مصر أرض المجددين | ح12 | الشيخ محمد المدني | أ.د علي جمعة

أنتَ خالقنا وبارئنا ورازقنا، ليس في الوجود ربٌ سواك، وليس في الكون إلهٌ غيرك حتى نرجوه ونذهب إليه. لا إله إلا أنت سبحانك، أنت الغفور القادر، وأنت أرحم الراحمين. يا شافي، يا كافي، يا معافي، فرِّج عنا الهم، وافتح لنا كل باب خير، يا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب وحيل بيننا. وبين الأهل والأحباب يا أرحم الراحمين، آمن بك
فاستجب دعاءنا يا كريم. كان أحد أعلام التجديد بين أقرانه من علماء الأزهر الشريف في عصره، وكان أول من دعا إلى إدخال وتدريس المذاهب الشيعية كالزيدية والجعفرية في الأزهر الشريف. هو فضيلة الشيخ محمد المدني في مصر أرض تمثل مشروع
التجديد عند الشيخ محمد المدني في الاهتمام بالمنهجية والمعرفية والاهتمام بالعلم وتطويره وإبراز الأفكار التي يمكن أن نستفيد بها من التراث، وكان في تأليفه مشاركاً في الاتصال الجماهيري، واشتغل بالتقريب بين المذاهب حتى نصل إلى وحدة المسلمين. رحمة الله عليك يا شيخ الشريعة. أرحب بفضيلة العالم الجليل الأستاذ. الدكتور علي جمعة أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم، أهلاً وسهلاً صاحب الفضيلة. أولاً فضيلة الشيخ محمد المدني، كيف كانت النشأة العلمية خصوصاً وأنه حفظ القرآن الكريم صغيراً وتنقل حتى في السنوات الدراسية بشكل
سريع أسرع من المعتاد؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه، كان من العلماء المتميزين فضيلة شيخنا وشيخ مشايخنا الشيخ محمد المدني. أعطاه ربنا ذكاءً خارقًا. دخل المعهد وكان حينها ناظر المعهد أو مدير المعهد أو شيخ المعهد كما يسمونه، كان الشيخ الزواهري الذي صار إمامًا وشيخًا للمسلمين وشيخًا للأزهر فيما بعد. الشيخ الظاهري كان أيضًا لديه شيء من الثورة
على الأوضاع وتصحيحها، يريد دائماً الإصلاح والتصحيح. فعندما درس لمحمد محمد المدني وجده نابغة عبقري زمانه، إلهاً في طب الأفراد. هؤلاء القلة الذين مثل هذا الرجل، لماذا لا نصنع نظاماً يوفر عليهم السنوات ولا نعطلهم فيما قد تجاوزوه، يعني هو الآن في سنة... ثانيةً، هو ليس في السنة الثانية، هذا يصح أن يكون في السنة العاشرة. ليس هو في هذه السنة لأنه ذكاء وتحصيل وعلم. النظام الذي يفكر فيه الشيخ الظواهري معمول به الآن في الولايات المتحدة وفي بعض النظم في أستراليا وفي إنجلترا، وهو أنني أعمل شيئاً للمتفوقين (العباقرة).
هؤلاء العباقرة بمفردهم لكي نستفيد منهم ولكي ننمّي هذه المهارات ولا نعمل دون أن ندري على قتلها. كان من هؤلاء الجماعة الذين نفّذ فيهم الشيخ الظواهري مراده محمد المدني، ولذلك اختزل كثيراً من السنين وأصبح فجأة بدلاً من أن يكون في آخر السنة وفّر هذه السنة وكان متميزاً. أيضاً في تأليفه، وظل الشيخ محمد المدني - وهو من مدرسة الشيخ شلتوت، والشيخ شلتوت طبعاً يسبقه في العمر - فكان الشيخ شلتوت مع محمد المدني، وينضم إليهم بعد ذلك منصور رجب وعبد العزيز عيسى
والشيخ عبد الله المشد رحمهم الله، كانوا مشكلين ما يشبه مدرسة واحدة ويسيرون ويذهبون مع بعض ويعودون مع بعض ويدرسون مع بعض بالرغم من أن أعمارهم متفاوتة وهناك فرق في السن، فبالرغم من ذلك كان زعيمهم أو شيخهم هو الشيخ محمود شلتوت. فمحمد محمد المدني إذا أردنا أن نبحث عن مشروعه التجديدي فلابد أن نفهم أيضاً جانباً حياتياً أولاً، هو مؤلف لا... يُشَقُّ له غبار ونشر كثيراً من الكتب وبعض الكتب لم تُنشَر وهي في سبيلها إلى النشر حتى الآن. نحن محتاجون إلى أن نسمع عن مشروع الشيخ محمد المدني، ولذلك تجد هيئة كبار العلماء تجمع كتبه ومقالاته وتحاول أن تنشرها فيما يُسمى بالمجموعة الكاملة.
كان لديه غزارة في الإنتاج. كان لديه غزارة في الإنتاج العلمي، وكان لديه أفكار، وكان لديه تطوير للمنظومة التعليمية. الشيخ محمد المدني، سأشرح لحضرتك وللمشاهدين الكرام أنه تولى مشيخة كلية الشريعة، فأدخل فيها تدريس القانون الذي تمناه قديمًا أمثال عبد الرزاق السنهوري مع عزام الذي كان يتولى منصبًا في الدول العربية، عبد الرحمن عزام. عبد الرحمن عزام كانوا يريدون أن ينشئوا مجتهداً، وعملوا لذلك معهداً للدراسات كي يدرس كيف تجتهد، والأدوات التي لا بد عليه أن تذكرها لكي تجتهد.
فدخول دراسة القانون والشريعة كان على مفارقة، من الذي عملها؟ محمد المدني. عندما دخل كلية الشريعة وجد المشايخ عندهم خصلة يريد أن يبقيها. ماذا يكسبون بها؟ ما هي الخصلة؟ أنه يكفي كتب الأقدمين، يعني دعنا من الجديد لأنه قد جف القلم ورُفعت الصحف وانتهى الأمر. فقال لهم: لا، العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، ولا بد عليكم أيها المشايخ أن تكتبوا، فليكتب كل واحد منكم ولو كتاباً واحداً. وما رأيكم الآن في هذا؟ فالمشايخ يعني ماذا هذا؟ ابننا محمد المدني. إذ كان هناك مشايخ كبار موجودون يا ابننا يا أخانا،
فالمهم أنهم لم يرضوا أن يكتبوا وتكاسلوا في ذلك وغيره، فكتبهم. وقال لهم: ما رأيكم ألا تكون هناك ترقية إلا بتقديم كتاب؟ فهو أول من أدخل قضية الترقية وأن الباحث لا بد أن يكون من المهد إلى اللحد ومن المحبرة إلى المقبرة كما يقولون، فقد أثّر هذا فعلاً في النتاج العلمي، ووجدنا مَن يتحرج من أن يكتب كتباً. والغريب أنهم كتبوا كتابات رائقة فائقة أفادتنا وبنتنا علمياً وفهمتنا التراث. فالرجل هذا عنده مشروع تجديدي، وينشأ هذا المشروع التجديدي.
في قضية المنهجية وقضية التراث وقضية تطوير التدريس الذي هو بالواقع، نعم هذه أول قضية. ثاني قضية ذهب مع فريق أيضاً الشيخ محمود شلتوت وتولى رئاسة تحرير مجلة رسالة الإسلام سنة تسعة وأربعين، التي كان موضوعها التقريب بين المذهب السني والمذهب الشيعي. تعالوا يا جماعة تعالوا إلى كلمة سواء. بيننا وبينكم ونجلس ونرى ما هي المشكلات التي بيننا وبينكم. جلس الشيخ ووصل لتحليلها خمسة عشر عاماً، خمسة عشر عاماً من سنة تسعة وأربعين تعد حتى سنة أربعة
وستين. هذه السنوات الخمسة عشر صدر فيها خمسة عشر مجلداً، كان كل ثلاثة ظروف مجلداً، كتب فيها علماء الشيعة وكتب. فيها علماء أهل السنة يا جماعة نريد أن نتحد أمام العالم. نريد ألا يصبح الإسلام يحارب الإسلام فكرياً أو واقعياً. واستطاعوا أنهم يحلوا المشكلات التي بين المذهب الشيعي والمذهب الديمقزي، هذه خطوة جبارة تجديدية لم تقف عند استجرار الماضي وإنما تعدت إلى حل المشكلات. هذا تجديد ومنهج تجديدي قُصد منه. مع إدراك الواقع ووضع المنهجية ووضع منهجية للنقاش، هذه المنهجية التي للنقاش إلى الآن سائرة
فيما بيننا وبين المذاهب، وليس المذاهب الجعفرية فقط، بل سائر المذاهب الإسلامية، وفي النهاية واحدة، وفي النهاية كلمة سواء نسير عليها. كل هذا من مجهود محمد المدني، ولذلك تجده ألّف في التقريب. أيضاً كتاب ضخم طبعه له المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عظيم طيب. أستأذن فضيلتك ليكون باقي ملامح هذا المشروع بعد الفاصل، شكراً لحضرتك. أرجوكم انتظرونا بعد الفاصل. مركز مدينة المحمودية، الاسم الذي ارتبط بترعة المحمودية، أحد أهم شرايين النهر في مصر، ويطل على أحد أفرع نهر النيل العظيم، فرع رشيد، فوسط... هدوء المدينة وبشاشة
أهلها وطيبتهم، وُلد ونشأ الإمام محمد المدني، أحد أبرز علماء العصر الحديث والذي يُعد من أعلام المجددين في مصرنا الحبيبة. كل طلبة العلم تعلَّموا، ومعظم طلبة الأزهر يتخذون الشيخ المدني هذا قدوة لهم، حيث يطمحون أن يحصِّلوا العلم ويصلوا إلى المكانة التي وصل إليها، ومن شأن لمكانةٍ مرموقةٍ جداً وداخل المسجد الكبير، أحد أقدم مساجد المدينة، والذي يُعدُّ شاهداً على العديد من العصور، كان ملتقىً لطلاب الشيخ محمد المدني الذين تتلمذوا على يديه ونالوا من عِلمِه وفيضه الكثير، كما أن أحفاد الإمام المدني قاموا كذلك بإنشاء مسجدٍ يحمل اسمه على أطراف المدينة، تُميّزه من مسافة بعيدة كونه وساحات كبيرة من الأفدنة المزروعة بخيرات
هذه الأرض. وقف معك على ما كتبوا بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء الأزهر. الريف وكان يقارن ما بين ماضيه وحاضره فقال أن له وجهاً يثير الإعجاب والفخر والوجه الآخر يثير الهم والاكتئاب. يا ترى لماذا قال هكذا؟ ابتغاءً للتحسين المستمر. ابتغاء الوصول إلى ما تقوله لك الإدارة بالأهداف: لا ترضى إلا بمائة في المائة، أما تسعون في المائة فهذه لا تنفعنا. تسعون في المائة إذا حصل عليها الطالب فهو امتياز، فها هو الأزهر يمنح امتيازاً، ولكن مع ذلك يتساءلون: أين ذهبت العشر درجات؟ هؤلاء هم الذين يجلبون الهم والكآبة، هذا شدة تمسك الطالب بكل درجة وعدم
استهانته بها وتعظيمه للأمر في شأنها فيحصل له على الدوام أنه يريد أن يحصل على مائة في المائة، هذا لا يمكن أن نستنتج منه أنه قد قصر تقصيراً يشبه العمد أو أنه انهار واضمحل وما إلى ذلك أبداً، لا، هو يؤدي مهمته لكن يمكن أفضل من هذا ويمكن أن يؤدي أكثر من هذا ويمكن أن يؤدي أعلى من هذا وبمساحة جغرافية أكبر من هذا. أنت الأزهر لديك مائة وثلاث دول لديهم طلاب عندك. الأزهر من أبنائه من وصلوا
إلى رؤساء الجمهورية صحيح في بلد والثانية والثالثة، دعك الآن من رئاسة الوزراء أو القيادة. الجيوش أو غيرها إلى آخره، حدث هذا على يد الشخص الذي تولى أمر الجزائر، وكان أزهرياً. أحمد بن بلة كان قد درس في الأزهر، فإذاً كلام الشيخ واضح وهو أن هذه الإشراقات والإضاءات لذلك المعهد العريق العتيق الذي تطاول على الزمان، يجب معه أن تكون الدرجة مائة في المائة، فإذا وإنصاف، لا، ما وصلنا إلى مائة في المائة يصبح همًا وغمًا ومسؤولية يجب علينا أن نهتم بها، لا أن نتغاضى عنها ونفرح
بمقابلها، وإن كان مقابلها كثيرًا. نعم، هذه هي الحكاية. فالشيخ محمد المدني في جهة تطويره للمنظومة كان هكذا، عندما يدخل يجد علماء الشريعة ليس لديهم كتب، حسنًا، ما... لا يصلح من الناحية الأكاديمية، من الناحية المشيخية يصلح. لدينا طريقتان للتدريس: طريقة من المشيخة أن يجلس الشيخ ويقرأ الكتاب ويشرح لك ويفعل كذا، وطريقة أكاديمية. هذه الطريقة الأكاديمية فيها شهادات وفيها امتحانات وفيها منهج وفيها كتب وفيها فهو يريد أن يحول المشيخة إلى أكاديمية والمشايخ لا يساعدونه أن يضع القواعد هذه هو الهم الذي يتحدث عنه. حسناً، المشايخ - أنا أعتذر عن المقاطعة - لكن كيف استقبل المشايخ في الأزهر آنذاك فكرة
إدخال التدريس المذهبي الزيدي والمذهب الجعفري؟ يعني هل كان هذا الأمر سهلاً؟ لا، لأنه أولاً عندما نقول لك إن الحكاية بدأت من قبل سنة تسعة. وأربعين والغاية ما جاء الشيخ الصدوق القمي رحمه الله تعالى وجاء بما يمكن أن ننشئ به مجلة فأنشأ مسألة الإسلام في القاهرة وظلت موجودة خمسة عشر سنة. كل هذه الأشياء أتاحت لعلماء الأزهر أن يعبروا عما في أنفسهم وأن يسألوا وأن يتلقوا كتابةً، فقربت المسافات بطريقة علمية والسبب في ذلك. محمد المدني، الناس تتلقى هذا كيف؟ طبعاً حسب المشارب أولاً، لكننا نتحدث عن الجمهور. وافق لدرجة أن الشيخ محمود شلتوت أصدر فتوى باعتماد المذهب
الجعفري في العبادة، وكانت هذه الفتوى تلقى قبولاً كبيراً جداً، وإن لم تكن قد أثرت في القاعدة. كنا نريد بدلاً من حوار النخبة. الذي حدث سنة تسع مائة تسعة وأربعين أن نتائج حوار النخبة هذا كانت تنزل إلى القاعدة، ولذلك نحن نريد ما يُتفق عليه في النخبة أن نعمل وسائل لإيصاله إلى عموم الناس والقاعدة بشكل صحيح، وهذا الذي نسميه ونعبر عنه بقولنا التأصيل فالتوصيل. صحيح، يعني أصِّل وانتهِ من تأصيلاتك وأبراجك العاجية ستظل تناقش فيها العلم والعلماء والمشاكل لتخرج لي نتيجة، أنزلها لي للناس.
لا تخرج لي النتيجة وتركنها في أضابير المجلات وأرفف الكتب. نحن نريد هذا الشهد والعسل المصفى أن يصل إلى الناس كي يتمتعوا به وبحلاوته. قطعاً، إذاً هذه قضية سننساها: التأصيل والتوصيل. الشيخ محمد المدني قام بالتأصيل. وهذه قضية أساسية في عصره وحتى بعد عصره، وتعتبر شرارة أولى لتوليد مسيرة العلم والإسلام والمسلمين. كان له مؤلفان في موضوع الزواج، أحدهما يطرح رأياً جديداً في تعدد الزوجات، والآخر عن الزواج والطلاق في الإسلام. وكانت له رؤية خاصة في مسألة تعدد الزواج، أو المسألة من حيث المنطلق. قراءة جديدة للنصوص، وهذا جزء لا يتجزأ من تطوير
العلم وتطوير المناهج العلمية. القراءة الجديدة للنصوص كان ضمنها هذه المسألة، وهي يا جماعة: هل التعدد هو الأصل أم الانفراد هو الأصل؟ فتكلم عن عادات الشعوب وعن اختلاف الأحكام وعن أشياء كثيرة من هذا القبيل، وخلص في النهاية إلى أن... التوحد هو الأصل، امرأة واحدة تكفي. يسمونها أحياناً التوحيد. هل انتبهت للموحدين أو من الموحدين؟ لماذا هذا الكلام؟ لأنه يعني، هذا كلامنا نجد له آثاراً عند الشيخ الشعراني عندما كان يقول: "ومما منَّ الله عليَّ أنني لم أتزوج على زوجتي". لماذا قال ذلك؟ "حتى لا أُكدِّر خاطرها". ما هذا! ما هذا؟ فهم عميق، فهم عميق للنفس
وفهم عميق للاجتماع البشري. نقطة رقم اثنين: يعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما كانت عنده أسرة (زوجة وأولاد)، لم يتزوج عليها. صحيح أنه تزوج بعد وفاة خديجة بأمر من الله سبحانه وتعالى لأمور معينة، فكان يرى أن التعدد بمثابة كثير جداً من العلماء، أنا أشكر لفضيلتك شكراً جزيلاً هذا الإبحار في سيرة الجليلة الشيخ محمد المغني. شكراً مولانا، شكراً لكم، شكراً لحضرتك، شكراً لوصولي إلى حضراتكم
وإلى اللقاء. من أسباب كثير من حالات الطلاق، وينبغي على الآباء أن يعلموا أن أبناءهم قد خُلقوا لزمن غير زمنهم ولوقت غير الأرض بطريقة أخرى غير طريقتهم يجب عليهم ألا يتدخلوا تدخلاً يسبب خراب البيوت والفساد في الأرض. اللهم آتنا من خيرها وخير ما صُنعت له، وقِنا شرها وشر ما صُنعت له. اللهم يا ربنا وفقنا لما تحب