل جوفه شيء فيه شبهة، لأن هؤلاء المماليك الذين يدخلون البيوت والذين ينزلون
إلى الناس في الأسواق ويأخذون أشياءهم، إن هذا حرام. صحيح أن الاغتصاب حرام والسرقة حرام وكل هذه الأشياء حرام، فكيف يأكل وهو قد يأكل حراماً؟ فيتنزه عن هذا. فلما حضر الطعام لم يمد يده، فقال... لماذا لم تمد يدك إليه؟ لأن هذه الأمور كانت جارحة، أي أنها لا تمر هكذا بسهولة. فقال له: أنت تعلم أنني لا أقول الحرام دائماً هكذا. ففي المواقف التي مثل هذه كانت تُعلي من شأنه عندهم، هم أنفسهم يقولون: والله نحن المخطئون، ويبدأ هذا بالوقوع. الفعل ليس موقف التحدي أو موقف الصدام هذا، يبدأ يقع
في قلبه طريقة للتوبة. إذاً نستطيع أن نقول إن مشروع الشيخ الدردير كان مبنياً على العلم، كان مبنياً على نقل التراث وحفظه، كان مبنياً على العدل. يعني العدل هنا كان من مشاريع أحمد الدردير. أنا شاكر لفضيلتك فضيلة العالم الجليل الدكتور علي جمعة: أهلاً وسهلاً، شكراً لحضرتك، شكراً مولانا لحضرتك، إلى اللقاء. من السلوكيات الخاطئة هذا الدعاء خوفاً من الحسد، وهذا نوع من الكذب. الدعاء بالمرض طوال الوقت خوفاً من الحسد والعين هو نوع من أنواع البهتان، ففيما
أخرجه مالك في الموطأ قال رسول الله صلى الله. عليه وسلم حينما سُئل أيكذب المؤمن قال لا، فالكذب منهي عنه في كل مواضعه وبكل أنواعه. فيجب عليك أن تتبرأ من كل أنواع الكذب وأن تنزه لسانك عن ذلك. اللهم اهدنا وعافنا واعف عنا، نسألك راحة البال في العمل وفي الحياة. اللهم يا ربنا أجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. اللهم آمين