مصر أرض المجددين | ح 30 | سلطان العلماء العز بن عبدالسلام | أ.د. علي جمعة

مصر أرض المجددين | ح 30 | سلطان العلماء العز بن عبدالسلام | أ.د. علي جمعة - شخصيات إسلامية, مصر أرض المجددين
اللهم آمين.
هو العالم الزاهد وعلامة عصره، كان يأتي طلاب العلم من شتى بقاع الأرض إلى هنا إلى أرض مصر لكي ينهلوا من علمه حتى أصبح سلطاناً للعلماء، هو الإمام العز بن عبد السلام في مصر أرض المجددين. العز بن عبد السلام بنى مشروعه التجديدي على محور التدريس في التفسير
القرآن والفقه وأصوله والحديث وعلومه واللغة والنحو والبلاغة وعلم الخلاف والتصوف، واستطاع أن يكون بزهده مثالاً يُحتذى في العالم الإسلامي. باع الحكام فأطاعوه من شدة اتصاله بالعمل الجمهوري. رحم الله العزة وألحقنا به على الخير. فضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً بحضرتك، أهلاً وسهلاً بكم، مرحباً، أهلاً بكم. مولانا أهلاً وسهلاً بالدكتور. نتحدث اليوم في حد أو عن أحد المجددين على أرض مصر وهو الإمام العز بن عبد السلام سلطان العلماء. أولاً مولانا، لماذا لُقب بسلطان العلماء؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الإمام الفاضل عز الدين محمد عبد السلام الملقب بسلطان العلماء وُلِد في سنة خمسمائة وسبعة وسبعين في دمشق، وحدثت بينه وبين الصالح، وكان والي هذه المنطقة، بعض النزاعات، لأن العز - وهذا اسمه بدلاً من عز الدين - يقولون له العز، ويقول لك إن الألف واللام هنا عوض عن المضاف إليه "عز الدين"، فنحذف "الدين" أي ابن صلاح الدين، ونأخذ الألف واللام ونزيل المضاف إليه، فهو العز بن
عبد السلام وهكذا اشتهر، وهو محمد بن عبد السلام. وُلِدَ في دمشق سنة خمسمائة وسبعة وسبعين، ونشأ بها وتربى على أيدي علمائها، ثم حدث بينه وبين هذا الحاكم خلاف، وكان هناك الصالح نجم الدين أيوب، وهناك شخص الاثنين الصوالح يعني فجاء إلى مصر، ولما جاء إلى مصر أكرمه نجم الدين الصالح أيوب، هذا أكرمه جداً وولاه مسؤولية مسجد عمرو بن العاص. مسجد عمرو بن العاص يُسمى عبر التاريخ المسجد العتيق، والمسجد العتيق له عند الأئمة أحكام معينة، وهو أن الجمعة إن أمكن تبدأ
منه، يعني لا بد تكون في المسجد العتيق، طبعاً عندما اتسع الناس وكثُر الخلق، يعني تغيرت هذه الرؤية أو هذا الحكم أو هذه الفتوى. بمعنى صحيح، العز بن عبد السلام أمسك مسجد عمرو بن العاص ووجد العز أنه من كبار علماء الشافعية. فالعز بن عبد السلام عندما توفي سنة ستمائة وستين عن ثلاثة. وثمانين سنة في ستمائة وستين، يكون مولوداً سنة خمسمائة وسبعة وسبعين. جاء إلى القاهرة سنة ستمائة وتسعة عشر، أي أنه كان لا يزال في بداية الكهولة وما إلى ذلك. لكن العز كان لديه مشروع تجديدي،
وهذا المشروع التجديدي هو الذي أوصله إلى أن يُلقب بسلطان العلماء. المشروع التجديدي، المشروع التجديدي. هو الذي أدّى به إلى هذا، كيف هذا العز بن عبد السلام في مشروعه التجديدي كان مبنياً على ما يمكن أن نسميه بلغة العصر الاتصال الجماهيري. العز ليس لديه كتب كثيرة، لديه كتب ولكن ليست كثيرة، هو ليس مثل الإمام النووي، الإمام النووي عاصره في العصر نفسه، لكن العز بن عبد السلام ليس مؤلفاً غزير التأليف، لكن لديه القدرة العجيبة على الاتصال الجماهيري، حيث إنه أول من حوّل علم التفسير إلى دروس. تذكر سيدنا الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، كان
يجلس في الدرس والناس حوله، وهؤلاء الناس ليسوا علماء، بل هم الشعب بكل طوائفه وطبقاته الاجتماعية إن صح التعبير. لأنه لا توجد لدينا طبقات في الحقيقة، ولكن بكل المستويات، الغني والفقير والمتعلم وغير المتعلم، يجلسون أمام الشيخ متولي. الشعب الذي بدأ هذه الحكاية هو العز بن عبد السلام في القرن السابع الهجري. نعم، هذا يعد مجدداً لأنه قبل ذلك لم يكونوا يحولون علم التفسير هذا لتذهب وتدرسه في الأكاديميات، تجلس لتعطي فيه درساً ويحضره الناس فيفهمون، فهذا تجديد حول علم التفسير من الأكاديمية إلى الشعبية، صحيح إلى ما نسميه الآن الاتصال الجماهيري. مشروعه هكذا أن يبني خدمته للدين في
توصيل هذا الأمر إلى كل الناس، فأصبحت له شعبية وأصبح مثالاً للناس وللخلق، فسلطان العلماء أصبح سلطاناً. للقلوب، الله آخذ بعين الاعتبار الاتصال الجماهيري الذي هو مفتاح مشروع التجديد مع الزهد مع الورع مع الذكر والعبادة مع التعليم والتدريس والعطاء والإمامة وما إلى ذلك، والخدمة الاجتماعية. دعونا نتحدث بلغة العصر لكي نفهم عمق ما هنالك من موقف العز بن عبد السلام في مشروعه التجديدي. فالعز بن عبد جاء مجدداً
لشيء لم يكن هذا الاتصال حادثاً ما بين طائفة العلماء وطائفة الناس، فسماه ابن دقيق العيد سلطان العلماء. تأكد هذا بعد موقفه من المماليك، جاء يجاهر بيبرس ويطلب البيعة، فقال له: "أنت ألست كنت مملوكاً للبندقدار؟" فقال له: "نعم، أنا كنت مملوكاً للبندقدار"، قال: "إذن ما..." لا يصح أن تبقى على ما أنت عليه، بل يجب علينا أن نبيعك، والذي يشتريك يعتقك، والذي يعتقك يضع مالك في بيت مال المسلمين. نعم، يجب أن نعالج هذا الأمر بقوة،
فهذه إجراءات دستورية، وأنت بهذا الوضع مخالف للدستور. لا يصح أن يتولى المنصب وهو مملوك، لا يصح أن يتولى لا تأخذني، فأنا البندق دار وهبني للصالح أيوب، والصالح أيوب أعتقني، وهذه وثيقة العتق. قال له: "أبايعك". هل في الإمبراطورية هذا؟ نعم، هو ليس متكبراً ولا يتصنع دوراً ولا يريد مظهراً، بل هو يريد أن يطبق ما يرضي الله سبحانه وتعالى في اعتقاده وفي حكمه وفي عقيدته. فلما على الفور ظهر له أن البندق أصبح هدية للصالح أيوب، والصالح أمر بعتقه فبايعه وهو جالس. قال إن مبايعة كهذه قد حدثت من قبل مع المماليك، حيث جاؤوا
أيضاً وطلبوا كذا إلى آخره. فقال لهم: "لا، يجب أن تُباعوا". فقالوا له: "حسناً، نحن إذاً لن نُباع وأنت رغماً عنك قال لهم: "حسناً، ما رأيكم أنني سأخرج وأذهب إلى الشام، انتهى الأمر، لأنه بهذا الشكل ليس لي عيش في هذه البلد". فهددهم أن يرى سلطان العلماء لأن له كلمة مسموعة لدى جماهيره التي اتصل بها، فكل الشعب قال: "حسناً، نحن سنخرج معك". ولهذه الدرجة فإن المماليك عادوا راجعين وفعلوا ما هو يريدها وتم الأمر على المسألة الدستورية مثل السينما الخاصة به وتم هكذا، فأصبح سلطاناً للعلماء على الحقيقة صحيح، لأنه باع السلاطين صحيح. طيب، يعني السيرة الحقيقية جميلة ومليئة بالمواقف المهمة سواء على أرض مصر أو كما حدث في دمشق، ولكن أستأذن
فضيلتك بعد الفاصل لنرى الإمام العز بن عبد له رؤيةٌ أخرى فكرية أو في العقيدة تجاه مذاهب أخرى موجودة أستاذي المحترم، ولكن بعد الفاصل أرجوكم ابقوا معنا. بمجرد أن تمر بهذه المنطقة بالقرب من مقابر التونسي، لا تتعجب من السكينة التي تشعر بها داخل روحك، فأنت في صحبة أولياء الله الصالحين. هنا بمنطقة البساتين تتحرك أرواحٌ خُلِّدَت بسيرتها فعليك أن تلقي السلام على روح جاهدت من أجل الإسلام، فهنا يرقد شيخ الإسلام العز بن عبد السلام، تلك الشخصية المصرية الخالصة التي نشأت على ضفاف نهر النيل بالقرب
من مدينة عين الصيرة. أشهدها على الحضارة المصرية القديمة والحديثة، حيث تتجلى آيات المبدع في جمال طبيعته لتعيش رحلة ساحرة داخل. مصر القديمة حيث يمتزج الجمال والطبيعة بالتاريخ العريق في مكان واقع في... الدكتور علي جمعة، أهلاً وسهلاً بحضرتك مرة أخرى. أهلاً وسهلاً بكم. اللقاء مستمر والحديث مستمر عن الإمام العز بن عبد السلام. جاء إلى مصر وكانت له مواقف في مصر كما تفضلت حضرتك من الظاهر بيبرس ومن المماليك وعمل... اتصالٌ جماهيريٌ بأهل مصر عظيمٌ جداً وشيءٌ رائعٌ جعله سلطان العلماء، ولكن أتوقف عند مؤلَّفه أو كتابه "الفتاوى المصرية"، قبلها كان "الفتاوى الموصلية" نسبةً إلى الموصل. هو كان في
كل بلدٍ له فقهٌ معينٌ في الإفتاء. حضرتك كما تكلمنا في الحلقات الأولى عن معنى التجديد وما إلى ذلك. في النهاية، إذا كنت تتذكر وتشاهد أيها الكريم، فإن التجديد يتحدث عن منهجية على المستوى المعرفي، على النموذج المعرفي، على الموقف من التراث، على إدراك الواقع. فالعز بن عبد السلام كان مجدداً لأنه كان مدركاً للواقع. إدراك الواقع هو نوع من أنواع التجديد، لأن الواقع متغير، وهذا الواقع المتغير الذي سأدركه، سأغير الفتوى، سأغير التطبيق، ستتغير معي طريقة الحصول على المصالح والحصول على المقاصد
وتحقيقها. إذاً، هذا التجديد هو عين الإسلام، أي أن الإسلام لا يسير إلا بالتجديد، لأن الإسلام يحقق المصالح والمقاصد ويراعي المآلات في الواقع. صحيح أنه ما دام في الواقع والواقع متغير، فسيكون هناك دائماً تجديد وتغيير. عبد السلام كان مدركًا لهذا الشأن. ونحن هذا الكلام على فكرة، وعندما نصوغه نقول إن التجديد مبني على كذا وكذا نحن استخرجناه من هنا، لكن بعد التأمل ليست الألفاظ ضرورية، ولكن كأنه يسير على هذا النمط. فالعز بن عبد السلام هنا يجدد لإدراكه الواقع وعدم تحكم المقررات. السابقة في ذهنه وهذه مسألة
مهمة جداً في التجديد. احذر أن تتحكم المسائل فيك، اجعل المناهج هي التي تتحكم فيك، لكن المسائل لا تتحكم فيك. تجاوزها لأنها مسائل مرتبطة بزمنها وبمكانها وبأشخاصها وبأحوالها. فعندما جاء إلى مصر، نعم، الفتاوى المصرية تختلف عن الفتاوى الموصلية، وكان عنده هذا الأمر واضحاً جداً، نقول إن العز بن عبد السلام لإدراكه الواقع وجعله عنصراً مهماً في العطاء والاجتهاد وإدراكه أن الواقع جزء لا يتجزأ من الاجتهاد كان مجدداً. على فكرة، العز بن عبد السلام شافعي وألّف في المذهب الشافعي،
لكنه شيئاً فشيئاً وصل إلى الاجتهاد المطلق. ماذا يعني الاجتهاد المطلق؟ يعني أصبح مجتهداً يعتمد وأقسم برأس الشافعي نفسه، أصبح رأسه مثل رأس مالك، وأصبح رأسه مثل رأس أبي حنيفة، إلى هذه الدرجة، إلى هذه الدرجة أصبح مجتهداً مطلقاً. وبعد ذلك، هو لم يكن مائلاً كثيراً إلى التصوف حتى وجد السهروردي فأخذ عنه الطريق، وشعر أن هذا الطريق فعلاً من الكتاب ومن السنة، وأنه يمثل وأن هذا هو الطريق الذي هو الذكر والفكر، وهذه مسألة مهمة جداً، فألَّف كتاباً صغيراً سماه "زبدة التصوف". "زبدة التصوف" هذا قبل "مسائل الطريقة
في علم الحقيقة". كذلك ألَّف "مسائل الطريقة" بعدما التقى بأبي الحسن الشاذلي. عندما حضر لأبي الحسن الشاذلي، وكان مفتوحاً عليه، آيات جبهة، أحس بأن القرآن. أي أنه يعيش الحياة التي نسميها بالإنجليزية "ديناميكية"، فهو ليس ثابتاً هكذا وانتهى الأمر، وليس بمعزل عن الزمن، بل هو متفاعل مع الحياة، حساس مثل أبي الحسن الشاذلي، فكان يقول يعني هؤلاء الناس الذين هم أبو الحسن الشاذلي وغيره وأمثال هؤلاء من الأصفياء الأتقياء الأنقياء الذين جعلوا. الكتاب والسنة مقيدان للطريق، طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فاتبع أبا الحسن الشاذلي وبدأ
يدعو إلى التصوف. العز بن عبد السلام من أجل هذه الدعوة كان يرى ألا يتميز العلماء بزي معين، لا يتميزون بزي، فزيهم مثل زي الناس، يعني مثل الرداء الذي نرتديه، هذا هو ما لم يكن يعجبه، لا، ينبغي أن يكون العالِم مثل عامة الناس، يرتدي مثل الناس لكي تظهر الرسالة بسيطة، ويتقبلها الناس منهم، وفي التواصل الجماهيري مفتاحه الصحيح مضبوط. فالمهم أنه استمر على هذا المبدأ، ودائماً عندما يُسأل يقول: "لا، أنا لا أحب أن يتميز العلماء بزي العمامة والطربوش الأحمر والعمامة البيضاء وما إلى ذلك". آخره والكاكولة ونحو ذلك مثل الزي الأزهري، وبعد ذلك ذهب إلى الحج، فعندما ذهب إلى الحج وجد شخصاً يفعل شيئاً
خاطئاً في المنسك، فقال له: "على فكرة، هذا خطأ"، فرد عليه: "يا أخي، سوف، سبحان الله، ما هذا التدخل، ما شأنك، هل أنت عالم؟". ففهم أن زي العلماء كأنه إشارة أنا على فكرة أعرف، أنا على فكرة مجاز، أنا على فكرة متخرج، فتأخذ مني المعلومة وأنت مطمئن. صحيح؟ فمثل العلماء، توجه إلى نفس الرجل وقال له: "على فكرة، المنسك الذي فعلته الآن وهذا الفعل خطأ". قال له: "حاضر يا سيدي، حاضر يا سيدي". إذن الله يكون مع هذا الزي. له فائدة ووظيفة يقوم بها، وهو أنه يكون كأنه إشارة اعتماد للتلقي والأخذ وما إلى ذلك. فرجع عن فتواه، فبعد أن كان يقول أنه لا ينبغي على العلماء
أن يتميزوا بذلك، قال: "لا، لقد اتضح أن لها فائدة وأنه ينبغي أن تكون هكذا حتى يطمئن الناس وحتى ينجذبوا إلى هذا". الزي فيعتمدونه طبعاً، كل هذا يؤدي إلى الأمور التي نشكو منها دائماً، والتي هي فوضى الفتاوى وما شابه ذلك، وأن كثيراً من الناس يتصدرون، وكثير حتى من أهل الإعلام يأتون بغير المتخصصين وغير المجازين. هذا مثل من يذهب إلى العطار ولا يذهب إلى الطبيب، أو يذهب إلى العطار. ولا يذهب إلى الجراح الذي يفهم ماذا يفعل في حالته. فالعزيز بن عبد السلام في الحقيقة ممن تفخر به مصر، وقد وصل إلى مرتبة الاجتهاد، وله مشروعه التجديدي
المبني على الاتصال الجماهيري، وبناء النموذج المعرفي، وإدراك الواقع. وكلها أمور أثرت فيمن بعده، واليوم الناس هذا رحمة الله عليك شكر. فضل فضيلتك يا مولانا، شكراً جزيلاً لحضرتك، أهلاً وسهلاً، شكراً جزيلاً. ما حكم المبالغة في الحفلات الصاخبة في الزواج والخطوبة، حيث انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة التباهي وانتشار الحفلات الصاخبة والإسراف في الزواج والخطوبة؟ إن هذا لا يرضي الله، قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"،
إذاً مما يكرهه الله سبحانه وتعالى، وإذا كره الله سبحانه وتعالى فعلاً كان ذلك أشد وعظاً أن تتركه ولا تفعله. اللهم أعد علينا العيد بالهناء والمنى، وبالخير والسعادة والفرحة، وارحمنا فيه رحمة واسعة، وتقبل منا صالح أعمالنا يا أرحم الراحمين. اللهم آمين.